الأحد، 15 مارس 2020

الاستماع معرفيا وأخلاقيا

عبد الله المطيري 2017 جريدة الوطن 
ا التواصل بين الذات والآخر محكوم بوسيط ثالث لا بد من المرور عليه وهو وسيط المشتركات المعرفية التي لا يتم الفهم بدونها. هذا الوسيط يقف شرطا للتواصل ولكنه أيضا يقف كحجاب عن كل آخر لا يتوافق معه. هذا يعني أن العلاقة بين الذات والآخر في هذا الأفق محجوبة عما لا يتوافق مع المعايير المعرفية والمشتركات الذهنية التي يمر التواصل من خلالها. هذا يعني أن الآخر محجوب خارج الأفق المعرفي. لذا فإننا نواجه مشكلة في استضافة آخرية الآخر إذا بقينا في هذا المستوى. بحسب ليفيناز فإن المستوى المعرفي، مستوى ما يقال، ينتمي للمستوى الأنطولوجي الذي، بالضرورة، يتم رد الآخر فيه للذات. المستوى الميتافيزيقي الأخلاقي مستوى مختلف عن المستوى المعرفي، ولكنه كذلك لا يغادر ظاهرة الاستماع.

ما الذي يتم في الاستماع غير نقل المعلومات والمعارف والمشاعر من طرف لآخر؟ ما الذي تحتويه هذه الظاهرة ولا يستغرقه المستوى المعرفي؟ بحسب ليفيناز فإن الاستماع قائم أساسا على ظاهرة القول Saying وهي تعني عنده مسؤولية الذات تجاه الآخر. أي بعد العلاقة بين الذات والآخر الذي يجعل التواصل ممكنا. لولا أن الذات تشعر بالواجب الأخلاقي للاستماع للآخر لما تحقق الاستماع. نلاحظ هنا أن الاستماع، والتواصل عموما، يتوقفان تماما حين يفقد أحد الأطراف «الاهتمام» بالآخر. هنا ينفك الرابط الأخلاقي القائم على الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر والاهتمام والعناية به. يمكن التعبير عن هذا المستوى الأخلاقي بالروح المُحبة التي تسبق الكلام بين الطرفين، ذلك الإحساس الذي يشعره أي منا أن الطرف الآخر فعلا مهتم به وبما يقول. كذلك يمكن وصفه بالشعور بالأمان وأن ما بين الذات والآخر ليس محكوما بما يقال. لذا نشعر بالحرية ونتحدث بما نعتقد لأننا نعرف أن الطرف الآخر لن يغادرنا لأنه لم يتفق معنا أو لأنه لم يفهمنا. هذا المستوى متجاوز للفهم لأنه يعني استقبال الآخر والعناية به بدون شروط. هذا شبيه بالمضيف الذي يرحب بضيفه الغريب دون أن يفهم ظروفه التي قادته لبيته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق