/06/2020
تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا تغرق الدين في السياسي
مكيافيلية سياسية غير أخلاقية
هوية دين الإسلام الحقيقية تكمن في مقاصده
للخروج بالأمة العربية إلى الحداثة
حيثما ظهرالعدل فثمّ شرع الله
*
محنة التقدم بين شرط الإلحاد وبين لاهوت التحرير
خلل معرفي
الحداثة المتأخرة
الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان
شطحات العقل المأزوم
(خصاء منهجي)
القطيعة مع التراث التاريخي (عبدالله العروي)، نقد التراث (عصابة تکوين)، تجديد الخطاب الديني، وامتهان المدونة الحديثة والفقهية (إسلام البحيري)، تحقير وسب المقدمات والرموز الإسلامية (يوسف زيدان)، التنكر والامتهان للقضايا القومية الصميمية، وبوجه خاص للقضية الفلسطينية (إبراهيم عيسى والميديا/ الغوغائية المتواطئة)، الجراءة المسرفة في الجهر الفج بالإلحاد وتحقير عقائد المؤمنين (فراس السواح، الذي عرج إلى السماء وتحقق بأم عينه من أنه لا وجود للجنة وللنار!)، وزعم مغالطيّ جانح أن «الإلحاد شرط للنهضة» (أدونيس وآخرون).
مثقفي «الحداثة الراديكالية»
«فعل الإيمان» لا/ ارتكاسه الإلحاد، هو حاكم هذا التقدم
المعاني الحقيقية للحداثة والتنوير تظل غائبةً
الاستمتاع اللّاذّ والاستفزاز القبيح بمديح الإلحاد في ذاته، «نكايةً» في المؤمنين، يخفي عيوبًا قد تكون عند بعضهم تكوينيةً أو «جِينية».
وبدءًا، ما الإلحاد؟ بكل بساطة ووضوح هو، فلسفيًّا، إنكار وجود «علة شخصية» فاعلة، مستقلة عن العالم، عاقلة، مبدعة أو خالقة لهذا العالم. حين تكون هذه العلة «مُفارِقة»، أي ليست هي العالم، تكون في حدود: «فلسفة في الخلق»، وحين تكون هذه العلة «محايثة» أو «باطنة» في العالم تكون في حدود فلسفة في «وحدة الوجود»، مباينة كل المباينة لمبدأ الخلق، أي الخلق من العدم، ونكون في الآن نفسه خارج حدود ديانات الوحي، التي تعلّق «الإيمان» على عقيدة الخلق أو الإبداع لا على عقيدة المحايثة ووحدة الوجود. وذلك يعني أن «فعل الإيمان» الديني الذي هو النقيض الجذري للإلحاد، يستند إلى مبدأ تعليق وجود العالم على إرادة «شخصية» مفارقة، عاقلة، فاعلة، خالقة، لها بالإنسان علاقة. حين تتدخل هذه العلة المفارقة في العالم المباشر، الشاهد، أي بالإنسان، يتبلور الدين بما هو «طريق للحياة».
الخيار العملي الأخلاقي، أي في مقولة الفعل. أبرز هذه الأشكال اثنان.
الأول عقليّ وعمليّ منخرط في العالم، الثاني صوفيّ منحصر في الذات، ارتكاسيّ. يتبلور الأول في شكل إيجابيّ فاعل للدين، ويتشخص الثاني في شكل للدين سالب، طارد، انعزالي «ميثيّ».
التمييز بين الدين بما هو حافز على النهضة والتقدم، وبين الدين بما هو مضاد للنهضة والتقدم.
«لاهوت تحرير» إنساني شامل انطوى معنى الألوهية فيه لا على خالص الحياة الروحية المعلقة في فضاء الميتافيزيقا للصوفية المتمترسة في أحوال المؤمن الذاتية الخلاصية، وإنما على عملية «غزو حضاريّ» وتحرير من أوهام الوثنية والأهواء والخرافة والسلطات الزائفة، أي نزع غلائل السحر عن العالم وبناء نظام العلم والعقل والقانون والإبداع والخلق والفعل والحرية، أي تفجير الطاقات النظرية والعملية للمؤمنين الجدد، وإعداد هؤلاء المؤمنين لبناء عالم حضاريّ جديد مثّل غزوًا روحيًّا وماديًّا وتمدينيًّا كونيًّا وأدرك مداه في العصر العباسي الثاني مرسلًا وجوهه وظلاله إلى جميع العوالم التي عرفها الكون المعمور.
مثّلات للدين مضادة للإبداع والفعل والحرية. وهذه التمثلات هي التي تحكم في زمننا الحديث «الوضع الديني»
«رؤية سحرية» يتمظهر فيها الدين بما هو نشاط تعبدي شكلاني طارد يستكين فيه المؤمن إلى المهانة والاستبداد والذل وغياب الكرامة والنبل، ولا يطلب إلا الفوز بحُسْنيَيِ النفع الدنيوي والجنة. بذلك كفّ الدين عن أن يكون مبدأ حرية وتحرر من القيود والأوضاع التي خرج عليها في مبدأ زمنه التأسيسي؛ أي أنه كفّ عن أن يكون «لاهوت تحرير».
لا يعني أن هذا الوضع مطلق قطعيّ
الدين مناهض للتقدم أو بأن الإلحاد شرط للنهضة، وبأن النهضة مستحيلة أو غير ممكنة في فضاء الإيمان، وأن الحداثة والتنوير تقضيان باختيار الخروج من الإيمان وتمثّل الإلحاد للنهوض والتقدم.
الدين بما هو «لاهوت تحرير» وبين الدين بما هو أيديولوجيا «ميثية»، سكونية، سالبة، سحرية، عدمية، يشي بوضوح بأن مقالة الإلحاد، بما هو شرط للتقدم، لا تستقيم إلا في حدود تصورات سالبة عدمية للدين لا في حدود الدين بما هو لاهوت تحرير.
رؤية تحصر وجود الإنسان بواقعه الزمنيّ المباشر، الواقع العابر الزائل الذي لا يملك المرء شيئًا آخر سواه، وليس أمامه إلا ما يمكن لهذا الواقع أن يقدمه من معاني الرضا والسعادة والاكتفاء والمتعة الذاتية الخالصة التي يمكن أن تحفز على الفعل والإنجاز والإثمار والتحسين الدنيوي الخاص، أي أن الإلحاد يقترن اقترانًا عضويًّا بمبدأ اللذة الأبيقوريّ، وهو مبدأ ذاتي فرداني يطلب سعادة الفرد وخلاصه، لا سعادة المجتمع أو الوطن.
من هذه الجهة، لا يطلب «تقدمًا اجتماعيًّا» أو «نهضة» شاملة، وإنما هو يطلب «تقدمًا ذاتيًّا». وبهذا المعنى هو لن يكون مبدأ لما جرينا على أن ننعته بالنهضة أو التقدم، وإنما هو مبدأ للسعادة الدنيوية الذاتية الخالصة. وأعظم من ذلك وأجلّ أن التقدم أو النهضة أو الإصلاح معانٍ ومواقف وأفعال، وكل ذلك يطلب الإقدام والتعلق بمبدأ إنكار الذات والجنوح العميق، بل الجذري، إلى «التضحية».
إذا أقدم هذا الشخص الملحد أو ذاك على «فعل تضحية» -وذلك ما تشهد به أحوال كثيرة- فإن معنى الإلحاد هنا لن يكون هو المعنى الذي يثوي خلف هذا الفعل، وإنما معنى آخر يمكن تفسيره في فضاء الكينونة العميقة لذات الفاعل.
خروج الإنسان من قصوره
«خروج الإنسان من قصوره الراجع إليه هو ذاته»
غياب العزم والجرأة في استخدامه دون قيادة الآخرين، أي أن مَرَدَّ ذلك كله إلى الكسل والجبن وغياب الجرأة والانقياد إلى سلطة خارجية والاستسلام إلى قيود تعزز القصور الدائم. لكن التنوير الذاتي والخروج من القصور ممكنان، بل إنهما مُحَتمّان إذا كان المرء متمتعًا بالحرية، يفكر اعتمادًا على نفسه لا على أوصياء عليه. والحرية الضرورية هنا، القمينة بتحقيق إصلاح حقيقي هي «الحرية الأقل ضررًا»، وهي استعمال العقل في كل الميادين بروية ودون الخضوع إلى «الطاعة» المقيدة للحرية؛ لأن تقييد الحرية يعوق التقدم في التنوير (كتابي: «معنى الأشياء»).
معنى التنوير هو أنه يتقوّم بثلاثة مبادئ أساسية: العقل والاستقلال الذاتي والحرية. هذا هو الوجه الحقيقي للتنوير. لا شيء من هذه المبادئ الثلاثة يفرض القول بالإلحاد. لا العقل، ضرورةً، ولا الاستقلال الذاتي فعلًا، ولا الحرية إطلاقًا؛ إذ كل مبدأ من هذه المبادئ يفتح بواباته على الإيمان، مثلما يفتحها على اللاأدرية، أو على الإنكار،
كانط مؤمن
«العقل النظري» لم يساعده على إدراك يقين الإيمان، لكن «العقل العملي»، زوّده بهذا اليقين وأنار له وجه الحق في المسألة
مفاتيح الحداثة التسعة
لفيلسوف جان مارك بيوت في كتابه «مفاتيح الحداثة التسعة».
الحرية الفردية، المساواة بين الأفراد، العقل في خدمة الهوى، أسبقية أو أولية العمل على الحكمة، والنبل على الدعاء (الصلاة)، أولية الحب على الإنجاب، أولية السوق على الجماعة، الديمقراطية التمثيلية نموذجًا جديدًا للنظام السياسي، أولية الأمة على الدين، الدين قضية شخصية. لا شيء من أي من هذه المفاتيح ينطوي من قريب أو بعيد على معنى الإلحاد. أي أن الحداثة نفسها غير ذات صلة جوهرية بواقعة الإلحاد.
لإلحاد وبالإيمان هو تقديم الدنيوي على الديني، وردّ الدينيّ إلى حدود الفضاء الشخصيّ أي إلى العلمانية، لكن العلمانية في ذاتها -وبما هي استقلال للعقل الإنساني في وضع النظم والشرائع الاجتماعية والسياسية، وإقامةُ علاقة فصل أو حياد بين الدين والدولة ومؤسساتها القانونية- لا تعني إطلاقًا الإلحاد بما هو إنكار للألوهية والدين. ثمة بكل تأكيد علمانيون فاقدون للإيمان، لكنْ ثمة أيضًا علمانيون مؤمنون، لكن تمثّلهم للإيمان يظل تمثلًا شخصيًّا ولا يتجاوز ذلك إلى التدخل في طبيعة النظم السياسية والاجتماعية والتشريعية للدولة.
الحداثة لا تطلب، إثباتًا أو نفيًا، هذا المعنى أو هذا الموقف الذي هو الإلحاد. من أين تأتي إذن الدعوى العريضة، المغالِطة، دعوى تعليق النهضة أو التقدم على ضرورة الإلحاد؟ هي ليست، في حقيقة الأمر، دعوى عقلية- ميتافيزيقية أو فلسفية أو عُمرانية- وهي ليست دعوى مؤسسة على حس نقدي وضعي، أو على محاكمة منطقية ذات علاقة بالواقع الشاخص. وتعليقُها على التنوير وعلى الحداثة محض تضليل وخداع. وكذلك هي ليست تمثلًا ضاربًا في العلمانية الغربية نفسها أو في مطلق التحليل العلمي.
«قول كاذب»، «استِهامِيّ» وهوائيّ.
لا ينبغي للشعراء والروائيين وأضرابهم أن يتحولوا، بأهوائهم وأوهامهم واستيهاماتهم، إلى مفكرين وفلاسفة، ويخوضوا في قضايا تعجز أحلامهم ومداركهم عن رؤيتها بوضوح وحكمة ونزاهة وحُسْن طوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق