كتاب استعصاءات التنوير العربي بين المأزق والمخرج Jun 30, 2023
الخيبة مؤلمة فالمجتمع الأهلي لا تزال قيمه تهزم قيم المجتمع المدني ، والديمقراطية عجزت عن التوطن وإزاحة الاستبداد متيحة لعبث العابثين بالعباد والبلاد لا رافعة للتقدم و توطين الوعي، والعلمانية بضاعة بعض المثقفين في أحاديثهم بعدما خذلتهم الطوائف والمذاهب والأحزاب السياسية والسلطات..
التنوير وتحديد الهوية
هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن أبناء قبائل وعشائر تجمعهم القربى، أم أننا شعوب تجمعهم ثقافات ومصالح وتوجيهات؟ هل للفرد كيانه المستقل أم يستمد كيانه من جماعته القرابية أو العقدية؟ هل ننتمي إلى مجتمع أهلي أم إلى مجتمع مدني؟ هل لدينا إحساس والتزام بالتغيرات التي حدثت لشعوب ما في العالم فتقدمت، أم لا نزال نسير وراء المرياع، شيخ القبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو المذهب؟ هل انتقلت قيم الجماعة وتعاضدها القرابى (الشللية) إلى أحزابنا وتنظيماتنا فأعدنا إنتاج قبائلنا وعشارنا داخل هذه الاحزاب فتشرذمت؟
جورج قرم: "الهوية هي ظاهرة اجتماعية بالمعنى القوي للكلمة، وينسى في الأغلب أنها تبنى على تنمية الشعور بالاختلاف مع ما يفترض أنه هوية أخرى. فالهوية تعمل بالاستناد إلى قطب سلبي: رؤية الآخر المختلف إن لم يكن عدوا ".
يقول الكاتب حسن إبراهيم:" إنها فكرة هامة، فتحديد الهوية أمرٌ مرتبط ٌبالآخر الذي نواجهه، وقوة التعبير الهوية عن ذاتها مرتبط بقوة مواجهة هذا الآخر وضرورتها، وتبرز هذه القوة في الأزمات بين أطراف مختلفة الهوية، فأنا بالنسبة للتركي والفارسي والهندي والأمريكي والفرنسي.. الخ، عربي، وأنا بالنسبة إلى العراقي والمصري والمغربي، سوري، أنا بالنسبة لليهودي والمسيحي، مسلم، الخ.
قد يختفي التفكير في بعض هذه المسائل حينًا ويبرز أحيانًا، حسب الاحتكاك ودرجته أو التحريض أو المصالح أو المشاعر المتولدة عن مواقف.. الخ. وهنا تبرز أهمية الآخر ووجوده وطريقة هذا الوجود وتعبيره سلمًا أو حربًا، صديقًا أو عدوًا، حيث تتقابل الهوية مع غيرها في حدث ومناخ. وتعبيرها يجدده ذلك (ص 141).
هل من السهل على الفرد أو الجماعة ذلك الإحساس بالانبتات من انتماء سابق كان محددا للوجود والكرامة وحصنا ضد الأخطار؟ إن ذلك يحتاج إلى زمن ممتد إذا كان ممكنا. إنها قضية ثقافية مركبة ومعقدة التخلص من حالة كيانية والانخراط في أخرى وكلاهما تحتاج إلى الوقت والجهد .
يصعب على الشعوب وهي في حالة ضعف الخروج من موروثها المعوق مع حاجتهاإالى ذلك.. فمن أساليب الدفاع عن الذات لدى الإنسان المقهور التمسك بالتقليد. يقول مصطفى حجازي: "الإنسان المتخلف كالمجتمع المتخلف سلفيٌ أساسًا. يتوجه نحو الماضي ويتمسك بالتقاليد والأعراف بدل التصدي للحاضر والتطلع إلى المستقبل. وتزداد السلفية شدة وبروزا بمقدار تخلف المجتمع، وبشكل يتناسب طردا مع درجة القهر التي تمارس على الأنسانية فيه".
حيث شعر الناس بالإستلاب الحضاري من قبل القوى الاستعمارية ،ماجعل الناس يتوجهون نحو التراث لاستعادة التقاليد.
التنوير والغطاء العلماني
يقول الكاتب حسن إبراهيم:"إننا نثير الجوانب الفكرية المقنعة ، لكنها عند التطبيق تبدو غير ذات فاعلية فهي لم تتأسس جيدا في مجتمعاتنا وقد يظن بعضا من يثيرونها أنها أصبحت جزءا من البنيان الفكري المولد للنشاط السياسي وفي أوطاننا، ونتوهم أنه لا تراجع عنها. حتى إذا جاءت لحظات اختبار وجدنا أن الماضي يعصف بالحاضر، فلا عقلانية، ولا تمكين ديمقراطية للدولة ولا إيمان كافيا بالهوية الوطنية والمواطنة ولا التزام بالقوانين ولا انتصار بالحرية ضد الاستبداد ولا ديمقراطية ولا التنمية وصولا إلى العلمانية كل ذلك لم نجده راسخًا وخابت ظنوننا في أكثر المواقع وتبيين أن يقيننا حديث الخرافة لدى أعداد غير عقلية. فقد كان كل ذلك طلاءً براقًا وخادعًا استخدم للتمويه (ص 176).
العلمانية اللينة غير الصلبة وغير الجزئية والكلية التي تستبعد الدين عن ميادين السياسة وإدارة الوطن. والدعوة الانفعالية إلى الإلحاد ـ كما مر ـ قد تنتج عن الشعور بالحاجة التغيير السريع العميق وقد تأتي بمردود عكسي فالتشنج قرين الجهل والتسرع في هكذا ميادين.
كيف يكون تقدم الأوطان وهي مفتتة إثنيًا وطائفيًا ومذهبيًا، والتفتت أو التنوع بدل أن يكشف عن غنى طالما مثلنا له بأن اللوحة ذات اللون الواحد لا تكون جميلة بل لا يصح أن تكون لوحة أساسا، فالجمال يقتضي التنوع وأن تضج الألوان، لكن بتناسق، كذلك الأوطان.
حقوق انسان ومجتمع مدني
فالعلمانية مطلوبة والدين مطلوب، والعلمانية مرفوضة في الدين والدين مرفوض في العلمانية، وهما مقبولان في مناهج بعضهما أحيانا. هناك من يعترف أن العلمانية لا لزوم لها في الإسلام الذي لم يعرف كنيسة، وهي مشكلة مصطنعة، وينتقدهم محمد عابد الجابري على رؤيتهم، لكنه يعود إلى تبني الرؤية ذاتها. وهكذا يظهر تردد المثقف وحذره وعدم وضوح رؤيته.
التنويريين مثل طه حسين والكواكبي، فخوف طه حسين من استخدام أو توظيف الدين في خدمة شرعية الدولة، واستخدام المقدس استخداما أرضياً وضعيفاً في خدمة الأغراض الدنيوية الدنيئة، دفعه إلى طلب فصل الدين عن الدولة، وقد مثل الكواكبي في رأيه لحظة من لحظات الشجاعة في الثقافة الوطنية النهضوية سابقة لطه حسين . وهذان النموذجان يمثلان جذرين أساسيين لأي مشروع تنويري عقلاني نقدي يستهدف تغيير العقل والمواقع معاً، كبعدين أو عميقين لثقافتنا الوطنية القديمة .
المجتمع المدني غير المجتمع الديني، في حين أنه قد يفهم بأنه غير المجتمع العسكري.
فالدولة البريطانية علمانية ومع ذلك فالملك فيها رأس الكنيسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق