السبت، 2 أغسطس 2025

العلم ليس رأيًا شخصيًا، بل عملية جماعية تشاركية ومنهجية.

 العلماء يخطئون أحيانًا، لكن قوة المنهج العلمي أنه يكشف الخطأ مع الوقت.

الخطأ في الفرضية، أو التجربة، أو التفسير شائع، لكن المهم أن يكون النظام العلمي قادرًا على تصحيح نفسه.

السلطة في العلم ليست لأشهر شخص، بل لأفضل دليل.

الاستنتاجات القوية هي تلك التي تصمد أمام كل ذلك، لا لأنها "صحيحة" مطلقًا، بل لأنها الأقرب إلى الحقيقة وفق المعطيات الحالية.

 تُقاوم الاختبار والنقد والتكرار.

الطب المبني على الدليل (Evidence-Based Medicine)

الأطباء لا يعتمدون فقط على الخبرة أو الانطباع، بل على:

  • نتائج دراسات موثوقة

  • مراجعات منهجية لمئات الدراسات (Systematic Reviews)

  • توصيات تصدر عن لجان علمية عالمية

العلم ليس عشوائيًا أو حدسيًا، بل يسير وفق خطوات: ملاحظة → فرضية → تجربة → تحليل → مراجعة.

أساس الديمقراطية المعرفية في العلم:
الحقيقة لا تُشترى بالمكانة، بل تُكسب بالدقة والبرهان.

 بعض الأفكار الكبرى في العلم بدأت ضد السائد، ورفضها كثيرون، ثم أثبتها الدليل لاحقًا (مثل نظرية الجراثيم،

من أين تنبع هذه "القوة" فعليًا؟

  • من صلابة الأدلة التجريبية.

  • من نجاح التنبؤات السابقة.

  • من قدرة النظرية على حل المشكلات التي فشلت فيها النظريات السابقة (كما يقول توماس كون).

  • من إجماع علمي تدريجي يُبنى على الاختبار لا على السلطة.


السير بيتر مدوّر (Peter Medawar)، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1960، قوله إن الأبحاث العلمية هي "نوع من الغش"

الصورة "الرسمية" أو "النموذجية" لما تبدو عليه الأبحاث العلمية: وهي ما يُكتب في الأوراق العلمية المنشورة، حيث يبدو كل شيء مرتبًا، من سؤال البحث إلى التجربة فالنتائج فالاستنتاج.

وبين ما يحدث فعليًا في مختبرات العلماء: حيث التجريب متكرر، مليء بالفوضى، المفاجآت، الفرضيات الخاطئة، الطرق المسدودة، ثم فجأة، من خلال المحاولة والخطأ، تُولد الفكرة أو تُكتشف الحقيقة.

ما يُكتب في الورقة العلمية هو بمثابة "أسطورة بعدية (retrospective myth)"، أي قصة مرتبة تُروى بعد أن تنكشف الحقيقة، وتُقدّم وكأنها كانت واضحة منذ البداية، بينما هي لم تكن كذلك.

أن كتابة الأبحاث تُضفي على عملية الاكتشاف العلمي صورة مصطنعة من النظام والمنهجية الصارمة، بينما الحقيقة هي أن العلم يتحرك غالبًا بطريقة غير متوقعة وغير مرتبة.

هو ليس غشًا أخلاقيًا أو احتيالًا، بل "تجميل سردي" ضروري لنشر المعرفة بشكل واضح ومفهوم للآخرين. لكنه يُخفي وراءه واقعًا أكثر فوضوية، وأكثر إثارة.

تدعو للتواضع العلمي، فالنتائج لم تأت دائمًا من عقل مرتب بل أحيانًا من الصدفة أو الخطأ.
تُظهر أن المنهج العلمي ليس خطيًا، بل تجريبي تطوري.
تُعيد الاعتبار للدور الإبداعي والحدسي في البحث العلمي، لا فقط للعقلانية الصارمة.

 الطريقة الحقيقية التي يعمل بها العلماء تتعلق أكثر بالخيال والارتباك والخطأ والتصحيح المستمر وهي عملية عاطفية في جانب منها، ومن ثم فالورقة العلمية تدفعنا للظن أن العملية العلمية باردة تماما، خالية من الخطأ.

التشكيك المنظم العلم إذًا يعيش بين حدّين:
  • فوضى الإبداع والاكتشاف،

  • ونظام التقييم والمراجعة.

 إذا لم يمنح العلم الثقة، يصبح المجتمع أكثر عرضة للتضليل وأقل قدرة على الاستجابة بفعالية للتحديات المعقدة

لا تعني الثقة في العلم الإيمان المطلق بنزاهة كل عالم أو دقة كل ورقة علمية.
بل تعني الثقة في المنهجية العلمية كنظام عقلاني تصحيحي.

إذا لم يمنح المجتمع الثقة في العلم، يصبح أكثر عرضة للانقياد العاطفيهذه الثقة لا يجب أن تكون عمياء، بل واعية بطبيعة العلم كمنهج، لا كسلطة مطلقة.

لا نثق في العلم لأنه لا يخطئ، بل لأنه الوحيد الذي يقبل الخطأ ويتجاوزه علنًا.

هذا النمط من التعليم لا يُنتج "خبراء" فقط، بل "مواطنين عقلانيين"

 التحديات في العالم العربي؟

  • نمط التعليم التقليدي يقدّم العلم كمجموعة "حقائق نهائية"، لا كنشاط نقدي.

  • الخوف من الخطأ والامتحان العقابي يجعل من التجريب تهديدًا لا فرصة.

  • غياب بيئة السؤال يقتل الشك البنّاء.

قيم العلم لا معلوماته فقط؛ على أن الخطأ ليس عيبًا، بل وسيلة إلى الحقيقة، وأن الشك المنظم أجدى من اليقين الكاذب.

نقطتين أساسيتين لا يتمكن الجمهور من فهمهما، الأولى هي قدر اختلاف العلم عما نتصور أنه بديهي، والثانية هي أن العلم لا يحل كل المشكلات، ولا يمكنه توقع المستقبل بدقة.

*
كتابه الشهير "طبيعة العلم غير الطبيعية" (The Unnatural Nature of Science)، يناقش العالم البريطاني لويس ولبرت (Lewis Wolpert)
  • الإنسان ميّال لتفسير الظواهر بطريقة أسطورية أو نفعية أو حدسية.

  • لكن العلم يتطلب تجريبًا، تفنيدًا، ومنهجية صارمة لا تتماشى مع ميلنا الفطري للقصص أو التفسيرات السريعة.

مثال:

من الطبيعي أن نعتقد أن الجسم الأثقل يسقط أسرع – لكن العلم يُثبت عكس ذلك (غاليليو).
من البديهي أن الشمس تدور حول الأرض – لكن كوبرنيكوس غيّر ذلك بالمنهج العلمي.

بل يحتاج إلى تعليم خاص لفهم أن السلطة لا تضمن الحقيقة، وأن الدليل التجريبي هو الحكم.

لذا، يقول إن تعليم العلم يجب أن يُظهر غرابته الفكرية، لا أن يقدّمه كشيء بديهي مألوف

العلم لا يؤمن إلا بما يمكن اختباره وتفنيده. بينما الفطرة مليئة بالتحيزات والميل للأنماط والقصص.

الخطأ كمحرّك أساسي للعلم
الخطأ في التوقع، أو في النظرية، هو ما يدفع العلم إلى الأمام.

وهذا غير مألوف في التعليم التقليدي الذي يعاقب على الخطأ.

.

 ما يدفع الناس إلى اتخاذ مواقف متناقضة من العلم، تتضمن مخاوفنا من هذا الشيء الغريب غير المفهوم والقوي جدا، والمرتبط بكوارث قد حدثت بالفعل مثل هيروشيما وناجازاكي، أو أخرى متوقعة كهواجس سيطرة الآلة والذكاء الاصطناعي وخلق وحوش بشرية عبر التكنولوجيا الحيوية وتقنيات كريسبر لتحرير الحمض النووي.

فأنت مثلا تثق بأن ما يصفه لك الطبيب هو الدواء المناسب لك، رغم علمك أن ذلك القرص يحتوي على مادة كيميائية قد تكون قاتلة.

 الثقة رغم الجهل بالتفاصيل الدقيقة

  • هل هو الأنسب حقًا لحالتك مقارنة بعشرات البدائل

ومع ذلك، تأخذه بثقة نسبيّة.

هذه الثقة لا تقوم على المعرفة المباشرة، بل على ثقة مؤسسية:في الطبيب

في النظام الطبي

في الأبحاث الدوائية

في هيئة الرقابة على الأدوية

 المفارقة: نفس المادة الكيميائية قد تكون قاتلة

نعم، نفس المركب الذي يعالج المرض يمكن أن يكون سامًا بجرعة أكبر، أو قاتلًا عند التفاعل مع دواء آخر.

🔹 ومع ذلك، لا تعيش في رعب منه، لأنك تثق بأن العلم قد "روّض" هذه القوة الكامنة فيه، عبر المعرفة الدقيقة والتجربة.

وهنا تظهر قيمة المنهج العلمي كأداة للضبط والتحكم في ما قد يبدو فوضويًا أو خطرًا.

الثقة لا تعني غياب المخاطرة، بل القبول بأن المخاطرة مُدارة بشكل عقلاني.

إيمان بمنهجٍ استطاع تحويل المجهول الخطير إلى أداة شفاء.

هذه الثقة هي ما يجعلنا نعيش لا فقط أطول، بل بوعي أكبر تجاه هشاشتنا البشرية.

يدخل بجرأة لتعليم الجمهور عن طبيعة العملية العلمية، وتوضيح أنه على الرغم من دقتها الشديدة، فإن لها سقطات، التجارب تفشل، وقد يتحيز العلماء فهم بشر لا شك، يأتي ذلك في سياق عصر تنتشر فيه الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة بشراسة، بشكل مضاد تماما للعلوم، يستغل "صورة الكتب الخيالية" لتمرير سرديته.

 مغالطة شهيرة تسمى "التوسل بالمرجعية".

الناس عادة ما يساوون بين "العالِم" و"العلم"، لكن العالِم هو إنسان مثلك، يمكن أن يخطئ، ويمكن أن يتحيز لعشرات الأسباب التي قد تكون سياسية أو دينية أو حتى شخصية بحثا عن الشهرة الإعلامية.

أما إذا استخدمناها كـ دليل تمهيدي/احتمالي إلى أن يظهر برهان أقوى، فليس فيها مغالطة.

لينوس باولنغ، أحد أعظم العلماء في القرن العشرين والحائز على جائزتي نوبل، روّج – بشكل غير علمي – لفكرة أن فيتامين سي يعالج نزلات البرد بل ويقي من السرطان، رغم أن الأبحاث لاحقًا فنّدت ذلك تمامًا. سلطته العلمية جعلت الكثيرين يصدقون تلك المزاعم دون تمحيص.

الحجة العلمية مبنية على التجربة، والحجة الفلسفية مبنية على العقل. كلاهما وسيلتان للوصول إلى الحقيقة، لكن في ميادين مختلفة.

 ريتشارد فاينمان، الفيزيائي واسع الشهرة والحاصل على نوبل ذات مرة: "إذا تحدث فيزيائي ما في غير شأن الفيزياء، فهو أحمق بنفس قدر الشخص الجالس بجانبه".


بعض الناس يعتقدون أن "العلاج موجود ولكن مخفي"، وهي نظرية تستند إلى الارتياب في الشركات و"الربح"، لكنها تتجاهل الآتي:

  • مئات الآلاف من الباحثين والطلاب والأطباء لا يمكن أن يتآمروا بصمت.

  • بعض أنواع السرطان يمكن الشفاء منها تمامًا (مثل سرطانات الخصية، وبعض أنواع اللوكيميا).

  • العلم لا يخفي ما يكتشفه، بل ينشره بفخر.

السؤال الحقيقي ليس "لماذا لم نعالج السرطان؟"، بل:
كيف تقدّمنا كثيرًا، رغم التعقيد البيولوجي الهائل، وكيف يمكننا دعم المزيد من هذا التقدّم؟ السرطان ليس مرضًا، بل مجموعة ضخمة ومعقدة من الأمراض – تزيد عن 200 نوع مختلف علاج مناعي 
أن الخلايا السرطانية تتطور مع مرور الوقت وتكتسب قدرة على مقاومة العلاجات. لذلك، علاج السرطان ليس أمرا بسيطا، بل يتطلب تقنيات متعددة ومتنوعة لمكافحة مقاومة الخلايا للأدوية.

 يتعلم الناس عن مدى تعقيد وصعوبة العملية العلمية، وإمكانية حدوث أخطاء وتحيزات، فإنهم يخففون من نظرتهم المؤامرتية للعلم، وقد تزيد ثقتهم به. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق