الخميس، 17 فبراير 2022

شعراء وقدماء الالحاد *****

Feb 14, 2019 Dec 10, 2021

من أهم الذين تبرأ منهم كثير المسلمين – قديما وحديثا – نذكر: أبو بكر الرازي ، ابن سينا ، ابن المقفع، الفارابي، جابر بن حيان
يقول بن الجوزي
زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي ، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا ، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح

إثنان أهل الأرض ذو عقل بلا …. دين وآخر ديّنٌ لا عقل له

رأى كيف ينكر المتديّنون نظريات علميّة دامغة فقط لتعارضها مع الدين، وهذا شيء مؤسف، فقد شاهدت فيما شاهدت شيخا معاصرا ينفي كروية الأرض، وآخر ينفي دورانها حول الشمس، ناهيك عن نظريات أخرى كنظرية التطوّر التي ينكرونها بحذافرها.

كما قال المعرّي واصفا المتديّنين:
عاشوا كما عاش آباءٌ لهم سلفوا …. وأورثوا الدين تقليدا كما وجدوا
فما يراعون ما قالو وما سمعوا …. ولا يبالون من غي لمن سجدوا
يقول: إن هؤلاء المتدينون ورثوا الدين عن آبائهم، فمن كان أبوه مسلما سنّيا ولد مسلما سنّيا وعاش كذلك ، ومن كان أبوه مسلما شيعيا فعل كذلك، ومسيحيا، وبوذيا وغيره. ويظهر نبوغ المعري وحكمته في هذين البيتين لأن الأديان خاصة في عصرنا هذا أصبحت تورث مع الأسماء والألقاب عن الأب والأم وقلما يتخلّى الإنسان عن دينه الذي ورثه، وإن فعل فغالبا يتجه إلى اللادينية أو اللاأدرية وهذا ما نلاحظه في عالمنا اليوم.

وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس
“فيمن لبس عليهم إبليس حتى جحدوا البعث ، وقال أبو العلاء المعري 
حياة ثم موت ثم بعث **** حديث خرافة يا أم عمرو ،

فَلاَ تَحْسَبْ مَقَالَ الرُّسْلِ حَقّاً***وَلَكِنْ قَوْلُ زُورٍ سَطَّرُوهُ
وَكَانَ النَّاسُ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ***فَجَاؤُوا بِالمُحال فَكَدَّرُوهُ

دين وكفر وأنباء تقال وفر *** قان ينص وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل يدان بها *** فهل تفرد يوما بالهدى جيل
وهذا قول بليغ ينتقد فيه الشاعر الأديان جميعا وليس فقط الإسلام، ومرة اخرى يتنبأ المعرّي بوضعنا الراهن فنحن نرى أديانا كثيرة اليوم وكل أمة تدعي أنها على الدين الصحيح.
وبعيدا عن فكرة إيمان المعرّي أو إلحاده، فقد كان المعرّي ذا خلق حميد، زاهدا، وكان لا يأكل اللّحم لكرهه قتل الحيوانات وذبحها أي أنّه كان نباتيّا  لدرجة أنّه لم يكن يرتدي النعال والأحذية المصنوعة من جلود الحيوان، هذا في عصر لم يعرف فيه الناس المطاط أو البلاستيك أو الألياف الصناعية  وبلتالي كان لاقتناعه يلبس نعلا من خشب.

كان أبو العلاء المعرّي شاعرا مثاليا صادقا، فلم يكن يقف عند الملوك ويمدحهم من أجل المال أو المكانة وكانت له آراء سياسيّة تشهد بنبوغه حيث يرى أن الحاكم أجير المحكومين بمعنى أنه يقوم بوضيفة معينة يجب أن يتلقى عليها أجرا وأن البلاد ليست ضيعته وضيعة أبنائه والشعب فيها أغنام.. وهذا ما كان يحدث في العالم الإسلامي آنذاك ونراه للأسف حتى في يومنا هذا في بعض البلدان. ولكن نبوءة المعرّي تحققت في الدول الديمقراطية حيث يتقاضى الحاكم أجرا مقابل القيام بمهمته لفترة معيّنة.
وقد اوصى المعري قبل وفاته بأن يكتب على قبره
هذا جناه أبي علي *** وما جنيت على أحد

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي وأشعار المتنبي وكتب فلسفة الفارابي وغيرهم كثير.. تراث ساهم في تشكيل الحضارة العربية التي مانفكّت تتراجع وتتخلّف عن ركب الأمم منذ رأت في عظمائها مجرّد زنادقة خارجين عن الدين.

أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكر من القدماء


أبو العلاء المعري .. من تاريخ الاحتجاج في الإسلام

الملحد، الزنديق، الأعمى تعييرا بعاهته، يتميز عن الشعراء العرب بتبحره في العربية وسعة معارفه في الدين والفلسفة، وهو من الذين تبنوا أسلوب حياة النباتيين فقد حرّم على نفسه اللحوم والبيض والحليب وكل مشتقات الحيوان، وكانت حجته أن الإنسان أثر، محتال يأخذ ما ليس من حقه:
كان المعري لا يني يفكر أن الإسلام ككرة الثلج بدأت صغيرة وانتهت كبيرة، فالفقه مثلا ليس إلا فكرا بشريا ألبس رداء القداسة، فالبشري تماهى مع الإلهي ومن ثمة جاز الاعتراض عليه ونقده لأنه عمل بشري:
 أجــــــــــــاز الشافعي فعال شيء ** وقال أبو حنيفة لا يجــــــــــوز
كل يعزز دينــــــه ** يا ليت شعري ما لصحيح؟

عجبت لكسرى وأشياعه ** وغسل الوجوه ببول البقر
وقوم أتوا من أقاص البلاد ** لرمي الجمار ولثم الحجــر
فوا عجبا من مقالاتهم ** أيعمى عن الحق كل البشـر؟
لقد  انحاز المعري إلى العقل ودافع عن العقلانية إذ دعا إلى إعمال العقل حتى في النصوص بل اعترض عليها:
كَذَبَ الظَنُّ لا إِمامَ سِوى الـ ** عَقلِ مُشيراً في صُبحِهِ وَالمَساءِ
فَإِذا ما أَطَعتَهُ جَلَبَ الــ ** رَحمَةَ عِندَ المَسيرِ وَالإِرســـــــــاءِ
إِنَّما هَذِهِ المَذاهِبُ أَســبا ** بٌ لِجَذبِ الدُنيا إِلى الرُؤَساءِ

وقسم الناس إلى فئتين: أصحاب العقول وهم الباحثون عن الحقيقة الذين لا يغريهم الشكل كسلطة الحاكم وسلطة رجل الدين وسلطة الرمز وسلطة الماضي، وقسم هم العامة أو القطيع والذين يصنعون طواغيتهم بأنفسهم:
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا  ** دين وآخر دين لا عقل له 

لقد كان المعري بمقالنا الحديث رجلا تنويريا ميالا إلى المجتمع المدني نصيرا للعقل، مثالا للرجل المخلص لعقيدته لا يطلب دنيا ولا جاها ومن أجل ذلك الإخلاص قطع رجاءه بمغريات الحياة واكتفى بالنزر اليسير حتى لا تسوقه أطماع النفس إلى خيانة الضمير وقد انتقد رجال الدين الذين لبسوا المسوح وكانوا طلاب دنيا لا طلاب علم ولا آخرة بل أعلن صراحة أن دين الناس هو الرياء
أرائيك فليغفر لي الله زلتي ** بذاك ودين العالمين ريــاء

إن كثيرا من الأفكار التنويرية والحداثية تجدها عند الشاعر ولا يعوزها إلا المصطلح الحداثي مثل: المجتمع المدني، العقلانية، النقد الهدام لتوليد المعنى، الإنسانية في مقابل اللاهوتية أو الناسوت كأولوية على اللاهوت.

والعجيب أن الشاعر صبر على الأذى ولم يستسلم ولم يتب بتعبير فقهاء اليوم عن حالة بعض المفكرين والفنانين الذين يقضون أعمارهم دفاعا عن مذهب ثم ينكصون في أرذل العمر ولن تعدم أمثلة من الوسط الفكري أو الفني، ولكن تجد المعري صامدا غير مبدل ولا هياب، فالمعري هو المعري شابا وكهلا وشيخا، وهو أمر جدير بالاعتبار حين نفكر في المثقفين الذين يهرولون نحو السلطة رياء وطمعا في جاه ومركز، أو المثقفين الذين يخافون من السلطة ويسكتون على الظلم إيثارا للسلامة، غير أن العجيب هو حالة التفتح في المجتمع العربي في القرن الرابع والخامس الهجريين، فالمعري المعترض على النص، المقدم للعقل على النقل، الناقم على السلطة السياسية والدينية لم ينله سوء فلم تتم تصفيته وغاية ما ناله هجاء وانتقاص من النوع الذي ذكرناه آنفا، وكثير من أحداث القتل في التاريخ الإسلامي القديم تحت طائلة الردة والكفر إنما تمت لأسباب سياسية بحتة مغلفة بغلاف الدين  حتى لا تنتبه العامة كقتل غيلان الدمشقي الذي شنع على الأمويين، وكذا الجعد بن درهم ثم عبدالله بن المقفع والحلاج في العصر العباسي مثلا فأي ردة أصابت مجتمعنا العربي حين نفكر في حالة فرج فودة ومهدي عامل وحسين مروة وشكري بلعيد وغيرهم؟ هل المجتمع العربي في القرن الرابع أكثر حداثة من المجتمع العربي في القرن العشرين وهو القرن الذي عاش فيه أولئك الأعلام وتمت تصفيتهم؟ 

نتساءل حقا ونحن نرى موجة أسلمة العلوم، وأسلمة الأدب وتحريم الفن، وتبديع الديمقراطية، وتقسيم الناس إلى كفار ومسلمين، والدعوة الحثيثة إلى إحياء الماضي والعيش في أسماله وعدم احترام الحرية الشخصية وإهانة المرأة هل العالم العربي مستعد لنقاش جدي حول المسائل الثلاث المستعصية: الله، الجنس، السياسة؟
هل يقبل مرجعية عقلانية إنسانية غير المرجعية الماضوية تلك التي تتمأسس على تقديس السلف وتبجيل الماضي عوض تقديس الإنسان واحترام الحق الإنساني في كيفية العيش ونمط التفكير وحرية المعتقد وحرية الجسد بلا وصاية كهنوتية؟
إن الدولة الدينية خطر على الدين ذاته وخطر على الحريات الأساسية وعلى الثقافة والإبداع والفنون، إنها تطمح إلى إلغاء الفروق والتباين وتنميط المجتمع في نمط موحد اللباس والتفكير والشعور مهووس بإيديولوجيا الكفاح والتبشير، وهو ما أسميه مجتمع علبة السردين: حجم واحد وطعم واحد ورائحة واحدة، وهو أمر ضد الدين ذاته الذي يقر باختلاف الناس ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة.
لا حل إلا بدولة مدنية كما حلم بها أبو العلاء، فقد كان مفكرا وشاعرا حداثيا كما نقول اليوم ونص على كثير من القضايا المصيرية وبت فيها بعقله وحده.

*
 أُحْرِقَتْ كتب التوحيدي، ونفي ابن حزم، وظل إخوان الصفا في ظلمة السرية إلى اليوم
المعري والنفزاوي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق