يتضمن كتاب «ثقافة العصيان.. قراءات في فكر وحياة بو علي ياسين»
يطلق عليه «المثقف النقدي».
المثقف النقدي يحشر أنفه في كل شيء، لذلك فهو يضع معارفه بمركز القلب من التناقضات الاجتماعية، وهذا ما يفسر تعدد اهتمامات (بو علي).. وتعدد الحقول المعرفية التي دخلها، ويدل ذلك على ثقافة موسوعية تذكرنا بالجاحظ.
ينتسب ياسين إلى ماركس وليس إلى الماركسية، بطبعاتها المختلفة، وأفاده هذا في قراءة ماركس بلغته الأم: الألمانية.
وأظهرت الماركسية أن ماركس الألماني يختلف عن ماركس السوفييتي، أو العربي، ماركس الألماني أحد أهم العقول التي أسست للحداثة الأوروبية، بما تنطوي عليه من نزوع نقدي، لا يكتفي بنقد العالم، بل ينقد نفسه، كان يقول: «ما تحتاجه البشرية من الماركسية، هو علميتها، لأن الأهداف معروفة منذ القدم».
إنّ انحياز بو علي ياسين للعقلانية النقدية، جعل مفهوم «العقل» يتخذ وضعية مركزية في منظومته المعرفية، من دون أن تتبدى هذه الوضعية عبر خطاب مخصوص عن العقل، بل عبر خطاب عقلاني.
إنّه أولى الشأن الاجتماعي اهتماماً بالغاً، ومنحه حيزاً كبيراً في خطابه، والمفكرون الماركسيون أبقوا أنفسهم بمنأى عن الدخول في معترك الحوارات الحادة التي جرت، بين أنصار الحداثة وأنصار ما بعدها، وبين أنصار البنيوية وأنصار التفكيكية، بما تنطوي عليه هذه الحوارات من إعادة نظر العقل بمحتوياته ومصفوفاته.
ونرى بو علي خرج عن نسق أولئك المفكرين، عندما أراد دراسة المستويات العقلانية وغير العقلانية السائدة في المجتمعات العربية والمحددة لأنماطها السلوكية.
إذ درس مجتمع (ألف ليلة وليلة)، وأظهر، نقدياً، أنّ عقل ألف ليلة وليلة هو ذاته عقل مجتمعاتنا الحديثة والمعاصرة، وأن المظاهر اللا عقلانية فيه هي ذاتها التي لدينا، بمعنى آخر: وصف الظاهرة ووصف شروط نشوئها، من غير أن يطلق عليها أحكاماً قيمية من أي نوع. وفي الأفق ذاته، سبق ياسين المتخصصين العرب، وعلى رأسهم الأنثروبولوجيون بالاهتمام بالثقافة الشعبية.
فدخل في إشكالية العقل وإشكالية نقده. وأطاح بالتقسيم التاريخي بين الثقافة الشعبية وبين ثقافة النخبة، وهذا ما يؤدي بأنصار ما بعد الحداثة إلى أن يرفعوا له قبعة الاحترام، نتيجة الحيز الكبير الذي توليه ما بعد الحداثة للثقافة الشعبية.
والجبهة الوحيدة التي تمترس خلفها هي فضاء العقل النقدي الديموقراطي، الحداثة بنت لنفسها إيديولوجيا ما بعد الحداثة، وثمة إيديولوجيا للعقل وأخرى مضادة له، وعلى هذا فإنّه مفكر شديد الحرية ينتقل من حقل إلى آخر، متهكماً على المثقف التقني الاختصاصي، وعلى من موهت عليهم الإيديولوجيا وزينت لهم مواقعهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق