الخميس، 1 أبريل 2021

نوال السعدوي (1931 ـــ 2021)

Aug 27, 2019

وتبقى البؤرة الفاسدة المتوارثة دون مساس

فالتاريخ قد دأب منذ نشوء النظام السياسى المعروف بالعبودية إلى تشويه الطبيعة البشرية، لكى تخدم النظام الحاكم. تم تشويه طبيعة 
الفقراء، والنساء، والعبيد، من أجل مصلحة طبقة الأسياد. هذا النظام العبودى شوه أيضا طبيعة الأسياد، من أجل

الاستغلال والسيطرة والاستبداد والجشع والقسوة. أصبح السيد الحاكم يموت بالتخمة، والخمول والكسل والتسلط والجبروت والساديّة. بينما يموت العبيد والفقراء والنساء، من الفقر والإرهاق والجوع والمهانة والماسوشية. نشأ نظام الزواج العبودى ليتماشى مع النظام السياسى. حيث قام على ثنائية السيد والعبد، الرجل والمرأة، الحاكم والمحكوم، المقدس والمدنس، الاله والشيطان.

والملاحظ، أنه على مر السنين، وفى معظم البلاد، تطورت القوانين المختلفة التى تقع خارج نطاق العائلة. ولكن قوانين الزواج والطلاق، أو قوانين الأحوال الشخصية، الخاصة بتكوين الأسرة لم تتطور أو لنقل إن تطوراتها لم تمس جذور العلاقة بين الرجل والمرأة. فقد بقيت علاقة أبوية، من الطراز الأول، قائمة بين طرف «أعلى»، هو الرجل، وطرف «أدنى» هو المرأة. هذه العلاقة هى الأساس الحجرى الصلب الذى يؤسس المجتمع والدولة والثقافة والإعلام والتعليم والأديان والتربية والأخلاق.

 هذه الفتاة الصغيرة الضعيفة العِظام المرهقة بالعمل داخل البيت وخارج البيت، لتحمى الأسرة الأبوية من الانهيار والتفكك. أسرة يملك الرجل زوجته، وأطفاله، كما يملك الأشياء، يفعل بهم ما يشاء، ويحدد مصيرهم حسب مزاجه، ونزواته، وشخصيته المريضة. منْ هى الكاتبة الساخرة التى قالت: «إن الله خلق الرجل ليفكك الأسرة وخلق المرأة لكى يحميها من التفكك»؟ مقولة ساخرة بليغة،

تختصر التاريخ البشرى، ومأساة النساء، وتكشف حقيقة أنه لولا «الزوجة»، ما أصبحت هناك «أسرة»، لما وُجد المجتمع، ولما قامت الدول. تتربى المرأة على الحفاظ على الأسرة، وتحمل كل الصعاب لعدم تشريد الأطفال وتفكيك الأسرة. يتربى الرجل على حقه فى إنهاء الزواج، والطلاق الشفهى، وتعدد الزوجات، لمجرد رغباته الجنسية والنفسية التى لا تتحلى بأدنى مسؤولية تجاه الزوجة والأطفال والأسرة. والمفاهيم الثقافية والأخلاقية، كلها، ووسائل الإعلام ومقررات التعليم تخدم مقولة: «المرأة تعشش والرجل يطفش». أى ثقافة ومفاهيم غير أخلاقية، وغير إنسانية، وغير عادلة. لكن هذا هو الواقع، السائد منذ أزمنة العبودية وحتى اليوم، فى أغلب بلاد الدنيا. والسبب أن النظام الأبوى لا يزال يحكم العالم، 

 هذه العائلة التى لا تجد غضاضة فى أن يكون للرجال الأزواج عشيقات وخليلات من نساء الهوى، يوصفن بالفسق والفجور والتفسخ الأخلاقى. بينما يظل الرجال الأزواج شرفاء، لا يعيبهم شىء فى أخلاقهم. وتبقى النساء والزوجات والأمهات، حبيسة الأخلاق غير الأخلاقية، والعدالة الغائبة، والكيل بمكيالين. يصعب عليهن الكلام، أو الرفض، أو حتى التساؤل. حيث تحاط الازدواجية بهالة من المفاهيم الدينية، التى تصف المرأة، أو الزوجة، أو الأم، المتمردة، بأنها ضد الشرع الإلهى، وضد الله، وضد الطبيعة، وضد الفضيلة، وضد تماسك الأسرة. لكن الكتابة سلاح ضد الظلم، والجهل، والخوف. بالكتابة يرتفع وعى المرأة، وتزداد قوتها على المواجهة، وكشف حقيقة الزواج الأبوى

++++++++++++++++


كان محمود من زملائى الأطباء وأصدقائى القليلين الذين لا أنساهم رغم مرور السنين، فهو يتميز بعقل مرن مفتوح، غير متعصب دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا، لا يستميت فى الدفاع عن الاشتراكية أو الرأسمالية أو السوق الحرة، يحب الجدل والنقاش فى كل الأمور الشائكة الحساسة التى تمس المحرمات المتعلقة بالدين أو الجنس أو الصراع الطبقى، ونظام الحكم القائم القابض على الأنفاس، لا يخاف الاتهام بالإلحاد أو الشيوعية، أو الخيانة الوطنية، لم يكن مشغولا بذكورته أو رجولته، ينظر إلى المرأة بعين الإنسان وليس عين الرجل الذكر.

وكانت المشكلة السكانية فى مصر مطروحة للنقاش لأول مرة فى الستينيات من القرن الماضى بتصريح من حكومة عبد الناصر، وتشجعت النخبة المصرية المثقفة أو الأصح المتعلمة فحسب

لحد من الانفجار السكانى الذى يبتلع الموارد ويلعب دورا فى فشل جميع مشاريع التنمية، والذى كان يعارضه شيخ الأزهر بحجة أن الله يعارض تحديد النسل، فهو الذى يقرر أمور الزواج والطلاق والحمل والولادة والموت، والرسول محمد (ص) قال إن الكثرة العددية قوة غالبة فى الحرب وأنه سوف يباهى بأمة الإسلام بين الأمم.

 مشكلة الخلل بين نسبة المواليد ونسبة الوفيات، وضرورة خفض نسبة المواليد للحد من الانفجار السكانى، وربطت بين قضية تحرير المرأة فكريا واقتصاديا وتحرير المجتمع من آفات كثيرة منها آفة الانفجار السكانى، فالمرأة الواعية المثقفة المستقلة اقتصاديا لا تنجب إلا طفلين غالبا، كما أن القيم والتقاليد البالية التى يعيد التعليم الدينى والسياسى إنتاجها فى كل عهد وفرضها على العقول منذ الطفولة، ومنها الخوف من نار الجحيم والطاعة العمياء والإيمان الأعمى بما يقوله شيخ الأزهر، والزواج المبكر للبنات، وإخضاع المرأة للسلطة المطلقة لأبيها وزوجها، ومفاهيم الشرف الذكورى والعذرية وعزل البنات والنساء فى بيت الزوجية وتحريم مساهمتهن فى النشاط السياسى والاقتصادى والفكرى، كل هذا يساعد على تجهيلهن بحقوقهن، ومنها حق الحرية والعدل والكرامة، وحق العمل بأجر مساو لأجر الرجال، وعدم اعتبار الزواج والإنجاب الوظيفة الرئيسية للمرأة، وأن كثرة الحمل والولادة تضر صحة المرأة والمجتمع معا، وقد تزوجت أمى وهى فى الرابعة عشرة من عمرها وماتت وهى فى الخامسة والأربعين، وأنجبت تسعة من الأطفال، أنهكوها صحيا وأنهكوا أبى اقتصاديا، ومات مبكرا أيضا، وطالبت بتغيير قانون الزواج، ومنع الطلاق وتعدد الزوجات، والحرية الجنسية غير المسؤولة للرجال لإشباع نزواتهم العابرة، فالرجل يطلق حين يشاء، ويتزوج إذا أراد أربع نساء على الأقل، وينجب منهن عشرات الأطفال.

واتهمنى رجال الدين بالكفر والإلحاد، لأننى أخالف شرع الله، الذى أباح حرية الطلاق للرجال وتعدد الزوجات، واتهمنى رجال السياسة بأننى أتبنى أفكار أمريكا وإسرائيل للحد من عدد المسلمين.

كانت الحكومات المصرية الخاضعة للاستعمار الخارجى تسعى إعلاميا لتجهيل الشعب بأسباب الفقر والتخلف الأساسية بالتركيز على المشكلة السكانية وحدها، وتم اتهامى بالشيوعية من قبل الرأسماليين فى عصر السادات ومبارك، وأعلن الشيخ الشعراوى أننى أعمل لحساب الشيطان لمجرد سماعى الموسيقى، وهو يعمل لحساب الله، ودأبت جماعة الإخوان المسلمين على تشويه سمعتى،

تحول صديقى وزميلى القديم محمود، خلال السنين، انهزم أمام طغيان الفهلوة والنفاق، لم يعد يعرفنى، رأيت صورته فى الصحف مع الوزراء والوزيرات، ينحنى ويتلقى وسام التنوير والعلمانية، يدعو إلى محاربة الإلحاد والعودة للإيمان بالله لحل مشاكلنا الاقتصادية والأخلاقية، 
اتصلت بى زوجته الأولى، وكانت طبيبة زميلة لنا نبيلة الأخلاق مخلصة له، لكنه لم يكن مخلصا، أقام علاقة سرية مع طبيبة شابة تصغره بأربعين عاما، تزوجها سرا وطلق زوجته الأولى غيابيا، ثم اكتشف أن زوجته الثانية الشابة تخونه مع طبيب شاب زميلها، فأرسل لها ورقة الطلاق بالبريد، وأخيرا تزوج ابنة عمته الريفية الساذجة الفقيرة لترعاه وأطفاله العشرة، متأكدا من عذريتها وعدم تلوث عقلها بأفكار تحرير المرأة.

وحين أصابنى المرض مؤخرا، وتخلى زملائى الأطباء عنى، جاءنى صوته عبر التليفون معاتبا، يا نوال كيف تذهبين إلى طبيب عيون دون استشارتى، أعرف طبيبا عظيما يمكنه علاجك بكفاءة، وسوف أتصل به ونأتى معا لزيارتك بالبيت ورعايتك طبيا، ثم كتب مقالا بالصحف بعنوان «نوال السعداوى كاتبة عالمية»، قيمة وقامة تستحق جائزة نوبل، وقلادة النيل، ومضت الأيام والشهور دون أن أسمع منه، وإن اتصلت به أجد تليفونه مغلقا حتى اليوم، تليفونه مغلق، وأسفت وضحكت على هذه النخبة الليبرالية العلمانية التنويرية، التى تتلون مع كل نظام، وأصبح النفاق مرضا مزمنا يجرى فى عروقها مجرى الدم ويورث فى الجينات للأبناء والأحفاد.


محنة الدكتورة نوال! 

ترقد الدكتورة نوال السعداوى فى بيتها هذه الأيام، وهى تقاوم المرض وتصارعه، بينما لسان حالها يردد ما كان خالد بن الوليد يردده وهو على فراش المرض.. كان يتطلع حوله ويقول: أموت فى فراشى كما يموت البعير، وليس فى جسدى موضع إلا وفيه رمية سهم، فلا نامت أعين الجبناء!.


وعندما أُصيبت فى إحدى عينيها هذا الصيف، لأن طبيبًا أخطأ فى التشخيص، ازدادت يقينًا بأن الذين عاشت تدافع عن حقهم فى الحياة من آحاد الناس لا يزالون فى حاجة إلى الكثير من الدفاع منها ومن غيرها، ليكونوا آدميين إذا ما ذهبوا يطلبون خدمة عامة من الدولة!.
وهل هناك ما هو أهم من خدمة الصحة فى حياة أى إنسان، ثم خدمة التعليم من بعدها؟!.. إنهما الخدمتان العامتان الأساسيتان فى أى بلد.. بهما تُقاس آدمية الإنسان فى بلده.. وبهما وحدهما تقطع الأمم خطوات واسعة إلى المستقبل، أو تعود أميالًا إلى الوراء!.
وحين سقطت الدكتورة نوال على الأرض قبل أيام، حملوها إلى مستشفى حكومى شهير، فلما بقيت فيه ساعات طلبت أن يعودوا بها على وجه السرعة إلى بيتها القريب من المستشفى.. فالخدمة السيئة فيه على كل مستوى لا تليق بإنسان!.
فإذا كان هذا الإنسان هو نوال السعداوى، المعتزة بنفسها إلى أبعد مدى، كانت المعاناة مُضاعفة: مرة من قسوة المرض، ومرة من وطأة الإهمال!.

والمفارقة فى القصة كلها أن الدكتورة نوال دخلت المستشفى بمعرفة الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة ذات نفسها، فما بالك بالمواطن الذى يدخل دون أن يكون وراءه وزير ولا خفير؟!.

عن الحالة الصحية لوالدتى د. نوال السعداوى فى مستشفى معهد ناصر

لم تكد والدتى تفيق من أزمتها الصحية مع عينيها بعد الخطأ الطبى لعملية الكتاركت فى العين اليسرى والتى أجراها أحد الأطباء فى مستشفى معهد ناصر، والذى يقول هو وبعض منابر الإعلام إنه لم يخطئ وإنما الأمر متعلق بالسن.. طبعا هذا متوقع
كما أن الشيخوخة لا تهبط فجأة فى يوم وكانت أمى قبل العملية تمارس الرياضة وتسافر بشكل طبيعى.. المهم لم تكد تفيق من علاج عينيها حتى وقعت وكسرت عظمة الفخذ اليسرى وأجرت عملية تركيب مسامير يوم ١١ أغسطس الماضى فى المستشفى الجوى وظلت هناك حتى يوم ١٩ أغسطس، ونظرًا لأن البيت ليس فيه الخدمة والتمريض المطلوبان فقد نقلتها وزيرة الصحة إلى مستشفى معهد ناصر لأنه قريب من البيت وقالت «إنه جناح خاص يليق بالدكتورة نوال رقم ٢٦٠». وذهبت د. نوال إلى مستشفى معهد ناصر الخميس ٢٩ أغسطس على كرسى متحرك خاص بها، وقد اندهشت أن أمى تريد الذهاب إلى المستشفى نفسه الذى أجرت فيه عملية الكتاركت التى تسببت لها فى الكثير من الأذى والألم، لكنها كانت تريد المستشفى الذى تذهب إليه أن يكون قريبا من البيت ومع الأسف فإن مستشفى معهد ناصر قريب جدا من بيتنا.
ولكن أمى طلبت الخروج يوم الأحد ١ سبتمبر لأنها عانت من سوء الخدمة، وعدم وجود تمريض يسعفها إذا أرادت شيئا، وكان هناك ذباب فى الجناح والطعام فى منتهى السوء.
وكنت أرسل لها طعاما من البيت وفاكهة ومبيدا للذباب، وكانت أمى تستعين باثنتين من النساء على حسابنا الخاص لكى نضمن لها الرعاية، وكانت تكلمنى يوميا وتشتكى أنها مهملة وتعبانة، وكنت أكلم فورا مدير المستشفى أو نائب المدير وقلت لها « يا أمى سنحضرك إلى البيت بدلًا من هذا الوضع الذى لا يليق بك ولا يليق بأى إنسان».
وقد كلمتنى وزيرة الصحة يوم الجمعة ٣٠ أغسطس صباحًا وقالت لى إنها ستغلق معى الهاتف وتتصل بالدكتورة نوال لتطمئن على حالتها، لكنها حتى يوم الخروج الأحد ١ سبتمبر لم تتصل بها ولو مرة واحدة.
د. نوال أمى الآن فى البيت نعطيها العلاج اللازم والعلاج الطبيعى الخاص بعيدا عن رعاية وزيرة الصحة وبعيدا عن الإهمال وسوء الخدمة ومعاملة الممرضات الفجة فى مستشفى معهد ناصر التابع لوزارة الصحة والسكان.
لقد خرجت من هذه التجربة أكثر إيمانا بأنه أفضل مليون مرة أن يموت الإنسان من ألم الجسد ووجع المرض وهو على فراش بيته بكرامته، من أن يموت على فراش مستشفيات الحكومة من الإهمال المزرى وتردى الخدمة ورعاية وزيرات الصحة،
وأيضا تأكدت أنه لا كرامة لنبى فى وطنه؛ فالدكتورة نوال دفعت ثمنًا باهظًا ولا تزال، من أجل تحرير العقل العربى وحفظ حقوق النساء والرجال ونهضة الوطن العربى بالكتابة والمواقف والمحاضرات فى مصر وفى العالم.


د. نوال السعداوى تكتب: أنوثة الفلاحة فى الحقل.. وأنوثة الطبيبة فى المدينة

شهوة العقل إلى المعرفة هى أعنف شهوات الإنسان، رجلا كان أو امرأة، وهى تفوق الشهوة إلى الطعام أو الجنس. وهذا هو السبب أن الإنسان وحده دون سائر المخلوقات كلها يمكن أن يضحى بطعامه وشرابه ومتعته الجنسية، بل بحياته كلها، من أجل إرضاء عقله وفكره. إن قصص هؤلاء النساء والرجال الذين ماتوا واستشهدوا فى الزنازين لفترات طويلة بدون طعام أو شراب أو جنس هى دلائل على مدى عظمة العقل الإنسانى الذى يفضل شهوة المعرفة لخلق حياة أكثر عدلا، حتى لو كان الثمن

وحتى اليوم، لا يساوى المجتمع بين المرأة والرجل، فى نظرته إلى التعليم والعمل. والدليل على ذلك أننا نشترط على المرأة العمل لو استطاعت «التوفيق بين البيت والعمل. أما الرجل فهو يعمل فى كل الأحوال، ولا أحد يسأله هل يستطيع التوفيق بين بيته وعمله. ويصل الأمر بكثير من النساء والرجال الذين يعتبرون أن خدمة بيت الزوجية وظيفة أساسية للمرأة أن يعتبروا النظافة والغسيل والطبيخ- أعمالا عظيمة لا تقل عظمة عن الخلق الفنى، والتفكير المبدع. ويذهب البعض إلى أن الأنوثة الطبيعية تجد فى مثل هذه الأعمال سعادة، ولذة، وتحقيقا للذات، مثلما يسعد ويستلذ ويحقق ذاته العالم، والموسيقار، والأديب، والفيلسوف. حب النظافة، هكذا يقولون، فطرة الأنوثة. وقد تصبح المرأة، طبيبة، أو مهندسة، أو وزيرة، أو أستاذة جامعية، لكنها حين تعود إلى البيت تمسك بالمكنسة لتنظف البيت. وما زال البعض من الرجال يعتبرون أن عمل المرأة خارج البيت يؤدى بها الى الانحلال الأخلاقى. إذن بقاؤها فى البيت سترة لها وحماية لأخلاقها، وشرفها الذكورى الذى هو شرف الرجل، الزوج، أو أى ذكر فى الأسرة، والعائلة، وأيضا حفاظا على أنوثتها الناعمة الرقيقة. لقد نسى هؤلاء الرجال أن الأغلبية الساحقة من نساء مجتمعاتنا يخرجن فجر كل يوم للعمل فى الحقول، ولم أسمع أن واحدا من هؤلاء المدافعين عن الأنوثة، والشرف، قد عارض خروج الفلاحات إلى الحقول. فهل العمل فى الحقول، فى نظرهم، يتفق مع الأنوثة، والشرف، وطبيعة المرأة؟ هل الخروج إلى الحقل مختلف عن الخروج إلى المصنع أو المكتب أو الجامعة أو المستشفى، أم أنهم يتصورون أن أنوثة المرأة الفلاحة فى القرى غير أنوثة المرأة الطبيبة فى المدن؟! إن حقيقة الأمر ليست أن الرجل يدافع عن أخلاق وشرف وأنوثة المرأة، لكنه يخاف على نفسه من أمرين أساسين هما: ١- استقلال المرأة الاقتصادى بعيدا عنه. ٢- تفتح عقل المرأة لشهوة المعرفة، فخروج ملايين الفلاحات إلى الحقل يوميا على مدى الزمان لم يحقق لهن أبدا الاستقلال الاقتصادى عن الرجل أو الزوج. فالفلاحة تعمل فى الحقل، أو هكذا أغلبية الفلاحات، بدون أجر، فهى تعمل لحساب زوجها رب الأسرة، أو لحساب أبيها أو أخيها أو أى ذكر فى العائلة، كذلك عمل المرأة داخل البيت من كنس وتنظيف وطبيخ هو عمل بدون أجر. كل هذه الأعمال اليدوية والجسدية هى أعمال أو أنشطة لا تفتح شهوة العقل إلى المعرفة، بقدر ما ترهق، ومع مرور الوقت تصبح تكرارًا رتيبا، كما عمل الآلات، يبعث على الملل، والكآبة. وهى لا تعطى العقل فرصة للتفكير الحر، ولا دافعا للخلق والإبداع. ولا يختلف أحد على أن الاستقلال الاقتصادى، هو أول خطوة تجاه الإنسانية السليمة. جميع النظريات العلمية تدل على أن الصفات التى نطلق عليها الصفات الطبيعية للمرأة، أو الرجل ليست إلا صفات مكتسبة من البيئة، والتربية، ودور الشخص فى المجتمع. فالرجل الذى يفرض عليه الفقر أن يكون كناسا أو جامعا للقمامة يصبح مع مرور السنوات أقل قدرة على التفكير الحر المبدع، من الرجل الذى يعمل فى مجال البحث العلمى. والمرأة التى يُفرض عليها مكنسة التنظيف، تصبح أقل قدرة على إعمال عقلها من المرأة الأستاذة فى الجامعة. إن قضية تحرير المرأة لن تحدث فى يوم وليلة، أو فى عقدين من الزمان. هى قضية كبرى تتطلب جهودا كثيرة من النساء والرجال معا. وقضية تحرير المرأة ليست معركة ضد الرجل كما يحاول البعض سهوا، أو عمدا تصويرها. هى معركة ضد الأفكار المتخلفة وأفكار استعباد البشر، سواء حمل هذه الأفكار رجال أو نساء.


ومتى كانت نوال السعداوى.."نبيَّة"؟!


بادئ ذى بدء، لا أعلم متى ولا كيف تمَّ تكليف "نوال" بالرسالة أو النبوة، ومن الذي كلفها بها، وهل هي من أنبياء الأرض، أم من أنبياء السماء، ولا هي مُرسلة للمصريين فقط، أم للعالم كافة، ولكن ما أعلمه حقًا هو أن المذكورة اختارت منذ البداية أن تخاصم أديان السماء، خاصة الإسلام، وتتخذها سخريًا. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تجاوزه إلى السخرية من الذات الإلهية، تعالى الله عما يصفون!

"نوال" – التي تكمل في الشهر المقبل عامها التاسع والثمانين- دأبت في جميع مؤلفاتها وحواراتها ومقابلاتها التليفزيونية، على هدم كل ما هو راسخ، وتدنيس كل ما هو مقدس، ومساعدة الشيطان في إغواء البشر، وهو ما جعلها مرغوبة خارجيًا، فتم تكريمها ماديًا ومعنويًا، شأن كل من يحتشدون في خندق خصومة الإسلام!

البضاعة الأساسية والمهمة عند "نوال" بشأن الإسلام تتمثل في إنكار فرضية الحجاب والترويج للعُرى والانفلات الأخلاقى في أحطِّ صوره، ووصم فريضة الحج بأنها "وثنية"، وإنكار كل ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، وهو ما ينعكس في مُجمل أعمالها، على غرار: رواية "سقوط الإمام"، "المرأة والجنس"، "الأنثى هي الأصل"، و"الإله يقدم استقالته من اجتماع القمة"، والأخير تم منعه من النشر في مصر.

الباحث "أحمد أبو زيد" يُشخص حالة "نوال" قائلًا: "أرادت أن تحقق لنفسها شهرة واسعة، فلم تجد لذلك وسيلة إلا الطعن في الدين، وهو نفس الطريق الذي سلكه قبلها: "سلمان رشدى" و"نسرين" تسليمة" و"علاء حامد"، فكلهم دخلوا خندقا واحدا، بعد أن أصبح الطعن في الدين الوسيلة الأسرع للشهرة في هذا العصر الذي كثر فيه المرجفون الذين يحملون أسماء إسلامية ويعيشون بيننا ويحاربون ديننا وعقيدتنا".

أما الكاتب "رونى فلحوط"، فانتهى بعد قراءة دقيقة لأعمالها إلى أن "الإرث القمعي الطويل في المجتمعات العربية، وانتكاسات مشروعات النهضة عبر التاريخ الحديث، رغم التضحيات التي قادتها النخبة على اختلاف توجهاتها، دفع مفكرين ومثقفين إلى مصير مؤلم تراوح بين الانسحاب، أو مغازلة الأنظمة الاستبدادية ذاتها، أو الارتماء في حضن المؤسسات الغربية التي تقدم وصفة سحرية للديمقراطية" واصفًا تلك النتيجة بأنها "ليست سوى خطاب استعمارى مُستتر بآليات عمل جديدة".

يعتبر "فلحوط" الكاتبة العجوز بأنها "واحدة من ضحايا هذه الحرية المزعومة؛ فهى بدلًا من مقاومة سيف «الجلاد»، تحولت إلى جلاد من نوع آخر يلهب ظهر الإنسان العربى، داعية إياه إلى التحرر الآن وحالًا وفورًا، عبر "خطاب مراهق واستعلائي يصل إلى حد الشتم والتسفيه"!

تقول "نوال" في خطاب لها يمثل أعلى حالات المرض وعبادة الذات، ولا يختلف كثيرًا عن أعراض مراهَقة فكرية واضحة تمثلت في كتابها الذي يحمل توقيعها باسم والدتها، بدلًا من اسم أبيها، لتصبح: "نوال زينب"، بدلًا من "نوال السعداوى"، تحت وهم رد الاعتبار للنساء "المحرومات" من أن يحمل الأبناء أسماءهن أسوة بالرجال!


آراء وأفكار "نوال"، تسير على "طريق الرضا الغربى"؛ حيث إن أبرز معاركها هي: الحجاب وختان الإناث وتعدد الزوجات وتحميل الإسلام مسئولية تخلف المجتمعات العربية وتدهور الحياة المدنية. وخلاصة قراءة مؤلفاتها لا تمنح القارئ جدلًا فكريًا عميقًا يدفعه إلى مراجعة أفكاره حول مُسلّمات عتيقة، ولا تمارس حفرًا في جذور الاستعباد العربى عبر قرون طويلة، إنها مجرد مناوشات سطحية إعلامية تنفّر، ولا تُحرر، وتدل على مأزق شخصى تعانى صاحبته من عقدة اضطهاد مزمنة، كان ينبغى عليها أن تحاول علاجها قبل أن تصف «روشتة» العلاج للآخرين.

مهيب الأرناؤوطى"، أحد مَن اهتموا بالحالة "النوالية"، فكتب عنها قائلًا: إنها تعتبر أن الحجَّ وثنية، وأنها لا تعرف هل الله ذكر أم أنثى، بعد أن أعلنت حبها لإبليس؛ لأنه متمرد وليس خانعًا، وهاجمت الذات الإلهية في روايتها "سقوط الإمام".

فهل بعد ذلك كله، وغيره كثير جدًا، ترى ابنة "نوال السعداوى" أمها نبيَّة، وتستنكر عدم توفير أقصى درجات الرعاية الطبية لها، رغم أن الأخيرة تملك من المال ما يعفيها من ذل السؤال وتسوُّل العلاج عبر وسائل الإعلام، ولكنها آفة الميسورين المصريين الذين يريدون الاستئثار بكل شيء في هذا الوطن، ناسين أن هناك فقراء ومُعدمين لا يجدون علاجًا أو طعامًا أو كساءً، ولا يعلم أحد عنهم شيئاَ، وهم أوْلى منها بالعلاج والرعاية والاهتمام، ثم إن الإنبياء والمرسلين –يا سيدتى- يُعانون في حياتهم كثيرًا، ويضربون المثل في الصبر وتحمُّل البلاء، فهل سمعتِ يومًا أن نبيًَّا أو رسولًا يتلقى العلاج في المستشفيات الفاخرة؟!

*

 "أنت امرأة متوحشة وخطيرة"، فكتبت قائلة "أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة".

 تم تجريم عادة ختان الإناث في مصر عام 2008، بينما أدانت السعداوي استمرار انتشارها.

فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس" الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة المعروف باسم الختان، وقمع النساء.

شنت حملة ضد ارتداء الحجاب، لكنها هاجمت في الوقت نفسه استخدام مساحيق التجميل والملابس الكاشفة، مما أثار غضب زميلاتها من الناشطات النسويات.

عام 2018 عن إمكانية تخفيفها حدة انتقاداتها، أجابت السعداوي قائلة "كلا. يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم".

*

المحرمات/ التابوهات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، التي دأبت طوال نحو ستة عقود على تعريتها وانتهاكها. 

مؤتمر الأزهر لـ «تجديد الفكر والعلوم الإسلامية» العام الماضي، دار جدل بين شيخ الأزهر أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، تحدث فيه الطيب «بصراحة تامة» عن عمق الأزمة التي يمر بها الإسلام. وفي ثلاث جمل، لخّص دراما المحرمات الثلاثة: «شخصيتنا انتهت، الغرب يقضي في أمورنا في غيابنا، ولم يبقّ من الإسلام- في حياتنا - إلا مسألتا: الزواج والطلاق والميراث».

الحصن الأخير هو منظومة الأحوال الشخصية والميراث، وحولهما ستدور «معركة فاصلة»، ظهرت طلقاتها الأولى الشهر الماضي عبر واقعتين: الأولى متعلقة بتداول نسخة مقترحة لمشروع قانون للأحوال الشخصية (خاص بالمسلمين) أحيل للبرلمان، لكن تأجّل النظر فيه إلى حين إجراء «حوار مجتمعي» بشأن بنود أثارت جدلاً كبيراً. إذ نُظر إليه على أنه ردة هائلة على القانون الحالي، فالمشروع المقترح ينزع عن المرأة حقها في اختيار زوجها ويضع الذكر «الولي» وصياً عليها مدى الحياة. وقد واجه المشروع هجوماً شديداً من خلال حملة «الولاية حقي» التي قادتها مصريات يعشن «معاناة» يومية مع القوانين التي تحرمهن حقّ الولاية على أولادهن، وعلى أجسادهن حتى في بعض الحالات. وعبر وسم الحملة على فايسبوك وتويتر،

مشروع القانون المقترح يحوي نصوصاً صارخة في تمييزها ضد المرأة، تنفي عنها الأهلية القانونية. الواقعة الثانية عُرفت إعلامياً بقضية «مقتل سيدة السلام» التي أثارت جدلاً صاخباً حول «حق المرأة في السكن بمفردها من عدمه».

كتابها الرائد «المرأة والجنس» (1972)، حيث رصدت مختلف أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة.

زوجها الثالث الكاتب والسياسي الشيوعي، شريف حتاته، بـ «الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض». لكن وقع الطلاق بينهما بعد زواج استمر 43 عاماً، لأنه «كان كاذباً. كان على علاقة بامرأة أخرى. تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي. ألف كتباً عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته. أنا متأكدة أن 95% من الرجال هكذا»

منجز هائل قدمته بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية والكتابات العلمية التي تمزج بين التأريخ والأنثربولوجي والبحث الاجتماعي. لذلك تبدو في نظر الناقمين على انتهاكها المحرمات الثلاثة شخصية رجيمة تستوجب العقاب، لكنها من جانبها ظلت حتى لحظاتها الأخيرة وفية لنظرتها أن «الأنثى هي الأصل» وأنها «أكثر قدرة من الذكر... وأعلى قيمة» والعنوان بمفرده ينسف السردية التاريخية الأبوية الذكورية من أساسها.

*

مناضلة راديكالية رأت عدوانيّة العالم وخاضت معاركها بجرأة

ضد السلطة السياسية الرأسمالية التي رأت أنها ساعدت في تسليع المرأة وتراجع أوضاعها. تدلّل على ذلك مقولتها «إن جذر اضطهاد المرأة يرجع إلى النظام الرأسمالي الحديث الذي تدعمه المؤسسات الدينية».

كل شخصياتها من النساء هن ضحايا لمجتمع ذكوري يمتلك مقاليد الثروة ويضع قوانين للرغبة والعلاقات الإنسانية

خلاف على صيغ الترحم

يرفض الاستعانة بصيغ تعبر عن الرؤية الدينية للحياة والموت، للترحم على الكاتبة التي يتهمونها بمعاداة الأديان.

 "تكفير" الكاتبة ومهاجمة كل من يترحم عليها.

صيغا تخص المتدينين فقط يراه آخرون تعابير إنسانية ورموزا تشمل كل المتشاركين في اللغة والوطن.

صنيف الناس جنّة و نار مما سيجعل وفاة كهذه مناسبة انتصارية تُمارس فيها طقوس هذه العادة.
اذا توفّى طاغية ولّا فاسد بتقولو "اذكروا محاسن موتاكم",

تفاعلاً مع تلك الضجة، نشرت دار الإفتاء المصرية بيانا تستنكر فيها تعليقات الشامتين في وفاة الكاتبة.

يرفضون الترحم على نوال السعداوي بحجة أنها لا تؤمن بالله بينما هي تؤمن بالله أكثر منهم لأنها عرفت أن الله هو الحرية والعدل والكرامة والمحبة. ...رحمة الله عليك يا نوال السعداوي وكل من عرف الله بقيم الإنسانية العظيمة.

من يترحم على #نوال_السعدواي اما جاهل في دينه او فاسق ملحد مثلها

حرب الرموز

 اختزال مفهوم المرأة البطلة ضمن أداور وسرديات تقليدية، فتحصرها مثلا في صورة المرأة المستكينة أو الأم الحنون التي توفق بين عملها ومنزلها أو صاحبة الأعمال الخيرية.

 حملة الشتائم التي طالت الناشطة المصرية بعد وفاتها، بأنها نتاج لتعاليم "النظام الأبوي الذي يرفض تمثيل المرأة كرمز للبطولة".

عم لا نملك مفاتيح الجنة والنار فهي بيد الله الواحد القهار، لكن أن تجعلوا #نوال_السعداوي رمزاً وفخراً وقدوة !! وهي التي قضت حياتها كلها في التطاول على الله ومحاربة دينه، فهنا لن ندعكم تخدعون بناتنا ونساءنا أبدا.

*

#نوال_السعداوي : كل ما يقوله الإعلام الغربي عن السيسي وأنه ديكتاتور ويعتقل النساء ، أكاذيب ، هذا إعلام صاحب أجندة لتشويه السيسي ، وتقول لمذيعة بي بي سي : أنا أعيش في مصر وأعرف الوضع أكتر منك !!

واستشهدوا بآرائها الداعمة لثورة 25 يناير والناقدة لبعض القوى الخارجية، وما وصفتها بالعولمة الاستغلالية والسيطرة الاستعمارية.

"الأفكار التقدمية في المجال النسوي لا يمكن فصلها عن المجال العام للحريات في البلاد".

*
 طارق البشري إسلامي أم وطني، محمد عمارة عقلاني أم سلفي، نصر أبو زيد مسلم أم كافر، نوال السعداوي مؤمنة أم ملحدة؟
كل فريق يأتي بنصوصه الحرفية المأخوذة من سطر هنا أو تصريح هناك، ويُهمل رصد التجربة، في مجملها، واقعها، وسياقاتها، ومخاضاتها، ومكابداتها، وتقلّباتها، ويفرح بما لديه، ويقدّم لجمهوره ما 

يشتهي، ويحصُد الإعجابات الكاذبة، وتستمر الملهاة المأساة.
ما أسهل أن تأتي بنصوصٍ لنوال السعداوي تُثبت كفرها، وما أسهل أن يأتي غيرُك بنصوص وشهادات تثبت إيمانها،

حين يخبرني أحدهم أن فلانا قال، أسأله متى قال، وأين قال، في أي موقفٍ وفي أي سياق وفي أي تاريخ وفي أي ظرف، وفي أي سن، وفي أي وسيط، هل كتب مقالا أم كتابا، أم "بوست" ردا على آخر، أم تعليقا ردّا على تعليقات، أم استفزه مذيع "توك شو" لينتزع منه ما لم يقصده حرفيا؟ من هنا، يمكنني التمييز بين معرفة هادئة وأخرى أنتجتها سجالاتٌ ونزاعاتٌ ومناظراتٌ، لا قيمة لها.

مع نوال السعداوي لا أتوقف كثيرا أمام صحة فكرة أو خطئها، مثاليتها أو واقعيتها. أتوقف، أولا، أمام قدرتها على طرحها، جنوحها، جموحها، طموحها، قوة إلقاء "طوبة" مؤنّثة في وجه زمن ذكوري، معدوم الرحمة والرجولة، وإسالة الدماء منه أيامًا وشهورا وسنين. لم تكن نوال واقعية، ولم تكن المسافة بين مشاعرها وكتاباتها كبيرة، ولم تهتم هي بتبرير أفكارها أو تشفيرها، طرحت ما لديها، كما هو، ودفعت ثمنه، حية .. وميتة.

*

بين النقائض

بمنح الكاتب المصري سيد القمني جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله، وهو المتهم بالإساءة إلى النبي الكريم، في مجتمع "متديّن بطبعه" (!)، ومتابع للبرامج والقنوات الدينية، وتكثر في مساجده حلقات التدين السلفي، بل وباتت تلك المساجد تُخرج دعاة جددًا كل يوم، مفسرًا ذلك بأن "هذه هي الثقافة".

فرض الخطاب الثقافي العربي النظامي هذين النموذجين كنقائض، وأغلق المساحة النقدية بينهما، لا لشيءٍ سوى أن أزمة الأنظمة العربية مع الثقافة هي في فعل النقد. من هنا، يمكن تفسير تماهي هذين النقيضين مع الدولة في بطشها، بما يجعلهما توأمين وليسا نقيضين. القمني هلل لمذبحة ميدان رابعة العدوية، والسلفية في مصر هللت للرئيس "النبي" الآتي من الدم والديكتاتورية!

عرّت وفاة نوال السعداوي المشهد نفسه، مرة أخرى، بما يجعلنا نتخيل فاروق حسني (بات رمزًا للثقافة في دولة العسكر الآن، وشاهدًا على الثقافة، وليس متهمًا!) فرحًا بمدى "الثقافة" في تعاملنا مع إرث الراحلة. إذ انقسم الجمهور إلى النقائض نفسها التي بناها النظام المصري والعربي منذ عقود؛ بعضهم أخرج الراحلة من الملّة، ولعنها حيث ألقت؛ هالكةً في الهوالك، في استعراض من الخواء والسوء لا نهاية له، ولو كان باسم السماء. وعلى الضفة المقابلة، جوقة أخرى لا تختلف كثيرًا عن السابقة، رفعوها إلى منزلة الشهداء والقدّيسين والأنبياء، وهي التي وقفت إلى جانب أنظمة ديكتاتورية وقمعية ودموية.

هذان النقيضان المتطابقان يذكراننا بخطاب تيارٍ ملحدٍ راكمه فشل الخطاب الديني، لا يملك حجّة موضوعية نقدية معرفية في إلحاده سوى فشل الخطاب الديني، معرّفًا أوحد لهويته، في مقابل تيار متديّن يصدر ثقافة المناظرات الأقرب إلى المبارزات، وليس إلى التفكير والجدل والنقد، فقط ليقف على جثة أحدهم، يستحضر دين الرحمة، ويتشفّى بالموت


لم تهدأ نوال السعداوي إلا بعدما سقطت من يدها الورقة وسقط القلم. لم تكن تشبه أحداً، ولا كانت جزءاً من حركة. كانت حركة نسوية بذاتها، ومظهراً نسائياً عنيداً من سمرة الريف الحادة، وبياض الشعر الثلجي. حربها الحقيقية لم تكن مع الرجل، بل مع المرأة المكسورة أمامه.

Mar 22, 2021

أيقونةٌ ضحية شهرتها

كان "المرأة والجنس" كتابا ثوريا، موثوقا وجذّابا. ونحن، في بيروت، في "بيئتنا" الثقافية، كنا قد قرأنا الأدبيات النسوية الغربية، وباستعداد تلقائي على الإعجاب بها. ولكن السعداوي، بما ضخّته علينا من مادة مباشرة في هذا الكتاب، تعيدنا إلى واقعنا "الملْموس" (كما يقولون)، تشحذْ خيالنا الواقعي، وتحرّضنا على طرح الاسئلة على محيطنا خلال غوْصنا في النظريات النسوية الغربية.

وبعد سنوات قليلة، يقوم أنور السادات بمبادرة، سوف تسجَّل في سيرة نوال السعداوي: قبل اغتياله بشهر، يأمر باعتقال 1500 مواطن مصري، تغلب عليهم الميول الإسلامية. من بينهم 53 مثقفا وصحافيا ينتمون إلى أحزاب اليسار، والسعداوي منهم. والسبب معارضة هؤلاء المواطنين اتفاقية كامب دافيد. وفي وقت لاحق، في عهد حسني مبارك، تتعرّض السعداوي لحملات تشهير ودعاوى حسْبة. ودائماً بعد تصريحات نارية لها، مكرّرة، مثيرة للجدل، تمّر على شاشات التلفزة، يشاهدها الملايين. فتزيد "حملات التضامن" معها وضد التيار السلفي الإسلامي، ما يكسبها مزيدا من الشهرة خارج مصر.

السعداوي مثل يساريين مصريين تقليديين عديدين، تختار العسكر، تفضلهم على الإخوان المسلمين. العسكر أكثر "حداثة" منهم

هكذا، صارت نوال السعداوي شخصية عالمية، تهتم بها المؤسسات والجمعيات الغربية النسوية. تعتبرها ضحية "تخلّف" مجتمعها. فتستضيفها في جامعاتها، ومكتباتها، وتطلب منها التكلّم بشؤون المرأة المصرية. وبين رحلةٍ وأخرى، أو ندوة، أو مؤتمر وآخر، وترجماتٍ لكتبها إلى كذا لغة أجنبية، ومحاوراتٍ في صالونات كتب غربية وبعض العربية، ومقابلاتٍ على شاشات مختلفة، وجوائز رفيعة... طُوِّبت السعداوي مناضلة ونسوية ومفكرة وأديبة، صاحبة عشرات الروايات (لها خمسون كتابا). هكذا حلّقت في العُلا...

هذا التحليق بالذات، ومنذ بدايته، أضاع أصل الكتاب الأول "المرأة والجنس"، وراحت السعداوي تكتب ثم تكتب.. في البدء، تابعتُها، مع كتبها الثلاثة اللاحقة: "الرجل والجنس"، و"الأنثى هي الأصل" و"الوجه العاري للمرأة العربية". ولكن هذه الكتب كانت تلخيصا أو نقلا أو نسخا لما صدر من الفكر الغربي من أدبياتٍ تخصّ تحرير النساء. حاولتُ بعد ذلك قراءة بعض كتبها "الأدبية"، فكانت روايات تبسيطية، "أيديولوجية"، فاقدة للجاذبية.

ماذا حصل لنوال السعداوي بعد النجاح الباهر وتطويبها شخصية مناضلة ونسوية؟ إنها دخلت في الإطار- الفخ الذي تفرضه الشهرة على بعض أصحاب الطبائع النرجسية الحادّة. أي أنها، أي الشهرة، توقف نموهم الإبداعي، أو الفكري. تجمّده في لحظة انتصاراته الأولى التي عشقها هؤلاء منذ النظرة الأولى. و"الانتصار" هنا ليس بالكتاب وحسب، وإنما أيضا بإكليل اليسارية النضالية. مناضلة ومفكّرة.

في هذا الإطار الضيق - الواسع، لم تتمكّن السعداوي من متابعة رسم طريقَيها الاثنين: الفكري والنضالي. بالنسبة للفكر، فاتَها ما طرأ على المجتمع المصري، كغيره من المجتمعات العربية. دخلت عليه "الهيمنة الثقافية" الإسلامية (بالمعنى الغرامشي للكلمة، أي "هيمنة طوعية"). ومن أشكال التعايش مع هذه الهيمنة ومقاومتها، خرجت شخصياتٌ إسلاميةٌ نسائية لا تقلّ طغياناً عن السعداوي (صافيناز كاظم)، وظواهر فكرية نسوية جديدة (مجموعة "المرأة والذاكرة")، ومعان جديدة للحجاب (محجّبات ولكن عصريات)، وعناوين أخرى للنضال النسوي (التحرّش الجنسي) وأطر فكرية جديدة للمسألة النسوية (النسوية الإسلامية)... وكلها لا تسترشد بالشعارات التي باتت السعدواي معروفةً بها. وكأن ثمّة هوة بين النسويات المصريات، محجّبات أو سافرات، وبين أعظمهن شخصية، وأكثرهن "عالمية". هن، من جهتهن، يطوّرن معاني الحقوق النسائية تبعاً لتفاصيل الميدان المصري وموارده. كما فعلت السعداوي في كتابها الأول. فيما هي منْكبّة الآن على إطلاق شعارات حول العذرية، الميراث، الحجاب، الختان .. إلخ... في الإسلام، تعيش على وقعْ تكرارها. فلا تثير غير الجدل الصاخب والمُغْلَق.

أما الطريق "النضالي" لفكر السعداوي فيعيدنا إلى ظاهرةٍ، يمكن تسميتها "اللحظة التاريخية في حياة مناضل": عندما يبلغ المجد بدخوله إلى السجن أو مواجهته الشجاعة للحاكم. وكل الذين عاشوا تلك "اللحظة" بقوا على قيد الحياة. وإلا ما كانوا استمتعوا بها، وحوّلوها إلى "رصيد معنوي"، أو "رأس مال رمزي"، يسبقهم اسمهم به، حيث ما جالوا. وذلك كله يمكن أن يحصل لهم، سواء استمرّوا بـ"النضال"، أو لم يستمرّوا. فمن بين زملاء السعدواي اليساريين الخارجين من السجن شخصيات التحقت بأجهزة الدولة، وبلغت أرفعها، فصارت "الوجه المتنوّر" للنظام: اليساري القديم الموالي للسلطة، الذي لا بد أن يجْلب خيراً للأمة. ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق