بعض الناس يسعون باجتهاد ليكونوا "رقم واحد" في كل جانب من جوانب حياتهم .. فيسعون لامتلاك أفضل موبايل.. وأفضل سيارة.. والسكن في أفضل منطقة في أفضل عقار.. لتحقيق أقصى سعادة ممكنة.. أتحدث هنا عن الذين يسعون للحصول على الخيار المثالي الأول، لا الخيار الممتاز أو الجيد أو الذي يؤدي الغرض أو يشبع الحاجة.. هؤلاء الذين يفتحون التلفزيون ليشاهدوا برنامجا ما، فينظروا للقنوات الاخرى ليتأكدوا أن خيارهم هو الخيار الأمثل.. و إذا اختاروا طريقا ما في حياتهم، يسعون بجد لمعرفة ما آلت إليه أمور الذين اختاروا مسارات أخرى ليتأكدوا أن خيارهم هو الأفضل، و ليس أي خيار آخر.
قام الباحثون بدراسة هذه الظاهرة ، لمعرفة العواقب النفسية التي تصاحب من يعيشون حياتهم بهذه الطريقة.. و كانت النتيجة مفاجئة. فقد وجدوا أن سعي الإنسان الدائم ليحصل على أفضل الخيارات الممكنة في حياته اليومية، له علاقة بإصابته بـ: - قلة السعادة - ضعف التقدير الذاتي - قلة التفاؤل - تضاؤل الرضا عن الحياة - زيادة الاكتئاب - الشعور المتكرر بالندم!
في دراسة.. أراد العلماء معرفة الإجابة..فجاؤوا بمجموعة من الناس و قسموهم لمجموعات.. جعلوا مجموعة يختارون الشراء من بين ٦ أنواع من الحلوى. و جعلوا مجموعة ثانية يختارون من بين ٣٠ نوعا من الحلوى. فأيهما كان سعيدا أكثر بما اشتراه؟
من المفترض أن المجموعة الثانية ستكون أكثر سعادة لأنها تمتعت بخيارات أكثر.. إلا أن الحقيقة كانت عكس ذلك.. و هي أن أفراد المجموعة الأولى كانوا هم الأكثر رضا عما اشتروه. فما هو السبب؟
علميا، حين يواجه الإنسان قرارات أقل، يكون اتخاذه للقرار أسهل. فحين تزيد الخيارات أمام الإنسان يواجه عقله عدة تحديات، و هي أن عليه جمع معلومات أكثر ليستطيع المقارنة من بين كل هذه الخيارات، كما ترتفع توقعاته و تطلعاته لوجود خيارات كثيرة، كما أنه يكون أكثر عرضة للندم بعد ذلك، لأنه يعرف أن الخيارات لم تكن محدودة و كان يمكنه اختيار الأفضل!
في عالم اليوم، أصبحت الحياة أكثر تعقيدا و تشعبا و ازدادت الخيارات أكثر مما كان عليه أسلافنا في الماضي.. فعندما كنت تجلس في المقهى قديما كنت تختار شرب الشاي أو القهوة مثلا.. أما اليوم، حين تجلس في الكوفي شوب سيكون عليك الاختيار من بين عشرات أنواع شاي و عشرات أنواع القهوة.. فهل تفضل شاي الإفطار الإنجليزي أم إيرل جراي أم شاي أخضر أم أبيض (نعم هناك شاي أبيض!) و هل تريد الفرابتشينو أم الموكا أم اللاتيه؟ صوص الكراميل أم البندق أم الشيكولاته أم التوت الأزرق أم الكرز أم النعناع؟ كل هذه القرارات في مكان تقصده أصلا كي ترفه عن نفسك و تستريح ذهنيا!
لو كنت تنشد القرار الصحيح في كل جوانب الحياة، فلن تكون راضيا أبدا لأن هذا -ببساطة- غير موجود. كل شيء -مهما دققت الاختيار- فيه حتما عيوب ما. لو لم تستطع تقبل أن ما اخترته فيه عيوب يمكنك التغاضي عنها، فلن تكون سعيدا أو راضيا عن حياتك أبدا.. لأنك إن كنت اخترت خيارا آخر، كنت ستجد فيه عيوبا أخرى و تظل غير راض.. إنها طريقة تفكير يا عزيزي!
خذ الأمور ببساطة و ركز في ما هو مهم. فليس من المفيد أن يقضي المرء وقتا أطول من اللازم أمام رف السوبرماركت ليقارن عشر سلع متطابقة في الجودة و المكونات و السعر ليحاول معرفة الأفضل.. بدلا من أن يشغل باله في كيفية تطوير نفسه مهنيا مثلا.
باختصار..
في عالم اليوم، صارت الخيارات المتاحة لنا كثيرة جدا بحيث أصبح واجبا علينا ترشيد استهلاك قوانا العقلية للتركيز فيما هو أكثر أهمية. هناك أشياء مهمة تستحق أن نولي لها جل اهتمامنا و تركيزنا، و أخرى يمكن أخذها ببساطة دون حاجة لإثبات تفوقنا فيها. من المهم أن تسعى لتكون الأفضل في مجال يهمك، و من النضج أن تقبل أن تكون العاشر في مجالات كثيرة لا تهمك. اسع لتحقيق سعادتك الخاصة، لكن السعي نحو تحقيق"أقصى سعادة ممكنة" مرهق نفسيا و قد يأتي بنتائج عكسية..
لا تسع للكمال و امتلاك أفضل شيء طوال الوقت.. فالأهم من الموبايل ما سيقال فيه، و الأهم من السيارة المكان الذي ستذهب بها إليه.. ليكن جل اهتمامك في أهداف حياتك الكبرى. بدلا من الإصرار على التفوق الدائم في الصغائر.. لذلك قيل يوما: لا تجعل أغلى ما فيك هو ما ترتدي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق