اللى ما تعرفوش!!
بقلم طارق الشناوى ١١/ ٩/ ٢٠١٩
(أهل الثقة وأهل الخبرة) تلك المعادلة التى باتت تحكم مع الأسف المنظومة كلها، حيث إن الدولة تعتمد على اللى تعرفه من أهل الثقة، أكثر من اللى ما تعرفوش من أهل الخبرة، التخبط الإعلامى الحادث الآن سببه الثقة المطلقة فى أهل الثقة.
الخوف من المغامرة واحد من الموروثات التى دأبنا عليها، نعيد تدوير ما نعرفه ومارسناه نحن وأجدادنا، الخروج بعيدا هو ما نتجنبه، لأنه يتطلب جهدًا مضاعفًا، اتباع حرفيا ما شاهدنا عليه السلف يمنحنا جرعات مكثفة من الكسل اللذيذ، نردد فى الأدبيات العربية هذا المثال ربما مع تعديلات طفيفة (عصفور فى الجيب خير من ١٠٠ على الشجر)، التحرك وقوفا فى المكان بدلا من التحرك للأمام، الدنيا كلها تتقدم عندما نرنو للأفق البعيد.
أول شروط الإبداع أن ينسى الإنسان ما يعرفه، ولهذا يقولون إن من يرد تعلم قرض الشعر فعليه أن يحفظ أولا ألف بيت ثم ينساها.
عليه اكتشاف أبجديته المختلفة وخياله الخاص، استمعت قبل أشهر إلى إعادة تسجيل للشاعر أحمد رامى قال فيه إنه فى البداية كلما عرض شيئا مما كتبه على أستاذه (شاعر النيل) حافظ إبراهيم، جاءت إجابته (دى عاملة زى صباح الخير صباح النور)، حتى أطلق لخياله العنان، وهنا هتف حافظ إبراهيم (اليوم أنت التحقت بقبيلة الشعراء).
المغامرة هى التى دفعت أم كلثوم، فى عز تألقها مع الملحنين الكبار الشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطى ومحمد القصبجى، لأن تمنح الفرصة لملحن جديد لم يبلغ الثلاثين بليغ حمدى وزميله الشاعر عبدالوهاب محمد وتغنى لهما (حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه)، بينما كانت قبلها تردد (عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك)، تحمست سيدة الغناء العربى لأغنية كان من المفترض أن ترددها المونولوجست الشهيرة ثريا حلمى، لأنها لمحت فيها جرأة لم تتعود عليها.
لديكم مثلا محمد فوزى عندما لحن بلا آلات موسيقية أغنية (كلمنى طمنى)، فصارت واحدة من التجارب الإبداعية التى يدرسها طلاب المعاهد الموسيقية.
المنتجة اللبنانية مارى كوينى حذروها من الأفلام التاريخية فأنتجت ليوسف شاهين (الناصر صلاح الدين) فتحول إلى أيقونة للسينما المصرية.
قررت المخرجة اللبنانية نادين لبكى أن تغامر وتنتج فيلمها (كفر ناحوم) إلى درجة أنها تعثرت فى تسديد قسط المدرسة لابنها، وحصد الفيلم العام الماضى جائزة لجنة التحكيم من مهرجان (كان)، وكانت هى أول مخرجة عربية تصل للترشيح النهائى لأوسكار أفضل فيلم أجنبى، وحقق الفيلم أعلى إيرادات لشباك التذاكر داخل وخارج لبنان، وضمنت على الأقل أن تظل قادرة على دفع مصاريف ابنها حتى الجامعة، نعم انسى اللى تعرفه وهات اللى ما تعرفوش، انسى أهل الثقة وفكر فى أهل الخبرة!!
+++++++++++++++
مصباح علاء الدين..!
مينا مسعود، بطل الفيلم العالمى علاء الدين، فى حواره الرائع مع منى الشاذلى
مينا مسعود يقول بثقة: «ماكنتش مصدق إنهم هيردوا عليا» «عملت الأوديشن وبعته وقلت أكيد مش هيشوفوه!!».
مينا وغيره كثير بييجوا فى لحظة يفكرونا إنه فى مكان ما من العالم فيه فرصة- ولو ضعيفة- إنك تتشاف لو موهوب.. إنك تقدر تعمل حاجة مستندا فقط على توفيق ربنا وموهبتك.
إعادة تصدير فكرة الفرصة.. أن يكون لك فرصة عادلة فى مكان، وإنك تتمتع بنفس الحقوق والامتيازات مع شركائك فى هذه البقعة من العالم.. هو ما يجعل هذه البقعة (وطن)!.
الحقيقة إنى بيقين تام أقدر أقولك إن فكرة (الاختبار) قبل الحصول على وظيفة أو موقع مهم إعلاميا وسياسيا وإداريا تقريبا شبه منعدمة.. آلية إن ده يحصل مش موجودة... حتى وإن مرت فكرة عند شخص مخلص فى مكان ما إنه يعمل كده.. مش هيعرف..! الفكرة نفسها مش مطروحة. كل الأمل إنك «تترشح» لموقع ما.. والحقيقة فكرة ترشيح الأشخاص فى حد ذاتها صح وممكن تؤدى لنتائج هايلة إذا طبق لها برضه حاجة العالم كله بيشتغل بيها اسمها «المعايير»، معايير ترشح شخص لموقع- خاصة إذا كان مؤثرا فى وعى الناس أو صحتهم أو سلامتهم- معايير غالبا بتكون عالية بشكل مرعب بعدها ييجى دور الترشيحات...
الناس العادية تستحق فرصة.. الناس العادية تستحق أن تحتفل بنجاحات صغيرة تتحقق على المستوى الشخصى ليهم.. لأنه مهما بدت سعادتهم بنجاح النموذج الملهم أو بنجاح الوطن ككل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق