Oct 5, 2019
وردت الإشارة الأولى لمصطلح «أهل السنة والجماعة» في بدايات القرن الثالث الهجري. طبقاً لشيخ مؤرخي الإسلام، ابن جرير الطبري، أرسل الخليفة المأمون، العباسي، من محل إقامته، آنذاك، في الرقة، قبل قليل من وفاته في 218 للهجرة، كتاباً إلى عامله في بغداد، إسحاق بن إبراهيم، ينتقد فيه من نسبوا أنفسهم إلى السنة، وقالوا أنهم «أهل الدين والحق والجماعة».
أمر المأمون في كتابه ابن إبراهيم باستدعاء العلماء والفقهاء والمحدثين والقضاة، الذين يدعون بأنهم «أهل السنة والحديث»، لامتحانهم في معتقد خلق القرآن، الذي أراد أن يجعله مذهب الدولة الرسمي وأن يجبر الناس عليه.
هذا أول ما سيعرف في حوليات الإسلام بالمحنة، وأول الصراع، الذي سيطول بعد ذلك، بين المعتزلة المبكرين وأهل السنة الأوائل. بدأت إجراءات المحنة بالقبض على عدد من العلماء والفقهاء، وفي مقدمتهم أحمد بن حنبل، الذين امتنعوا عن القول بخلق القرآن، وأرسلوا إلى الخليفة في محل إقامته. ولكن، وبعد قليل من مغادرة قافلة المعتقلين، جاء الخبر بوفاة المأمون، فأعيدوا إلى بغداد.
استمرت المحنة طوال العقدين التاليين، وربما وصلت أشد لحظاتها أثناء خلافة المعتصم؛ ولم تنته إلا بتولي المتوكل. خلال القرنين التاليين، الرابع والخامس الهجريين، لم يحسم الصراع بين أهل السنة والمعتزلة لصالح الأولين وحسب، بل وأصبح أهل السنة الإطار الأوسع للإسلام، تيار الإسلام الفسيح، والحاضن الرئيسي لجماعته.
مجموعة العلماء والفقهاء والمحدثين، الذين لم يتردد الخليفة، الذي كان على درجة عالية من العلم، من أن يطلق عليهم اسم أهل السنة والجماعة (وإن أنكر عليهم هذا الوصف)، هم من عرفوا آنذاك بأهل الحديث، مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين ويحيى المديني، وغيرهم. وهم من عارضوا مقولة المعتزلة المبكرين بخلق القرآن، ووقف عدد منهم، وعلى رأسهم ابن حنبل، في مواجهة الخلفاء العباسيين الذين ارادوا فرض المعتقد الجديد على جماعة المسلمين، وانتصروا في النهاية.
المصطلح كان قد استقر نسبياً في الفضاء الإسلامي وأصبح يحمل مدلولات محددة، أبرزها، في تلك اللحظة التاريخية، الإصرار على أن القول بخلق القرآن هو بدعة لا أصل لها في معتقدات المسلمين، والقول، في المقابل، أن القرآن هو كلام الله، وأن هذا هو معتقد سلف المسلمين، أو الأجيال الثلاثة الأولى منهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.
تصوفة، ومعممين معروفين بولائهم لأنظمة قمعية وانقلابية عربية، بيان يحدد أهل السنة والجماعة بالأشاعرة والماتريدية والمتصوفة، ويقول بأن السلفيين والتيار الإسلامي السياسي، سيما جماعة الإخوان المسلمين، ليسوا من أهل السنة والجماعة.
لا يختلف خطاب مؤتمر غروزني، من قريب أو بعيد، عن الخطاب الداعشي، أو خطاب جماعات التكفير والهجرة، الصغيرة والهامشية، التي سبق ظهورها، في سبعينات القرن الماضي، ظهور داعش وأخواتها.
كلاهما يعتقد أن الطريق إلى الله ضيق وصغير ولا يضم أحداً سواهما، وأن الخلاص الإنساني محصور بحدود مقولات ومعتقدات فئة طرفية من المسلمين، الذين يبدون أقرب إلى المعتوهين والمرضى منهم إلى أهل العلم والتقوى. وكلاهما يحاول أن يجعل من أهل السنة والجماعة، الذين هم عموم جماعة المسلمين، خيمة الإسلام الكبرى وتياره الواسع،مترامي الأطراف، طائفة هامشية.
وكلاهما، فوق ذلك، يحاول النبش في تواريخ ومواريث مضت، لم يعد لها من أثر كبير في حياة عموم المسلمين، لتسويغ موقفه، الذي هو في الواقع موقف أقلية ضئيلة، لا تكترث لها الأغلبية العظمى من المسلمين المعاصرين، ولا تثق بها، ولا بدوافعها وعلاقاتها السياسية المثيرة للشكوك.
أطلق وصف أهل السنة والجماعة، أولاً، على أهل الحديث، ولم يكن هناك بعد من أشعرية ولا ماتريدية ولا متصوفة. لم توجد جماعة متصوفة بغداد، نواة التصوف الإسلامي الأولى، التي تطورت من دوائر الزهاد المسلمين، إلا في نهايات القرن الثالث الهجري.
ولم تبرز مدرسة أشعرية أو ماتريدية حتى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. وحتى أبو الحسن الأشعري، الذي توفي في العقد الثالث من القرن الرابع، اعتبر نفسه على مذهب أحمد، ومن المدافعين عن مقولات أهل السنة والجماعة كما قال بها أهل الحديث. والمعروف، اليوم، أن من يوصفون بالسلفية، يقولون بأنهم امتداد لأهل الحديث، أول من حمل صفة أهل السنة والجماعة. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، تسمت جماعات سلفية التوجه في الهند ومصر، كما في غيرها، باسم أهل الحديث.
قول نيتشة أن كل شيء له تاريخ، لا يمكن تعريفه
*
هل حقًا الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة؟
من الألقاب التي يحاول "الأشاعرة" احتكارها، كغيرهم من الفرق لقب "أهل السنة والجماعة"، وينكرون على غيرهم استخدامه باعتبارهم وحدهم الطائفة المنصورة، أو الفرقة الناجية التي أخبر النبي صلى الله عليها وسلم عنها في الحديث الصحيح: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
ليس المقصود هنا توصيف أهل السنة، مقابل الشيعة، فالفرق بينهما كبير وله مباحث أخرى، ليست من شأننا الآن، وما نتناوله هنا هو البحث المتجرد في النزاع القائم إلى الآن حول مفهوم أهل السنة والجماعة بين الأشاعرة، وغيرها من الفرق الإسلامية السُنية.
في "الفقه" بمعنى "المستحب" أو "المندوب"، وفي علم "أصول الفقه" بمعني "الدليل الشرعي"، أو "الأدلة الإجمالية المتفق عليها" وهي الكتاب والسنة والإجماع، وفي علم الحديث يطلق على كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير.
وقال: "ويطلق أيضا في مقابلة البدعة؛ فيقال : فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال : فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك، وكأن هذا الإطلاق إنما اعتبر فيه عمل صاحب الشريعة؛ فأطلق عليه لفظ السنة من تلك الجهة، وإن كان العمل بمقتضى الكتاب".
(انظر: الموافقات، للشاطبي، الجزء الرابع، ص191)
كما اشتهر إطلاق لفظ السنة أيضا على علوم العقيدة، يقول ابن رجب: "وكثير من العلماء المتأخِّرين يَخصُّ السُّنَّة بما يتعلَّق بالاعتقاد؛ لأنَّها أصل الدِّين، والمخالف فيها على خطَر عظيم".
(انظر: جامع العلوم والحكم، الجزء الثاني، ص 120)
ومن هنا فقد جاء النزاع بين الفرق الإسلامية حول من ينطبق عليه الاسم ومن الأولى باستحقاق اللقب، في مقابل أهل البدعة- أي البعد عن منهاج النبوة في تقرير مسائل العقيدة- واعتماد المناهج الدخيلة على الإسلام وقد وضع العلماء شروطا واضحة في كل كتب المتأخرين والمتقدمين لمنهج أهل السنة، إلا أن أغلب الفرق تدعي لنفسها أنها صاحبة الحق في استخدام لقب أهل السنة والجماعة، وتحاول أن تدلل على ذلك بكل ما استطاعت، حتى انفردت فرقة الأشاعرة باللقب الذي يقدمونه على اسم الفرقة، فيقولون "أهل السنة والجماعة، الأشاعرة، وبالتالي باتت تقدم نفسها على أنها الفرقة الناجية، وأن الصلاح فيما رأت وأن غيرها من الفرق الأخرى مهما كانت مطابقة الشروط عليها، جميعها "أهل بدع".
شروط أهل السنة والجماعة
تمثل عقيدة أهل السنة والجماعة المنهج الواضح، الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمه صحابته الكرام، وطبقوه في حياتهم ونقلوه إلى من تبعهم بعد ذلك، وتواتر عنهم إلى اليوم، ويطلق عليهم أحيانا مصطلحات أخرى منها "السلف"، والطائفة المنصورة، أو الفرقة الناجية، طبقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع أساس هذه العقيدة التي تمثل الإسلام بشقيه العملي والاعتقادي، وبالتالي فإن النسبة إلى أهل السنة هي نسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته، وكذلك التسمي بالسلف أيضا هو تسمي بما أقره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من تكلم بلفظ "السلف" وأطلقه على هذا المنهج، في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة عن فاطمة رضي الله عنهما قالت:
وتتلخص هذه الشروط فيما يلي:
1- أن مصدر التلقي في أمور الاعتقاد هو الكتاب والسنة، وأن هذا الدين كامل.
2- تقديم الشرع على العقل فيما يتوهم فيه التعارض بينهما، خاصة في الأمور الغيبية التي لا سبيل للعقل فيها.
3- ترك التأويل والبعد عن التحريف والتعطيل والتفويض.
4- الحرص على الجماعة ونبذ الفرقة.
5- الوسطية وترك الغلو.
وتعتبر الشروط الخمس السابقة هي أهم ما يميز أهل السنة عن غيرهم من الفرق خاصة في باب الاعتقاد
لأن جميع مسائل العقيدة تعتبر من الغيبيات التي اختص الله تعالى بها نفسه، وأنزل الخبر والعلم بها في كتابه الكريم على نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وبذلك فليس لأحد إنكار شيء منها أو تأويله، أو تفويض العلم به لله، لأن الله تعالى لم ينزل في كتابه ما يحير عباده، أو ما لا يريد إخبارهم به، وإلا لما أنزله؟، قال تعالى : {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192- 195]
*لسه
*
متى ظهر مصطلح "الأشاعرة" ولماذا هو مذهب الأزهر الشريف؟
2020/5
فكانت هناك فرقة المعتزلة بسمتها العقلانى الموغل فى العقلانية إيغالا أوجد حالة غير مبررة من التناقض بين نصوص الوحى الشريف وبين العقل، مما أوقعهم فى إنكار معجزات الأنبياء وإنكار صفات الله تعالى ومنها صفة الكلام التى ترتب على إنكارها القول بخلق القرآن الكريم.
وفقا لبيان لمركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية إن الأشاعرة هم غالب أهل السنة والجماعة فهم يمثلون أكثر من 90% من المسلمين، وعلى مذهب الأشاعرة كان كبار علماء أهل السنة، ومنهم الإمام الأشعري، والإمام الجويني، و الإمام الباقلاني، والإمام ابن حجر، والإمام الرازي، والإمام الغزالي، والإمام ابن عساكر، والإمام العز بن عبد السلام، والإمام النووي، والإمام البيضاوي، والقاضي عياض وغيرهم الكثير؛ ولهذا فمذهب الأزهر الشريف وعلمائه هو المذهب الأشعري، كما أنه مذهب جمع بين الأخذ بالعقل والنقل في فهم وإثبات العقائد، وهو مذهب قائم على تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله سبحانه وتعالى.
عقيدة الأشاعرة، فهى أنهم يُثبِتون لله عزّ وَجَلّ سبع صِفات، ويقولون بتأويل بقية الصفات، فيُثبِتون لله عزّ وَجَلّ (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، ومصدر التلقي عند الأشاعرة : الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام ؛ ولذلك فإنهم يُقَدِّمون العقل على النقل عند التعارض .
عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة لأنها لا تفيد العلم اليقيني ولا مانع من الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي، والمتواتر منها يجب تأويله.
لا يختلف الكثير حول نسب الأشاعرة إلى أهل السنة والجماعة، حيث قال ابن تيمية : " فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة"، وقال الشيخ ابن عثيمين : " أهل السنة يدخل فيهم المعتزلة ، يدخل فيهم الأشعرية، يدخل فيهم كل من لم يكفر من أهل البدع ، إذا قلنا هذا في مقابلة الرافضة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق