Nov 17, 2019
ليس التدين ظاهرة خارج الزمان والمكان والناس والتاريخ، وهناك فرق بين نظرة المتدين للدين ونظرة الباحث. فالدين عند المتدين إيمان، وظاهرة روحية أعلى من بقية المكونات المادية والمعنوية في الحياة البشرية. ليست موضوعاً للبحث، بل هي موضوع للتقديس. والظاهرة الدينية تنشأ من خارج التاريخ وليس من داخله، معطاة وليست مصنوعة، قبْلية وليست بعدية. في حين أن الظواهر الإنسانية موضوعات للبحث في العلوم الإنسانية من وجهة نظر الباحث. توضع تحت مجهر التحليل والنظر والتفسير. واعتبارها خارج التاريخ قد يحول دون الفهم، وينقص في أدواته ومناهجه. وبمجرد ما تتحول الظاهرة الدينية إلى موضوع مفهوم وإلى ممارسة وتحقق تزول منها الرهبة والخوف.
متى يشعر بالتدين وبالحاجة إلى الدين ومتى يلجأ إليه، في حالة الضيق والعسرة أو في حالة الطلب والعجز. وهو ما سماه القرآن الكريم «الخوف» و«الطمع». وقد يتدين الإنسان لاتقاء مكروه أو لتحقيق منفعة مثل الطالب الذي يتدين قبل أداء الامتحان حتى لا يرسب. ومثل الجندي الذي يحارب العدو حتى لا ينهزم بل ينتصر، ومثل صاحب رأس المال الذي يتدين حتى يتجنب الخسارة ويحقق الكسب، ومثل المريض وهو على فراش الموت يذكر الله حتى يمن الله عليه بالشفاء ويبعد عنه شبح الموت، ويطيل له الأجل.
علم النفس الديني
علماء النفس الاجتماعي مثل دوركهايم وبرجسون، سواء كانت ظاهرة نفسية اجتماعية كالدين البدائي، أو ظاهرة روحية كالدين الصوفي. الدين وسيلة للإجابة على الأسئلة الغامضة بالإجابة عن أصلها ونشأتها وليس وضعها وقانونها. فسؤال التكوين سابق على سؤال البنية. فالعالم مخلوق دون معرفة قوانين الخلق. هي ظاهرة مرتبطة بحاجات الناس، واللجوء إلى قوى فوقية لتحقيقها. وهو ما نقده القرآن الكريم، الإيمان بدافع الخوف أو الطمع (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً)، وكذلك (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً)، و(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً). وكأن الظاهرة الدينية تنتهي بانتهاء دوافعها، الخوف من الضرر، والطمع في النفع، والتحول من الخوف إلى الأمان (وَلَيُبَدِّلَنهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)، وكذلك (ومَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفاً). فالله هو المؤمِّن بعد الخوف، والمطعم بعد الجوع (فليَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ. الذِي أطعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). والمؤمن لا خوف عليه ولا ينتابه الحزن (وَلا خَوْفٌ عَليْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
التدين ظاهرة اجتماعية مرتبطة بوجود الناس وضرورة التضامن الاجتماعي. وهو موضوع علم الاجتماع الديني، فالدين عامل من عوامل التماسك الاجتماعي. ولذلك كانت صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد. والعبادات جميعها لها هدف اجتماعي. فالصوم إحساس بالفقراء والمحتاجين والمعوزين واليتامى والمساكين وأبناء السبيل. والزكاة حق الفقراء في أموال الأغنياء. والحج التقاء سنوي للأمة كلها، ثلاثة ملايين حاج في مكان واحد، وفي زمان واحد (وَأَذنْ فِي الناسِ بِالْحَجِّ يَأتوكَ رِجَالاً وَعَلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِنْ كُلِّ فجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلومَاتٍ عَلى مَا رَزَقهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأنعَامِ فَكُلوا مِنهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ). والأعياد والموالد كلها مظاهر اجتماعية للفرح والرضا عن النفس والتبرك بالأولياء والصديقين. بل إن التصوف ذاته تجربة ذاتية للفرد وطريقة للجماعة. والطرق الصوفية هي التي ورثت التصوف الفردي. وما أكثر الآيات على نبذ التفرق والتشيع والدعوة إلى التجمع. فوحدة الأمة انعكاس لوحدة الألوهية (إِنَّ الذِينَ فرَّقوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ). وما أكثر الأحاديث والآثار في هذا المعنى مثل: «يد الله مع الجماعة»، و«الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». وتكثر التشبيهات أن الأمة جسد واحد، إذا اشتكى عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. وليس من الأمة من بات جوعان وجاره طاو. فالإسلام دين الجماعة. لذلك انتشر في أفريقيا وآسيا، حيث يسود الترابط الاجتماعي. كما انتشر أخيراً في الغرب نظراً لتأكيده أيضاً على الحرية والمسؤولية الفردية (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فرْداً)، وكذلك (وَكُلَّ إِنْسَانٍ ألزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنقِه).
علم الاقتصاد الديني. ارتبط بالتجارة عند العرب. واستعملت التجارة كتشبيه في سياق ديني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلكُمْ عَلى تِجَارَةٍ تُنجيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ). والإيمان مكسب لا خسارة، ويضاعف الله الأجر لمن يشاء. والمؤمنون (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور). ومن يشتري الضلالة بالهدى لا تربح تجارته وهو من الخاسرين.
وكثيراً ما يكون الدافع على الأمانة في التجارة الخوف من الخسارة، والزيادة في المكسب. وهذا ما حلله ماكس فيبر في كتابه الشهير «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية». التقوى تؤدي إلى الربح، والحلال هبة من الله. وقد يتحول الدين نفسه إلى تجارة مثل التكسب بالعلم وقراءة القرآن وبالإفتاء، ووضع لافتات دينية لازدهار التجارة مثل محلات «التوحيد والنور»، وجزارة «الإخلاص»، وبقالة «الأمانة» و«إسلامكو»، وأزياء الحجاب المرصع بالجواهر و«الترتر» الذي يعكس الأضواء على الوجه الأبيض فيزداد جمالًا ولإيجاد فرص أكثر للزواج، وتخصيص الدور الأرضي كمصلى للإعفاء من العوائد والضرائب العقارية، والمباراة في الفتاوى من بعض مشايخ الفضاء والمدارس الإسلامية الخاصة التي تفرض اللغات الأجنبية وكلاهما هدم للتعليم الوطني، ودور النشر المتخصصة في كتب التراث. وكأن الإيمان الديني يقوم على الرهان وهي نظرة تجارية تقوم على تحقيق الربح وتجنب الخسارة.
وكثيراً ما يكون الدافع على الأمانة في التجارة الخوف من الخسارة، والزيادة في المكسب. وهذا ما حلله ماكس فيبر في كتابه الشهير «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية». التقوى تؤدي إلى الربح، والحلال هبة من الله. وقد يتحول الدين نفسه إلى تجارة مثل التكسب بالعلم وقراءة القرآن وبالإفتاء، ووضع لافتات دينية لازدهار التجارة مثل محلات «التوحيد والنور»، وجزارة «الإخلاص»، وبقالة «الأمانة» و«إسلامكو»، وأزياء الحجاب المرصع بالجواهر و«الترتر» الذي يعكس الأضواء على الوجه الأبيض فيزداد جمالًا ولإيجاد فرص أكثر للزواج، وتخصيص الدور الأرضي كمصلى للإعفاء من العوائد والضرائب العقارية، والمباراة في الفتاوى من بعض مشايخ الفضاء والمدارس الإسلامية الخاصة التي تفرض اللغات الأجنبية وكلاهما هدم للتعليم الوطني، ودور النشر المتخصصة في كتب التراث. وكأن الإيمان الديني يقوم على الرهان وهي نظرة تجارية تقوم على تحقيق الربح وتجنب الخسارة.
++++++++++++++++
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق