الحاجة إلى إعادة بناء الوجدان العربي لمواجهة العقول المغلقة
الوجدان المريض ليس قرينا فقط للروح المضطربة، بل قرينا للعقل المغلق
الفن يلتقي مع الدين، لأن كليهما يتعامل مع الوجدان، ومع الروح، ومثلما هناك معتقدات دينية خاطئة يحملها العقل الديني الضال، فإن هناك فنّا عشوائيا يحمله الوجدان الاجتماعي المريض.
حاجة ماسة إلى الانتقال من معارك الكراهية إلى معارك العيش المشترك والتنمية الشاملة، ولن يكون هذا ممكنا فقط بتحرير الوجدان من طاقة الغضب والضغينة والانتقام وسائر مشاعر الهدم، بل عبر إعادة بناء الوجدان لتغليب مشاعر البناء والحضارة والشعور بالجمال، على مشاعر التدمير والاضمحلال الحضاري والقبح.
ضرورة تطوير العقل، لكي يتخلص من طرائق التفكير القديمة، لينتهج طرائق تفكير جديدة تساعد على تنمية القدرة على الوعي بالمشاعر والانفعالات، والتحكم فيها وقيادتها من دوائر الكراهية والقبح الفني إلى دوائر التنمية والجمال الفني.
أستاذ فلسفة الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة، رئيس جامعة القاهرة حاليا. يجمع الخشت بين التعمق في التراث الإسلامي والفكر الغربي، وتقدم أعماله رؤية جديدة لتاريخ الفلسفة الغربية تتجاوز الصراع التقليدي منذ بداية العصور الحديثة، وتتميز مؤلفاته بالجمع بين المنهج العقلي والخلفية الإيمانية، حيث نسج منهجًا جديدًا في فنون التأويل، يجمع بين التعمق في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وتاريخ الأديان والفلسفة.
ويعد الخشت رائدا في علم فلسفة الدين في العالم العربي، نظرا للثقل الفكري والأكاديمي الذي يظهر في كتاباته التي أسست لهذا التخصص منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث مهد كتابه "مدخل إلى فلسفة الدين" (1994) لذلك. استطاع التمييز بين العناصر العقلانية وغير العقلانية في الأديان، مستندا إلى المنهج العقلاني النقدي في كتبه، ومن بينها: "المعقول واللامعقول في الأديان بين العقلانية النقدية والعقلانية المنحازة" 2006، "العقلانية والتعصب" 2007، "الفلسفة الحديثة: قراءات نقدية" 2009، "تطور الأديان" 2010، "المشترك بين الأديان والفلسفة" 2011، "معجم الأديان العالمية" 2013، "نحو تأسيس عصر ديني جديد" 2017، و"صراع الروح والمادة في عصر العقل" 2017.
إن صاحب العقل المغلق أشبه بالطفل في رحم الأم، كل عالمه هو هذا الرحم، وهو غير متصل مع العالم الخارجي، ولا يمكن لأحد أن يحاوره، ولا يمكن أن يخرج من هذا العالم المغلق بإرادته. إنه يظن أن الخروج من هذا العالم مهلكة، وهو يصرخ بأعلى صوته ويتلوى ويرفس عند إخراجه قسرا!
ولذا، لا يستطيع صاحب العقل المغلق أن يتجاوز ذاته أو عالمه الخاص، ومن المستحيل أن يرى أيّ شيء خارج عقله، ولا يستطيع أن يتجاوز أفكاره المظلمة، ولا يمكنه أن يرى غير أفكاره هو، ويعتبرها يقينية قطعية لا تقبل المناقشة، بل يصل به الحد إلى اعتبارها ذات طابع إلهي.. وأن الله تعالى معه! بل إنه ممثل الله على الأرض، والله ليس رب العالمين، بل ربّه هو فقط.
وعندما يدخل في صراع مع أحد؛ فالبديل الوحيد عنده هو إعلان الحرب المقدسة؛ فهو وحده على طريق الحق والخير، وغيره كافر، أو عَلماني، أو ضال، أو شرير أو فاسد. وهكذا يتحول معه العالم إلى: أبيض وأسود، ملائكة وشياطين، دار السلام ودار الحرب. وهذه الحالة من الانغلاق العقلي التي يعيشها تجعله منفصلا تماما عن الواقع؛ أسير أوهام يعتبرها مقدسة ومنزهة! وليس بوسع أحد أن يفرض على العقل المغلق الذي ينطلق من موقف عقائدي مغلق- قواعد وقوانين من خارج مفاهيمه وحقائقه هو، لأنه هو الذي يحددها ويختارها، ويلتزم بها بمقدار ما تخدم قضيته، وبما تتناسب مع الظروف التى يكافح فيها.
لاحظ معي أن العقل المغلق ينتقل من الموقف لنقيضه تبعا لأوهامه التي تتخذ نقطة ارتكاز مخادعة، ونقطة الارتكاز ليست هي الدين أو الوطن أو المصالح العامة، إنها فقط أهواؤه ومصالحه الشخصية المؤقتة، وهي نقطة مخادعة، لأنه يوهم نفسه ويوهم الآخرين في كل مرة أنها نقطة ارتكاز الدين أو الوطن، بينما هي في الحقيقة نقطة ارتكاز مصالحه الشخصية!
وحتى لا أطيل على القارئ، ألخص له مجموعة من السمات التي يتسم بها صاحب العقل المغلق، وهي:
1. الاستئثار بالحقيقة؛ أي يزعم أنه وحده الذي يعرف الحقيقة!
2. عدم الرغبة فى فتح قنوات للحوار مع الآخر.
3. إذا اضطر لفتح الحوار لا يقدم أية تنازلات.
4. لا يدخل في عهد، إلا إذا كان ضعيفا ومضطرا، وعندما يقوى، يقوم بنقضه على الفور.
5. التقية هي سلاحه الذهبي في خداع الآخرين.
6. إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر.
7. لا يبحث عن الأرضية المشتركة مع التيارات الأخرى.
8. ينغلق على نظام قيم معين بصورة جامدة.
9. ثقافة التسلط، حيث الرغبة في التحكم التام في الآخرين وفرض أفكاره ورغباته وطريقة حياته عليهم.
10. نفى الآخر؛ أي يعتبر المخالفين له على الباطل المطلق أو كفرة!
ومن غير الخفي، أن العقل المغلق ليس فقط طابعا يميز بعض التيارات الدينية الأصولية، بل هو طابع بعض الحركات الشيوعية والعلمانية أيضا التي تعتقد أنها تملك الحقيقة المطلقة!
+++++++++++++++++++
التجديد الذى نريده «1»
«الدستور» تنشر الكتاب الأخطر لـ«عثمان الخشت».. نحو تأسيس عصر دينى جديد
لا يمكن أن يقنعنى أحد بأن الإسلام السائد فى عصرنا هو الإسلام الأول الخالص والنقى، حتى عند أكثر الجماعات ادّعاءً للالتزام الحرفى بالإسلام، فأنا أقيس صواب كل فكرة، أو نسق فكرى، بالنتائج المترتبة عليها، فالفكرة الصواب هى التى تعمل بنجاح فى الواقع وتنفع الناس..
والإسلام الأول كانت نتائجه مبهرة فى تغيير الواقع والتاريخ، أما الإسلام الذى نعيشه اليوم فهو خارج التاريخ ومنفصل عن واقع حركة التقدم، ولذلك باتت من الضرورات الملحة اليوم العودة إلى «الإسلام المنسى»، لا الإسلام المزيف الذى نعيشه اليوم، ولا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من «الموروثات الاجتماعية» و«قاع التراث»، و«الرؤية الأحادية للإسلام»، فالنظرة إلى الإسلام من زاوية واحدة وضيقة تزيّف الإسلام، ولذا من الفرائض الواجبة توجيه النقد الشامل لكل التيارات أحادية النظرة، سواء كانت إرهابية أو غير إرهابية.
إن المشكلة ليست فى الإسلام، بل فى عقول المسلمين وحالة الجمود الفقهى والفكرى التى يعيشون فيها منذ أكثر من سبعة قرون.. لقد اختلط المقدس والبشرى فى التراث الإسلامى، واضطربت المرجعيات وأساليب الاستدلال، ولذا من غير الممكن «تأسيس عصر دينى جديد» دون تفكيـك العقل الدينى التقليدى وتحليله للتمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام، فهذه مقدمة من بين مقدمات عديدة من أجل تكوين خطاب دينى جديد يتراجع فيه لاهوت العصور الوسطى، الذى كان يحتكر فيه المتعصبون الحقيقة الواحدة والنهائية.
إن كل ما جاء فى التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التى أعلنها القرآن جهد بشرى قابل للمراجعة، وهو فى بعض الأحيان اجتهاد علمى فى معرفة الحقيقة، وفى أحيان أخرى آراء سياسية تلوّن النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة، وفى كل الأحوال، سواء كانت موضوعية أم مغرضة، ليست هذه الآراء وحيًا مقدسًا، بل آراء قابلة للنقد العلمى.
تفكيك الخطاب الدينى، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقلى، وفك جمود الفكر الإنسانى الدينى المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية، حتى يمكن كشفه أمام نفسه وأمام العالم. وليس هذا التفكيك للدين نفسه، وإنما للبنية العقلية المغلقة والفكر الإنسانى الدينى الذى نشأ حول «الدين الإلهى الخالص».
وعملية «التفكيك» يجب أن تمر بمجموعة من المراحل، هى:
المرحلة الأولى: «الشك المنهجى».
المرحلة الثانية: التمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام.
المرحلة الثالثة: إزاحة كل «المرجعيات الوهمية» التى تكونت فى «قاع التراث».
وبعد التفكيك يأتى التأسيس، وأهم أركانه:
الركن الأول: تغيير طرق تفكير المسلمين.
الركن الثانى: تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة وأسلوب حياة وطريقة عمل جديدة.
الركن الثالث: تغيير رؤية العالم.. تجديد المسلمين.
الركن الرابع: تأسيس مرجعيات جديدة.
الركن الخامس: العودة إلى الإسلام الحر «الإسلام المنسى».
الركن السادس: نظام حكم يستوعب سنن التاريخ.
وعملية «التفكيك» يجب أن تمر بمجموعة من المراحل، هى:
المرحلة الأولى: «الشك المنهجى».
المرحلة الثانية: التمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام.
المرحلة الثالثة: إزاحة كل «المرجعيات الوهمية» التى تكونت فى «قاع التراث».
وبعد التفكيك يأتى التأسيس، وأهم أركانه:
الركن الأول: تغيير طرق تفكير المسلمين.
الركن الثانى: تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة وأسلوب حياة وطريقة عمل جديدة.
الركن الثالث: تغيير رؤية العالم.. تجديد المسلمين.
الركن الرابع: تأسيس مرجعيات جديدة.
الركن الخامس: العودة إلى الإسلام الحر «الإسلام المنسى».
الركن السادس: نظام حكم يستوعب سنن التاريخ.
ولن يتحقق كل هذا دون توظيف مجموعة من الآليات لتحقيق «حلول قصيرة ومتوسطة المدى» تشمل: التعليم، والإعلام، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، وذلك لـ«صناعة عقول» مفتوحة على الإنسانية فى ضوء العودة إلى المنابع الصافية، القرآن والسنة الصحيحة، وتغيير المرجعيات التقليدية، وتأسيس فقه جديد، وتفسير جديد، وعلم حديث جديد، وإزاحة كل «المرجعيات الوهمية» التى تكونت فى «قاع تراث» صُنع لغير عصرنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق