الأحد، 24 أبريل 2022

إخفاق الفردانية الحديثة وعالمية المعاناة.. دروس رواية "الطاعون" لزمن كورونا**********

Mar 23, 2020 Oct 15, 2021

مع تحول فيروس كورونا إلى "جائحة عالمية" وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، اندفع كثير من المواطنين -وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة- إلى المتاجر لشراء المواد الغذائية والسلع الأساسية بكميات كبيرة وتخزينها، وفي غضون هذا الذعر لم يفكر كثيرون في آثار هذا الاكتناز والتخزين على الآخرين الذين سيجدون مشقة في الحصول على السلع الأساسية بعد نفادها. 

ورغم أن التخزين يعطي إحساسا بالأمان، فإن هذا السلوك "اللاعقلاني" سيجعل هؤلاء الأشخاص أنفسهم ضحايا نقص المواد المتوقع، ولكن "هذه اللاعقلانية هي انتصار للفردية التي هيمنت على الثقافة السياسية البريطانية على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية"، بحسب مقال لأستاذ المحاسبة في جامعة شيفلد البريطانية بريم سيكا.

يقول سيكا إن البشر يزدهرون في السياقات الاجتماعية وعندما يهتمون بأحبائهم أو يساعدون شخصا غريبا أو يساهمون في بناء المجتمعات، وهذا الإحساس الجماعي هو أساس دولة الرفاهية، لكن هناك توترا مستمرا بين المصالح الفردية والجماعية.

وأصبحت هذه التوترات موضوع كتابات المفكر الاقتصادي فريدريش فون هايك، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974 والملقب بـ"أبو الفكر الليبرالي الحديث".

يركز هايك على الحرية الفردية ويعطي الأولوية لحقوق الملكية الخاصة، والحرية الفردية، والتجارة الحرة، والأسواق المفتوحة، والدور المحدود للدولة، وقدمت مثل هذه الفلسفات أسس ما أصبح يعرف باسم الليبرالية الجديدة.

الليبرالية الجديدة ويقول سيكا إن الفلسفات الليبرالية الجديدة سرعان ما أصبحت محور الأيديولوجيات السياسية التي تبناها الرئيس الأميركي رونالد ريغان (1981-1989) ورئيسة وزراء المملكة المتحدة مارغريت تاتشر (1979-1990)، ولم تكن الليبرالية الجديدة تؤثر على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات فحسب، بل وفرت أيضا تعريفا جديدا لما يعنيه أن يكون الإنسان سعيدا وناجحا

وأعادت هذه الفلسفات الحديثة بناء الدول والمجتمعات والأفراد ككائنات تنافسية تشارك في السعي المحموم الذي لا يتوقف نحو الثروة الخاصة والسلع المادية والاستهلاك، مما سيؤدي إلى حد ما إلى زيادة الثراء والسعادة، بحسب مقال سيكا لموقع ليفت فوت فورورد.

وهكذا جعلت سنوات تاتشر صنع الثورة والمال مقبولا بأي طريقة كان -كما يقول الكاتب- وتمت تنحية المعايير الاجتماعية جانبا ولم يتم إيلاء اهتمام كبير للعواقب، بينما نُظر بتشكيك لأي شخص يعارض الأيديولوجية الجديدة السائدة، ويعني الارتباط بين السلع المادية والاستهلاك والسعادة أنه لا يوجد حد لاكتساب المزيد والمزيد من الثروة، حتى لو كان لا يمكن إنفاقها، بحسب أستاذ المحاسبة بجامعة شيفلد.

الطاعونولكن مع تفشي جائحة فيروس كورونا، ظهر أننا نعتمد على المجتمع من أجل صحتنا ورفاهيتنا، وأن الفرد لا يمكنه أن ينجو وحده، وكلنا نعتمد على بعضنا بعضا، إذ لا يستطيع أي فرد بمفرده أن يحارب جائحة فيروس كورونا الجديد الذي لا يميز بين الناس.

ومع اتساع نطاق الخطر من المرض المعدي الجديد، قارن كثير من النقاد بين ما يجري حاليا وما سجله ألبير كامو عام 1947 في روايته الشهيرة "الطاعون" التي نشرت بعد الحرب العالمية الثانية.

*

حتى المعاناة يلزمها أموال

Jun 16, 2020

الفقراء في بلادنا لا يحبون بل ينجبون أطفالا يورثونهم أوهام الحب

من أنت أيها الفقير حتى تحب؟ اترك قلبك مستودعا للهموم اليومية والمتاعب الحياتية فلا تحمّله أكثر من وسعه. إن القلوب العاشقة خلقت لأهل السطوة والمال، أمّا أنت فلا تمتلك بين ضلوعك غير مجرد آلة لضخ الدماء في جسد يلهث خلف أدنى الاحتياجات.

*

هل فشل العلم في فهم «المعاناة»؟

كتاب عن الفيلسوف برتراند فيرجلي

«معنى الحياة، دراسة في فلسفة برتراند فيرجلي»

قضية المعاناة قد تشكل حولها في الثقافة الغربية تصوران أساسيان، وهما: التصور المسيحي الذي
 يرى أن الحياة ما هي إلا عقاب للإنسان، وما المعاناة إلا طريق للخلاص، فالألم هو تكفير عن الخطيئة الأولى تجاه الرب، الأمر الذي يجعل المعاناة تستحق التمجيد، فهي طريق المعنى الحقيقي. أما التصور الثاني فهو التصور الحداثي الذي جاء لينصب نفسه ضد المعاناة، إذ لا يمكن تحقيق معنى للحياة إلا إذا كانت خالية من الألم، فالزمن الحديث يرى في المعاناة تدميرا للمعنى، لذلك نجده يدين المعاناة ويسير ضدها.

خلاف التصورين معا، أي المسيحي والحداثي (العلمي-التقني)، ليعلن أن معنى الحياة ليس مرتبطا لا بالمعاناة ولا بغيابها، فالحياة تخلق معناها من ذاتها. فكيف ذلك؟

إن ثقافتنا الحداثية، يقول عنها فيرجلي، غالبا ما تعتبر المعاناة ثمنا وتتعامل معها بطريقة نفعية، وهنا يذكر الكتاب مجموعة من الأمثلة: ففي مجال الطب يصبح المريض مجرد أنموذج لمرض معين، فالداء يختار المريض ليطور نفسه ويتكشف من خلاله، ومهمة الطب هو تتبع ذلك، أما المعاناة فهي ما لا يقبل التشخيص أو الموضعة (جعله موضوعا للدراسة). فكم الهوة سحيقة بين العالم الطبيب ومعاناة المريض؟ المعاناة تصبح مجرد دلالة ومؤشر ظاهري، يخبرنا يوضع يسمح لنا بالتحرك بسرعة من أجل البقاء، باختصار المعاناة مفيدة. إننا نصل مع العلم بحسب فيرجلي إلى الباب المسدود، ولا يمكن أن نطمع من خلاله إلى إدراك كنه المعاناة. فالغائب في الطب هو ألم الشخص المريض نفسه، أو لنقل أن موضعة المعاناة تجعله أمرا لا إنسانيا.

 إذا اتجهنا صوب الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فسنجدهما مثالين صارخين يبرزان كون أن المعاناة ينظر إليها في الغالب من زاوية نفعها أو باعتبارها ثمنا أو تعويضا عن عمل وعن جهد وشقاء... فحينما نعاقب شخصا خرج عن الإطار المنظم للجماعة فهنا نكون قد ألحقنا به معاناة، وهي ضرورية لضمان وحدة الصف وتدبير الكيان الاجتماعي والحيلولة دون فقدانه توازنه. فالمعاناة كما نرى ينظر إليها على كونها لا تخلو من فائدة، وهذا هو التصور السائد، بل حتى وجوديا، إذا كنت تود تجاوز ذاتك والارتقاء بنفسك فإنك تحتاج إلى جهد وحركة تعال من أجل ذلك.

 المنسي في كل ما سبق ذكره هو الشخص الذي يتألم، فالمرء الحداثي أصبح يبالغ في عقلنة المعاناة والنظر إليها بطريقة مجردة عازلا إياها عن الذات، فحينما نشاهد أحداثا درامية ومأساوية في التلفاز، فإننا نشاهد معاناة طبعا، لكن وبدم بارد وسعيا منا لإعطائها المعنى، نبدأ في التحليل وإيجاد مبررات لها واتخاذ مسافة منها وإعطاء أرقام حولها. وهذا طبعا لا يصل إلى قلب معاناة المعني بها أبدا. لهذا يقول فيرجلي: «إن معنى المعاناة ليس إعطاء معنى له بل محاولة إيقافه»، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عبر الانخراط الكلي مع الآخر.

المعاناة» هي جزء من الحياة كالموت تماما، وحينما نتعامل معها حسابيا ولغرض الفائدة فقط، نسقط في نسيان الإنسان. فحين ننظر للمعاناة بعيون المنفعة نبرر للبربرية والقتل والاستغلال والتسلط سواء باسم الاقتصاد أو القوانين الاجتماعية أو حتى باسم الطب نفسه... إن الزمن الحديث باعتباره لا يتأمل ويكتفي بوضع الأشياء في قوالب عقلية صارمة من أجل الاستثمار والسيطرة يمنع نفسه من اقتحام الأشياء والاكتفاء بظاهرها. وهو ما يحدث مع قضية المعاناة، حيث لا يتم الوصول إلى قلبها أبدا.

*
تأمل مَن حولك، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والتعليمية والمادية والثقافية، ستجد أن هناك شيئا واحدا مشتركا، وهو أن الجميع يُعانون، بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة، قد يُعاني الفقير من الاحتياج إلى المال، وقد يُعاني الغني من الخوف من ضياع المال أو الرغبة المُلحّة في زيادته، يختلف الحال بين الاثنين، لكنهما يتفقان في وجود المعاناة.

 المعاناة حتمية؟ حسنا، لا يمكن تجنب بعض المعاناة في الحياة، بدءا من اصطدام إصبع القدم بالخطأ وصولا إلى فراق أحبائنا، فهي جزء أساسي من طبيعة الحياة البشرية. قد نتمكن من تجنب مشاعرنا تجاه هذه التجارب من خلال الإنكار، لكن في النهاية المعاناة والألم يحدثان، مهما حاولنا إنكارهما.

خلاف المعاناة التي هي جزء من طبيعة الحياة، هناك أيضا المعاناة غير الضرورية التي نخلقها بأنفسنا. ومن المفارقات، أن إحدى الطرق الرئيسة التي نُضيف بها معاناة غير ضرورية إلى حياتنا هي من خلال الطرق التي نحاول بها تجنب المعاناة الطبيعية. فمثلا، إذا كان هناك شخص ما يستخدم المخدرات أو الكحول لتخدير نفسه حتى يستطيع نسيان ألم خسارة أو فقدان شيء ما، فإنه يخلق معاناة إضافية وضررا جديدا في محاولة لتجنب المعاناة الأساسية والأضرار التي لا مفر منها التي خلقتها الحياة.

 كتابه "طبيعة المعاناة وأهداف الطب"، يقول إريك أكسيل، وهو طبيب باطني ومدير إكلينيكي لبرنامج دراسة الأخلاق والقيم الطبية في جامعة كورنيل، إنّ الأطباء لديهم فهم ضعيف للمعاناة. يعلّم التدريب الطبي الأطباء تشريح المرضى، وهذا مفيد في "فهم" الألم، لكن من أجل فهم المعاناة، يجب التركيز على تجربة الفرد، والكيفية التي يُدرك بها الشخص معاناته الخاصة، وكيف تؤثر المعتقدات الثقافية على تجربة الفرد في المعاناة

 فيكتور فرانكل، وهو طبيب نفسي نمساوي، وأحد مؤسسي "العلاج بالمعنى"، أنه خلال المعاناة يُمنَح الفرد الفرصة لإدراك حريته الأساسية في اختيار معنى لتلك المعاناة، فضلا عن معنى حياته كلها. ما يعنيه فرانكل هنا أن الحياة البشرية لا تتحقق فقط بالسعادة والاستمتاع، ولكن أيضا بالمعاناة.

 المرضى الذين يُعانون من أمراض جسدية شديدة مثل السرطان، فإن طلب القتل الرحيم غالبا ما يكون مدفوعا بأسباب عقلية، فهم يعتبرون أن حياتهم لم يعد لها معنى، ويخافون من المعاناة في المستقبل أو أن يكونوا عبئا على أسرهم، لذلك غالبا ما يظهر طلب القتل الرحيم في مرضى السرطان المعزولين أو المصابين بالاكتئاب

تساءل فرانكل مرارا: "لماذا لا أنتحر؟!"، قبل أن يطور منظوره الخاص للمعنى الذي يدفع البشر للاستمرار في الحياة على الرغم من المعاناة الشديدة.

علماء النفس الآن بشكل روتيني إلى أن المعاناة تزيد من نضجنا نحن الأفراد. ففي مقدمة كتاب "الوهن والمعاناة والرذيلة: الازدهار في وجه القيود البشرية"، كتب العلماء فاورز وريتشاردسون وسلايف:

لنكن صرحاء، نحن نعتقد أننا بحاجة إلى أن تعطينا الحياة ما نريد تماما حتى لا نشعر بالمعاناة، نريد أن نبني مستقبلا مثاليا أو نسترجع الماضي المثالي بالحنين، ونعتقد خطأً أن هذا سيجعلنا سعداء، لكن يمكننا جميعا أن نرى أنه حتى أولئك الذين تمتعوا بظروف حياة مثالية يعانون، حتى لو كنا أغنياء وجميلي الشكل وأذكياء ونتمتع بصحة تامة ولدينا عائلات وصداقات رائعة، فإن هذه الأشياء في وقت ما تنهار وتُدمَّر وتتغير، إما بموت أحد الأحباء، أو بالشيخوخة وتأثيراتها الصحية، أو بالموت في نهاية المطاف. على مستوى ما، نحن نعلم أن هذا هو حال الحياة.

قد يقودك للشعور بالمعاناة عدم قبولك لفكرة أن كل شيء مؤقت، تتحرك الحياة في دورات لتولد حياة جديدة، ولن يوقف أي شيء تلك الحركة. قبول أن كل ما هو موجود مؤقت فقط يسمح لك بالتخلص من ارتباطك بالأشياء والأشخاص، وبهذه الطريقة يُمكنك الاستمرار في التعلم والتطور.

قد يكون من الأسباب الرئيسة للمعاناة -كذلك- هو أنك تُركز بشكل مبالغ فيه على نفسك. عندما لا يحصل الناس على ما يعتقدون أنهم يستحقونه، فإنهم يجعلون من أنفسهم ضحايا، ويفترضون أن الآخرين كانوا أكثر حظا منهم أو انتزعوا منهم حقوقهم التي كانوا يستحقونها؛ فتصبح الحياة مجموعة متنوعة من الشكاوى اليومية. هنا يجب معرفة أنه كلما قللتَ الشكوى تَعلَّمتَ أكثر واستطعت تحقيق النجاح والتقدم.

من أسباب المعاناة -أيضا- العيش في الماضي أو المستقبل، فالحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات الحالية. الماضي هو مجموع كل اللحظات الحاضرة التي مرت، المستقبل عبارة عن مجموع كل اللحظات الحالية التي تنتظر حدوثها. اللحظة الحالية -بدورها- ليست سوى سلسلة من أفكارنا وأفعالنا، وهكذا، فإن الحياة هي سلسلة من أفعالنا. نحن نندم على أفعالنا الماضية ونقلق بشأن أفعالنا المستقبلية، وقد لا نُركز أثناء هذا على صنع أفعال حالية جيدة.(13) من الأفضل الاستسلام للحظة الحالية بدلا من مقاومتها. تقبل الظروف، خذ نفسا عميقا، ثم اسأل نفسك: "ماذا عليَّ أن أفعل الآن؟". راقب أفكارك دُون حُكم، حدد الإجراءات التي ستدفعك إلى الأمام، ثم افعلها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق