الاثنين، 2 أغسطس 2021

منى حلمى كاتبة مصرية *************

التفرقة بين النساء والرجال فى الحياة الخاصة والعامة .
Mar 9, 2020

اتحاد النساء قوة سياسية نبحث عنها منذ وقت طويل، وقوة هذا الاتحاد تنبع من أمرين لا بديل عنهما. الأول، هو الوعى النسائى. والثانى، هو التضامن، ولذلك نجد أن الأنظمة السياسية الاستبدادية، التى هى بالضرورة أنظمة ذكورية تترك النساء يتكلمن، يتناقشن، يلتقين فى مؤتمرات، أو فى ندوات، لمهاجمة الفكر الذكورى، ولا تفعل ضدهن شيئًا. فهى تدرك أنهن لا يشكلن أى خطر، طالما أنهن متفرقات فى جزر منعزلة.

فالقوة الحقيقية على إحداث تغيير أو ثورة، تأتى من الوعى المنظم، والتضامن الجماعى. وإذا توفر الوعى مع التضامن انطلق القمقم المسجون طويلًا، ليتكلم ويعبر ويناضل ويغنى، ويرقص ويموت، من أجل حريته المسلوبة، تحت أسماء مثل الدين، الطبيعة، صالح الأسرة، مصلحة المجتمع، العفة، الشرف الذكورى، أفضلية الرجال والأمومة المقدسة.

إن الأخلاق الذكورية تختزل المرأة فى مجرد «جسد». وبين ثنايا هذا الجسد يكمن شرف الذكور جميعًا. ويصبح على الذكور- إذا تم انتهاك هذا الجسد- مهمة استعادة الشرف المغتصب، من أجل الدفاع عن صفة الذكورة.

فى المجتمع الذكورى تكون «المرأة» و«الأرض» و«العرض» مترادفات. والأخلاق الذكورية تحمل الفتاة أو المرأة «الأضعف»، شرف العائلة وشرف الأب وشرف الحارة وشرف القبيلة وشرف الزوج وشرف الوطن. بينما يترك شرف الرجل حرًا، طليقًا، من أى مسئوليات أخلاقية أو اجتماعية.

إذا سألنا المجتمع الذكورى، ما شرف الرجل؟!
يكون الرد، هو ما يرتبط بسلوك زوجته أو أمه أو أخته. الكلمات التى ترسخ فكرة «المرأة الجسد»، وليس «المرأة الإنسان»، كلمات تؤكد أن الرجولة هى الدفاع عن العذرية، تأثرًا بالمقولة: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم»، وهناك كلمات متناقضة، مثل «لو ما رديناش شرف بناتنا نقعد فى بيوتنا ونلبس طرح». هى بالفقرة الأولى تدافع عن البنات، وفى الفقرة الثانية تصف التخاذل فى استرداد الشرف بأنه سلوك «نسائى».. «نقعد فى البيت ونلبس طرح». ولو أردنا إهانة رجل فيكفى أن نقول له، ونصفه، بأنه «واحدة ست.. مش راجل». ما هذا التناقض، بل ما هذا التردى الأخلاقى والانحلال الثقافى؟.

إن مفهوم مجتمعاتنا عن الانحلال الأخلاقى ينحصر فى ممارسة الجنس دون زواج، لكن دونية النساء، نصف البشرية، وتعيين الذكور أوصياء عليهن، واعتبارهن مخلوقات من الدرجة العاشرة، مرادفات للرذيلة والفتنة، وتجب تغطيتهن حتى لا يثرن الذكور المتلهفين لإشباع غرائزهم طول الوقت، لا أحد يصف هذا بأنه «إهانة».
نحن نعيش زمن الثورة، والثورة هى تغيير جذرى فى الثقافة والقيم والمفاهيم والأفكار، قبل أن تكون تغييرًا فى القرارات والسياسات وأسماء المرشحين. ومن أول الأشياء التى يجب أن تتغير هى الفكر الذكورى، ذلك الدينامو الجبار الذى يحرك كل حياتنا الخاصة والعامة.
لا ينفع أن نقول إننا فى ثورة، والنساء والرجال ما زالوا أسرى المعيار الأخلاقى للفكر الذكورى.
لا ينفع أن نقول إننا نهفو إلى الرقى، ونحن نرى أن كلمة «الشرف» خاصة بالنساء فقط، وترتبط فقط بالجسد، وأن هذا الجسد يحمل شرف الرجل والمجتمع والعائلة.
لا ينفع أن نقول إننا نريد التقدم، ونحن نرث الازدواجية الأخلاقية من الفكر الطبقى الذكورى.. حيث للنساء أخلاق، وللرجال أخلاق.. للفقراء أخلاق وللأغنياء أخلاق.
حسب الفكر الطبقى الذكورى، تكون المرأة الفقيرة هى أكثر الشرائح المعرضة للضرب، والسحل والعنف الجسدى والإيذاء المعنوى. لا ينفع أن نكون فى ثورة، والغالبية يقفون ضد ضرب وتعذيب المرأة المصرية فى الشارع، بينما لا يحركون ساكنًا، حين تضرب وتعذب النساء جسديًا ومعنويًا فى البيوت، على أيدى أزواجهن أو آبائهن.
المفروض أن هناك مقياسًا واحدًا للإهانة الجسدية، فى البيت مثل الشارع، على يد الغريب مثل على يد القريب.
الضرب هو الضرب.. وتعرية الجسد تعرية للعقل، هى تعرية للنفس. ومن يضرب أى إنسان، امرأة أو رجلًا، فى أى مكان وتحت أى ظروف، لا بد من عقاب رادع وحازم وفورى.
لا ينفع أن نكون فى ثورة، ونحن متسلسلون بالكلبشات الأخلاقية الذكورية، التى تحول النساء إلى مجرد قطع من لحم ومن دم.
كيف نحتفل هذه الأيام بذكرى الثورة الأم فى ٢٥ يناير ٢٠١١، الثورة التى أضاءت الطريق لمستقبل أفضل، وحشدت الشعب المصرى ليقول «لا للنظام الاستبدادى الفاسد»، وفى الوقت نفسه نحافظ على إرث القيم الأخلاقية التى هى أكثر استبدادًا وفسادًا؟!
لا أدرى كيف نعيش الزمن الثورى بأزمنة أخلاقية وثقافية، مهترئة، متعصبة، عنصرية، لا تساعد على النهضة والتقدم؟. الزمن الثورى لا يقبل التغييرات المتجزئة، ولا يقبل إهانة نصف المجتمع، ولا يقبل تمييز ناس عن ناس، ولا يقبل إعادة إنتاج ثقافات فات تاريخ صلاحيتها.
إذا كنا نريد تجديد الخطاب الدينى فلا سبيل إلى ذلك، شئنا أم أبينا، إلا برفع الوصايا عن النساء فى الأسرة وفى المجتمع، لتصبح المرأة فعلًا كاملة الإنسانية والولاية.
من بستان قصائدى
«أنت» أول السطر وآخره
«أنت» بداية الصفحة وآخرها
«أنت» فاتحة الشِعر وخاتمته.

*
العدالة بين الأزواج والزوجات.. «الطريق المختصر» لتجديد الخطاب الدينى

ومنذ شهرين قرأت لمفتى البلاد فتوى تخص صلاة المرأة، حيث سُئل كيف يكون ملبس المرأة وهى تصلى؟ ولو كانت بمفردها فى الغرفة، فهل تغطى شعرها أم تتركه؟ قال المفتى إن المرأة المسلمة يجب عليها أثناء وقت الصلاة، حتى لو كانت بمفردها فى الغرفة أن تغطى شعرها ولا شىء يظهر من جسمها إلا الوجه والكفين. وأكد أن سفور الوجه والكفين هما المسموح بهما للمرأة المسلمة، فى الشارع وأماكن العمل وغيرها. ويجب أن تتغطى المرأة بأقمشة فضفاضة واسعة، لا تشف ما تحتها، ولا تحدد تفاصيل الجسم.

إذا كان هذان الموقفان يعكسان آراء كبرى المؤسسات الدينية فى البلد، الأزهر والمفتى، فى عام ٢٠٢٠، فكيف يمكن الاقتراب من الدين بأى شكل كان؟
عندما أطلق الرئيس السيسى مبادرة تجديد الخطاب الدينى فى عام ٢٠١٤، أعتقد أنه كان يدرك أنه يحرك المياه الراكدة، وأن دعوته سوف تصطدم بالكثير من الموروثات الدينية التى لفظها الزمن والتغيير فى حياة النساء والرجال والأطفال. وهذا حدث عندما بادر الرئيس بخطوة جسورة عملية واقعية لتجديد الخطاب الدينى، وهى ضرورة إلغاء الطلاق الشفوى، هاجمته مؤسسة الأزهر والمشايخ وكل ممثلى الثقافة الدينية الذكورية، وكانت النتيجة هى بقاء الطلاق الشفوى، الذى يرسخ غياب العدالة بين الزوج والزوجة، ويدعم النظر إليها كمملوكة أو جارية، وليست إنسانة كاملة الإنسانية والكرامة والأهلية. والأطراف التى اعترضت على إلغاء الطلاق الشفوى، تصدع رءوسنا كل يوم عن احترام المرأة وتمجيد المرأة وكرامة المرأة. هم يفهمون احترام المرأة وإنسانية المرأة وتمجيد المرأة، على أنها الطاعة العمياء للرجل والزوج، والتفانى فى خدمته، والعيش بشروطه ومقاييسه هو، واعتبار كل ما يصدر عنه الصواب المطلق والدين المطلق والحق المطلق.
وهؤلاء أيضًا هم الذين يمنعون أى تغيير بسيط فى قوانين الأحوال الشخصية، التى بإمكانها «أنسنة» النساء، وضمان حقوقهن العادلة. أى تغيير فى قوانين الزواج والطلاق، يحقق العدالة بين الأزواج والزوجات، سيكون «الطريق المختصر» لتجديد الخطاب الدينى، وتخليصه من فكره الذكورى.
إذن نحن أمام وضع قاتم، يسمح بالكلام الاستعراضى المظهرى الشكلى، وليس فى نيته من قريب أو من بعيد تحقيق أى تجديد أو إصلاح، بل أكثر من هذا يمكن اتهام وتكفير وإدانة منْ يناقش تجديد الدين بازدراء الأديان، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، والاستهزاء بالثوابت والمقدسات الدينية.
فى مقال سابق، أوضحت أننى يائسة تمامًا من أى إنجاز له قيمته الفكرية فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وها أنا بكل أسف أرى أنه على قدر أهمية القضية، فإن الفشل يحاصرها.
القضية كما أراها لا تحتاج مؤتمرات وحوارات مجتمعية وندوات وملتقيات وكلامًا، القضية تحتاج شجاعة لأخذ قوانين وقرارات جسورة، القضية تحتاج حرية ليس إلا، القضية تحتاج إلى أفكار الدولة المدنية وليس إلى أفكار الدولة الدينية، هذا بكل بساطة «بيت القصيد»، القضية هى زواج مدنى موحد لجميع المصريات والمصريين. فالزواج هو الخلية الأولى، وهو عمود القيم التى تُرسخ فى البيت والدولة، فإذا كان قانون الزواج دينيًا كما هو الآن، فسوف تظل الدولة المدنية وهمًا وخيالًا.
من بستان قصائدى
منْ هذا الرجل
الذى يرتب سريرى
وأوراقى بحركات رشيقة
يفتح النوافذ.. يروى الزهور؟
منْ هذا الوسيم
الواقف فى شرفة بيتى
يشرب القهوة ويشعل السجائر؟
وينثر البخور؟
منْ هذا الغريب
الذى لا يبدو غريبًا
على عيونى وقلبى
لكننى لا أتذكره؟
برقة يمسح بكا لكننى لا أتذكره؟
يشرب معى مرارة الوقت
إنى حائرة
منْ هذا الحنون الصبور؟

*

الوصايا الأخلاقية هى الخطر وليست ممارسة الحرية

ينقسم الناس بشأن قضية المرأة إلى تيارين
 تحرير النساء دون المساس بالعادات والتقاليد والأخلاق والأديان.

المثير للدهشة أن هذا النقاش لا يُثار عند الحديث عن تحرير فئات أو قطاعات أخرى غير النساء، أو عند الحديث عن تحرير الشعوب والأوطان بصفة عامة.

قد يثير تحرير الوطن جدلًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا، لكنه لا يثير الجدل الأخلاقى الذى يقترن فقط بشكل جوهرى بقضية تحرير المرأة.

نحن لا ندرى سبب هذه الحساسية المفرطة تجاه العادات والتقاليد وهذا القلق المتضخم والخوف الشديد المزمن على الأخلاق والأديان حين يقترن حديث الحرية بالنساء.

نتساءل: لماذا لا يرى البعض حرية المرأة إلا مرادفة للانحلال والإباحية وإثارة الفوضى؟ لماذا قُدر على المرأة أن تكون الكائن الوحيد الذى ترادف حقوقه وحرياته معنى مخالفة الشرائع والتحالف مع الشيطان؟
إن التخوفات الأخلاقية المثارة لا بد أن تجعلنا نتساءل: ما العلاقة بين طموح المرأة إلى الحرية والمساواة وضياع الأخلاق؟ ما علاقة تصور عالم جديد يضمن للنساء الكرامة والعدل بمخالفة الشرائع؟
جاءت كل الشرائع لكى تساعد الإنسان على المزيد من الحق والخير والجمال، والناس تؤمن بالشرائع وتتحمس للدفاع عنها لأنها تحقق لهم الحرية والسعادة.
إن ذروة الفضيلة أو قمة الأخلاق أو التدين تكون هى بلوغ الإنسان حرياته ورفضه الدائم كل أشكال القهر والظلم.
وكذلك فإن العادات والتقاليد ليست سجنًا للإنسان الذى صنعها، وهى ليست كلمة نهائية فى قاموس الحياة دائمة التغير، لا بد أن يظل الباب مفتوحًا دائمًا لخلق عادات وتقاليد جديدة أقدر على مخاطبة طاقات الإنسان واحتياجاته المتجددة.
إن أصحاب الجمود والتزمت يروجون دائمًا بأن العادات والتقاليد هى بمثابة القوانين الطبيعية التى لا تقبل النقاش أو التغيير.. والحياة دائمًا تكذّب هذا المنطق، فهى تأتى على مدى عصورها بتقاليد تعكس ظروف واحتياجات كل عصر.
إن الارتباط العضوى دائم التكرار بين تحرير المرأة من جهة والخوف على الأخلاق والدين والعادات والتقاليد من جهة أخرى يعنى عدة أمور:
أولًا: هو يعنى أن المرأة فى نظر البعض ليست إلا الكائن القاصر العاجز عن تمييز السلوك القويم، وأنها الكائن المدنس الذى تحركه غرائزه دون ضابط، وأنها كائن عابث، إذا تُرك لحال سبيله فسوف ينشر الفسق والشرور والفتن، وبالتالى هى كائن خطر لأنها تلهى الرجال عن ممارسة الفضيلة.. أحقًا النساء بهذه القوة والرجال بهذا الضعف؟
ثانيًا: يعنى أن السياق الرئيسى الذى تتحرك فيه أخلاقنا وتقاليدنا هو فقط، أو بشكل أساسى، السياق الغرائزى المرتبط بالنصف الأسفل من الجسد.
وثالثًا: هو موقف يدل على عدم الفهم الكافى لقضية المرأة، حيث يرجع جزء كبير من عوائق التمرد إلى بعض العادات والتقاليد والأخلاق المتوارثة وإلى التفسيرات الرجعية للأديان.
نتساءل: ألا تسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير الإنسانية غير العادلة التى يعانى منها عدد كبير من النساء فى المدن والريف، خدشًا للعادات والتقاليد؟
أليس الفقر والحرمان اللذان يحاصران غالبية النساء أمرًا مخالفًا للشرائع؟ ولماذا لا تفسد الأخلاق والفضيلة حين يكون نصف المجتمع من النساء مكبلًا بتراث من الاضطهاد والتشكك والقهر؟

*

نقد الإجماع المتواتر للفكر العلمانى

بإجماع متواتر» من العلمانيين والعلمانيات فى كل مكان

- العلمانية ليست ضد الدين «أرضيًا أو سماويًا»، لأن هناك علمانيًا مسلمًا وعلمانيًا مسيحيًا وعلمانيًا يهوديًا وعلمانيًا هندوسيًا وعلمانيًا بوذيًا.. إلى آخره.

- الدول لا دين لها، فقط الأفراد الذين يعتنقون الأديان المختلفة.

- فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة.

- الدولة تضع الدساتير والقوانين والتشريعات المدنية المتفقة مع حقوق الإنسان، نساء ورجالًا وأطفالًا، ومبادئ المواطنة العادلة دون أى نوع من التفرقة أو التمييز أو الانحياز وليس من الكتب الدينية المقدسة.

- دور الدولة فيما يتعلق بالدين هو ضمان أداء الطقوس والشعائر الدينية للأفراد فى أمان وسلام داخل دور العبادة فقط.

 أتعمق أكثر فى هذه المبادئ، وانتهيت إلى أن العلمانية محقة فى تسيير الحياة وفقًا لقوانين مدنية ودساتير ليست مستمدة من أى كتب مقدسة تحقق العدالة والحرية للجميع.

القول بأن العلمانية لأنها ليست ضد الدين كحرية عقيدة، وبالتالى هى تضمن حرية أداء الطقوس الدينية المختلفة فى أمان وسلام، وتتعهد بإقامة دور العبادة لكل الديانات فهذا بالضرورى يسبب مشكلات نفسية للأفراد، وأيضًا ينتج مشكلات للدولة المضيفة، كما هو حادث الآن من إرهاب دينى عالمى يستهدف «أسلمة» أوروبا وكوكب الأرض كله، وبدأت كصلاة داخل مسجد ثم تحوّلت المساجد إلى بؤر إرهابية إسلامية سياسية التوجه.

لنتخيل مواطنًا «مسلمًا» ترك وطنه مصر وهاجر إلى ألمانيا واستطاع إيجاد عمل يضمن له حدًا أدنى من الحياة الكريمة فى مجتمع يسير ضد كل الإسلام، مجتمع الحريات المتكاملة للنساء والرجال لا توجد وصاية قاهرة من رجال الدين فى أى موقع، مسموح له فقط بعبادة ربه والصلاة له فى المسجد.

هذا المواطن المصرى المسلم، امرأة أو رجلًا، يوجد مثله الآلاف أو الملايين فى برلين، وهنا تظهر مشكلات «نفسية» يسببها هذا الانفصال بين عبادة الإسلام المحصورة فقط فى المسجد، والخروج إلى حياة يومية لا يوجد بها إسلام على أى مذهب أو طائفة، حياة تقول له كل يوم إن إسلامك الذى تركع له لا يصلح لكل زمان ومكان وإلا كنا أخذناه منهجًا.

أولًا: إما أن يعتبر الدولة العلمانية التى استضافته بكرم وجعلته ينعم بالكرامة والعمل ومناخ الحريات الكامل الخالى من الوصاية والقهر باسم الدين، ويستمتع بالعلاقات الجنسية دون زواج، دون رجم، دون قتل، دون جلد، أو مجرد النبذ- دولة «كافرة»، وأنها بتوفيرها الحياة الكريمة الحرة غير الموجودة فى بلده، وكانت سبب هجرته هى «تكفّر» عن خطيئة كفرها وأن هذا واجبها، وعليها تقديمه خاضعة، خاشعة، وليس تفضلًا منها، هذا موقف ممتلئ بالغطرسة والعنجهية والتعالى الأجوف الفارغ والحقد الكامن المختبئ تحت الجلد، انتهازى، جاحد، نفعى، جاهل، يستحق الشفقة، وأكثر من الشفقة «الحذر» و«التوجس».

فهذا النموذج سيمارس «التقية»، ومتى يشتد عوده بعد أن أشبع كل احتياجاته فى الدولة العلمانية والتى كانت مكبوتة ومقهورة ومداسة بالأحذية فى بلده، يشكل التربة الخصبة المثالية لجنود التنظيمات الإسلامية الإرهابية المسلحة الدموية لأسلمة كوكب الأرض واستعادة الخلافة الإسلامية على أرض الله.

ثانيًا: أن يدخل المسجد ليصلى فردًا أو جماعة ليؤكد ويجدد اعتناقه وحبه وتفضيله المطلق للدين الإسلامى، آخر الأديان الذى يغطى النساء ويعتبرهن ناقصات تمييز وكرامة وولاية وأهلية ويحرّم الخمور ويعتبر أصحاب الديانات الأخرى كفارًا وكل حريات الإنسان مخنوقة ما لم يختمها رجال الدين، بينما يعيش فى مجتمع يضمن انتقاد الأديان كلها، والسخرية من جميع الرسل والأنبياء، دون قوانين ازدراء أديان أو حسبة، نجده يبقى على هذا الوضع المتناقض الممزق، بعد تأسيس «ميكانزمات تعايش سلمى»، وتبريرات عقلية مغلوطة تنافى المنطق والحقيقة والاتساق النفسى.

ونجده يصبح أكثر تزمتًا مما كان عليه فى بلده مصر ويصنع مجتمعًا إسلاميًا فى بيته، يتزوج حسب الطريقة الإسلامية ويتعامل مع زوجته باعتباره السيد، القوّام، الآمر الناهى فى كل حياتها، يحجبها ويقعدها فى البيت للخدمة وإشباع غرائز النصف الأسفل من جسده حتى لو لم تكن راغبة.

أول بند فى قانون النكاح الإسلامى أن ينفق الزوج على زوجته، وفى مقابل الإنفاق عليها الطاعة العمياء، ومع بناته يمارس دور «بوليس الآداب» بالمراقبة والمنع والتجسس حتى لا تقع الطامة الكبرى فى الإسلام، وهى أن تشعر بعاطفة تجاه رجل أجنبى أو حتى مسلم مثلها، وقد تخرج الأمور عن السيطرة وتفقد عذريتها، ويصبح لهذا النموذج من الرجال عالم داخلى «دينى إسلامى» يملكه، وعالم خارجى «غير دينى غير إسلامى» لا يملكه، بل هو فى الحقيقة منْ يملكه بلقمة العيش ومناخه المضاد لشريعته الإسلامية، وهذا يسبب له الغضب وتأنيب الضمير، ويعتبرها «إهانة» مضطر إلى تقبلها والسكوت عليها بشكل سلمى.

هذا موقف أيضًا، فكريًا وعاطفيًا ونفسيًا، غير سوى وممزق وينتقل عدم السواء والتمزق بالضرورة إلى جميع أفراد أسرته، ويحمل فى ثناياه درجات وأشكالًا من الخطورة والعنف ليس سهلًا التنبؤ بها، فهما شىء نسبى يعتمد على داخلية كل شخص ودرجة احتماله العيش بين عالمين ومدى استعداده للتحوّل من الحالة السلمية إلى الحالة العنيفة.

ثالثًا: أن يرفض هذا الفصام فى الفكر والحياة الساكن عقله ووجدانه وسلوكياته وقناعاته، ويشعر بأن هذه الازدواجية لا تناسبه ولا تنسجم مع آليات تفكيره ولا تحقق له السعادة والهدوء والأمان النفسى، التى يسعى إليها ويكون الحل المنطقى هو أن يترك الدين الإسلامى، بعد أن أدرك أن ما وصلت إليه الدولة العلمانية التى يقيم بها، بتفكيره غير المتعصب وبالقراءة فى نشأة الأديان ووظائفها السياسية، ومقارنة أحوال الدول الإسلامية بالدول العلمانية، وهكذا يصبح، قلبًا وقالبًا، مع فكر الدولة العلمانية الألمانية الذى هو «باقة» متكاملة شاملة تقبل بكل مشتقاتها، لأن كل مشتق مرتبط بالآخر وهى «الباقة» التى يرفضها دينه الإسلامى، من الألف حتى الياء، والتى 

والتى تسببت فى بحثه عن هروبه من بلده.

حتى بالنسبة للمواطن المسيحى فى دولة علمانية توجد مشكلة، لست أفهم كيف يمكن أن يعيش الإنسان، امرأة أو رجلًا يعتنق المسيحية على المذهب الكاثوليكى مثلًا، وهو مواطن فرنسى الأصل، مثلًا، يواظب على الذهاب إلى الكنيسة فى باريس أو مارسيليا كل يوم أحد يحضر القداس ويستمع إلى القسيس، وهو يؤكد الخلاص من خلال الكنيسة الكاثوليكية، وعند المرض الشديد لا بد من الصلاة للمسيح والعذراء مريم وأن التحلى بأخلاق يسوع هو الأمان والسلام، أليس هذا تناقضًا صارخًا؟ فهذا المواطن عند المرض يذهب إلى المستشفى وليس للصلاة، ويعرف أنه إذا «صفعه أحد على خده الأيمن لن يدير له الخد الأيسر»، كما قال المسيح، ولكن سيأخذه إلى الشرطة، وخلاصه الفعال كمواطن يكمن فى قيام الدولة الفرنسية فى توفير تأمين صحى له ودخل شهرى وإعانة بطالة لو لم يجد عملًا لائقًا يحفظ كرامته ويحمى مستقبله.

كيف تؤمن الدولة العلمانية بفصل الدين عن الدولة، باعتباره أمرًا «شخصيًا»، وهى تنفق من ميزانية الدولة وتبنى على أرض الدولة، دور العبادة الدينية العلنية على الملأ؟ أين «الشخصية» فى هذا التوجه؟ الأمور حتى تصبح حقًا «شخصية»، «خاصة»، «فردية»، لا بد من عدم خروجها للفضاء العام تحت أى مسمى أو ظرف.. هذه هى قناعتى.

*

أحوال الفن والأدب بعد 69 عامًا من ثورة 23 يوليو 1952

Aug 2, 2021

من أهم النقاط المضيئة لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ هى النهضة المرموقة فى مجال الفن والثقافة بشكل عام، وكونى كاتبة، أديبة، شاعرة، محبة للفنون والآداب، أقول إن فترة ما بعد قيام الثورة فى الخمسينيات والستينيات وحتى عام النكسة ١٩٦٧، كانت مصر فى أوج لحظاتها الثقافية والفنية والأدبية الراقية الواعية بدورها الثورى التنويرى.

كل قصة تأبى إلا أن أكتبها بدمى تعيد لى الثقة بأننى لن أنتحر، لن أدمن المخدرات، لن تهزمنى اللا جدوى، لن أفقد عقلى بسبب عدم منطقية الأشياء والأقدار.

هل هناك أجمل من أن تقتلنى موسيقى الأشعار ولذة صناعة الكلمات؟ الآن أين يذهب عشاق وعاشقات الأدب فى مناخ يضع الأدب فى «ذيل» الأولويات و«الضرورات» و«المهمات»؟ أين يذهب عشاق وعاشقات الأدب فى مجتمع يرفع شعارات «أهمية الأدب»، «سحر الأدب»؟.. لكن الواقع يشهد على أن التعامل مع «الأدب» هو من باب سد الخانات وملء الفراغات وتحسين الصورة لخير أمة أُنزلت على الأرض، ومن باب التسلية التى تدخل ضمن الكماليات والحياة المرفهة.

 الأديبات والأدباء هم آخر ناس يتم الاحتفاء بهم الآن، حيث تحظى الممثلات والراقصات والمغنيات ولاعبو الكرة وملكات الجمال والمذيعات والداعيات الإسلاميات وزوجات الرجال المشهورين بكل الأضواء الإعلامية.

 الأديبة، الكاتبة، الشاعرة، خاصة لو كانت متمردة على السائد فى الأفكار والموروثات والشِعر لا تحظى بأى اهتمام إعلامى ولا تنعم بأى احتفاء حتى لو كان خبرًا فى سطر عن كتابها الجديد وأحدث مجموعاتها الشِعرية.

لا أحد يفكر فى تسليط الضوء على فكرها الفلسفى ونظرتها للفن والشِعر وكيف يأتيها إلهام الشِعر؟ وكيف تتمرد على تقاليد الشِعر؟ وما طقوس الكتابة حينما تجتمع وحدها بشيطان الشِعر فى خلوة شِعرية؟ ومنْ تحب من الشاعرات والشعراء؟

 قناة على اليوتيوب- موضة العصر للشهرة- حتى أستطيع إلقاء الضوء على أفكارى وقصائدى، لا بد أن يكون لى «شِلة» من النقاد فى مطبوعات الأدب والشِعر نتبادل المصالح ونسهر للعشاء معًا وغير ذلك، لا أمل.

دور النشر الكبرى والصغرى تتجنب نشر الدواوين الشِعرية، لأن الشِعر «مبيجيبش فلوس» فى بلادنا، ولا نريد أن نظلم بلادنا، فالشاعرة الأمريكية «لويز جلوك» لم تسلط عليها الأضواء الإعلامية، ولم يكن لها شهرة تذكر إلا بعد أن فازت بجائزة نوبل فى الأدب العام الماضى ٢٠٢٠، وعمرها ٧٨ عامًا.

من واحة أشعارى

فى حضارة.. الحج الفاخر السريع

والجنس الفاخر السريع.. والبيزنس الفاخر السريع

فى حضارة الدين ليس لله ولا الوطن للجميع

وحيث يُهان التمرد.. يُمجد القطيع

يُشتم الجدل.. يُمدح المُطيع

تغترب أجمل القصائد.. تهرب أنبل المشاعر

بشكل.. غير فاخر.. وغير سريع

*

عقد الزواج فى الأساس هو عقد نكاح طاعته واجبة

 عقد الزواج الإسلامى الشرعى هو عقد "نكاح"، وهناك أستاذة تدرس الدين فى مصر، قرأت لها تصريحًا يقول إن رفض المرأة للمعاشرة يعتبر نشوزًا لها ومعصية كبرى لله، وهو تحريض مباشر للزوج المكبوت المحبط «المتعفرت» بشهوته أن يزنى، وبالتالى تتعرض الأسرة المسلمة إلى الدمار، وربما يقرر الزواج بأخريات مطيعات لشهوته وهذا أيضًا تفكيك للأسرة، وهذا هو الرأى السائد شئنا أم أبينا.

طاعة الزوج من طاعة الرب، وهذا هو السبب الحقيقى وراء تعطل قانون مدنى موحد للأحوال الشخصية لا علاقة له بتعاليم أى دين مثل كل القوانين الأخرى التى نلتزم بها.

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق