الأربعاء، 1 أبريل 2020

السنة المؤكدة وغير المؤكدة والفرض والواجب

فلا يأثم تارك السنة المؤكدة، لكن المداومة على تركها عند بعض أهل العلم من خوارم المروءة، ولمعرفة الفارق بين السنة المؤكدة وغيرها من السنن والمستحبات

ولكن الراجح أن أداء الصلاة في الجماعة واجب من الواجبات التي يأثم تاركها لغير عذر شرعي

يقسِّم جمهور الأصوليين الأحكام الشرعية إلى خمسة، وهي الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، وعرفوا المندوب بأنه ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن مسمياته: المرغوب فيه، والسنة، والنافلة، ومن أمثلة المندوب: صلاة الوتر، والسواك، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتخليل الأصابع في الوضوء، وإفطار الصائم على تمرٍ، وتكرار الحج والعمرة، ومساعدة المحتاجين من الناس، ونحو ذلك.

وقد بيَّن الفقهاء أن هذه السنن ليست على درجة واحدة في مطلوبيتها، فبعضها أقوى من بعض مع اشتراك كلها في أفضلية الفعل مع عدم المعاقبة على الترك، يقول الزركشي في البحر: «ويجوز أن يكون بعض المندوب آكد من بعض، ولهذا يقولون: سنة مؤكدة. وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: لا خفاء أن مراتب السنن متفاوتة في التأكيد، وانقسام ذلك إلى درجة عالية ومتوسطة ونازلة وذلك بحسب الدلائل الدالة على الطلب». [1/ 376، 387، ط. دار الكتبي].

وقد قسَّم الفقهاء السُّنة من حيث مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها إلى مؤكَّدة وغير مؤكَّد

فالمواظبة على فعل الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون واجبًا معيار التأكيد على سنيته، وتقسيم السُّنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه، وهذا الاصطلاح ناشئ عن تتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبات المختلفة، فما واظب عليه -كركعتي الفجر مثلًا- خصوه بهذا الاسم، لكن البحث يأتي في كيفية إثبات المواظبة، والظاهر أن تصريح الصحابة هو المعوَّل عليه في إثباتها، ومثاله ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر)). [متفق عليه]، بخلاف ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب فيه ولم تنقل مواظبته، كالمتابعة بين الحج والعمرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)) [رواه أحمد الترمذي والنسائي].

فقهاء المذهب الحنفي -لا سيما المتأخرين- يجد أنهم يسوُّون بين مصطلح (السنة المؤكدة) ومصطلح (الواجب) في جانب توكيد الفعل والتحذير من الترك، أي في لحاق الإثم تاركهما، وإثابة فاعلهما، وهو واضح من كلامهم على صلاة الجماعة.

قول العامة وجوب صلاة الجماعة، قال:«وجه قول العامة الكتاب والسنة وتوارث الأمة... أما توارث الأمة فلأن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا واظبت عليها وعلى النكير على تاركها، والمواظبة على هذا الوجه دليل الوجوب، وليس هذا اختلافًا في الحقيقة، بل من حيث العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء، خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ألا ترى أن الكرخي سماها سنة ثم فسَّرها بالواجب، فقال: الجماعة سنة لا يرخص لأحد التأخر عنها إلا لعذر. وهو تفسير الواجب عند العامة» [بدائع الصنائع 1/ 155، ط. دار الكتب العلمية].

وقال البابرتي: «(الجماعة سنة مؤكدة) أي قوية تشبه الواجب في القوة حتى استدل بمعاهدتها على وجود الإيمان، بخلاف سائر المشروعات وهي التي يسميها الفقهاء سنة الهدى، أي أخذها هدى وتركها ضلالة، وأشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق)). [العناية 1/ 345، ط. دار الفكر].

سنة مؤكدة ولو تركها أهل ناحية أثموا ووجب قتالهم بالسلاح؛ لأنها من شعائر الإسلام. وفي شرح خواهر زاده: سنة مؤكدة غاية التأكيد. اهـ. غاية. قال الكمال: وقيل: الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب. اهـ. وممن قال بأنها سنة مؤكدة الكرخي والقدوري ويدل على أن المراد أنها في قوة الواجب قول صاحب التحفة فيما ذكر محمد في غير رواية الأصول أنها واجبة، وقد سمَّاها بعض أصحابنا سنة مؤكدة، وهما سواء» [ 1/ 133،ط. المطبعة الأميرية].

قال برهان الدين البخاري الحنفي: «الجماعة سنة لا يجوز لأحد التأخر عنها إلا بعذر، والأصل فيه قوله عليه السلام: ((لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس وأنظر إلى أقوام تخلفوا عن الجماعة فأحرق بيوتهم))، ومثل هذا الوعيد إنما يلحق تارك الواجب أو تارك السنّة المؤكدة» [المحيط البرهاني 1/ 428، ط. دار الكتب العلمية].

++++++++
فإن ما جاء بصيغة الأمر على وجه التأكيد والإلزام، فهو الفرض والواجب
 المستحب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليه ولم يظهره أمام الملأ.

وأما السنة أو المؤكد منها فهي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه أو أظهره في ملأ، ودل الدليل على أنه ليس بواجب، وبعض أهل العلم لا يفرق بين السنة والمستحب...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق