Apr 4, 2020
كنا نشاهد عالمًا متقدمًا؛ كان هو الأول؛ دون أن نسميه؛ وكان هناك عالم آخر؛ هو العالم الثالث ؛ وكانت دوله متأخرة؛ وشعوبه وهنة؛ عقولها متيبسة؛ ولم يكن هناك عالم ثان بين الأول والثالث؛ ولكن أٌطلق على الدول المتأخرة حضاريا وعلميًا؛ لفظ العالم الثالث ؛ ليظهر حجم التباعد بينهما.
اهتم العالم الأول ؛ المتحضر؛ بأمور كثيرة للغاية؛ منها صناعة التقدم؛ واعتبر أن أهم معالمها؛ الاستغراق في الرفاهية؛ وكذلك الاستغراق في تفاصيلها؛ فأصبح الريموت يدير كل أمور الحياة؛ فكل ما عليك أن تطلق العنان لخيالك؛ حتى يتحقق لك ما تصبو إليه.
ووصل الحال لترتيب رحلات لكواكب أخرى؛ شاملة الإقامة الكاملة؛ لتنعم بحياة مختلفة؛ ليس كمثلها حياة؛ يسودها التميز؛ فرحلة مثل هذه؛ تتوافر لآحاد البشر؛ وهذا دليل على تميز فريد من نوعه؛ سواء كان مرجوعه؛ للثراء أو لشيء آخر؛ إلا أنه تميز فريد تمامًا.
ليتحول شعوب العالم الثالث لمستهلكين؛ وزد على ذلك؛ أنهم تحكموا في أنماطهم السلوكية؛ وأوجدوا روابط قوية بين ما ينتجونه وبين المستهلكين ليستهلكوه؛ ونجحوا في اللعب على أوتار الحداثة عند المتابعين؛ وأن جزءًا من الحداثة يتمثل في اقتناء جديدهم.
إلى أن جاء كورونا ليكشف الساتر؛ وتتضح لنا معالم لم تكن تراها أعيننا؛ فالعالم القوي كان جٌل اهتمامه منصرفًا لرفاهيته؛ وظن أن تقدمه اللافت؛ حصنه من كثير من الأمراض؛ وثبت وهن ظنه؛ لدرجة أن هناك دولًا متقدمة؛ منعت شعوبها من تناول تطعيمات كانت تأخذها شعوب العالم الثالث ؛ ظنًا بعدم جدواها؛ وهناك من اجتهد وقال إن جزءًا من تلك التطعيمات؛ كان سببًا في تقليل عدد الإصابات بفيروس كورونا
اليوم انكشف المستور؛ وظهر للدنيا أن هناك معايير جديدة؛ وتباينت القيم؛ فدول العالم الأول هي الأكثر إصابة ب كورونا ؛ وهي صاحبة أكبر عدد من الوفيات؛ وتليها دول العالم الثالث ؛ في كل النسب؛ الأقل في عدد الإصابات؛ وكذلك في الوفيات.
وتعالت صرخات العالم الأول مطالبة بالنجدة؛ بعد أن عجزت عن مواجهة كورونا ؛ وأعلنت عجزها بشكل تام.
وتعالت صرخات العالم الأول مطالبة بالنجدة؛ بعد أن عجزت عن مواجهة كورونا ؛ وأعلنت عجزها بشكل تام.
العلاقات بين الدول يحكمها كثير من المعايير والتشابكات والتقاطعات؛ وكذلك المصالح المشتركة؛ وهي التي تحدد أطر التعامل وآلياتها؛ وبرغم ذلك، ومع مشاهدة تعاضد القوى بين دول الاتحاد الأوروبي؛ لم تستطع أي منها تقديم العون لإيطاليا أو إسبانيا على سبيل المثال؛ بما يعني أن هناك معايير جديدة؛ تتشكل الآن بسبب تفشي ذلك الفيروس اللعين
الاقتصاد معني بتنظيم التعامل بين البشر؛ فإذا أصيب البشر بعلة تودي بحياتهم، فلا حاجة للاقتصاد قبل أن يطمئن البشر على حياتهم، وإذا لم يع أصحاب الأموال تلك الحقيقة بجلاء؛ فسيدفعون الثمن باهظًا؛ وقد يصل لفقد ثرواتهم.
*
أين العدالة.. سؤال غير مشروع في عالم الأقوياء
النزاهة حلم البشر
عالم ظالم لا يعترف بالضعيف
ادعاءات الطيبة وانتصار الخير على الشر والضعيف على القوي كلها قصص ترسخها أفلام وأعمال فنية وأدبية متعددة ليستهلكها نمط معين من الناس، تحجب عنهم الحقيقة التي لا يتقبلونها، وهي أن القوي هو من ينتصر وأن الأخلاق والضمائر، رغم أهميتها، ما هي إلا أفكار في العقل، قد تنحدر على رتبة الوهم في أحيان كثيرة.
من يضع تعريفات الخطأ والصواب، الخير والشر، هو القوي الغالب، لهذا السبب يقول المثل الأميركي MIGHT IS RIGHT (القوة على حق) الذي هو بالمناسبة عنوان كتاب لرنجر ريدبيرد، تكلم فيه عن الداروينية الاجتماعية.
ويقول المثل الآخر WINNER TAKES ALL (الرابح يأخذ كل شيء)، ولقد عبر دان براون عن هذه المسألة باقتدار في فقرة وردت في روايته “شيفرة دافنشي” يقول “في الحرب بين الرموز الوثنية والرموز المسيحية، خسرت الوثنية، فأصبح رمح بوصيدون الثلاثي شوكة الشيطان، وقبعة العجوز الحكيمة المدببة أصبحت رمز الساحرة الشمطاء، ونجمة فينوس الخماسية أصبحت رمز الشيطان”.
القوي من ينتصر
أين العدالة؟ سؤال غير مشروع، فالعدالة وأخواتها قيم موجودة في السماء، أما ونحن نعيش في الحياة الدنيا، فالسؤال الوحيد المشروع هو من الأقوى؟
إن ما يجعل الملك ملكا ليس الحق، وإنما القوة وحدها، وإن خير ضمان لاحترام القوانين هو أن تكتب نصوصها بالدماء”
تاريخ الفاتيكان- مبادئ ميكيافيلي، تماما مثل باراباس بطل المسرحية، الذي لا ضمير له، فهو يسخر مما يسمى الضمير. يقول “لم أر إنسانا يعمل بما يمليه عليه هذا الضمير، الذي يزعم البشر وجوده”.
فكرة الرجل الغربي البطل الذي يهزم الشر ويؤسس لمجتمع عادل
لا يوجد فن ينفذ إلى وعينا ووجداننا مباشرة وإلى أعماق الغرف المظلمة في أرواحنا ماسا مشاعرنا كالأفلام”، كما يقول إنغمار برغمان.
لا تأسفن على حال الخراف، فالبقاء للأقوى لأن الحياة غابة، والرحمة فضيحة بجلاجل في الغابة.
تنتصر المصالح على المبادئ، أن يرى القوي نفسه أكثر إنسانية من الضعيف، وأن يعتبر الشخص الجميل الشخص القبيح أقل إنسانية منه، والأمر ذاته ينسحب على نظرة الغني إلى الفقير، ونظرة العالم إلى الجاهل، ونظرة المشهور إلى المغمور… إلخ، ودونكم الواقع والتاريخ فتأملوهما.
الانحياز للمعنى على حساب المصالح حالة شاذة في التاريخ البشري.
سذاجة، فالأشخاص الذين يقدمهم لنا في روايته يفعلون الخير وحده لسببين، أولا لأنهم بريطانيون، وثانيا لأنهم مسيحيون.
أفلام هوليوود التي تروج لفكرة الرجل الغربي البطل الذي يهزم الشر ويؤسس لمجتمع عادل، في حين أن الغرب منذ الحقبة الإغريقية الرومانية إلى يومنا هذا يتفنن في خلق وإيجاد العدو ليتمكن من ممارسة عدوانيته وشره ولكي يتسلط على بقية الشعوب، لهذا صرح ألكسندر أرباتوف المستشار الدبلوماسي للرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف مخاطبا الأميركيين “سوف نقدم لكم أسوأ الخدمات، سنحرمكم من العدو”.
أينما يوجد الإنسان يوجد الظلم والقهر، والانفلات والعربدة، لذا ستظل النزاهة دوما حلم البشرية المرجأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق