الأربعاء، 9 مارس 2022

الامبريالية النفسية !!!

May 28, 2020 Dec 5, 2021

العولمة أعلى مراحل الامبريالية 

العولمة، في المقام الأول، ظاهرة اقتصادية قبل أن تكون سياسية وثقافية وعلمية وتقانية وقيمية. هذه، قطعاً، وجوه للعولمة وكيفيات مختلفة لتجلّيها. لكنها في حساب التكوين والتطور من الآثار المترتبة عليها، الناشئة في امتداد نتائجها: على نحو ما كانت ظواهر المجتمع عبر التاريخ والتاريخ الحديث على وجه خاص تبعاً لظواهر الاقتصاد. والعولمة بما هي كذلك أي بما هي ظاهرة اقتصادية في المنشأ والديناميات تنتمي إلى نظام الإنتاج الرأسمالي 

أعلى مراحل الامبريالية مستعيرين وصف لينين للإمبريالية بأنها أعلى مراحل الرأسمالية، فأدخلناها بمقتضى ذلك التعيين في جملة لحظات تطور النظام الرأسمالي الذي أسهبت كتابات الماركسيين في تحقيقه طيلة القرن العشرين منذ لينين حتى سمير أمين.

كل شيء في العولمة يقيم الحجّة على أنها، فعلاً، لحظة أعلى في النظام الرأسمالي وفي الطور الامبريالي الاحتكاري منه كما حدد لينين ملامحه، وأسهب في تحليله وتحقيبه مفكرون اقتصاديون كثر مثل شارل بيتلهايم، وسويزي، وسمير أمين، فكما أعلنت الامبريالية انتقالاً نوعياً حاسماً في النظام الرأسمالي من نظام رأسمالي قومي إلى نظام رأسمالي عالمي، ومن نظام الرأسمالية الصناعية إلى نظام الرأسمال المالي، ومن نظام المنافسة الحرة إلى نظام الرأسمالية الاحتكارية، كذلك تعلن (العولمة) انتقالاً حاسماً نحو رأسمالية كونية تصل بالاحتكار إلى حدود سيطرة بضع شركات ومؤسسات على مصائر الاقتصاد والإنتاج والبشر كافة.

*

الغالبية العظمى من الناس تعتبر ان المال هو الذي يشتري السعادة ، وكما روي عن احد اهم رجال الاعمال في امريكا عندما كتب وصيته ، ان يحرق جثمانه بعد موته ويرش رماده في محلات شهيرة في نيويورك ، حتى يضمن ان تزوره زوجته على الاقل في كل اسبوع مرة .

هناك كثير من المجتمعات والتي فيها الطبقة صاحبة المال ، ساد فيها النزاعات الاستهلاكية التي سيطرت على تلك المجتمعات لتسمى بالامبريالية النفسية ، التي استولت على النفس البشرية وجعلتها سوقاً ممتداً لا حدود له ، والاكثر من ذلك عندما يكون الاعلام هو من يسّوق لذلك مدفوع الثمن ، ليكون هناك تنافس بين هذه الطبقات في تلك المجتمعات التي اعتنقت النظرة الاستهلاكية والسلوك الاستهلاكي ، ليتم تفريغ تلك المجتمعات من محتواها القيمي ، ليصبح هناك مجتمعات منغلقة على نفسها غارقة في المنافسات لاشهر الملابس والماركات وغيرها ، ممارسين ادمانهم على ذلك مع تبادل الهدايا المجانية ذات القيم المبالغ فيها لتسود فكرة ان المال هوالذي يحقق السعادة ، وان السلعة بقيمتها الخيالية هي مركز الحياة للتميز ، بينما لا يمثل الاطار القيمي بالنسبة لهم شيئاً يذكر .

النموذج من الامبريالية الاستهلاكية فرضته تلك الدول الكبرى على المجتمعات في الدول النامية ، ليكون هناك بديل تقليدي ذو مستوى متدني ، وذلك عبر العديد من الوسائل التسويقية تحت قبة النظام العالمي ، وليكون بديلاً منافساً للمنتج المحلي ، لتغلق العديد من الاسواق المنتجة للصناعات المحلية بشتى انواعها والغير قادرة على تلك المنافسة .

انسان مادي لا يكترث لمفاهيم الوطن قدر اهتمامه كيف يسعى للحصول على ذلك المنتج ، لتصبح النظرة بهيمية لا يكترث الا الى كيفية الاقتناء وامتلاك تلك السلع ، لتتحول المجتمعات الى مجتمعات استهلاكية مادية .

 تكمن خطورة التحول الى النمط الاستهلاكي ، ليؤدي الى فقدان الذات البشرية امام الشهوات ، وهو من ضمن الاطماع للدول الغربية لتفرض دوافع استهلاكية لمنتجاتها لتحل السلعة محل الانسان في قيمته القيمية ، لان توفير تلك السلع مظهر من مظاهر السعادة ، حتى في ظل تردي الاوضاع المعيشية خضوع فكري وفطرة بشرية للتميز ، وسلوك شرائي يستنزف المال المخصص لتغطية اساسيات الحياة المعيشية ، خاصة مع الخدمات الترفيهية والكماليات واصبحت تحدد قيمة الشخص بمقدار استهلاكه من تلك الماركات المتنوعة ، بعيداً عن المسؤولية الاجتماعية .

احدى الاغنياء العرب يشتري لوحة فنية لا يفهم معناها ولا ابعادها ومغزاها بمبالغ خيالية لمجرد انه اقتناها ، وزجاجة عطر بقالب مميز من الالماس بمبالغ خيالية يقتنيها من خلال اشهر المحلات ، او لوحات تباع بالمزاد لمجرد التباهي والتفاخر لا اكثر .

هناك من صمم واشترى مرحاض من الذهب ليقضي حاجته ليتميز مع نفسه عن غيره ، نجد كذلك ان الطبقات الوسطى تسعى لان تقترب من الطبقات العليا حتى ولو بالتقليد لاشهر الماركات العالمية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق