May 17, 2020 Jun 16, 2021
حسن مدن يرصد سمات المشهد الثقافي في الخليج العربي
طبيعة التكنوقراط في العالم كله أن يكونوا بعيدا عن الغائية، وقلما ينغمسوا في القضايا الاجتماعية أو الثقافية، فالنجاحات المهنية التي يحققونها في الحقل الذي يعملون فيه تكفيهم، ولعل هنا يكمن الفرق بين المثقف وبين تقني الثقافة، والمعيار هنا ليس الشهادات فهي لا تجعل من المرء مثقفاً مهما علا مستواها"، مؤكدا أن المثقف من يُوظف رأسماله الرمزي: أي علمه وثقافته، اجتماعيا، أما التكنوقراط فيظل أسير وضعه المهني.
*
حكم التكنوقراط الشيعي السعودي توفيق السيف
فكرني بالتقني في فكر عبد الله العروي مفكرون العرب كتاب
معظم الذين شاهدوا سلسلة أفلام «الماتريكس» سيتَّخذون موقفاً معارضاً لفكرة التنظيم الدقيق الذي يروّج له أحياناً دعاة الإدارة التكنوقراطية.
صورة مرعبة، عن عالم افتراضي يعمل مثل الساعة، تسيطر عليه آلات ذكية، ويعيش البشر فيه حياة مستعارة، لا يقررون فيها أي شيء لأنفسهم (لأنَّ هناك من يفكر نيابة عنهم، وهو - لسوء الحظ - أكفأ منهم وأكثر انضباطاً).
الفكرة ليست خيالية 100 في المائة
تطلَّعون إلى نظام إداري يسير مثل الآلة، فيحقق المعادلة المستحيلة: عمل كامل بأقل تكلفة.
ظهر مصطلح «التكنوقراطية» للمرة الأولى، في مقالة لوليام هنري سميث عام 1919. لكن الفكرة نفسها قديمة، وفحواها أنَّ النظام الإداري (وحتى السياسي) الأمثل، هو ذلك الذي يديره العلماء والخبراء. وخلال التطبيقات القليلة لهذا المفهوم، ظهر أنَّه شديد الخطورة، فهو يتعامل مع البشر كأدوات إنتاج، ويحدّد قيمتهم بناء على حجم إنتاجهم ونوعيته.
حين تكون القيمة السوقية لمنتجات الإنسان معياراً وحيداً لقيمته، فسوف تكون الآلة أعلى منه قدراً. وفي نهاية المطاف، قد يجد البشر أنفسهم عبيداً لآلات حقيقية أو آلات بشرية، أي بشراً يشبهون الآلات أو يفكرون مثل الآلات.
حصلت فكرة «التكنوقراطية» على رواج قصير الأمد في منتصف القرن العشرين. لكنَّها نُبذت لاحقاً، بعدما حاول جنرالات من أوروبا وأميركا اللاتينية تبنّيها كإطار فكري للتنمية السريعة، وكانوا مستعدين للتضحية بآلاف البشر أو بأحلامهم، في سبيل إنجاح التجربة.
حصلت فكرة «التكنوقراطية» على رواج قصير الأمد في منتصف القرن العشرين. لكنَّها نُبذت لاحقاً، بعدما حاول جنرالات من أوروبا وأميركا اللاتينية تبنّيها كإطار فكري للتنمية السريعة، وكانوا مستعدين للتضحية بآلاف البشر أو بأحلامهم، في سبيل إنجاح التجربة.
انبعاث مستجد للفكرة، أي «حكومة الآلات» مع تقدم الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء. وكنت قد كتبت في العام الماضي، عن مخاطر التساهل في استخدام التقنية المتقدمة في مراقبة الناس والتحكم في حياتهم. وهي فكرة يجري تبريرها بالحاجة للانضباط كوسيلة لمكافحة انتشار وباء كورونا.
أعلنت هيئة رسمية (لا أريد ذكرها كي لا ننشغل بالمثال عن الفكرة) أنَّها ستلزم كل التجار (أي نحو 1.3 مليون تاجر) باستعمال نظام إلكتروني لتسجيل مبيعاتهم، مع ربطه بغرفة مركزية تمكن موظفي الهيئة من المراقبة الدائمة لعمليات التجار. وقد قيل إنَّ غرض هذا النظام هو منع التستر والتهرب وغش العملاء... إلخ. ولا بد أنَّ بعض المحللين سيمتدح الخطوة للأسباب المذكورة نفسها، وربما يذكرنا آخرون بالمثل الشائع «لا تبوق ولا تخاف».
شعور بالسعادة عند بعض مبرمجي الكومبيوتر وبعض الموظفين الأذكياء، نتيجة اقتناعهم بأنهم يملكون فعلياً أدوات الضبط والتحكم في حياة آلاف الناس.
هذا التوجه خطر جداً على الأمن النفسي للمجتمع، وعلى الإنتاجية والإبداع في مجال الاقتصاد. فوق أنَّ عائده ضئيل واقعياً، وإن بدا على الورق كبيراً ومدهشاً. آمل ألا يترك الأمر للتكنوقراط، لأنَّ حكومة الآلات ليست قابلة للحياة حتى لو بدا الحديد قوياً ومقاوماً لعوامل الطبيعة.
حكم العلماء Feb 17, 2021
اختلاف المفاهيم بين الناس، بما فيها تلك المفاهيم التي نظنها مسلّمات أو موارد إجماع. هذه المشكلة تجعل النقاش بلا فائدة، لأنك تفترض وجود توافق أولي على غرض النقاش، ثم تكتشف متأخراً، أن أطراف النقاش يتحدثون في مسارات مختلفة أو سياقات متغايرة.
تسخيف لحاكمية العلم وفوقيته على غيره، واعترض آخرون على ما اعتبروه ربطاً متكلفاً بين «حكم الآلات للبشر» وهو احتمال غير مقبول، فوق أنه مجرد خيال، وبين حكم العلماء والخبراء، وهو أمر يحتاجه كل مجتمع.
هذا النقاش فرصة لتحدي قناعة شائعة، ترجح حاكمية العلم وفوقيته على ما عداه. وكنت قد جادلتها بالتفصيل في دراسة سابقة حول «ولاية الفقيه» النظرية المعروفة في الفقه الشيعي المعاصر.
أصل الفكرة من المسلّمات المعروفة بين الناس. فكل إنسان مدعو – عقلاً – للرجوع إلى الخبير في الموضوع، حين يحتاج. ولهذا يرجع الفقيه إلى الطبيب لعلاج مرضه، ويرجع الأمير إلى المهندس كي يبني سكنه، ويرجع التاجر إلى الخياط كي يخيط ثوبه... إلخ.
وهذا الأصل المنطقي هو القاعدة التي أقام عليها الفيلسوف اليوناني أفلاطون ثم أرسطو، فكرة «الملك الفيلسوف». لكنهما صرفا الفكرة عن أصلها إلى سياق فرعي نوعاً ما، كي يخدم نظريتهما الخاصة عن القانون الطبيعي وتطبيقاته في الحياة العامة. وظهر لي في أبحاث سابقة أن استدلال أرسطو قد تبناه الاتجاه العام بين علماء المسلمين وفلاسفتهم، منذ القدم وحتى اليوم. ولهذا تراهم يتحدثون عن ولاية الفقيه، واجتهاد الحاكم والقاضي، كما يصرفون «ولاية الأمر» الواردة في القرآن إلى علماء الشريعة، ويضفون عليهم قيمة عالية تتجاوز المعتاد بين أهل العلم.
وهذا يوضح سبب شيوع الفكرة، وجريانها مجرى المسلّمات. فمصادر الثقافة الدينية تشكل جانباً مؤثراً من ثقافتنا العامة، ونحن نتعامل معها كحقائق لا تقبل الجدال.
معارضتي للفكرة، فترجع إلى عاملين بسيطين: أولهما أن ممارسة الحكم والإدارة العامة -ولا سيما في مرحلة اتخاذ القرار- ليست من قضايا العلم وليست موضوعاً للبحث العلمي. الثاني أن العلم لم يعد في العصر الحديث مصدراً وأساساً لحق المدير في الأمر والنهي والتصرف.
إذا كانت التجارب دليلاً عند العقلاء، فإن تجربة الحكم في العالم المعاصر، في مختلف المجتمعات، تخبرنا أن الحكومات في كل بلد توكل للخبراء في كل مجال مهمة صناعة الأساس الذي يُتخذ القرار على ضوئه، أما اتخاذ القرار فعلياً فلا يرجع إلى العلماء بل إلى الحكام، وهو يتخذ سيرورة قانونية مختلفة عن مسار البحث العلمي
*Feb 7, 2022
النخبة ذات الخبرة العلمية تنوب عن الشعب في الاستئثار بالسلطة وإيجاد حلول لمشكلات المجتمع وشرعية هذه الفئة من النخب الحاكمة تأتي من المعرفة الأعلى. ولا يمكن لأحد أن يشكك في هذه الشرعية إلا إذا كان خبيراً تكنوقراطياً، أمّا بقية الناس أو المجتمع فهم يجلسون في مقاعد المتفرجين.
المجتمع كمتفرج هو جوهر الشعبوية أو التكنوشعبوية الجديدة. والتكنوشعبوية كظاهرة تمنحك الإحساس بمواطنة زائفة ومتجاوزة للأحزاب والآيديولوجيات التقليدية وتخلق وهماً يجعل لديك أحياناً الرغبة في التكسير المباشر لمؤسسات الديمقراطية كما حدث في حالة اقتحام الكونغرس من مناصري دونالد ترمب في أيامه الأخيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق