يظنّ عناصر جماعة الإخوان المسلمين وقادتهم من مختلف المستويات وهم يتوافدون على إسطنبول، من مصر وليبيا واليمن وقطر والكويت وسوريا وغيرها من الأقطار العربية، أنهم وجدوا في تركيا ملاذا آمنا وحاضنة لمشروعهم العابر للحدود، وفي قيادتها ممثّلة بزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان حليفا صلبا عميق الإيمان بفكرتهم ومستعدا لـ”التضحية” من أجل تحقيقها من منطلقات مبدئية.
ويتفاجأ الكثير من هؤلاء بأنّهم أصبحوا مجرّد أدوات صغيرة بأدوار وظيفية محدّدة في خدمة مشروع قومي لأمّة أخرى لا يمثّل الدين فيه سوى لبوس خارجي وواجهة للتسويق.
بامارة فيلم سيجين ومسلسل قيامة عثمان ومسلسل جرائم صغيرة
لم تُبد تركيا منذ تأسيس دولتها الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهارة مطلع العشرية الثانية من القرن الماضي، طمعا في أراضي العرب وثرواتهم، مثلما هي حال تركيا اليوم بقيادة رجب طيب أردوغان الذي أذكت مطامِعَه حالةُ الضعف وعدم الاستقرار في عدد من الأقطار العربية، لكنّه وجد أيضا في جماعة الإخوان المسلمين أداة طيّعة ووسيلة مساعدة على تحقيق تلك المطامع.
ولا يفتقر الإخوان إلى سلاحين شديدي الفاعلية والتأثير، وهما سلاح المال والإعلام. فقد تمكّنت بعض فروع الجماعة من مراكمة ثروات طائلة على مدى عشريات من الزمن استمدتها من اختراقها للأجهزة لبعض الدول واغتنام أجزاء من ثرواتها حينا، ومن جمع التبرعات دون ضوابط تحت يافطة العمل الاجتماعي والخيري حينا آخر، بينما تمكّن بعض عناصر الإخوان في بلدان عربية أخرى بفضل مشاريعهم التجارية والاستثمارية من مضاعفة ثرواتهم ليلتحقوا بنادي المليارديرات، مثل حميد الأحمر القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح؛ الفرع المحلي من تنظيم الإخوان الدولي.
أما إعلاميا فيتحرّك الإخوان من خلال العشرات من المنابر تتوزع بين الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني، من أشهرها وأكثرها وصولا للمتلقين وسائل الإعلام الممولة من قطر والتي تمارس على مدار الساعة قصفا إعلاميا مركّزا ضدّ خصوم الإخوان أفرادا وكيانات ودولا، في مقابل دعاية فجّة لتركيا وقيادتها وثناء مستمر على سياساتها وتحركاتها بشكل يكاد يرتقي إلى مستوى التأليه والتنزيه عن الخطأ.
وعن الجانب المالي والاقتصادي من أنشطة الإخوان على الأراضي التركية تقول عدّة مصادر مطّلعة إن حركة نقل وتهريب غير مسبوقة لأموال الجماعة نشطت خلال السنوات الأخيرة، وأن ثروات تقدّر بمليارات الدولارات تدفّقت على تركيا من عدّة دول عربية مثل قطر وسوريا واليمن والكويت، ومن دول أخرى عبر العالم وتمّ ضخّها في استثمارات ومشاريع تجارية تركية.
وكنموذج عن أشهر المعارك الإعلامية التي خاضها الإخوان العرب لمصلحة تركيا ضدّ بلدانهم، معركة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في خريف سنة 2018، حيث مثّلت تلك الجريمة فرصة سانحة لأنقرة لتصفية حسابات مع الرياض التي كثيرا ما نظر إليها أردوغان كعقبة رئيسية في وجه مشروعه التوسّعي بالنظر إلى محورية الدور السعودي في العالمين العربي والإسلامي بما تمتلكه السعودية من مكانة دينية وسياسية واقتصادية، وهو ما يتعارض مع طموح زعيم حزب العدالة والتنمية إلى تحويل إسطنبول مركزا للعالم الإسلامي كما كانت عليه في عهد السلاطين العثمانيين الذين تمثّل سيرهم مصدر هوس للرئيس التركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق