الأربعاء، 4 مايو 2022

الطهطاوي و الأفغاني سؤال النهضة الإسلامية الغائبة

Sep 20, 2020

والأزمة الرئيسية في فكر الطهطاوي هو أنه كان مثقفا إصلاحيا ينتظر الإصلاح من السلطة دوما والعجب العجب فكيف برجل ذهب إلى فرنسا في القرن التاسع عشر أن لا يكون قد قرأ و أو تأثر بالثورة الفرنسية و بمبادئها الخالدة (حرية وعدالة ومساواة) وبمثقفيها وخصوصا جان جاك روسو وعقده الاجتماعي فكيف له أن لا يكون مثقفا ثوريا لا يرى صلاح الأمة في تخليصها من الحكام الفاسدين  ويختار أن يكون مثقفا إصلاحياً.

و في عام 1870م جاء الأفغاني إلى مصر من الهند وبه حدثت نقلة كبرى في محاولة الإجابة عن سؤال التخلف الذي حل بالأمة الإسلامية وعن كيفية اللحاق بالنهضة الغربية

الأفغاني إن سبب النهضة الأوربية هو حركة الإصلاح الديني لأن لوثر عندما شاهد شعوب أوروبا فقدت شهامتها من طول ما خضعت لرجال دين فاسدين و لتقاليد لا علاقة لها بالعقل وعاشت على الأسطورة أقام حركته البروتستانتية ودعا لها الأوربيين بصبر وعناد فأصلح أخلاقهم وقوم اعوجاجهم و طهر قلوبهم.

بين الطهطاوي و الأفغاني نشأ الصراع الأكبر في تاريخنا بعد (صراع علي و معاوية) فالعلمانيون المعاصرون (الليبراليون منهم خصوصا ) يقتدون بالطهطاوي ويثقون في إنسانية الغرب وأنهم يقدمون الحضارة لا يريدون جزاءً ولا شكورا والإسلاميون المعاصرون ينظرون بعين الريبة لكل ما يأتي من الغرب وكل أملهم أن تأتي نهضة و تنطلق من داخل الإسلام.

هل يمكن الوصول اليوم إلى طريق ثالث بين الأفغاني و الطهطاوي يأخذ بالمنجزات الثقافية و الحضارية الغربية و يحافظ على هوية هذه البلاد من أن تضيع و على استقلالها و سيادتها مع إصلاح ديني نتخلص فيه من منتوجات عصور الظلام الإسلامية ( ما بعد القرن السابع ) و كتب التعصب المذهبي و الديني المذموم أتمنى أن يكون ذلك قريباً.

قاسم أمين

ومحمد عبدو 

من فرنسا 

سؤال التنوير في عصر النهضة

الطهطاوي (1801-1873)
 قرأ روسو ومونتسكيو وكوندورسيه وفولتير

*

النهضة المجهضة


رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وبطرس البستاني وشبلي الشميل وفرح أنطون وسلامة موسى وأحمد لطفي السيد وأحمد أمين ومنصور فهمي وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وعبد الرحمن الكواكبي وفرنسيس المراش وأديب إسحق وأحمد أبو خليل القباني وطه حسين

ما هذه البدع؟ إنها الحداثة والديمقراطية والعَلمانية والحكم بموجب الدستور، لا بموجب الشريعة. وقد وضعت تلك الجماعات السلفية نفسها في مواجهة ضارية مع العصر ومع الإصلاح النهضوي الحقيقي. وفي هذا السياق، ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في سنة 1928 على خطى الحركة الوهابية التي أسّسها في القرن الثامن عشر الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي، وعلى منوال الحركة المهدية في السودان التي أسّسها محمد بن أحمد المهدي، والسنوسية في ليبيا التي أسّسها محمد بن علي السنوسي في القرن التاسع عشر. وكانت غاية الإخوان المسلمين التصدّي للحداثة الليبرالية التي راحت تنتشر في مصر غداة ثورة 1919، وفي الشام بعد الإصلاحات العثمانية. وقد وقف الإسلاميون ضد "النهضة"، لأنهم اعتبروا أفكارها استعمارية ومستوردة وخطراً على الهوية، فكانوا، بهذا المعنى، يجسّدون شوطاً جديداً في مسار انغلاق الفكر العربي؛ 

 ذلك المسار الذي بدأ مع أبو حامد الغزالي عندما اعتقد، واعتقد معظم المسلمين معه، أنهم ختموا العلم ووصلوا به إلى ذروة المعرفة، وأن جميع معارف الوجود محفوظة في نصوص السير والتفاسير والأحاديث والروايات وفتاوى الفقهاء وكلام المتكلمين. وهكذا لفظت الثقافة العربية ابن رشد وابن سينا وطردتهما من نطاقها، فانتصر الحنابلة على المعتزلة في زمن المتوكل، ثم انتصر الغزالي وابن تيمية على ابن رشد. وبهذا المعنى، انتصر المحدّثون على الفلاسفة، ما جعل أبو الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب ينتصرون لاحقاً على شبلي الشميل وفرح أنطون وطه حسين، ويظفرون بالسيادة على عقول الناس.

افتقرت المدائن العربية التي شهدت براعم الحداثة إلى حزبٍ جدّي يدافع عن الديمقراطية والليبرالية

لم يظهر حزب ديمقراطي واحد له شأن في الحقبة الليبرالية. وافتقرت المدائن العربية التي شهدت براعم الحداثة، كالقاهرة ودمشق وبغداد وبيروت، إلى حزبٍ جدّي يدافع عن الديمقراطية والليبرالية، فيما ظهرت أحزاب عدة لا تتبنّى الديمقراطية بعمق، كالأحزاب الشيوعية والأخوان المسلمين والحزب السوري القومي الاجتماعي وعصبة العمل القومي وحزب البعث العربي الاشتراكي. وربما وجدنا أدبيات شتى لتلك الأحزاب تتضمن مقادير معينة من المطالب الديمقراطية، إلا أنها استُخدمتْ في هذا الميدان أداة سياسية ضد السلطات الحكومية، فقد كانت الحريات، لا الديمقراطية، هي ما يلائم نضالها السياسي، ولم تتبنَّ الديمقراطية بصورة عقيدية.

 كانت هناك أحزاب احترمت بعض قواعد الديمقراطية في الحكم، كالانتخابات وتغيير الحكومات، أي تداول السلطة بين أحزاب قليلة،
 حزب الوفد في مصر

 فرح أنطون وشبلي الشميّل وقاسم أمين وعبد الرحمن الكواكبي وفرنسيس المرّاش، كان ينبغي أن تكون قد حُسمت منذ زمن بعيد. وأخشى أن تصبح النزعة الماضوية

تكمن أهمية فكر النهضة في أنه كان متصالحاً مع الحداثة، وداعياً إلى التقدم، ومناهضاً للتخلف المعرفي والانغلاق الاجتماعي، ومتلائماً مع روح العصر. واليوم، من بين مفكري عصر النهضة، ما زالت كتابات طه حسين تحظى بقيمة نقدية حقيقية، ولا سيما رفضه قبول المسلمات المتوارثة في التاريخ العربي، والدعوة إلى إعادة النظر فيها. وفي المقابل، لا نحتاج اليوم أبداً إلى كتاب رفاعة الطهطاوي الموسوم بعنوان "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"؛ فمعظم الناس زاروا باريس،

 فنحن لا نكاد نعرف، على وجه الدقة، لماذا تقدّم الغرب، فكيف نعرف، على وجه مقارب، لماذا لم يتقدّم العرب. إنه سؤال ميتافيزيقي عن قصة مادية تاريخية واجتماعية.

شبلي الشميّل وفرح أنطون

وعلى غرارهم تساءل فرح أنطون: كيف يمكن الإنسان أن يصل إلى معرفة الله؟ وأجاب أنه ليس بالصوم والصلاة والتعبد، بل بالدراسة المتصلة والبحث لكشف سر الوجود. والعلم طريق معرفة الله، والحقيقة العلمية أساس الحقيقة الدينية.

 فرح أنطون وارثاً للمعتزلة العرب وللملاحدة، أمثال ابن الراوندي وابن سينا وأبو بكر الرازي وأبو عيسى الوراق وعبد المسيح الكِندي. والملاحدة العرب، خلافاً للملاحدة الأوروبيين، لم ينكروا الخالق، بل أنكروا النبوءات، فيما أراد التيار الربوبي Deist الأوروبي تنقية الدين من القصص والعجائب والمعجزات والخوارق والخرافات. ولهذا بحث ذلك التيار عن "حقائق إيمانية يقبلها العقل، ويمكن بناء الإيمان عليها. وقد رفض التنويريون الأوروبيون قصة الخلق التوراتية، وحكاية هبوط آدم وحواء من الجنة، وإيقاف الشمس في الفلك فوق جبعون الفلسطينية، وقصة أهل الكهف.

فرح أنطون غير الراديكالي

لم يكن فرح أنطون في سجاله مع محمد عبده بعد صدور كتابه "ابن رشد وفلسفته" صلباً تماماً؛ فقد تراجع، وزعم أنه ليس ضد الدين، بل ضد رجال الدين. وكان أقل راديكالية وجرأة من شبلي الشميل الذي لم يتراجع عن أفكاره قط، واستمرّ في دفاعه عن العلم والاشتراكية ونقد الاستبداد، فيما تخلى إسماعيل مظهر عن علمانيته بعد الحملة التي اتهمته بالإلحاد، وأدار منصور فهمي ظهره للعلمانية تحت عسف الجماعات الدينية، واستنكف عن نشر أطروحته التي نال الدكتوراه عليها من السوربون في سنة 1913 والموسومة بعنوان "أحوال المرأة في الإسلام"، ولم يُقيّض لها أن تنشر إلا في عام 1997، أي بعد 84 سنة. وفي السياق نفسه، تخلّى طه حسين عن التشكيك في الشعر العربي وحذف أحد فصول كتابه "في الشعر الجاهلي"، وغيّر عنوانه إلى "في الأدب الجاهلي"، وتخلى عبد العزيز فهمي عن اقتراحاته لإصلاح الخط العربي.

 دماء العَلمانيين، فاغتالت عبد الرحمن الشهبندر في سورية (1940)، وأنطون سعادة في لبنان (1949)، ومحمد محمود طه في السودان (1985)، وفرج فودة في مصر (1991).

سطوة الجماعات التكفيرية واستبداد السلطات الحاكمة

وقد خاض فرح أنطون معركة فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن التعليم. لكن بعض الدول ما زالت تُخضِع التعليم لجماعات دينية. ويروي المفكر الراحل، جورج طرابيشي،

مارتن لوثر ليس مصلحاً، بل سلفي أراد تخليص الكنيسة من بعض الطقوس، مثله محمد بن عبد الوهاب

الإخوان المسلمون، على سبيل المثال، بزعمهم أنهم حركات إصلاحية، يماثلون شكلياً، وإلى حد كبير في المضمون، "الإصلاح" البروتستانتي في ألمانيا الذي سبقهم بأربعمائة سنة، فبروتستانتية مارتن لوثر منعت الرسم والنحت والزخرفة في الكنائس تماماً كما فعلت الوهابية واليهودية والجماعات الإسلامية التقليدية بتحريمها الرسم والنحت وحتى الغناء. وفكر مارتن لوثر يشدّد على العودة إلى حرفية النص الإنجيلي، وإلى اتباع مقولات السلف، تماماً مثل الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي ومجموعات القاعدة والدواعش. ولوثر كان ضد عصر النهضة وفنونه، والعقل لديه "عاهرة الشيطان"، والخلاص لا يكون بالعقل، بل بالإيمان وحده. ومارتن لوثر ليس مصلحاً، بل سلفي أراد تخليص الكنيسة من بعض الطقوس، مثله محمد بن عبد الوهاب. ويقول مارتن لوثر إن معرفة النص المقدس هو الطريق الوحيد إلى الخلاص، وعلى غراره يقول أبو الأعلى المودودي إن على البشر أن يحكموا بموجب النص القرآني، وكل مجتمع لا يُحكم بموجب ذلك النص، مجتمع جاهلي وكافر، وعلى خطاه سار سيد قطب.

ما عاد المطلوب اليوم في بلادنا العربية المبتلاة بالكراهية الدينية فصلُ الدين عن الدولة، بل إلغاء احتكار الطوائف للأوقاف ومؤسسات الرعاية الطائفية كدور العجزة والمياتم والمستوصفات والمستشفيات وصناديق الخير، فضلاً عن الأحوال الشخصية ومحاكمها. أليسَ هذا الكلام من بنات الخيال؟ ربما. لكن، من سيعلّق الجرس في عنق الهرّ؟ إنه المستنير العادل حتى لو كان مستبداً. وأقصد هنا بعبارة "المستنير العادل" الدولة المستنيرة. وإلا فستبقى حالنا متأرجحة بين النهوض والسقوط مثل رجلٍ في بحيرة يتعرّض لنيران اللصوص؛ فإن صعد هلك، وإن نزل غرق. والمدعو إليه هنا أن ننصتَ إلى فرح أنطون وشبلي الشميل وعبد الرحمن الكواكبي وطه حسين، ونتجاوزهم إيجاباً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق