الوضع الراهن في مصر لا يمكن أن يستمر، فالأزمة الاقتصادية على أشدها والبلاد على حافة الإفلاس، والموارد الداخلية للدولة متمركزة بشكل شبه كلي على الجباية والقروض؛ بسبب تعطل آلة الإنتاج، وأصبحت غير قادرة على تغطية احتياجات الموازنة العامة للدولة، بما يعني استفحال المديونية الداخلية والخارجية، ورهن السيادة الوطنية، والفقر الذي انتشر واتسعت رقعته، وزادت حدته، وهو ما يهدد بهزة اجتماعية خطيرة قد لا تتأخر كثيرا.
وشدد على أن التغيير قادم قريبا؛ لأن بنية الدولة المصرية ومؤسساتها تقادمت وتهالكت، وأصبحت على درجة كبيرة من البيروقراطية والتكلس وعدم الفاعلية، ولأن منظومة المؤسسات والمنشآت العمومية الواسعة أضحت كلها تقريبا مفلسة ومدمرة وخربها الفساد والمحسوبية والبلطجة، ولا يمكن أن تتواصل هكذا مطلقا، والوضع مؤهل لانفجار وشيك في ظل غياب إصلاحات عميقة.
وأضاف أنه بقدر ما ستكبر الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية في مصر خلال الأشهر القادمة، بقدر ما سيشتد احتمال ظهور أشخاص هامشيين عشوائيين، أو فاعلين داخليين مدعومين من جهات خارجية لتصدر الساحة، وتقديم النفس بديلا للوضع الراهن، ومحاولة إقناع الداخل والخارج أنهم يمثلون الأمل فى التغيير وفي الاستقرار المستقبلي.
*
تصوره للتغيير القادم باعتبار أن الفرز لن يكون على قاعدة أيديولوجية بين حداثيين وإسلاميين، ولا على قاعدة سياسية بين ثوريين ومجموعات الثورة المضادة، ولا على قاعدة صراع الأجيال بين قدامى وجدد، فقد جربت البلاد كل هذا، ولم يحصل الحسم، ولم تتحقق الوعود والأهداف والأماني.
أضاف أن الحل هو في تحالف ضحايا هذا النظام مع القوى الوطنية المصرية الإصلاحية والثورية، بعيدا عن القبعات الأيديولوجية والخلافات التاريخية، فالفرز القادم يجب أن يكون بين الراغبين في التغيير، والإصلاح الجذري من ناحية، ولوبيات المصلحة وقوى الثورة المضادة، التي تريد الحفاظ على احتكارها لثروات البلاد، وتريد الإبقاء على الوضع السياسي الراهن، الذي يضمن بقاء نفوذها من ناحية ثانية".
فلسفة الالتقاء الجديد بين مكونات القوى الوطنية المصرية يجب أن تُبنى على مرتكزات منسجمة مع الوضع الراهن للبلاد، ومع الأولويات الرئيسية للسنوات والعقود القادمة، وحدد تلك الأولويات بأنها السيادة الوطنية، والاستقرار السياسي، والإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية للدولة ومنشآتها العمومية، وتكريس آليات وثقافة الرقابة والحوكمة والشفافية والمحاسبة، وإنقاذ الاقتصاد الوطني عبر كسر طابعه الاحتكاري العسكري، وكسر هيمنة القلة الاحتكارية والعسكرية المتنفذة.. وغيرها.
شدد السياسي المصري المعارض، على أن تكون تلك الأولويات في قلب عناصر خطاب قوى التغيير والمنابر الإعلامية الداعمة لها في المرحلة القادمة، خطاب اتحاد القوى الوطنية المصرية بوصفه المظلة الجامعة لكل قوى الثورة والتغيير والحرية.
حدد أيمن نور شروط النجاح الضرورية، وعلى رأسها إعداد رؤية إستراتيجية تشاركية تفاعلية للبلاد، وبرنامج حكم يتضمن رؤية إصلاح هيكلي ومؤسساتي وتشريعي للدولة ومؤسساتها، والتشبيك بعلاقة قوية بين أفراد ومجموعات ومنظمات تلتقي حول أولويات المرحلة، وحول هدف التغيير، وإطلاق مبادرات مدنية جادة وجريئة ضمن المحاور الإستراتيجية المحددة لملء المشهد وتقديم البدائل، والعمل على بناء قيادة للمرحلة، وتوفير الدعم المالي اللازم لبناء المؤسسات الضرورية لإنجاح مشروع التغيير.
أضاف شروطا أخرى، مثل إعداد إستراتيجية إعلامية تواصلية، والتشبيك بين المنابر الحالية المنحازة لأطروحات الإصلاح والتغيير من أجل توحيد الرسالة، والعمل على تأسيس ودعم محاضن رواد أعمال لنشر ثقافة المبادرة الاقتصادية، وإطلاق دبلوماسية شعبية للقوى الحاملة لمشروع التغيير في إطار التواصل مع القوى المشابهة فى دول الجوار وغيرها.
ويظل السؤال من الداعم كاشخاص
مسارات فشل الثورة
ولفت نور إلى أن هناك مسارات أصابت الثورة المصرية في مقتل خلال السنوات العشر، أبرزها تزايد وتغول نفوذ السلطة العسكرية على الاقتصاد، وبسط أذرعها المخابراتية على المشهدين السياسي والإعلامي، وتحول المؤسسة العسكرية من جزء من السلطة التنفيذية إلى سلطة عليا -فوق السلطة- تخدمها السلطة القضائية والتشريعية.
المسار الثاني الذي أصاب الثورة هو إفشاء حالة اليأس وخيبة الأمل، في كل قوى التغيير المصرية والثورة، وتشويه كل الفاعلين السياسيين، وتعميق الشقوق والشكوك، وتوسيع الاتهامات والخلافات بين مكونات الجماعة الوطنية المصرية بدعوى خيانة الثورة، والفشل فى تحقيق أولويات الشعب أو إجهاض الثورة، سواء بالهيمنة الفصائلية على المرحلة التأسيسية (2012-2013)، وما استتبعه من فشل في بناء تحالف وطني واسع، أو بالتحالف اللاأخلاقي مع قوى الثورة المضادة -داخليا وأقليميا- دعما لانقلاب 2013.
المسار الثالث هو القضاء على الحقوق الأربعة الرئيسية للإنسان المصري، وخاصة الحق في التعبير، والتحرر من العوز والخوف، فأصبحت مصر جمهورية من جمهوريات الخوف؛ مما دفع قطاعات واسعة من النُخب والمثقفين والطبقة الوسطى، للاستقالة من العمل والهم العام، وهو ما أدى لانحصار دور الفئات الأكثر اهتماما بالإصلاح والتغيير.
واعتبر نور أن المسار الرابع، الذي أصاب ثورة يناير/كانون الثاني يتمثل في فقدان الثورة المصرية بريقها الذي توهج أيام الميدان، بعد أن تحول حلم الثورة إلى كابوس، وشركاء الثورة إلى فرقاء، وهيمنة من وصفهم بالانكشارية واللوبيات الإقليمية والصهيونية، على مفاصل الدولة المصرية، التي تحولت -بالفعل- إلى "شبه دولة"، مرتهنة فى قرارها وإدارتها بمنظومة عنكبوتية (صهيو عربية) عملت على تقزيم مصر.
2020/10
حذّر السيسي من مغبة الإنصات لإعلام المعارضة والانسياق وراءه، منتقدا تشكيك هذا الإعلام فيما وصفه بالإنجازات الكبيرة التي يحققها النظام المصري، ومهددا بالشكوى إلى الله يوم القيامة.
المثير أن تكرار انتقاد السيسي للإعلام لم يقتصر على إعلام المعارضة، بل امتد أيضا إلى إعلام النظام نفسه، والذي تهيمن عليه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث يشتكي السيسي من عجز إعلامه في مواجهة إعلام المعارضة، والتصدي لما أسماها بالشائعات والأكاذيب، رغم حجم الإنفاق الضخم على القنوات الفضائية
يكرر السيسي انتقاده لقنوات المعارضة بتهمة بث الشائعات والتشكيك في إنجازاته، كما ينتقد أحيانا إعلام نظامه لعدم الترويج لتلك الإنجازات، علما بأنه فرض قبضة حديدية جعلت من إعلام السلطة إعلام الصوت الواحد المكرر، وهو ما اعتبره البعض من أهم أسباب انصراف المصريين نحو قنوات المعارضة.
إذا كانت إنجازات وإصلاحات السيسي لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، فلماذا لا يراها مواطنوه، ولا يشعرون بها، ولماذا لا يسمعون له ولإعلامه الذي يدندن ويتغنى بها ليلا ونهارا؟
أيمن نور، إن أكثر ما يفزع نظام السيسي هو ما يبثه إعلام المعارضة بالخارج، والذي بات جزءا من ثقافة ووعي المصريين البسطاء، وهم من خرجوا رغم القبضة الأمنية في مظاهرات نادرة من قلب الريف في سبتمبر/أيلول الماضي للمطالبة برحيل السيسي.
نور الذي يترأس مجلس إدارة قناة الشرق الفضائية، قال في حديثه للجزيرة نت إن مصر تحتل المرتبة الثانية على قائمة الدول العربية الأكثر امتلاكا للقنوات الفضائية، بامتلاكها بشكل مباشر وغير مباشر، نحو 98 قناة تلفزيونية تديرها وتمتلك بعضها الأجهزة المخابراتية والأمنية، التي انتقلت إلى ممارسة هذا الدور في العلن خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن قنوات عربية تدعم نظام السيسي
ووفق السياسي المصري المعارض، فإن نظام السيسي "يرتعد من بضع قنوات فضائية لا يتجاوز عدد أصابع اليد، على الرغم أن حجم إنفاقها ربما يكون أقل من حجم إنفاق قناة واحدة من تلك القنوات المؤيدة له، لأن الصدق يهزم مليارات يضخها تحالف أعداء الشعوب، ويهزم كل محاولات التشويه والنيل من أصحاب الرأي". بامارة استفزني اعلان تقبض خمس الاف جنية واشتغل عندنا قناة مخابرات
دكتاتور مستبد، يدير دولته بالتخويف والتجهيل الدائمين، ومن ثم فهو منزعج جدا من إعلام الخارج المعنيّ بالشأن المصري.
المصريين يرون أنفسهم في هذا الإعلام ويسمعون صدى صوتهم، ويتفقدون أوضاعهم وأحوالهم، يتكلم عن شعب آخر ودولة أخرى.
يحجب الحقائق، ويقول للمصريين لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
لا أحد داخل مصر يستطيع انتقاد سياسات النظام سواء الاقتصادية أو الحقوقية أو السياسية، مضيفا "الشيء الوحيد الذي نجح فيه السيسي، هو جعل الإعلام في مصر هو إعلام الصوت الواحد، الذي يعبر عن رؤية السيسي فقط، ويبرر كل أخطائه وجرائمه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق