السبت، 29 يناير 2022

افتراءات الإسلاميين

 سفر الحوالي

 يستعملونها إزاء المستشرقين، إلى حد أنَّ هذه الكلمة، بسبب استعمالهم المفرط لها إزاء المستشرقين، صارت ملتصقة بهم، وجزءاً من اسمهم عند جمهور الكتاب الإسلامي. فالمستشرق عندهم هو أبداً ودائماً مفترٍ. والافتراءات هي الهوية الثابتة والجامعة لكل المستشرقين.

سفر الحوالي في رسالته عن العلمانية للحصول على درجة الماجستير عزا العبارة المنسوبة إلى غلادستون إلى هذا الكتاب. وهو كتاب قلتُ عنه في هذا المقال إنه منشور سياسي وعقائدي ضد الغرب وتاريخه وحاضره مع العالم الإسلامي، وأضيف هنا أن الكتاب أسهم في تأجيج نيران السخط والغضب والعداوة لحكام العالم الإسلامي، منذ خلع السلطان عبد الحميد وإلغاء الخلافة العثمانية في محاضن الصحوة الإسلامية ومجال نفوذها التربوي والثقافي والعقدي في عقود خلت.

Apr 18, 2021*

يقول سفر الحوالي في مقدمته لرسالته (العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها على الحياة الإسلامية): «ومع أن المراجع المذكورة آخر الرسالة لا تساوي إلا جزءاً مما قرأت، فإنني لا أشعر بشيء من الخسارة، بل أحمد الله تعالى الذي أراني الفكر الجاهلي الأوروبي على حقيقته. والحق أنني علمت علم اليقين أن هذا الفكر ليس باطلاً فحسب، بل هو أيضاً تافه هزيل، وتمنيت من أعماقي أن يهب الله كل شباب أمتي، ما وهب لي من معرفة تفاهته وهزاله»!
إن ما عبرت عنه هذه الأسطر، ما هو إلا إعادة صياغة مختصرة لما قاله سيد قطب في إضافة من إضافاته، بعد أن تشبع بالفكرة المودودية، لطبعة من طبعات كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) اللاحقة.

«إن الذي يقول هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة، كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع، في معظم حقول المعرفة الإنسانية

وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره. وإنما عرف الجاهلية على حقيقتها، وعلى انحرافها وعلى ضآلتها وعلى قزامتها، وعلى جعجعتها وانتفاشها، وعلى غرورها وادعائها كذلك! وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي!!!»!

طريف طرافة نرجسية أن سفر الحوالي كتب تلك الأسطر وهو في سن الثانية والثلاثين! وكان وهو في تلك السن قد علم علم اليقين أن الفكر الأوروبي تافه هزيل، فضلاً عن أنه باطل الأباطيل. علمه اليقيني هذا يتناقض مع قوله قبل تصريحه هذا: «وقد عرفت منذ اللحظة الأولى أن مهمتي ليست بيسيرة، وأن عليَّ أن أخوض في ميادين بعيدة عن مجال دراستي الشرعية البحتة جاعلاً كل قراءاتي السابقة في الفكر الغربي بمثابة التمهيد فقط لما يجب عليَّ أن أنهض به».

الفكر إذا ما كان فكراً تافهاً هزيلاً، فستكون القراءة فيه وعرضه ونقده عملية يسيرة جداً، ولن تكون فيه نظريات معقدة. وإذا كان ذلك الفكر بتلك الصورة الهزلية فإنه من الحماقة أن تنجز فيه رسالة علمية؛ إذ سيعد هذا العمل إضاعة للوقت بتوافه الفكر وسفاسفه غير المفيدة.

ن كلام سيد قطب الذي استنسخه سفر الحوالي استنساخاً غبياً يمثل عقيدة دينية دعا سيد قطب لها وهي «الإيمان المستعلي» أو بتعبير سيد قطب «الاستعلاء بالإيمان».

في كلام سيد قطب الذي عرض فيه تجربته الذاتية مع القراءة حدثنا أنه غرق في القراءة في الثقافة الغربية أربعين سنة كاملة، وأنه هجر القراءة في العلوم الدينية الإسلامية طيلة هذه المدة. ومع عودته إلى هذه القراءة... إلخ.

 «الجاهلية الغربية»

السذاجة هي أن يأتي سفر الحوالي فيحاكيه في هذا الكلام، مع أنه ليس له في يوم من الأيام تجربة مزحومة مثل السيد قطب في اعتناق «الفكر الجاهلي الأوروبي»، فهو نشأ وتربى وترعرع في محاضن الفكر الصحوي الإسلامي منذ أن كان دون المراهقة.
فهل يعتبر اطلاعه «على أمهات النظريات والاتجاهات في السياسة والاقتصاد والعلم والأدب والفن» إثماً وجاهلية معاصرة، تحتاج إلى تبرير ومماحكة واستعلاء قطبي؟!

*

 كتاب “بين المساجد..”

فئة “الإسلاميين” الذين ينظرون إلى “بريطانيتهم” كأمر ثانوي عرضي جداً، لا يرقى لأن يمثل هوية بالنسبة إليهم، ولا يتطلب أيّ سلوك خاص يفرضه الانتماء والتشارك مع الآخرين في هوية وطنية جامعة.

 مشكلة الهوية والانتماء، الى مناقشة الإشكالات الفكرية الأساسية المُكونة لبنية الوعي الاجتماعي والسياسي المعاصر في بريطانيا، ليتفحص بطريقة ارتدادية وغير مباشرة، المفاهيم التي تصوغ هذا الوعي، من قبيل المواطنية والدولة الحديثة والمؤسسات والمجتمع المدني والسلم المجتمعي وسلطة القانون العام.

الوعي الديني الرافض لمفهوم الدولة المدينة بعمومها، وليس فقط الدولة البريطانية بعينها، ولكنه في هذه الحالة موجه ضدها، ذلك الوعي الذي ما يزال يتبنى مشروعَ إقامة دولة الله على الأرض، والذي يتحدد بمفهوم “حكم الخلافة” بالنسبة إلى الإسلاميين.

ورغم قلة هذه الفئة مقارنة بالغالبية المسلمة، إلا أن أثرها سيكون خطيراً، فأي قليل سيتحول إلى قوة مدمرة للمجتمع ومؤسساته عندما يكون متعصباً، خاصة عندما يبني تعصبه على وهم استئثاره وحده بالحقيقة من تفويض إلهى مطلق، ويكون مستعداً لممارسة الإرهاب باسم الدين، بدءاً من التكفير وانتهاء بالقتل والتفجير.

هذه الجماعات هم بريطانيون بأجسادهم فقط وبالمكان الذي يجمعهم، لكنهم ليسوا كذلك بالنسبة إلى عقولهم وأفكارهم، هم لا يرون في الآخر البريطاني شريكاً بل عدواً محتملاً ومختلفاً عنهم في الهوية، تلك الهوية التي لا تتحدد برباط الأمة - الدولة، ولا برباط إنساني عام، بل برباط عقائدي ومذهبي محدد في أغلب الأحيان.

كما يغيب لدى أفراد هذه الجماعات أيّ احترام أو تمثل لمبادئ الليبرالية الإنجليزية، فالسياسة عندهم ليست فضاءً لحرية إرادة المجتمع وحقه الديمقراطي في تقرير مصيره، بل شأن ديني محدد الغاية مسبقاً. والمرأة باعتقادهم ليست سوى موضوع حلال للرغبات والشهوات، لا يحق لها التعلم ولا العمل ولا مغادرة المنزل. أما من الناحية التربوية، فالعلوم المدنية ليست ممنوعة عن النساء فحسب، بل حتى عن اليافعين من الذكور الذين ينبغي أن ينشغلوا بالعلم الديني، ولا يأخذوا من علوم الطبيعة والفلسفة والآداب إلا ما يفرضه النظام التربوي العام للدولة، وبالطبع ليس عن طيب خاطر.

 أصبحت المساجد البريطانية حواضن مساعدة لتفريخ التطرف وبإشراف مباشر من أئمة راديكاليين مناهضين للتوجه الليبرالي؟ خاصة وأن الكتاب يوضح مقدار الانعزالية التي تعيشها هذه الجماعات، دون أن تربطهم أيّ علاقات اجتماعية أو ثقافية مع الآخرين من أبناء وطنهم، مما يعزز بين الفريقين (الإسلاميين وبقية المجتمع البريطاني) الانقسام الديني والعرقي، ويؤكد وجودهم كمجتمع موازٍ يُثير القلق والريبة، نظراً لممارساتهم واعتقاداتهم الأيديولوجية المتطرفة التي تجري داخل المساجد، والتي ستجعل كل مسلمي بريطانيا في عين العاصفة.

تراوحت بين تطمينات اليسار الإنجليزي بأن أمور المسلمين على ما يرام، وصمت اليمين تفادياً لتهمة التحريض على الإسلاموفوبيا.

الإسلام والمسلمين جزء لا يمكن تجاهله من تاريخ بريطانيا وحاضرها.. وحتى مستقبلها.

انتقد فيه “الإسلام السياسي” وعرض رؤية الدولة الفرنسية لحماية علمانيتها ومحاربة “الانعزالية الإسلامية”، ونذكر جميعاً الاعتراضات الواسعة التي وُجّهت للرئيس ماكرون آنذاك واتهامه بمحاربة الإسلام. ولقد كتبت بالمقابل عدة مقالات حول أزمة الإسلام في الغرب، وأكدت على ضرورة خروج المسلمين من الجمود الفكري، وإلا سيكونون ضحية لليمين المتطرف الذي بدأ يتنامى في عموم أوروبا، وينذر بمخاطر كثيرة، بتنا يومياً نسمع بعض مقدماتها، كأحداث العنف والعنف المضاد بين المسلمين والمتطرفين اليمينيين.

 ربط هذه الرمزية بالهوية الإسلامية المتمايزة عن التراث الغربي، حيث المساجد فقط، دوناً عن أيّ أماكن أخرى، يدخلها الناس حفاة بعد أن يخلعوا على أبوابها أحذيتهم، ويودعونها رفوفاً وأماكن خاصة، فتكون معروضة كما بدت في الصورة تماماً.

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق