Mar 17, 2021
حصر استراتيجية الفوضى الخلاقة الأميركية في المنطلق العقائدي الإنجيلي وأساطيره بانت أماراته بوضوح بعد وصول المحافظين الجدد إلى سدة الحكم كفريق موجّه للرئيس بوش الابن،
احتلال الولايات المتحدة للعراق بدعوى نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط الأوسع،
الفوضي الخلاقة
أولاً: حق التدخل في شؤون الدول
أعطت الولايات المتحدة لنفسها حقّ التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كحامية وداعمة للحريات وللديمقراطية وحقوق الانسان فيها، وظهرت هذه النزعة لديها إثر هجمات 11 سبتمبر 2001م، على نيويورك وواشنطن، وشن حربين عسكريتين واسعتين بقرار أحادي وضمن تحالفات دولية بمن حضر، مرةً تحت شعار الحرب على الإرهاب كما جرى في أفغانستان، وأخرى ضد العراق تحت شعار حماية السلم الدولي من تهديدات أنظمة مارقة تمتلك أسلحة دمار شامل،وعندما لم تجد هذه الأسلحة، حوّرت المبررات على أنها لتخليص الشعب العراقي من نظام صدام حسين، وإقامة حكم ديمقراطي.
ولا يقتصر اعتراف الولايات المتحدة في اللجوء إلى استعمال نظرية الفوضى الخلاقة في العراق على عدد من المنظرين، بل تعدّى ذلك اعتراف وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في مؤتمر صحفي في 11 فبراير 2005م باستعمال نظرية الفوضى كمدخل لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في دول المنطقة، تحقيقاً للرؤية والمصالح الأميركية.
كما قال الرئيس جورج بوش الابن في خطاب القسم للولاية الثانية: «تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى دعم نمو الحركات والمؤسسات الديمقراطية في كل أمة وثقافة....»، وذلك رغم اعتراض عدد من المسؤولين في إدارته من أصحاب مفهوم الواقعية السياسية على مضمون خطابه، والذين يؤكدون أنه «لا بدّ من التعامل مع العالم كما هو، وليس كما نتوخى نحن، بحيث يكون الهدف تحقيق المصالح والأهداف الأميركية من خلال التعاون، وليس من خلال تصنيف الأنظمة جيدة أو مارقة».
حفنة أكاذيب مهدت لغزو العراق.. وصور «أبوغريب» أسقطت حجة حقوق الإنسان
بوش الابن «المؤمن»، والذي يصف نفسه بأنه مولود بالإيمان، والمؤهل للحديث باسم الله بوصفه مبتعثاً إلى العالم، ومحملاً بالروح القدس وتحويل إرادة الرب إلى أفعال وسياسات، لا سيما أنه يأمره أن يقضي على الإرهاب، ويشجعه على غزو العراق، مردداً آية في الإنجيل: «تظنون أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً»، ولذلك أعلن الحرب على العالم بأسره.
وما تبع ذلك من صور فاضحة وغير إنسانية لعسكريين أميركيين ضد المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، وصور شبه عارية نُشرت للرئيس العراقي صدام حسين في صحف عربية وعالمية، مما طرح علامات استفهام كبرى حول احترام الولايات المتحدة للإنسان العربي والمسلم، كما أحرج كل أصدقائها.
ثانياً: استراتيجية الحرب على الإرهاب
تتعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة مع قضية الإرهاب المستند كما تعتقد على تعصب الأصولية الإسلامية، كما تعاملت تماماً في استراتيجيتها مع الشيوعية،
اختلط فيها المتطرفون بالمعتدلين
، فلا يقتصر عدد المتطرفين على بضعة آلاف، بل توسع بموجب هذه الاستراتيجية ليشمل ملايين المسلمين المنتشرين في بقاع الأرض، بينما هؤلاء المخططين يخفون حقيقة أن هناك تغلغلاً لجماعات أصولية قليلة بين مليار ونصف مليار مسلم.
ومن خلال هذه الاستراتيجية الأميركية الواسعة ينظر العرب والمسلمون إلى أن السياسات الأميركية تشكل تهديداً للإسلام من خلال مفهوم «صراع الحضارات» الذي جاء به المؤرخ مايكل هانتنغتون، كما أنها تتآمر مع أطراف إقليمية لتفجير المجتمعات العربية والإسلامية من الداخل وإشعال نيران الفتنة والحروب الأهلية، تمهيداً لتقسيم الدول، كما أنها تخفي حقيقة استراتيجيها وراء ستار الحرب على الإرهاب، لتبرير إطلاق مشروعها للتغيير تحت عنوان الشرق الاوسط الأوسع.
وأكد أكبر منظري السياسة الخارجية الأميركية والسياسة الدفاعية دافيد فروم وريتشارد بيرل، وهما من صقور المحافظين الجدد، أن غزو العراق جزء من استراتيجية واسعة تتضمن الخلاصات الآتية:
أولاً: التخلي عن الأوهام التي تقول إن قيام دولة فلسطينية سيخدم الاستقرار الإقليمي أو المصالح الأميركية في العالم العربي.
ثانياً: التعامل مع السعودية وفرنسا كخصوم وليس كأصدقاء، لأنهما لم يؤيدا احتلال العراق، ويقفان عائقاً أمام تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة.
ثالثاً: إن إسقاط صدام حسين قد حقق سبعة أهداف كبرى:
أ. حققنا نصراً كبيراً على الإرهاب من خلال التخلص من نظام صدام حسين المتعاون مع القاعدة.
بينما لم يثبت فيما بعد أي علاقة تربط العراق بالقاعدة، ولا يتعدى ذلك المعلومة المدسوسة لدعم المبررات الأميركية الواهية.
ب. تخلصنا من تهديد أسلحة الدمار الشامل التي كان يمتلكها العراق عام 2003م.
بينما ثبت أن العراق لم يمتلك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، وذلك بشهادة خرجت عن لجنة أونسكوم الدولية المسؤولة عن هذا الملف داخل العراق.
ج. تخلصنا من أكثر الحكام العرب عنفاً واستبداداً، وأنجزنا تحرير أمة بكاملها، فاتحين الطريق لقيام مجتمع وحكم مدني في العراق، ولإصلاح المناخ الأيديولوجي الأميركي في الشرق الأوسط.
بينما في الحقيقة قد حوّلت الولايات المتحدة العراق إلى نظام طائفي، سلّم البلد كاملاً لإيران التي أوغلت في الدماء العراقية، وفيما بعد السورية واليمنية.
د. تعلمنا دروساً ثمينة عن كيفية شن الحروب في المنطقة، وعن كيفية إعادة البناء بعد الحرب، وساعدنا قوى الديمقراطية في كل المنطقة.
بينما هذا اعتراف بسياسة الفوضى الخلاقة التي اتبعتها الولايات المتحدة في المنطقة.
بينما ما يخص مزاعم نشر الديمقراطية قد رأيناها واضحة من خلال الصور التي نقلتها وسائل الإعلام عن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس للعراق، حيث ظهرت مرتدية سترة واقية من الرصاص ومعتمرة خوذة فولاذية، وهذا المشهد لا يدل إطلاقاً على وضع طبيعي لدولة ديمقراطية تعيش ظروفاً آمنة.
ثالثاً: الأهداف الحقيقية لغزو العراق
أ. إقامة إمبراطورية أميركية
سعت المحافظون الجدد منذ وصولهم للسلطة إلى تحقيق حلمهم الإمبراطوري، متمثلاً بإنشاء وجود عسكري في منطقة الشرق الأوسط، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، ونشر استراتيجية الأمن القومي في 2002م، فإن ذلك يحمل هدفاً واحداً هو هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وإشارة إلى أن العراق سيكون الاختبار الأول لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، وليس الأخير.
ب. نشر الفوضى الخلاقة
ج. السيطرة على النفط
سيطر المخزون النفطي الكبير للعراق على مخططات المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية بحكم الارتباط الشخصي المباشر لأغلبهم بشركات نفطية أميركية، رغم النفي الأميركي أنه لا ارتباط بين غزو العراق ومسألة السيطرة على النفط، إلاّ أن السنوات التي تلت الغزو أكدت على هذا الارتباط بقوة.
د. تحقيق المصالح الإسرائيلية
لقد التقت الرؤية الاستعمارية الأميركية في السيطرة على احتياطي كبير من النفط مع رؤية أخرى يروج لها المحافظون الجدد، وهي الرؤية التوراتية التي تقول: «إن بابل سوف تبعث من جديد علي يد ملك بابلي جديد»، لذلك يجب التخلص منه (صدام حسين)، وبذلك وفّر المحافظون الجدد المساندون لتوسع إسرائيل غطاء دينياً لغزو العراق.
هـ. تأجيج الصراع العرقي والطائفي
قامت سياسة الفوضى الخلاقة الأميركية على تغذية الشرخ العرقي في العراق، حيث سُلخ الشمال الكردي سياسياً وعسكرياً من العراق، فضلاً عن تأجيج الصراع الطائفي ما بين شيعي وسني، وذلك بإبعاد السُّنة عن المشاركة الفعلية في إدارة العراق، إضافة إلى إطلاق صراع العصبيات عبر ضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات حزبية وعشائرية.
و. ضرب الاستقرار الأمني
هدفت سياسة الفوضى الخلاقة الأميركية إلى ضرب الاستقرار الأمني من خلال مباركة ضمنية لانتشار الميليشيات حتى يشعر الشعب بأنه لا مجال عن الاستغناء عن الدور الأميركي، ومن ثم الانسحاب تدريجياً من اللعبة بعد التأكد من ثباتها على اختلال ينهك الحكومات، ويجعلها تطلب الدعم الأميركي.
ز. اضطراب الوضع الاقتصادي
شجعت سياسة الفوضى الخلاقة على زعزعة الاستقرار الاقتصادي في عمق الدولة، مما ساد التضخم بسبب تهريب الأموال العامة من قبل المسؤولين إلى خارج العراق.
ح. خلخلة استقرار المجتمعات
تبني ودعم حركات مجتمعية وشخصيات مدنية، ولو كان ذلك من وراء ستار، لخلخلة استقرار المجتمعات، ووضع الدول في موضع المتهم دائماً والمخل بحقوق الإنسان.
ط. التوجيه الإعلامي
اعتمدت سياسة الفوضى الخلاقة على التعبئة الإعلامية عبر وسائل الإعلام البصرية والمسموعة والمكتوبة لتزيين الأفعال الأميركية والترويج لديمقراطيتها في المنطقة، إضافة إلى شنّ حملة مسعورة على التعليم والثقافة لإحداث تغييرات جذرية فيها.
رابعاً: نتائج سياسة الفوضى
أدت الاستراتيجية الأميركية الكبرى في العراق إلى نتائج متناقضة، من خلال حالة الفوضى التي يعيشها العراق، وتحوله إلى ملجأ للإرهاب، وهي من تداعيات الحرب التي لم تلحظها الاستراتيجية الأميركية، ومن أهم النتائج:
ختاماً.. نقول: إن تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة في العراق حقق أهم الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، وأدخله في صراع مذهبي وعرقي، وهيأ لتقسيمه، كما طمحت الولايات المتحدة بنقل تجربة العراق وتوظيفها على مستوى الشرق الأوسط، لتهديد وحدة الدول وتفكيكها.
*
May 30, 2021
غزو الكويت
قاد الأميركيون تحالفا دوليا من 34 دولة، وأرسلت مصر نحو 35 ألف جندي ضمن القوات الدولية لتكون رابع أكبر الجيوش المشاركة بعد الولايات المتحدة والمملكة السعودية والمملكة المتحدة، في حرب سمتها واشنطن باسم "عاصفة الصحراء". 1991
بعد حملة جوية استمرت 6 أسابيع تلتها 4 أيام من القتال البري، أصدر بوش قراره بوقف العمليات في 27 فبراير/شباط معلنا أن الجيش العراقي قد هزم، لتنهي أول حرب تلفزيونية يتابعها الملايين في أنحاء العالم.
وبينما أثبتت الولايات المتحدة نفسها أنها القوة العسكرية العظمى الأولى في العالم، كانت دول التحالف تجني أرباحها من المعركة، وبينها مصر التي استفادت اقتصاديا من حرب الخليج الثانية، إذ تم إسقاط كثير من ديونها وحصلت على عدد من المنح من دول الخليج وأوروبا.
حرب الخليج نقلت مبارك من رئيس مصري إلى زعيم عربي، إذ قدّره الخليج العربي تقديرا كبيرا، وكان مبارك يتصل تليفونيا بأعضاء الكونغرس واحدا واحدا لإسقاط ديون مصر.
*
وجاء الغزو وسط أزمة اقتصادية حادة عاشها العراق بسبب الديون التي تراكمت عليه عقب انتهاء حربه مع إيران، إذ اتهم صدام حسين الكويت بتعمد تخفيض أسعار النفط عبر ضخ كميات أكبر من حصتها من النفط من الحقول النفطية المشتركة بينهما. وعندما رفضت الكويت إلغاء ديون الحرب العراقية قرر صدام حسين غزوها.
ورغم نجاح عمليات عاصفة الصحراء في إجلاء القوات العراقية عن الكويت، فإن الرئيس العراقي، صدام حسين، ظل يحكم سيطرته على بغداد حتى مارس/ آذار من عام 2003.
وقد انتقد البعض الرئيس الأمريكي، بوش الأب، لعدم التقدم صوب العاصمة العراقية بغداد وقهر نظام صدام حسين، إلا أنه أشار لاحقا إلى أن تفويض الأمم المتحدة لم ينص على ذلك وأنه كان من المحتمل أن ينهار التحالف لو تم توسيع الحرب.
تشير التقديرات إلى أن عملية عاصفة الصحراء أسفرت عن مقتل ما بين 70 و200 ألف في صفوف الجيش العراقي فضلا عن 200 ألف مدني، مقابل 505 جنود من قوات التحالف من بينهم 472 من الأمريكيين، وإصابة نحو 300 ألف جندي، وأسر 30 ألفا آخرين.
جمّد مجلس الأمن الدولي مبالغ كبيرة من الأرصدة العراقية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضررين نتيجة الغزو، وهي التعويضات التي قدرت بنحو 52 مليار دولار.
أدى الحصار الذي فرض على العراق بعد هذه الحرب واستمر نحو 12 عاما إلى أزمة إنسانية كبيرة.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق