الخميس، 31 مارس 2022

المثقفون يتقبّلون الوصايا ******** الشعبوية تنتصر على المثقفين

Mar 7, 2021 Jun 19, 2021

 الشعبوية تنتصر على المثقفين

تذهب إلى الطبيب ربما 50 مرة ويعطيك التشخيص الصحيح. إذا كنت من غير المتشككين، تصير تؤمن بأن الأطباء يعطونك التشخيص الصحيح دائما. أغلب الأمراض مباشرة وأحادية السبب. أغلب التشخيصات مباشرة ولا تحتاج إلى الكثير من الخبرة الطبية. الاستنتاج هو أن الأطباء يعرفون كل شيء وكل علة. يردون على أسئلتك ويصير ما يقولونه هو الحكمة.

تسأل صديقا أسئلة من كل نوع وشكل. تختاره من بين آخرين لأنه “يعرف”. إذا كان محظوظا والأسئلة في نطاق معارفه،

هذه علاقتنا بالأسئلة والأجوبة والتساؤلات والردود. هذه علاقتنا بأغلب المعلومات. نثق بالمصدر بعد تجربته في ما نعرفه، ثم ننسى موضوع التدقيق والاستفسار. تسود الثقة حتى في حالة عدم الفهم.

هناك غيرنا من فكّر أو يفكّر بالأمر. إذا كانت المنظومة الدينية أو الأيديولوجية أو الحزبية صحيحة ومفهومة في 500 من التعليمات والجمل والوصايا، ولكننا لا نفهم أو لا نستفسر عن الوصايا والتعليمات المكملة، فإنّ الاستنتاج هو أنّ ما لا نفهمه لا يعني أننا لا نقبل به.

افهم أول 500 منها والمئات التي تليها صحيحة حتى لو لم تفهمها. وما نقبله يتحوّل بمرور الوقت إلى مسلمات، بل إلى إيمان. هذا ما يجعل مهمة الأحزاب والمنظومات الفكرية القائمة على الإيحاء بالإيمان الديني أسهل وأبسط. غذّ التساؤلات البسيطة والمتوسطة بردود وحجج مقنعة، واترك الباقي للمتلقي نفسه.'

هذه نظرة خطيرة إلى الأشياء. لأن ترسيخ فكرة أن الأيديولوجيات الدينية والسياسية تعرف، وأنها سترد على كل شيء، هو ما يغذّي عالما يزداد انغلاقا. انغلاق استثنائي فعلا، حتى بما يتعلق بالأيديولوجيا الشعبوية التي تنتشر في يومنا هذا.

في السابق جاءت موجات سياسية قومية وماركسية ويسار مركب على اختيارات مجتزأة لتفسيرات الشيوعية على الطرق السوفييتية والصينية والتروتسكية. ثم جاءت موجات التفسير السنّي والشيعي للدين الإسلامي، وكل منها باجتهادات مركبة عميقة أو حركية أو ساذجة بدورها.

علاقتنا بأغلب المعلومات تتلخص في أننا نثق بالمصدر بعد تجربته في ما نعرفه، ثم ننسى موضوع التدقيق والاستفسار

تصدرت التفسيرات الإخوانية والسلفية المشهد السنّي وتصدرت الخمينية بحركيّتها الخامنئية المشهد الشيعي. التفسير اليهودي للديانة الموسوية استبق كثيرا التفسيرات الإسلامية للقرآن والحديث. مطلوب من اليهودي المتفاني أن يقبل التفسير التوراتي والوصايا كما هي، فهم منها ما فهم أو عجز عن إدراك البقية.

الشعبوية فهمت الدرس وجاء بوريس جونسون ليأخذ بريطانيا إلى بريكست، وجاء ترامب ليأخذ الولايات المتحدة إلى تمرد سياسي أولا، ثم إلى تمرد على الحكم كما شهدنا في تظاهرات مؤيديه في مبنى الكابيتول.

 الإيمان الآن من دون أيديولوجيا وأديان. جونسون يقول الحق أو يكذب غير مهم. الناخب صدقه. صدق أول كلامه، ويمكن أن يستمر بتصديق كل ما يقوله لاحقا. الشيء نفسه يمكن أن يقال عن ترامب.

عندما تراهما، أو ترى من يحاول محاكاتهما في دول أصغر وأقل أهمية، تعرف أنهما ينظران إلى نفسيهما نظرة أنبياء للذات. مرة أخرى الخطر يكمن في أن متنبيَيْ هذا الزمان يجدان الملايين ممن لديهم القدرة على قبول البدايات من الوصايا، ومن ثم السير قدما في قبول أيّ وصايا غثة وسمينة لاحقا.

هذا ما يحدث في الغرب في تركيبة يفترض أنها واعية ومطلعة. فكيف بحالنا في عالمنا المنقاد بأهواء وتوجهات إسلامية، بل ومسيحية كي لا ننسى ما يمكن أن يصدر عن مؤسسات وأشخاص في عمق التوجه الأرثوذكسي المسيحي؟ أعتقد أن المشهد أمامنا يكشف عن هذا الانقياد بما لا يترك مجالا للشك

السياسيون يبررون أفعالهم بالنتائج. فماذا حقق مثقفنا من نتائج؟ أنا أرى أن تونسية بسيطة تؤمن بالعلمانية وتحدّت ضغوط إسلاميي النهضة أو ترهيب السلفيين في الشارع، يمكن أن تكون أوقفت التمدّد المؤدلج في عالمها المحدود والبسيط أكثر وبأضعاف ممّا حققه مثقف عربي متردد. لا تقبل أن تمدد إيمانها البسيط بالدين والعلمانية معًا ليكون مفتوحا على كل شيء. مثقفونا، وخصوصا من تحركهم مصالحهم، يقبلون.

*

المُؤدلج... الوصاية والحقيقة المطلقة!


لا يتماشى مع مفهوم النسبية وطبيعة الأشياء؛ ما يعني أنه رهين لآيديولوجيته، وبالتالي هو تعرض لحالة اختطاف عقلية جعلته في حالة رفض للواقع.

لا مشكلة لدينا مع الأدلجة؛ لأنها مجموعة من المعتقدات والأفكار والروى والاتجاهات كامنة في نمط سلوكي ما لم تتحول لحالة تطرف وتشدد وعنف في مضمونها. وصفها مفكرو القرن الثامن عشر بأنها حالة الوعي للأفكار، منها الإيجابي أو السلبي كما هي عند كارل ماركس.

التطرف الديني والفتنة الطائفية والعشائرية والمذهبية والاستبداد السياسي والتمييز العنصري.
دفاعاً عن قناعاته وتصوراته المتخيلة والغاية كما يبدو، إما تحقيق مصالح ذاتوية أو مكاسب سياسية.

المتطرف دينياً مثلاً حينما يصطدم بالواقع، فإن النتيجة لموقفه هي العنف؛ كونه يعارض كل ما يخالف توجهاته. السبب في كل هذا هو الشعور باليقينية. القوموي أو الماركسوي أو الشيوعوي أو الإسلاموي، كلهم ينطلقون من أرضية واحدة وفق تصوراتهم، بمعنى أن معتنقي هذه الآيديولوجيات في مفهومها المتشدد، يرون أن آراءهم وأفكارهم هي الحقيقة الوحيدة والمطلقة ولا يعتدون بغيرها.

مبتغانا هنا الوقوف على الخلل بقراءة موضوعية وليس استهداف صاحب هذا التوجه أو التشفي ممن ينتمي إلى ذاك التيار، وهذا ينسحب على كل تيار أو أي آيديولوجيا معينة خرجت عن مدارها وتشددت في رؤيتها إلى درجة الوصاية على الآخرين.

فالانحراف يبدأ من قناعة هذا المؤدلج عندما يرى الآخرين دائماً على خطأ، وأنه هو الصواب بعينه. وهذا يعني أن خطاب كل منهم يرنو إلى الغاية ذاتها، ويسلك الاتجاه نفسه، ويكرّس نهج الرأي الأحادي،
الغاية هي واحدة المتمثلة في الرفض وعدم القدرة على استيعاب المتغيرات والتكيف معها. وقد تناولت كتابات محمد عابد الجابري والعروي وجعيط وتركي الحمد، وغيرهم تشريح هذه الحالة تحديداً.

تقدم أي شعب من الشعوب في هذا الكون الفسيح لا يمكن قياسه إلا بمقدار فاعلية حركة الوعي والثقافة في تركيبته المجتمعية؛ لأن مكانة المجتمع تتحدد هنا من قدرة شرائحه في فهم قوانين الحياة ومعرفة تراكم تجارب التاريخ؛ فالفكر الإنساني هو الذي قاد التحولات الكبرى في الحضارة الإنسانية، وهذا يتسق مع ما سبق أن قاله الفيلسوف كانط بأن الثقافة ما هي سوى «مجموعة من الغايات الكبيرة التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية انطلاقاً من طبيعته العقلانية».

الأدلجة في صورتها المتشددة هي مشكلة المشاكل ومعضلة المعضلات للمجتمعات العربية؛ كونها متصلة بآلية التفكير، فمجتمعاتنا تعاني من أزمة، محيطها الأخلاق والوعي والفهم. وهي قديمة - جديدة في تاريخنا الحديث والمعاصر.

رفض الواقع الراهن، والتمسك بفترة ماضوية متخيلة.

إصرار المؤدلج على أن أفكاره تمثل الحقيقة المطلقة تعد انتكاسة للفكر البشري وهزيمة للمبادئ والقيم الإنسانية، وتكشف خطورة الآيديولوجيا، لا سيما في ظل غياب للوعي ووجود ذهنية لا تلامس إلا القشور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق