الاسلاموفوبيا . الهوس الغربي بالإسلام
العالم الإسلامي الأسود . هوس الغرب الجنوني بالإسلام منذ 11 سبتمر سيل كتب وأفلام ومسلسلات
هشام جعفر: صحفي وباحث مصري، ولد عام 1964، مؤسس ورئيس تحرير موقع «إسلام أون لاين».
*
غالبية الغربيين ينظرون إلى المنطقة من منظور الإسلام، وحكمهم كئيب للغاية، فهو لا يتوافق مع الديمقراطية والعلمانية والحداثة والمساواة بين الجنسين والعديد من القيم التقدمية الأخرى التي يتبناها الغرب. ويُنظر إليه أيضًا على أنه دين استبدادي وغير متسامح وعنيف ومقاتل، ونادرًا ما يُنظر إلى مثل هذه التعميمات الكاسحة على أنها تأكيدات سطحية تستند إلى الحتمية الدينية والثقافية. ويلاحظ أنه تم استبدال الكليشيهات الاستشراقية التي تصور الإسلام، ليس فقط على أنه دين، و«طريقة حياة» بالرأي القائل بأن الإسلام هو المشكلة. هذه الرؤية تحمّل الدين والعنف الديني المسؤولية عن معظم المشاكل الأمنية وتقريبًا جميع التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلدان الإسلامية.
الإسلاميون والعلمانيون في مصر
في القرن العشرين، حكمتنا ثنائيات متعارضة من قبيل: نحن والغرب، الحداثة والدين، الوافد والأصيل، الاشتراكية والرأسمالية، والقومية والإسلام.. إلخ، والملاحظ أن مقال فشير قد انطلق من ثنائية الصراع الإسلامي العلماني باعتباره مشكل تاريخي يمتد لقرنين من الزمان، إلا إني أتساءل ألا نواجه مشكلًا جديدًا منذ الألفية الجديدة، يتأسس على إنتهاء أهم صيغ القرن العشرين عندنا، وهي دولة ما بعد الاستقلال، والإسلام السياسي، والايديولوجية العلمانية، وهي صيغ تنطلق من إيديولوجيات شاملة قادرة على أن تنتظم جوانب الحياة جميعًا. نحن الآن بإزاء صيغ جديدة تقوم ببناء شبكتها غير الهرمية واللامركزية على قضايا جزئية محددة مثل حقوق الإنسان والجندر والبيئة.. إلخ، ويصير المشكل من وجهة نظري هو إعادة بناء الدولة الوطنية بتجديد أصولها وإصلاح هياكلها من خلال بناء نظام ديمقراطي تشاركي تعددي قادر على أن يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
ما يجري من صراع في مصر بين الإسلاميين والعلمانيين بعد يناير 2011 كان مبعثه الأساسي هو تقاسم السلطة Power Sharing، واستخدم فيه الخطابات الأيديولوجية للحشد والتعبئة وزيادة الحصة لكل طرف، بل أزعم أن الانقسامات والنزاعات داخل كل فصيل كانت ولا تزال أعمق وأشد ضراوة منها بين بعض المكونات في كل طرف على حدة.
تيارات السياسية الأربعة -قومية وإسلامية وليبرالية ويسارية- يقوم على موقفها من المسألة الديمقراطية، خاصة إذا علمنا أنها جميعا تعاني من أزمات بالغة قد تودي بها أو تعيد تجديد ذاتها فنكون بإزاء تصنيفات جديدة واختفاء للمسميات القديمة.
فلا وطنية من غير ديمقراطية (تجربة عبدالناصر)، ولا إسلام من غير ديمقراطية (تجربة عمر البشير)، ولا توزيع عادل لعوائد التنمية من غير ديمقراطية (تجربة مبارك)، ولا حفاظًا على مكاسب الحرب من غير ديمقراطية (تجربة السادات)، ولا استقلال وطني من غير ديمقراطية (تجربة سعد زغلول).
أزعم أن العلمانية قد تسربت للإسلاميين، كما تسرب الدين إلى العلمانيين المصريين. ويمكن أن نضرب أمثلة متعددة على مساحات التداخل لكننا نشير فقط إلى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين الذي يلتزم بالشريعة ويشارك علماء فقه في اختياراته الفقهية، ويصدره البرلمان وهو هيئة منتخبة، وتفسره المحكمة الدستورية وهي سلطة مدنية قضائية مستقلة.
ففي الفكر فقط يمكن الحديث عن الأنماط المثالية التي تتمايز فيما بينها، لكن في التاريخ والواقع والسياسة تتداخل الظواهر، بل أزعم أن تجربتنا التاريخية تجمع بين الحداثة والتقليد، والاسلامية والعلمانية، والاقتصاد العام والخاص… إلخ.
2013 من احتجاج المصريين كان ضد الإخوان باعتبارهم حركة سياسية وليس اعتراضًا على المكون الديني في حركتهم
انتهت المجتمعات الأوروبية إلى ما وصفه عالم الاجتماع يورجن هابرماس بـ «المجتمع الما بعد علماني»، وهو المجتمع الذي يتداخل فيه الموروث الديني التقليدي مع الموروث العقلاني التنويري، وتتفاعل فيه المؤسسات الدينية مع غيرها من المؤسسات المجتمعية والسياسية والثقافية والتعليمية، ومن ثم فالدين ما زال يلعب أدوارًا اجتماعية داخل هذه المجتمعات.
الخلاصة: المجتمعات المسكونة بالهواجس والمخاوف أيًا كان مصدرها لا يمكن أن تشكل بنية مواتية للتحول الديمقراطي.
*Nov 5, 2021
العلمانية الغربية ليست لونا واحدا، فالعلمانية الفرنسية تتخذ موقفا متشددا من الدين بشكل عام، بخلاف العلمانية البريطانية والألمانية التي تتخذ نهجا أكثر تصالحا وأكثر حيادية تجاه الأديان.
مؤيدو التقارب بين الأحزاب العلمانية والأحزاب الدينية أن المعركة الحقيقية ليست بين المناديين بالعلمانية والمنادين بإفساح المجال أمام الدين، لكن بين المستبدين والطغاة من جانب، وبين المناديين بالحرية والديمقراطية والعدالة وتداول السلطة من جانب آخر. وأن الخلاف الحقيقي هو الخلاف مع الذين يصرون على الاستبداد والدكتاتورية.
المشككون أنه لا يمكن الجمع أو التعاون بين الأحزاب العلمانية والأحزاب ذات المرجعية الدينية، نظرا للاختلافات الأيدولوجية الواضحة بينهما.
حزب "العدالة والتنمية" التركي في تغيير مفهوم العلمانية بها من علمانية معادية للدين إلى علمانية أكثر تسامحا وانفتاحا مع المتدينين، مع الحرص في ذات الوقت على احترام الحريات الفردية. وبهذه الطريقة تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية أصوات الناخبين في تركيا منذ وصوله للحكم عام 2001.
"حركة النهضة" ذات المرجعية الدينية وحزب "نداء تونس" ذي التوجه الليبرالي الصريح. وتم التوافق بين قوى إسلامية معتدلة وقوى علمانية معتدلة
الخلاف الحقيقي هو بين من يريدون الاستبداد وبين من يتطلعون إلى الحرية والتعددية، وأن هناك أرضية مشتركة بين الجانبين تقوم على رغبة كل منهما في بناء دولة تحترم التعددية والاختيارات الفردية، وتعمل على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية يستفيد منها كل المواطنين.
يستدل المشككون بالتجربة المصرية إبان ثورة 2011، ويرون أنها دليل على أن التقارب والتنسيق بين الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين هو تعاون مؤقت، ما يلبث أن يتحول إلى صراع.
*
Nov 24, 2021
برهان غليون
مبدأ السيادة الشعبية وانبثاق السلطة عن الشعب، تضمن الديمقراطية أمرين: وجود قواعد وآليات ثابتة ومقبولة لتداول السلطة، حسب مبدأ الأكثرية الحسابية،
بدأت أزمة الدولة المشرقية. وفي سياق هزيمة القومية هذه وتقويض فكرة الدولة أو تفريغها من مضمونها، جاء انقسام النخبة واستقطابها بين إسلاميين سلفيين وعلمانيين متشدّدين، وتباعدت بينهما الطرق بشكل متزايد بمقدار ما زال الرهان المشترك الذي جمعهما. هكذا ارتدّت الإصلاحية الإسلامية عن المواقف الليبرالية نحو مواقف سلفية محافظة، ونزعت إلى التمترس وراء العقيدة الدينية، أو "العروة الوثقى"، في مواجهة خطر الانحلال أمام الغزو الثقافي، وتحوّل الغرب الذي قال محمد عبده إنه وجد فيه إسلاما مطبقا لكن من غير مسلمين، مثلما كانت الأقطار العربية تزخر بالمسلمين من دون إسلام، إلى شيطان أكبر. وبالمثل، تغيرت مواقف الطرف المقابل، وأصبحت العلمانية تختلط بالعداء للدين الذي أصبح في نظر معظم مريديها سبب التخلف والعقبة التي تحول دون توطين الحداثة والالتحاق بركب المدنية والغرب.
فلا حل ممكنا في نظر السلفي لأي مشكلةٍ من دون تغيير النظام الكلي وإقامة حكم الشريعة، كما يقول شعار "الإسلام هو الحل"، ولا يتصوّر العلماني تقدّما ممكنا ما دامت السيطرة للخرافة على العقل، والدين على العلم، والظلام على النور.
في حتمية تعدد الاعتقادات والمذاهب والأديان
فبينما هي تخوض حرب مقدّسات، من حول أفكارٍ هي بمثابة أوثانٍ لا تنطق ولا تسمع ولا وظيفة لها إلا الإبقاء على نار الفتنة الدائمة، يستفرد الطاغية بحق المتاجرة بالعملتين، بالدين والعلم معا، من دون رقيب أو حسيب، فلا يغيب عن أحد أن اللعب على ورقتي العلمانية والإسلامية أصبح اليوم أحد أبرز استراتيجيات السلطة الاستبدادية وصندوق عدّتها لتحييد الشعوب وحرمانها من أي حق، وفي مقدّمه الحق الطبيعي بالحرية، حرية الرأي والضمير قبل الحرية السياسية. وفي هذه الحرب، لا يبقى إسلامي ولا علماني، وإنما تحوّل الجميع، كما هو الحال في أي حرب، إلى مجرّد أعداء، والكراهية هي المعتقد الوحيد الذي يجمع بينهم.
هكذا، ما كان يمكن للسياسة، وهي على هذه الحال، إلا أن تخون ثورات شعوبها، وتفشل في مواكبة تضحياتهم. وما كان لهذه الثورات إلا أن تقضي بإسقاطها وتعرية إيديولوجياتها المأزومة التي هي وقودها. لكن، بمقدار ما يترك هذا السقوط المجتمعات في الفوضى السياسية والفكرية المعمّمة، يضع الشعوب، وشبابها بشكل خاص، أمام تحدّي شقّ طريقهم الجديدة في الصخر، والتجرؤ على التحرّر من المفاهيم والإشكالات النظرية الملغومة التي لا تقود إلا إلى طرق مسدودة، فلا يحتاج النهوض ومدّ رأس الجسر نحو المستقبل إلى مماحكاتٍ فلسفيةٍ وإيديولوجيات مسمومة، ولكنه يستدعي، بالعكس، الوضوح في الهدف وصدق الإرادة والانخراط في العمل مع جمهور الناس العاديين، وبينهم لتجاوز المحنة والخروج معا من الهوّة المظلمة التي دفعهم إليها عنف الطغيان وعطب الفكر والسياسة.
كنا ولا نزال في حاجةٍ الى مصلحين ومجدّدين إسلاميين يساعدون المؤمنين على التصالح مع قيم عصرهم والتفاعل معه، وبلوغ السعادة فيه، لا تغذية العداء له أو الخوف منه أو الاغتراب فيه والعيش في يأس وحداد دائميْن. ونحتاج، بالمثل، إلى فلاسفة عقلانيين يصالحون الحداثة مع واقع مجتمعاتنا، ويفتحون لها طريق التفاهم والتعاون لتغيير الشروط المادّية والمعنوية السيئة التي تعيشها، من فقرٍ وتهميش وحرمان وسيطرة واضطهاد وقهر، لا إلى من يجلدونها حتى تقرّ بدونيتها وتتخلّى عن اعتقاداتها الدينية، وهي رأس المال الوحيد الذي بقي لها بعد أن جرّدت من كل ما يبني ذاتية الإنسان: الحقوق والحرّيات والكرامة والثقافة والسلام والأمن والأمل بالمستقبل، ويحكمون عليها بالعيش في حدادٍ لا ينتهي وقنوط روحي لا يزول.
ليس أخطر ما في هذا التصنيم للفكرة قتل الواقع الحي أو حرمان الإنسان من رؤيته على حقيقته، إنما قتل قدرته على نقد الذات، أي على وضع نفسه موضع السؤال الذي من دونه لا يوجد تقدّم فكري ولا تغيير اجتماعي، ولا تطور علمي.
لن يصبح الناس جميعا علمانيين، ولن يكونوا جميعا إسلاميين، ولو حصل استعادوا انقساماتهم، فصائل وشيعا وفرقا تتنازع من داخل الدين والعقيدة ذاتهما، كما نشاهد ذلك أمام ناظريْنا اليوم. سوف يبقى الناس دائما كما هم، متعدّدي الاعتقادات والمذاهب والأديان، وإلا تحنطوا واندثروا. ولا يوجد طريقٌ للخلاص إلا التعايش والقبول بحتمية التنوع والاختلاف. وهو عين ما نسميه الاعتراف بحرية الاعتقاد، وهذا الاعتراف بشرعية التعدّد والاختلاف في الاعتقاد، كما هو الحال في كل مخلوق، هو وحده الذي يعلمنا نبذ الكراهية، ويساعدنا على الترحيب بالتعاون في سبيل الارتقاء بشروط حياة الجميع وثقافتهم وتربيتهم المدنية. وفي النهاية، لم توجد الفلسفات والقيم الدينية والعقلية لتعظيم الكراهية والتحريض على العدوان، لكن لمساعدة الناس على التفاهم والتعايش والتعاون لإعمار الأرض وازدهار الإنسان والارتقاء بفكره ومشاعره وعواطفه، فكل ما ينمّي التفاهم والتعاون بين البشر يعبّر عن التقدم في المدنية والسمو ومكارم الأخلاق، وكل ما يدفع إلى الكراهية والعداء والاقتتال يدلّ على إخفاق العقل وفشل الثقافة وموت الروح وفساد عقيدة الإنسان. والنتيجة أن الشعب الذي لا يعرف أن يحكُم نفسه بنفسه محكومٌ بأن يُحكم من خارجه. ولا يَحكم نفسه إلا إذا استبطن قانون الحرية الذي هو عينه حكم القانون، ونقيضه حكم الشخص المتألّه، وهي القيصرية التي تحول الحاكم إلى إله، وجميع من عداه إلى عبيد.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق