الأحد، 16 يناير 2022

لذة الشماتة فرح بمصائب الآخرين **************

  تشعر بالغيرة، فذلك طبيعي، لكن حينما تشمت، فذلك شيطاني"

 السعادة حينما يفشل المنافسون، لأن ذلك يعني فرصة أفضل لك مع تلك الموارد القليلة. لا حاجة إلى أن تكون تلك السعادة خالصة وظاهرة، بل قد تكون سرّية، ممزوجة كذلك مع شعور بالشفقة وربما رغبة في مساعدة منافسك ومحاولات فعلية لأن تفعل، لكنها تظل موجودة، هناك في القبو السفلي لذاتك، لا تتمكن من إيقافها.

مع الحالة الواسعة من الاستقطاب السياسي والاجتماعي التي يعيشها العالم العربي حاليا أصبحت الشماتة شيئا طبيعيا يمارسه المواطن بشكل يومي ضد أبناء التيار الذي لا يهلل له

"فرضية العالم العادل" (Just-world hypothesis)،

 نحن البشر، نميل إلى النظر إلى هذا العالم على أنه مكان عادل، ما يعني أن كل فعل نقوم به، كان جيدا أو سيئا، يستدعي بشكل ما نتيجة من النوع نفسه، فأنت ما تستحق بسبب أفعالك، يشبه الأمر فكرة "الكارما"، أو القول إن الجزاء من جنس العمل، لذلك فإن تعرض أمامك شخص -تظن أنه شرير ويستحق- لمجموعة من المصائب، فقد تفرح لذلك، ليس فقط لأنه يستحق ذلك، بل لأنك تجد تأكيدا على فكرتك، وهي فكرة مريحة لا شك.

ظهر ذلك بوضوح مثلا حينما تعرضت الولايات المتحدة الأميركية لأحداث 11 سبتمبر/أيلول،

وهم التفوّق


في الحقيقة نحن نميل إلى إعطاء درجات أقل من التعاطف تجاه هؤلاء الذين لا يمثلون "مجموعتنا"، أيًّا كان نطاقها: كانت العائلة، الدولة، اللغة، الفريق الذي نشجعه، إلخ، لكن لفهم مدى عمق تلك المشكلة دعنا نتأمل قليلا ما نسميه بـ "وهم التفوق"(6) (illusory superiority).

 اعتقاد الناس الخاطئ عن تفوقهم على الأفراد الآخرين، حيث يقوم الواحد منّا بتضخيم حجم صفاته الإيجابية وتصغير صفاته السلبية

إحدى مشكلات البشر هي ظنهم أنهم لا يمتلكون وجهات نظر فقط، وإنما الحقائق نفسها، لذلك فحينما يخالف أحدهم رأيك قد تقول إنه "غبي" أو "مجنون"، بل ويظن البعض أنه "متآمر".

نحن نضع "هؤلاء" الذين لا يتفقون مع آرائنا وقناعاتنا، التي من المفترض أنها -بالنسبة لنا- الوصف الموضوعي والطبيعي للأمور، في قائمة خاصة ندعوها "هُم"، ثم نضم أنفسنا إلى مجموعة من الناس التي تعتنق هذا الرأي الخاص بنا ونسميها "نحن"، ثم نبدأ عبر ما نسميه بـ "تفضيل أفراد المجموعة(10)" (in-group favoritism) في تعديد مزايا مجموعتنا ومدى عقلانيتها في مقابل لا عقلانية، أو جهل، أو عجرفة المجموعة الأخرى، وربما "مؤامراتها"، ثم يتطور هذا الشكل من الاستقطاب ليتخطى حاجز الرأي إلى دعم المجموعة بالموارد الاقتصادية بجانب الأفكار.

 سوف يشعر الإنسان العادي بالشفقة تجاه أنماط محددة من البشر، العجائز مثلا أو أصحاب الإعاقات الجسدية، أما التلاميذ الصغار فغالبا ما يثيرون شعورا بالفخر، من جهة أخرى فإن المدمنين يثيرون شعورا بالقرف، لكن هناك عدة فئات من البشر تثير شعورا بالغيرة، هؤلاء هم الأغنياء والمحترفون في مهنتهم، في تلك النقطة يتدخل فريق برينستون لينفذ مجموعة من التجارب الذكية.

بين البراءة الشديدة (غيرة الأطفال) والخبث الشديد (السعادة الغامرة لموت آخرين -ولو بصورة غير عادلة- فقط لأنهم ينتمون إلى جماعة لا ننتمي إليها) فإننا لا نفهم بعد جذورها،

 هناك ثلاثة مكونات أساسية للشماتة (الرغبة في إقامة العدل، وفي حالات التنافس، والعدوان ضد آخرين) لكنها جميعا تدور حول مركز واحد، وهو تجريد الآخرين من بشريتهم، على سبيل المثال يصوّر الناس مرتكبي جرائم الاغتصاب على أنهم حيوانات، قد يكون هذا مقبولا بعض الشيء في إطار اجتماعي يرفض هذا النوع من العنف بشدة، لكنه أيضا يتمثّل في تسمية المنافسين السياسيين بألقاب الحيوانات.

صراصير في نظر معارضيهم.

عالم من الفوضى


 سيتعاطف الناس بشدة واضحة مع أبناء مجموعاتهم، بينما لن يتعاطفوا مع أعدائهم، ونقصد هنا أنهم سيفرحون في مصائب الآخرين مهما كانت غير إنسانية، أضف إلى ذلك أن الشماتة -حسب مجموعة أخرى من الدراسات- تطغى على عقولنا فتدفعها لتبرير الشعور بالسعادة، مهما كانت مصائب الآخرين غير إنسانية، في بعض الأحيان.

فكلما كان تقديرك لذاتك أقل كنت أكثر شماتة في الآخرين، ربما لأجل تحقيق الذات في الشعور بالسعادة تجاه مصائب الآخرين

النرجسية والسادية والسيكوباتية والشعور المتضخم بالذات

حالات التنافس الشديد والصراع السياسي والاجتماعي -وما أكثرها في عالمنا المعاصر- تظهر الشماتة لتسيطر على الموقف، وفي مرحلة ما رُبما تُنتزع إنسانيتنا ونتعامل مع الآخرين كحيوانات، لا مشكة أن يتم قتلهم أو اغتصابهم أو اعتقالهم لمجرد أننا نختلف معهم في الآراء السياسية، في تلك النقطة نترك أعظم منجزات البشر إلى الآن خلال 300 ألف سنة من وجودهم وتطورهم، وهو تعظيم الإنسان، وندخل بكل ثقة وعنترية إلى عالم من الفوضى. هذا هو ما نراه الآن، هذا هو العالم الذي تعيش فيه بينما تقرأ هذه الكلمات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق