ليس على الكبار وأفكارهم إلا أن يترجّلوا عن ظهور عجلاتهم القديمة، ليتيحوا للجيل الجديد، من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وعالم الصورة، الانتصار على زمن المكتوب ورجالاته.
ثقافة استهلاكية باتت تنتشر ليس في فرنسا حسب، بل في العالم أجمع. ففي هذا الزمن، لا مكان للذاكرة أو الماضي، وإنما الحاضر هو الأساس والمنطلق فقط، كما أنه في هذا الزمن لا وجود للمؤسسات التقليدية والعادات والأفكار، بل يجري تدمير كل هذه المؤسسات بحجة أنها باتت عتيقة. كما يجري في هذا الزمن، الذي يبدو أنه مرادف لسياسة النيوليبرالية، تكييف فكر الناس، حتى يستنبطوا أساليب مجتمع السوق وقيمه، بوصفها الأساليب المنطقية للأمور وصنع الأشياء.
ثقافة تقول بضرورة الإشهار والشفافية. ويمكن رصد هذا من خلال الولع بعالم السيلفي، وهوس نشر الصور في كل مكان، بالإضافة إلى محاولة السياسيين هذه الأيام الظهور على وسائل التواصل بدعوى الشفافية، الأمر الذي يراه دوبريه بمثابة انتحار فكري. لا لأنه يعارض أن تكون هناك رقابة على المؤسسات السياسية، أو يتاح للشباب التعبير بحرية عن حياتهم وأفكارهم، بل لأنه يرى أنّ ثقافة الإشهار هذه ليست سوى تعبير عن تأثر برؤية دينية بروتستانتية أخذت تغزو العالم بأشكال مختلفة.
«عملية مكاشفة»
البروتستانتي الجيد ليس لديه ما يخفيه، وإنما «الأشخاص الذين لديهم أشياء تشينهم يقلقون على بياناتهم الشخصية»
الكاثوليكي الفرنسي متمسكا بهياكل المؤسسات الدينية، ما يفسر في رأيه مواصلته استثمار مدخراته في العقارات محترسا من حركات المضاربة، بينما يبدو البروتستانت الجدد أكثر اعتماد على شبكات الإنترنت والانتشار. و
أفكار البروتستانتية هذه، لم تعد حصرا على المؤمنين بها، بل غدت أسلوب حياة ينتهجه جيل شاب من المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس وباقي الأديان. إذ نرى أن هناك تطابقا أحيانا بين أساليب ومهارات البروتستانت الجدد وشبكاتهم، وجيل السلفيين الإسلاميين وحتى الجهاديين أحيانا، وبالأخص على مستوى نشر الأفكار الدينية وتسليعها.
الأنثروبولوجي الفرنسي أوليفيه روا في كتابه الجهل المقدس، إذ لاحظ أنّ الأزمة التي نعيشها اليوم تكمن في ظهور سوق ديني قادته وأبطاله شبان صغار يتجولون طوال اليوم في الفضاءات الرقمية،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق