كتاب عشتار في اللباس والجسد
عشتار "المساواة في العري عند الولادة" (15). ويعتبر أن هذه العبارة مفتاحية لفهم اللباس والعري وظاهرتهما، فـ"العري حالة انكشاف تضعها الطبيعة في عهدة الإنسان منذ لحظة ولادته، في حين أن اللباس حالة تغطية مخصوصة يصنعها الإنسان ويتعهدها في إطار الثقافة"
لاحتياجاتنا ومعتقداتنا وأذواقنا،
عشتار الباب للحديث عن علاقة الكرامة بالعري وباللباس
الجسد العاري أمام الآخرين بلا قصد محدد ومسوغ يضع كرامة الإنسان والشعور بالكرامة في حالة شديدة الالتباس والاضطراب والخلل، إذ إنه يتيح إمكانية النيل من التراتب الطبيعي الذي يمنح الذاتية الجوانية، ذاتية الوعي والفكر والحرية والشعور والرغبة وما إليها، تقدماً حاسماً على الذاتية البرانية، ذاتية الجسد وصفاته وأعضائه ووظائفه. وذلك بطريقة التركيز بأعين الناظرين إليه على قيمته المنظورة بدلاً من التركيز على قيمة الذات / الأنا المحجوبة به، وتالياً بطريق تحديد الموقف العام من كرامة الشخص الذي هو جسد له من دون اعتبار صحيح لكرامة الذات / الأنا وحقها في الأسبقية والمرجعية. وهذا يشكل في حد ذاته اعتداء جسيماً على كرامة الشخص من أصلها. ولك أن تتخيلي ما يمكن أن يجر إليه من اعتداءات أخرى مخصوصة. ولما كان الإنسان يأبى التخلي عن كرامته كذات أصلية، مع تسليمه بأنه ذات متجسدة وموجودة مع ذوات أخرى متجسدة مثلها، وهو لا يملك أن يفرض على الآخرين كيف يجب أن ينظروا إليه عارياً، ولا بالطبع كيف يجب أن يتأثروا بنظرتهم، فقد بات من واجبه أن يبادر إلى أهون الوسائل التي بين يديه، أي حجب جسده عن أنظارهم، حتى يحملهم على التعاطي معه عبر الوجه، وجهاً لوجه وعيناً بعين، لأن الوجه المكشوف بكامل أجزائه هو الطريق الإجبارية للتواصل المباشر بين الذوات الاجتماعية. وهكذا فإن ارتداء الملابس لا يمنع منعاً تاماً إمكانية الاعتداء على الكرامة، بل يمنع فقط تلك المتعلقة بالالتباس الخطير الذي تحشرها فيه حالة العري بلا إطار محدد حولها. على أن الأمر لا يتوقف هنا. فقد يكون من مصلحة الفرد، بعيداً من وضع الالتباس الذي نتحدث عنه، أن يصطنع الملابس حول جسده، إما لستر معايب أو أشكال لا تثير الإعجاب، وإما للتمتع بزي جميل يتزين به، وإما للقيام بمهمة خاصة متوجبة عليه. فكما أن حماية الكرامة بواسطة اللباس تأتي لتجنب بعض المخاطر التي تعددها، كذلك يمكنها أن تأتي من أجل تعزيزها وتقوية الشعور بها حيث تدعو الحاجة" (52).
الكلام الأخلاقي عن الكرامة والتشييء والتسليع، ونقد "المجتمع الرأسمالي"، وقبل ذلك عن "المساواة في العري عند الولادة" واللامساواة في المجتمع الطبقي، إلى "فضيلة" الحشمة
ما يصون الشعور بالكرامة وهو الذوق، ولذلك لا يصح تفسيرها بطغيان الجماعة والتقاليد على الفرد، وإخضاع البيئة الاجتماعية بعاداتها وأعرافها للإرادات الفردية، بل ينبغي القول إن ما يليق وما لا يليق من كيفية ارتداء الثياب لا يتقرر بالعادة والتقليد، بل بالذوق الذي يكمن وراء العادة والتقليد، وهذا ما يعنيه الناس إجمالاً عندما يتحدثون عن الحشمة بلغة الذوق مع ميل إلى تغليب الذوق العام على الذوق الفردي الخاص، فيقولون مثلاً عن إنسان يخالف المألوف من الحشمة في بيئتهم إنه يتصرف بلا ذوق أو بقلة ذوق
توضيح مفهوم الحشمة وقيمتها، ولا يهمني أن يكون موقفي داعماً للتيار المحافظ أو للتيار التقدمي إلا عرضاً"
"الأهم في الموقف الأخلاقي ليس أن يكون محافظاً، أو أن يكون تقدمياً، بل أن يكون صحيحاً.
الحشمة موقف وسطي بين المغالاة في التغطية والمغالاة في التعري
الفارق الملموس بين علاقتهم بالثياب وعلاقتهم بالجسد
عندما تقولين جسدي شيء يخصني، فإنني أبدأ فوراً بالشك والتساؤل عن معنى ما هو ظاهر وما هو مضمر في قولك.
جسدي هو أنا متجسدة. بين هاتين العبارتين، يوجد فارق كبير
العبارة الثانية "إنها تعني أن الفرد، إذ يتخذ جسده موضوعاً لوعيه، يدرك بالفعل نفسه أن جسده جزء لا يتجزأ منه. إضافة الجسد إلى الأنا ليست إضافة من الخارج، وإنما هي علاقة تقوم داخل الأنا، وتنبني في تفاعل معقد بين الداخل والخارج، وما هيتها أن الجسد يتماهى مع الأنا من دون أن يكون هذه الأنا بكليتها.
الامتلاك والكينونة. الجسد موضوع امتلاك للأنا، وهو في الوقت عينه بعد من أبعاد كينونتها.
ضرورة تطبيق مبدأ الكرامة على الجسد، أسوة بتطبيقه على الذاتية الجوانية. احترام الإنسان بوصفه إنساناً هو احترام له بوصفه ذاتاً جوانية، وفي الوقت عينه بوصفه ذاتاً متجسدة. كرامة الجسد من كرامة الشخص، لا لصفة نسبية ومتغيرة فيه كاللون والقامة، بل لذاته وصفاته في ذاته كالحرية والعقل والشعور بالإهانة
الدفاع عن مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة مع التمسك بمبدأ المساواة الجوهرية بينهما، وذلك من أجل ثقافة جديدة تنصر التكافلية المتنورة والعادلة على الأنانية المتقوقعة والظالمة، بصورة علنية وحاسمة
إرادة الإنجاب ليست أقل من مغامرة بين ما هو كائن من وجود أنا متجسدة وبين ما تريده هذه الأنا أن يكون امتداداً وخلفاً لها من لحمها ودمها، بالتشارك مع أنا أخرى من الجنس الآخر، فهي ظاهرة نفسية بيولوجية اجتماعية خاضعة من حيث المبدأ لأخلاقية التشارك، ولكنها لا تخلو من صراع دائم مع أخلاقية الأنانية. وصراعها هذا هو جوهر تاريخها
هل من المقبول أن نفرض باسم المساواة أن تكون مشاعر الأبوة ومشاعر الأمومة متساوية؟ وكيف نقيس المساواة في هذه الحالة؟ هل من المعقول أن نفرض باسم المساواة أن يكون عمر الوالد وعمر الوالدة متساويين، وأن يكونا متساويين في القدرة وأساليب تعاملهما مع أولادهما في الرعاية والتربية والحماية والتوجيه وما شابه؟ هل من المعقول أن نفرض باسم المساواة أن يكون مدخول الرجل ومدخول المرأة متساويين، أو أن تكون حصة المرأة مساوية لحصة الرجل في الإنفاق على أولادهما؟
وضرورة الارتقاء بتجربة العري من الجسد العاري إلى الذات العارية
08/09/2023
*
د. نبيل فازيو
أفول "الأيديولوجيا"؛ فإن الدعوة إلى "نهاية المشروعات النقدية
المرجعيات الفلسفية ما بعد الحداثية التي توثِرُ أنْ تقدم نفسها في صورة الفكر الشذريّ المنفلت من النظرة الكلية والشاملة
هوامش الفكر والثقافة في "اللا مفكر فيه" والمنسي والمكبوت، ليكشفَ عن الوجه المتوحش للحقيقة بدلاً من اللهث وراء رسم صورة منسجمة ومتكاملة عنها.
تنتقص من أهمية المشروعات الفكرية النقدية التي بلورها مفكرون سابقون، كحسين مروة، وطيب تيزيني، ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وعبد الله العروي.
قراءات متحيزة ابن رشد، أو الغزالي، أو ابن تيمية، أو الشاطبي
تراجُع رمزية المثقف اليوم
موت المُثقف
موت فيه ليس دوره الأكاديمي كباحث متخصص في مجاله، وإنما شخصية الداعية
"الإسلاميات النقدية"، في اعتقادي، صرحاً يُمكن أن يكتمل بناؤه، بقدر ما هي برنامجُ عمل نقدي متجدد
علاقة الإنسان بالوحي والمقدس بناءً على نتائج البحوث الأركيولوجية في تاريخ الأديان
*
نهضة عربية ثانية
كتابه منطق السلطة، عندما نظر إليه من حيث هو «مدخلٌ إلى فلسفة الأمر»،
«بقدر ما يكون الإدراك الفلسفي للسلطة متطوراً ومنتشراً في المجتمع، يسهل قيام الإرادة السياسية كسلطة»
أولاً: من السلطة إلى العدالة والعدل
«السلطة تبتعد عن السيطرة بقدر ما ترتكز على العدل وتسعى إلى تحقيقه. ويجد العدل طريقه إلى دنيا الإنسان ويتحقق في أفعاله وعلاقاته، بقدر ما تتعهده وتحرسه وتنمّيه سلطة قائمة فاعلة»
العدل، إذن، فعل يتجسد في السلطة، فهو ليس فكرةً ميتافيزيقيةً تقع خارج دنيا الإنسان، ولا هو محاكاة لنموذج العدل الكوني على نحو ما نلفيه عند كثير من الفلاسفة الذين جعلوا من العدل الإنساني محاكاةً للعدل الكوني
إصرار ناصيف نصّار على توظيف مفهوم «العدل» بدلاً من مصطلح «العدالة» الذي جرتْ عادة الباحثين العرب على إعماله، إذ يرى أن العدل أقرب إلى الفعل، في مقابل العدالة التي لا تشير إلا إلى استعداد قبلي للقيام بفعل العدل. بذلك يكون العدل شديد الصلة بالفعل السلطوي، بل هو محايثٌ له ومتعالٍ عليه في الآن نفسه؛ فهو محايثٌ للسلطة لأنه يتجسد في فعلها ومُساوق له؛ وهو متعالٍ على السلطة، لأنه يمثل قيمتها التي تنتهل منها رهاناتها الرئيسية.
إدراك السعادة والسعي إليها لا يمكن أن يتم بمعزلٍ عن السلطة والعدل
رولز «البنية القاعدية» (الأساسية) «حجاب الغفلة»، الذي يمثل مسلّمةً أساسيةً لفهم كيفية اشتغال العدالة واعتمال مبادئها داخل النسيج الاجتماعي والسياسي للأفراد
فمن دون فهم التعارض المبدئي بين المصالح الشخصية التي من طريقها يتحصل فهم كل فرد، على حدةٍ، لمفهوم «السعادة»، لا يستقيم التفكير في العدالة كمنظومة حاكمة للمجتمع والسلطة.
العدل الإلهي
لرولز أن أقدم على خطوة شبيهة بهذه عند تعامله مع تصور كانط للعدالة، وذلك عندما سعى إلى «طرح الشوائب الميتافيزيقية» جانباً من نظرية كانط، محتفظاً بأولوية العدل على الخير التي تقتضيها أخلاق الواجب
العدل من دائرته الميتافيزيقية والإلهية هي رغبته في النظر إليه من حيث وجوده السياسي، أي من حيث هو مبدأ محايثٌ للسلطة السياسية ومُلهمٌ لها في الآن ذاته
الصراع على السلطة إلا علامة فارقة على الصراع على العدل
الحاجة إلى الاتفاق على مفهوم واضح للعدل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق