العالم مرآة القلب: كيف نتخلص من المعاناة ونصل إلى السعادة؟
ما نتعلق به هو في الواقع ليس سوى مجرد مفاهيم وأوهام، كذلك علينا أن ندرك أن كل شيء أمام أعيننا سيختفي في النهاية، وأن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا سيتحول إلى ذكريات يبتلعها فم كبير يسمى النسيان، وأن الشيء الوحيد الذي يمكننا السيطرة عليه هو عقلنا، فهو الذي يحدد حاضرنا، والشيء الوحيد الذي نستطيع أن نسيطر عليه هو حاضرنا. كما يقر الكاتب هنا أن جوهر العالم هو المعاناة، ولأن الحياة معاناة فنحن بحاجة إلى روح تستطيع أن تجعلنا نحيا في «نعيم»، مشيرا إلى أن نعيم العالم الدنيوي مشروط، بينما نعيم العالم الآخر غير مشروط، ونعيم هذا الأخير هو التخلص من التعلق والوصول إلى التسامي، بعد اكتشاف الحقيقة التي هي مضمون هذا الكتاب الذي يرى فيه أن التغيير شرط أساسي لاستمرارية الحياة، وأن العالم لا يتوقف عندما نكون سعداء، ولن يتوقف كذلك للحظة بسبب معاناتنا، كما يقول إن الخوف من المجهول يرجع تحديدا إلى مقاومة التغيير،
البشر مثيرون للدهشة، لأن معظمهم يرغبون فقط في قبول الجانب الممتع من الأشياء، ودائما ما يتجنبون الجانب غير السار بشكل لا شعوري، لذلك فهم دوما لا يرغبون في تحمّل عواقب اختياراتهم. كذلك يدعو الكاتب قارئ كتابه إلى أن يستشعر العالم والعيش والحياة بقلبه، وعليه أن يتحدث إلى روحه، أن يستخلص أبسط الحقائق من مختلف ظواهر الميلاد والموت
الحب، هي السعادة، وأن كثيرين ممن يعتقدون أنهم يعرفون كيف يكونون سعداء، لا يعرفون ما هي السعادة الحقيقية، إذ يرون أن المتعة التي يشعرون بها عندما تتحقق رغباتهم على أنها سعادة حقيقية، مؤكدا دوما، أنه لا يريد تغيير العالم، ما يشريده هو تغيير نفسه فقط، ولا يريد أن ينير العالم، هو فقط يريد أن ينير نفسه، ولا يريد استخدام الأدب لجعل العالم يستمع إليه، ولا يريد استخدام الكتابة للترويج لشيء ما، هو فقط يتحدث مع نفسه في عالم الكلمات، وكل أهدافه أن يحصل على الحرية والسعادة ليس أكثر.
الكاتب الذي يعتنق مبدأ أن كل شيء يمر، وأنه لا شيء يظل إلى الأبد
عندما نتقبل كل أقدارنا برضا، بما فيها تلك الأشياء التي لا يرغب معظمنا في قبولها، سنجد أنه مهما كان حجم الشيء فهو مجرد ذكرى، سواء أكان ذلك هو الشيء نفسه، أم مشاعر الألم والخسارة، فكلها ستمر في النهاية ولن تدوم إلى الأبد، مثلما يطرح هنا عددا من التساؤلات منها، ما هي السعادة الحقيقية؟
أجسامنا تتغير باستمرار، وأيضا أفكارنا وعاداتنا بسبب التجارب المختلفة، فنحن لسنا الشخص نفسه الذي كنا عليه أمس، ولا الذي كنا عليه قبل ثانية واحدة، ربما سئمنا من الأشياء التي أحببناها العام الماضي، أو حتى الأشخاص الذين أحببناهم من قبل، سئمنا من طريقة معينة في الحياة، وجهات نظرنا تشبه السحب في السماء يتغير مظهرها باستمرار، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس يعيشون تحت تأثير خداع الوهم، لكنهم غالبا لا يعرفون أنهم كذلك، لافتا نظرنا إلى أن الأشخاص المهووسين بالمكاسب والخسائر الشخصية، دائما ما يكونون عُرضة للمشاكل والآلام أكثر من غير الأنانيين، لأن لديهم الكثير من الرغبات التي لا يمكن إشباعها، كما أنهم يهتمون بنظرة الآخرين لهم، وموقف العالم تجاههم، وما إذا كانت جهودهم ستحظى بالتقدير أم لا، كما توصل هنا إلى أن حياتنا وهمٌ عظيم، ومن يدرك هذه النقطة يواجه كل ما في حياته بهدوء، دون أن يحكم عليه بالخير أو بالسوء، ولا بالإعجاب أو الكره، وبعدها سيتذوق كل شيء في حياته، وسيعيش في سلام وسعادة، أو يمكن أن نفعل مثلما فعل الكاتب بأن نعثر على طريقة لخلق قيمة لا تُمحى بمرور الوقت، وإنشاء خلود نسبي وسط الوهم المتغير، متسائلا أليست هذه الحياة سعيدة بما فيه الكفاية؟
العطاء هو أعظم الفضائل، والأعمال الصالحة هي سر كسب المال، فهي كالزراعة يجب أن تزرع البذور في الحقل لتُزهر وتؤتي ثمارها، ناصحا قارئه ألا يندم على الماضي، ألا يقلق بشأن المستقبل، أن يتمسك باللحظة الحالية، أن يبذل قصارى جهده لفعل ما يتعين عليه فعله، أن يجلب بعض الأشياء المفيدة للعالم، وما بقي يتركه يجري حسبما قُدّر له،
في العالم الخارجي يمكن أن يغير شيئا يتعلق بك بشكل جذري، لكن ما يُغيرك هو قلبك الذي حينما يتغير يتغير معه كل شيء، وحينما لا يتغير لا يتغير أي شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق