تأويل دينى سلبى للحديث الشريف الذى يقول: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
فالتطور هو سُنَّة الحياة، والتقدم هو قانونها الذى يجعل من حاضر الغد أفضل من حاضر اليوم. وربما كان هذا هو المعنى الإيجابى للحديث الشريف الذى يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
على نحو يؤدى إلى التراكم الكمى والكيفى للمعرفة بوجه عام، وفى سياق صاعد من الانقطاعات المعرفية التى تتأسس بها أبنية الثورات العلمية التى لا تتوقف فى كل مجال، ولذلك بقدر ما تدفعنا ثقافة التقدم إلى الأمام، وإلى التفكير فى تحديات المستقبل، تدفعنا ثقافة التخلف إلى الماضى، فتصبح ثقافة ماضوية سلفية، صفاتها التقليد والاتباع، والسير على هدى نموذج جاهز من قبل.والمستقبل من منظور هذه الثقافة هو تكرار للماضى الذى كان موجودًا من قبل، ولا جديد تحت الشمس من منظور هذه الثقافة
شيوع ثقافة التخلف على هذا النحو يقضى على روح التمرد فى الأمة، ويؤدى بها إلى الخنوع والاستسلام والتقليد لكل ما سبق، فردًا أو جماعة، زمنًا أو مكانًا، كيفيًّا أو كميًّا. وهو فهم يؤدى إلى إيقاف الحياة نفسها، وتدمير إمكان أن يغامر الإنسان فى ابتداع شيء جديد أو عالم جديد، فيظل بدل ذلك- أسير هذا الماضى الذى يشده إليه، والذى لا يرى سواه. واذهب إلى معارض الكتب العربية، فستجد أن أغلب ما فيها يتعلق بالتراث أو الماضى، ولا يتعلق بالمستقبل أو احتمالاته، وحتى ما يسمى «المستقبليات» أو علوم المستقبل، لا محل لها من الإعراب أو الوجود الفاعل فى ثقافتنا
ولذلك نبدو كما لو كُنّا خرجنا من سباق الحضارات واكتفينا بالبقاء محلك سِر نتأمل الصاعدين إلى الفضاء، والباحثين فى كيفية الحصول على ما لا نهاية له من أشكال المعارف الجديدة
فثقافة التخلف هى ثقافة إذعان، ونوع سلبى من الجبرية القدرية التى لا مكان فيها لحرية الفرد أو الجماعة. والتجريب الخلاق كالمغامرة الإبداعية، موصفان بالسلب فى هذه الثقافة التى يبدو إلى الآن- أنها لا تفنى ولا تتبدد. ولا سبيل إلى القضاء عليها إلا بإشاعة نقيضها، وهو ثقافة التقدم التى تستبدل النظر إلى المستقبل بالنظر إلى الماضى، والبحث فى تحديات المستقبل وليس التَّهوس بعبادة الأسلاف القدامى. فالتطور كالتجديد فى هذه الثقافة التى تستند إلى تأويل دينى اتباعى، غير عقلانى، بطريركى، ينفى حتى الاجتهاد المغاير فى تأويل محدث لمعنى الحديث « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
فلا استقرار فى الأذهان ولا ثبات لأى معرفة، فالمعارف كلها تتجدد بتجدد علاقتنا بالحياة وعلاقتنا بالكون الذى نكتشف عامًا بعد عام ما يظل منه فى حاجة إلى الكشف، ولولا ذلك ما تسابقت الأمم المتقدمة فى الاهتمام بثقافة المستقبل والبحث فى وعوده وشروطه وتحدياته على السواء. فلابد أن يكون المستقبل دائمًا أفضل من الماضى.
فلابد من دعم ثقافة التقدم؛ كى نواجه ثقافة التخلف المنتشرة فى عالمنا العربى من أقصاه إلى أقصاه. ومن المؤكد أن ذلك سوف ينتج صراعًا ثقافيًّا هائلًا، لكن ماذا نفعل وهذا قدرنا؟!، فضلًا عن أن هذا الصراع حادث بالفعل،
تخريج مثقفين يجمعون إلى جانب تخصصاتهم- الوعى الثقافى العام الذى يجعل منهم مصابيح للتنوير والاستنارة فى مجتمعاتهم، فيسهمون فى تغيير الوعى الثقافى العام فى المجتمع بما اكتسبوه من علوم ومعارف وفنون، كى يرتقوا بهذا المجتمع من وِهاد الضرورة إلى آفاق الحرية، مستبدلين فى ذلك ثقافة التقدم بثقافة التخلف.
بسبب التقلص التدريجى لحرية البحث العلمى والتفكير، فضلًا عن تحول الجامعات المصرية إلى مخازن للأعداد الهائلة من الخريجين الذين لم يعد لهم معنى ولا حضور خلاق فى الحياة المصرية أو العربية.
وفقدت الجامعات المصرية ما كانت تمتلك من رموز كثيرة تبدأ من أمثال لطفى السيد وطه حسين والسنهورى ولا تنتهى عند أمثال على مصطفى مشرفة وسميرة موسى فى السلسلة التى تنتهى بأحمد زويل وفاروق الباز وأحمد مستجير.
التخريب الذى حدث لوعى الإنسان المصرى الذى انحدر منذ السبعينيات إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، الأمر الذى أدى إلى غياب الإتقان فى العمل والحرفية المهنية وأدى إلى رفض الاختلاف والتسامح وعدم الوعى بحرية التفكير والإبداع
الدكتور محمود زقزوق - شفاه الله وأعاده سالمًا إلى أزهره - وليس انتهاء بالدكتور سعد الدين الهلالى. وأذكر أن أهم كتابات تجديد الفكر الإسلامى، كتبها أمثال: طه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل وأمين الخولى فى دراساتهم الإسلامية، وذلك بالقدر الذى نجده عند الثوريين المعاصرين من أتباع ابن رشد، أو المعتزلة فى الأزهر الشريف
************* جابر عصفور
مقال ضده لانه تعي لتجسيد الانبياء وان الحجاب ليس من الاسلام والابداع بالنقد الديني
*****************
لا يزال المسلمون يعيشون على وهم أن الماضي خير من الحاضر والمستقبل، وأن نهضة الأمة تتوقف عند الأخذ من السلف الصالح، بالأحاديث المنسوبة إليهم ثم رفعها إلى النبي،
أحاديث كثير منها يخالف النص القرآني والسلوك النبوي، ويستندون فيها إلى حديث يخالف الفطرة ويخالف منهج النبوة، ففي صحيحَي البخاري ومسلم، حديث منسوب إلى النبي يقول فيه: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، أي أن الثلاثمئة عام منذ بداية الدعوة الإسلامية هي الفترة التي يجب على المسلمين اتباعها، معتبرين أن القرن هو مئة عام، وأن خير القرون القرن الأول، ثم ضعفت الأمة قليلًا في القرن الثاني ثم في القرن الثالث، ومن ثَمَّ يتدهور الزمن بالمسلمين، وهو أمر ينافي التطور البشري وحدوث تقلبات اجتماعية
التاريخ الإسلامي نفسه يشهد على خلاف ذلك، فقد ازدهرت الحضارة الإسلامية بعد القرون الثلاثة،
تقديس الماضي؛ لأنه مجرد ماضٍ، ثم تضفي القداسة عليه، وتعتبر إحياء الخلافة هو النموذج الأوحد لماضي النهضة والتفوق، وهو السبيل الوحيد للنهضة المعاصرة،
*************************
شيوخ السلفية.. سلطة الماضي على الحاضر
كانت الوسطية؛ هي طابع التدين في مصر عبر تاريخها، ولم تسمح يوماً للتشدّد بأن يتسرّب إلى سمتها الأصيلة في الاعتدال، لكن مع سفر العمالة المصرية إلى الخارج في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بدأ التيار السلفي الوهابي ينتشر في مصر، ومع مطلع الثمانينيات، أصبح لهذا التيار أعلام ورموز، وغدت له دوائر ومدارس في المساجد، تعلّم قواعد ومنهج هذا التيار.
في تسعينيات القرن الماضي، حتى شقّت القنوات الفضائية السلفية طريقها إلى مصر والعالم العربي، وأصبح لشيوخ وأعلام الاتجاه السلفي قنوات فضائية تنشر أفكارهم، وتروّج لاتجاههم الديني، الذي يبدو متشدداً، على عكس المزاج المصري؛ وذلك في الأخذ بظاهر النصوص وظواهر الأحكام، مع قفل باب الاجتهاد أمام العقل البشري.
فالتطور هو سُنَّة الحياة، والتقدم هو قانونها الذى يجعل من حاضر الغد أفضل من حاضر اليوم. وربما كان هذا هو المعنى الإيجابى للحديث الشريف الذى يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
على نحو يؤدى إلى التراكم الكمى والكيفى للمعرفة بوجه عام، وفى سياق صاعد من الانقطاعات المعرفية التى تتأسس بها أبنية الثورات العلمية التى لا تتوقف فى كل مجال، ولذلك بقدر ما تدفعنا ثقافة التقدم إلى الأمام، وإلى التفكير فى تحديات المستقبل، تدفعنا ثقافة التخلف إلى الماضى، فتصبح ثقافة ماضوية سلفية، صفاتها التقليد والاتباع، والسير على هدى نموذج جاهز من قبل.والمستقبل من منظور هذه الثقافة هو تكرار للماضى الذى كان موجودًا من قبل، ولا جديد تحت الشمس من منظور هذه الثقافة
شيوع ثقافة التخلف على هذا النحو يقضى على روح التمرد فى الأمة، ويؤدى بها إلى الخنوع والاستسلام والتقليد لكل ما سبق، فردًا أو جماعة، زمنًا أو مكانًا، كيفيًّا أو كميًّا. وهو فهم يؤدى إلى إيقاف الحياة نفسها، وتدمير إمكان أن يغامر الإنسان فى ابتداع شيء جديد أو عالم جديد، فيظل بدل ذلك- أسير هذا الماضى الذى يشده إليه، والذى لا يرى سواه. واذهب إلى معارض الكتب العربية، فستجد أن أغلب ما فيها يتعلق بالتراث أو الماضى، ولا يتعلق بالمستقبل أو احتمالاته، وحتى ما يسمى «المستقبليات» أو علوم المستقبل، لا محل لها من الإعراب أو الوجود الفاعل فى ثقافتنا
ولذلك نبدو كما لو كُنّا خرجنا من سباق الحضارات واكتفينا بالبقاء محلك سِر نتأمل الصاعدين إلى الفضاء، والباحثين فى كيفية الحصول على ما لا نهاية له من أشكال المعارف الجديدة
فثقافة التخلف هى ثقافة إذعان، ونوع سلبى من الجبرية القدرية التى لا مكان فيها لحرية الفرد أو الجماعة. والتجريب الخلاق كالمغامرة الإبداعية، موصفان بالسلب فى هذه الثقافة التى يبدو إلى الآن- أنها لا تفنى ولا تتبدد. ولا سبيل إلى القضاء عليها إلا بإشاعة نقيضها، وهو ثقافة التقدم التى تستبدل النظر إلى المستقبل بالنظر إلى الماضى، والبحث فى تحديات المستقبل وليس التَّهوس بعبادة الأسلاف القدامى. فالتطور كالتجديد فى هذه الثقافة التى تستند إلى تأويل دينى اتباعى، غير عقلانى، بطريركى، ينفى حتى الاجتهاد المغاير فى تأويل محدث لمعنى الحديث « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
فلا استقرار فى الأذهان ولا ثبات لأى معرفة، فالمعارف كلها تتجدد بتجدد علاقتنا بالحياة وعلاقتنا بالكون الذى نكتشف عامًا بعد عام ما يظل منه فى حاجة إلى الكشف، ولولا ذلك ما تسابقت الأمم المتقدمة فى الاهتمام بثقافة المستقبل والبحث فى وعوده وشروطه وتحدياته على السواء. فلابد أن يكون المستقبل دائمًا أفضل من الماضى.
فلابد من دعم ثقافة التقدم؛ كى نواجه ثقافة التخلف المنتشرة فى عالمنا العربى من أقصاه إلى أقصاه. ومن المؤكد أن ذلك سوف ينتج صراعًا ثقافيًّا هائلًا، لكن ماذا نفعل وهذا قدرنا؟!، فضلًا عن أن هذا الصراع حادث بالفعل،
تخريج مثقفين يجمعون إلى جانب تخصصاتهم- الوعى الثقافى العام الذى يجعل منهم مصابيح للتنوير والاستنارة فى مجتمعاتهم، فيسهمون فى تغيير الوعى الثقافى العام فى المجتمع بما اكتسبوه من علوم ومعارف وفنون، كى يرتقوا بهذا المجتمع من وِهاد الضرورة إلى آفاق الحرية، مستبدلين فى ذلك ثقافة التقدم بثقافة التخلف.
بسبب التقلص التدريجى لحرية البحث العلمى والتفكير، فضلًا عن تحول الجامعات المصرية إلى مخازن للأعداد الهائلة من الخريجين الذين لم يعد لهم معنى ولا حضور خلاق فى الحياة المصرية أو العربية.
وفقدت الجامعات المصرية ما كانت تمتلك من رموز كثيرة تبدأ من أمثال لطفى السيد وطه حسين والسنهورى ولا تنتهى عند أمثال على مصطفى مشرفة وسميرة موسى فى السلسلة التى تنتهى بأحمد زويل وفاروق الباز وأحمد مستجير.
التخريب الذى حدث لوعى الإنسان المصرى الذى انحدر منذ السبعينيات إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، الأمر الذى أدى إلى غياب الإتقان فى العمل والحرفية المهنية وأدى إلى رفض الاختلاف والتسامح وعدم الوعى بحرية التفكير والإبداع
الدكتور محمود زقزوق - شفاه الله وأعاده سالمًا إلى أزهره - وليس انتهاء بالدكتور سعد الدين الهلالى. وأذكر أن أهم كتابات تجديد الفكر الإسلامى، كتبها أمثال: طه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل وأمين الخولى فى دراساتهم الإسلامية، وذلك بالقدر الذى نجده عند الثوريين المعاصرين من أتباع ابن رشد، أو المعتزلة فى الأزهر الشريف
************* جابر عصفور
مقال ضده لانه تعي لتجسيد الانبياء وان الحجاب ليس من الاسلام والابداع بالنقد الديني
*****************
لا يزال المسلمون يعيشون على وهم أن الماضي خير من الحاضر والمستقبل، وأن نهضة الأمة تتوقف عند الأخذ من السلف الصالح، بالأحاديث المنسوبة إليهم ثم رفعها إلى النبي،
أحاديث كثير منها يخالف النص القرآني والسلوك النبوي، ويستندون فيها إلى حديث يخالف الفطرة ويخالف منهج النبوة، ففي صحيحَي البخاري ومسلم، حديث منسوب إلى النبي يقول فيه: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، أي أن الثلاثمئة عام منذ بداية الدعوة الإسلامية هي الفترة التي يجب على المسلمين اتباعها، معتبرين أن القرن هو مئة عام، وأن خير القرون القرن الأول، ثم ضعفت الأمة قليلًا في القرن الثاني ثم في القرن الثالث، ومن ثَمَّ يتدهور الزمن بالمسلمين، وهو أمر ينافي التطور البشري وحدوث تقلبات اجتماعية
التاريخ الإسلامي نفسه يشهد على خلاف ذلك، فقد ازدهرت الحضارة الإسلامية بعد القرون الثلاثة،
تقديس الماضي؛ لأنه مجرد ماضٍ، ثم تضفي القداسة عليه، وتعتبر إحياء الخلافة هو النموذج الأوحد لماضي النهضة والتفوق، وهو السبيل الوحيد للنهضة المعاصرة،
*************************
شيوخ السلفية.. سلطة الماضي على الحاضر
كانت الوسطية؛ هي طابع التدين في مصر عبر تاريخها، ولم تسمح يوماً للتشدّد بأن يتسرّب إلى سمتها الأصيلة في الاعتدال، لكن مع سفر العمالة المصرية إلى الخارج في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بدأ التيار السلفي الوهابي ينتشر في مصر، ومع مطلع الثمانينيات، أصبح لهذا التيار أعلام ورموز، وغدت له دوائر ومدارس في المساجد، تعلّم قواعد ومنهج هذا التيار.
في تسعينيات القرن الماضي، حتى شقّت القنوات الفضائية السلفية طريقها إلى مصر والعالم العربي، وأصبح لشيوخ وأعلام الاتجاه السلفي قنوات فضائية تنشر أفكارهم، وتروّج لاتجاههم الديني، الذي يبدو متشدداً، على عكس المزاج المصري؛ وذلك في الأخذ بظاهر النصوص وظواهر الأحكام، مع قفل باب الاجتهاد أمام العقل البشري.
جدل التراث والحداثة
يحرص شيوخ السلفية حتى في خطابهم "المظهري" على التميز باسم الاقتداء بالسلف الصالح، من خلال سمت خاص في الملبس؛ هو الجلباب الأبيض، والشال الأبيض؛ باعتبار الأبيض هو رداء المسلمين المفضَّل في تاريخهم، فهو رداء أهل الجنة، والأبيض هو سمت الملائكة والشفافية، ويلتزمون باللّحى الكثيفة غير المشذَّبة، وإذا نظرنا إلى طريقة حياتهم؛ فهم يخرجون علينا بطلّتهم "الملائكية" عبر شاشات التلفزيون، التي أنتجها العصر، كي تصل إلينا رسالتهم، ويمكنهم التواصل مع الناس عبر الهاتف (العصري)، ويركبون السيارات الفارهة، بسائق خاص وسكرتيرة، ومنهم من يتجه للعلاج والاستشفاء في مستشفيات أوروبا "الكافرة"، وإذا ذهبوا إلى الأماكن والمنتديات فهم كنجوم السينما في تنقلاتهم، وفي أجور أحاديثهم في القنوات التلفزيونية، فهم ينعمون بكلّ ما أنتجته حضارة الغرب التي طالما يهاجمونها، كما أنهم يرتدون الجلباب الصينيّ، ويمسكون "المسبحة" الصينيّة، ويصلّون على السجادة الصينية، وهي البلد "الشيوعي الكافر"، من وجهة نظرهم، وكان عليهم أن يترفعوا عن استخدام منجزات الكفرة.
وبعد أن يمنحوا أنفسهم حقّ التمتع بمنجزات العصر، يتجهون إلى الترويج لهم ولأتباعهم؛ الرجال والنساء، بأنّ الأصل في الزواج التعدّد لا الإفراد؛ متذرعين بأن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته، رضي الله عنهم، كانوا يفعلون، ولا ضير لنا أن نسير على نهجهم..
وهنا نتساءل: هل هؤلاء الشيوخ الذين يعيشون في العصر من حيث استخدام وسائل العيش، ووسائل الرفاهية والعلاج يعيشون العصر برسالتهم ودعوتهم؟
الواقع؛ أنّ شيوخ السلفية، الذين يعيشون على كلّ مكتسبات العصر، تقوم دعواتهم على تكريس الماضي، بثقافته وفقهه، فهم يتمتعون بمعرفة واسعة بعلوم الحديث وروايته، وبالثقافة التقليدية القديمة إجمالاً، خاصّة المرويّات منها؛ فيجيدون حفظ الروايات وتلاوتها، ويقدّسون السلف الصالح، وكأنّ العلم الديني قد توقّف لديهم، وأنّ ليس على الخلف سوى الاتّباع والإذعان؛ لأنّ "الابتداع ضلالة، وكلّ ضلالة في النار"، وهم يتهربون من الاجتهاد فيما يخصّ وقائع عصرهم ومستجداته.
احتقار الحياة وتقديس الماضي
يميل شيوخ السلفية، في خطابهم الدعويّ، إلى ترغيب الناس في الآخرة والجنة، بديلاً عن الدنيا الفانية، وترهيبهم من النار، وضرورة الصبر على الظلم والمحن، وأنّ "لنا في رسول الله أسوة حسنة"، ويروّجون لأحكام الفقه القديم على أنّها أحكام ينبغي أن تسود عصرنا، بعد أن سادت عصرها، فما يزالون يرون صلاحية لفتوى ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، وأنّها تصلح كي تحكمنا اليوم، فهم يعتقدون أنّ الرقّ مباح، وأنّ المسلمين إذا جاهدوا وانتصروا في الحروب، يمكنهم أن يتخذوا من النساء سبايا، وأنّه يمكن إرضاع الكبير، وفقاً لحديث منسوب لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ويردّدون أحكاماً قديمة من المدوّنة الفقهية التاريخية، التي لم تعد صالحة لزماننا الذي تطوّرت فيها البشرية عن ذي قبل، وأحدث البشر تقدماً في مجالاتها كافة، وهذا ما جعل الشباب ينفر منهم، وينفر من صورة الدين لديهم؛ بل اتخذهم بعض الشباب موضعاً للسخرية، وأدّى أداؤهم السيّئ إلى مروق الآلاف من الشباب من الدين.
إنّ محنة خطاب شيوخ السلفية، أنّه يعيش في الماضي، ويمنحه سلطة على الحاضر؛ لذا فالتاريخ العربي الإسلامي، برأيهم، لا يتقدم إلا بالعودة إلى الوراء، إلى السلف وما كانوا عليهم، وهذا أمر مخالف للسنن الكونية، ومخالف للتقدم وحركة البشر في التاريخ؛ لأنّهم أرادوا سجن الحاضر في عباءة الماضي، وسجن العقل البشري في إطار النصوص، ويأبى الحاضر أن يخضع لسجن الماضي، ويأبى الخلف أن يعيشوا في سجن السلف، ولهذا يتم حصار رموز هذا التيار كل يوم في المجال العام، بسبب جمودهم وتخلف دعوتهم عن احتياجات الحاضر ومتطلباته.
اختلال قيم المواطنة
كما أنّ شيوخ السلف يصدّرون لنا العديد من المشكلات؛ أهمها أنهم ما يزالون ينظرون إلى المغايرين لهم في الدين في الدولة المدنية على أنّهم أهل ذمّة، ويروّجون دوماً في خطاباتهم أنّ المسيحيين، وغيرهم من أصحاب الملل الأخرى، كفرة لا تنبغي موالاتهم، وهذا الخطاب يؤسس لعلاقة متوترة مع الآخر، ما يسهم في إحداث مشكلات بين متّبعي هذا الاتجاه، وأصحاب الملل الأخرى في مسألة التعايش.
ورغم جمود وماضوية دعوة شيوخ السلف، فإنّهم دائمو التعاون مع السلطة السياسية، أو على الأقل عدم الاصطدام معها؛ لأنّ من مبادئهم طاعة ولي الأمر، "ولو جلد ظهرك" فطاعته واجبة وإن كان ظالماً؛ وفي هذا السياق يعزفون في خطابهم الديني عن تناول مشكلات الناس الواقعية؛ من انتشار الظلم والفقر والعوز، وكلّ مشكلات الناس الاجتماعية، وترتكز دعوتهم على حراسة العقيدة وحراسة الأخلاق، ويروّجون للصبر على البلاء، حتى يخدّروا الناس ويصرفوهم عن مشكلات واقعهم.
يوماً بعد يوم أخذت تتراجع سطوتهم وتأثيرهم في الشباب والحياة الاجتماعية في الفترة الأخيرة، فسئم المجال العام من خطابهم، وأصبحت دعواتهم التقليدية؛ عن الرقّ، وسبي النساء، وإرضاع الكبير، مجالاً للسخرية في العالم الافتراضي؛ لأنّها كشفت للناس أنّهم يعيشون بأجسادهم في العصر بكلّ مكتسباته، لكنّهم يروّجون في دعوتهم للماضي بكل تاريخيته.
++++++++++++++++++++
احمد سالم
كيف يمكن للفكر الديني أن يكون طريقاً للإصلاح والتغيير؟
لا يتجلّى حضور الدين في واقع الاجتماع البشري إلا عبر الفكر الديني، وذلك عبر تفسيرات العلماء والمفسرين، وذلك بحسب توجّه كلّ عالم أو فقيه، وبحسب البيئة والزمن اللذَين يعيش فيهما، فكلمات الله المقدسة لا تتجلّى على أرض البشري النسبي إلا بوساطة التفسير البشري النسبي للعلماء، ولذلك نحن لا نملك أن يكون سؤالنا: هل الدين طريق للجمود أم للإصلاح؟ لأنّ الدين لا يحضر بذاته، والله تعالى لا يفسر ولا يوظف كلماته في توجيه البشر، إنّما العلماء هم من يقومون بهذا الدور.
كيف يسهم الفكر الديني في الجمود؟
ويمكن القول: إنّ الفكر الديني يمكن أن يصبح طريقاً للجمود، والتثبيت لأوضاع المجتمع، والتسكين لألم البشر واغترابهم عن واقعهم الاجتماعي، فحين يوجه رجال الدين الفكر الديني إلى البعد الآخروي، فإنّهم يريدون تسكين الشعوب المؤمنة على آلامهم، والصبر على الظلم، وعدم تحقق العدل في المجتمع، وعدم رفضهم لنهب ثروات المجتمع من قلة تسيطر على مقدرات المجتمع، والصبر على الحرمان في الدنيا حتى يجازوا على ذلك في الآخرة، وقبول الأمر الواقع بكلّ ما فيه على أنّه قدر محتوم، وتوظيف الإيمان بالقدر توظيفاً سلبياً من أجل تحقيق الثبات والسكون في المجتمع، وتوسيع دائرة التحريم والتأثيم في حياة البشر.
ويمكن القول: إنّ الفكر الديني يمكن أن يصبح طريقاً للجمود، والتثبيت لأوضاع المجتمع، والتسكين لألم البشر واغترابهم عن واقعهم الاجتماعي، فحين يوجه رجال الدين الفكر الديني إلى البعد الآخروي، فإنّهم يريدون تسكين الشعوب المؤمنة على آلامهم، والصبر على الظلم، وعدم تحقق العدل في المجتمع، وعدم رفضهم لنهب ثروات المجتمع من قلة تسيطر على مقدرات المجتمع، والصبر على الحرمان في الدنيا حتى يجازوا على ذلك في الآخرة، وقبول الأمر الواقع بكلّ ما فيه على أنّه قدر محتوم، وتوظيف الإيمان بالقدر توظيفاً سلبياً من أجل تحقيق الثبات والسكون في المجتمع، وتوسيع دائرة التحريم والتأثيم في حياة البشر.
وهنا نجد أنّ الفكر الديني يقوم بدور سلبي وهو ضبط حركة الأفراد، والسيطرة على أرواح البشر ليس من أجل التغيير والإصلاح، لكن من أجل الجمود والاستقرار؛ ولذا يكون الفكر الديني هو أداة الضبط الاجتماعي بالمعنى السلبي، وليس بالمعنى الإيجابي، وذلك بدعوى الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه.
كما أنّ الفكر الديني الذي يسعى إلى الجمود والاستقرار السلبي تجده يتجه إلى الخوض في المشكلات الزائفة؛ فيكثر الخوض في الشعائر الإسلامية والطقوس الدينية، ويكثر الخوض في قضايا العبادات، ويهمش قضايا المعاملات، ويكثر الخوض في الحيض والنفاس ويهمش قضايا العدل والحرية وفقه الواقع، ويهتم بالمشكلات الزائفة؛ كقضية الحجاب، ونكاح البهيمة، وإرضاع الكبير، والفصل بين الجنسين، وذلك في ظلّ الترويج الموسع لفقه الحلال والحرام، وتوسيع دائرة التحريم من أجل إخضاع البشر لسلطتهم الروحية.
الفكر الديني والإصلاح
وفي المقابل؛ فإنّ الفكر الديني يكون سبيلاً للإصلاح والتغيير حين يوجه في مجمله إلى التركيز على شؤون الحياة الدنيا، ويخوض في أهمية تعزيز الإصلاح والتغيير في المجتمع؛ لأنّ الدين عبر الفكر الديني التقدمي لا بدّ من أن يهتمّ بقضايا العدالة والحرية، وأهمية معالجة ما يسهم في إصلاح أوضاع المجتمع إلى الأفضل، وإلى الدفع به إلى الأمام، فيربط الفكر الديني نفسه بمعالجة قضايا التنمية والعمل وقيمته الفاعلة في حياة البشر، وبيان أنّ رسالة الدين تدعو إلى أهمية استخلاف الإنسان في الأرض في العمران، مؤكدين على قول الرسول عليه السلام: "إذا جاء أحدكم الموت وفي يده فسيلة فليغرسها".
وفي المقابل؛ فإنّ الفكر الديني يكون سبيلاً للإصلاح والتغيير حين يوجه في مجمله إلى التركيز على شؤون الحياة الدنيا، ويخوض في أهمية تعزيز الإصلاح والتغيير في المجتمع؛ لأنّ الدين عبر الفكر الديني التقدمي لا بدّ من أن يهتمّ بقضايا العدالة والحرية، وأهمية معالجة ما يسهم في إصلاح أوضاع المجتمع إلى الأفضل، وإلى الدفع به إلى الأمام، فيربط الفكر الديني نفسه بمعالجة قضايا التنمية والعمل وقيمته الفاعلة في حياة البشر، وبيان أنّ رسالة الدين تدعو إلى أهمية استخلاف الإنسان في الأرض في العمران، مؤكدين على قول الرسول عليه السلام: "إذا جاء أحدكم الموت وفي يده فسيلة فليغرسها".
إنّ الخطاب الديني الفاعل لا يركز على أهمية الاحتياجات الروحية للإنسان فقط، بل يسعى إلى بيان أن حدوث تحرير للروح الإنسانية لا ينفصل عن ضرورة تحرير الاحتياجات الجسدية والمادية للإنسان؛ لأنّ الروح لا تنفصل عن الجسد، والمعنوي لا ينفصل عن المادي.
ومن ثم لا يجوز أن يقوم الخطاب الديني بدعوى التقليل من المادي والغريزي من أجل الروحي، فهذا خلط واضح يستخدمه الفكر الديني للتهرب من معالجة قضية الحرمان الإنساني وتسكينها، في الوقت الذي لا يمنح الأغنياء من ثرواتهم حقوقاً للفقراء، فالفكر الديني الفاعل لا ينبغي أن يبتعد عن احتياجات الناس الحقيقية، فلا يمكن أن يكون دور الفكر الديني في مجتمعات الفقر هو تسكين الناس والدعوة للصبر على العوز والحاجة، بل ينبغي أن يبثّ روح التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء، ويبثّ روح العطاء من قبل من يملك تجاه من لا يملك، والتركيز على ضرورة تحرير الإنسان من الفاقة والاحتياج؛ لأنّ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
ومن ثم لا يجوز أن يقوم الخطاب الديني بدعوى التقليل من المادي والغريزي من أجل الروحي، فهذا خلط واضح يستخدمه الفكر الديني للتهرب من معالجة قضية الحرمان الإنساني وتسكينها، في الوقت الذي لا يمنح الأغنياء من ثرواتهم حقوقاً للفقراء، فالفكر الديني الفاعل لا ينبغي أن يبتعد عن احتياجات الناس الحقيقية، فلا يمكن أن يكون دور الفكر الديني في مجتمعات الفقر هو تسكين الناس والدعوة للصبر على العوز والحاجة، بل ينبغي أن يبثّ روح التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء، ويبثّ روح العطاء من قبل من يملك تجاه من لا يملك، والتركيز على ضرورة تحرير الإنسان من الفاقة والاحتياج؛ لأنّ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
الفكر الديني الراغب في التغيير والإصلاح لا بدّ من أن يدفع بتفسيره للدين نحو الأرض؛ لأنّه رسالة السماء للأرض وهي رسالة إصلاح وتغيير، رسالة من أجل الإنسان في دنياه قبل آخرته؛ بل إنّ رسالة الدين للإنسان بالنسبة إلى الآخرة هي رسالة من أجل الدنيا؛ وذلك لأنّ عمل الإنسان هو الذي يحدّد مساره في الآخرة.
وينبغي أن يسعى الفكر الديني إلى تغيير المجتمع وإصلاحه، وألّا يركّز فقط على تعليم الطقوس والشعائر، بل يرى ضرورة أن تكون هذه الطقوس مؤثرة في حياة الإنسان، فالصلاة تنهى عن المنكر والفحشاء والبغي، والزكاة تكافل للفقراء، والصيام تطهير النفس، وإحساس بمعاناة الفقراء، ودعوة إلى التصدق على الفقراء ومشاركتهم، كما ينبغي أن يرسّخ الفكر الديني الفاعل القيم الأخلاقية والفضيلة لما لها من عائد فاعل في المجتمع، فسيادة الأمانة والصدق والإخلاص والعدل في التعاملات البشرية في حياتنا اليومية لها مردود إيجابي على حياتنا اليومية، وعلى الحياة المادية في التعاملات بين البشر، وذلك لأنّ منظومة الأخلاق لا يقتصر تأثيرها على البعد الروحي للإنسان؛ بل يمتد أثرها الفاعل على مجمل الحياة الاجتماعية للإنسان.
ويركّز الفكر الديني الفاعل على المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، وهي: الحفاظ على النفس والدين والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يسهم في الحفاظ على المقاصد الكبرى للشريعة التي هي الأصول المؤسسة للحياة الإنسانية، ينبغي أن يكون قصداً وهدفاً، ومن الضروري أن يهتم بما فيه مصلحة الإنسان في حياته الدنيا، فأينما كانت المصلحة كان شرع الله؛ لأنّ الشرع قد وضع مصالح العباد نصب عينيه.
يقوم الفكر الديني الفاعل والراغب في بناء الضمير الحي في وجدان الناس، وذلك لأنّ تمتّع الإنسان بضمير حيّ هو ما يجاوز ويفوق في تأثيره سلطة القانون على سلوكيات الناس وحياة الأفراد والمجتمع؛ فالضمير الحيّ يمنع من ارتكاب السلوكيات الخاطئة والمحرمة في السرّ والعلانية؛ لأنّه ضمير يخشى الله تعالى في كلّ الأحوال، ويكون الله تعالى حاضراً في حياة الإنسان في الأحوال.
إنّ الإسلام، كدين، يوصف بأنّه دين للجماعة، ودين يتداخل في حياة المجتمع، ولهذا كان من الضروري تطوير الفكر الديني المتعلق به بما يجعله ليس طريقاً للجمود والتخلف بل طريقاً للنهضة والتقدم، وأن يكون هذا الفكر دافعاً للمجتمع للتقدم، وليس معيقاً له، والأمر في النهاية يتوقف على طبيعة اجتهاد العلماء لتطوير هذا الفكر.
إنّ الإسلام، كدين، يوصف بأنّه دين للجماعة، ودين يتداخل في حياة المجتمع، ولهذا كان من الضروري تطوير الفكر الديني المتعلق به بما يجعله ليس طريقاً للجمود والتخلف بل طريقاً للنهضة والتقدم، وأن يكون هذا الفكر دافعاً للمجتمع للتقدم، وليس معيقاً له، والأمر في النهاية يتوقف على طبيعة اجتهاد العلماء لتطوير هذا الفكر.