الجمعة، 31 مارس 2023

وحدة الوجود والشهود

الله قائم بنفسه والمخلوقات قائمة به 
كقيام عضاء الجسم بالجسم وهي منعزلة عن الجسم 

التوحيد الصوفيّ بين الشهود والوجود: نحو أيديولوجيا مُعارِضَة

كرّس الإسلام الرسمي هوّة أنطولوجية (وجودية) لا يمكن تجاوزها بين الله والإنسان، وكان بلوغ الحقيقة مشروطا بالشعائر الدينية وقيودها الصارمة، أما دار البقاء، فليس بالإمكان بلوغها فوزا دون المرور بدار الفناء عملا وتعبدا.

الطريقة المسيحية (تجانس الطبيعة)، أو البرهمية البوذية (الرجوع إلى حال الوحدانية الخالصة). وإذا كانت الغاية من اليوغا الهندية عزل الذات، والتوصل إلى تحقيق وجود دائم خارج الزمان والمكان، لا الاتحاد بالله، فإن غاية المتصوف المسلم هي بلوغ حالة من الفناء الذاتي، استعدادا لرجوعه إلى حالته الأصلية من البقاء الأبدي الذي سلبه إياه حدوثه في الزمان.

تجاوز الشريعة لمعرفة الحقيقة، إلى جانب الاستغناء عن النبي، وسيلة الوحي الأولى، بداعي رغبة المؤمن بالاتصال المباشر مع الله ومناجاته.

ونلمس هذا الاستغناء الأولي عن النبي عند رابعة العدوية التي أجابت النبي محمد حين أتاها في المنام يسألها: "أتحبينني؟" فقالت: "وهل ثمة من لا يحبك! لكن حبي لله تعالى قد ملأ قلبي إلى حد لم يجعل هناك مكانا لمحبة غيره أو كراهيته". لكن مع ابن عربي، يبرز النبيّ ماهية مجردة سابقة لوجود الزمان، لا شخصية تاريخية تولّت مهمّة التبليغ في زمان ومكان محددين.

من ابتلي بحب أفخاذ النساء لن يفلح، بتعبير سفيان الثوري.

 قولها: "اللهم إن كنت أعبدك مخافة النار فأحرقني فيها، وإن كنت أعبدك رغبة في الجنة فأبعدني عنها، وإن كنت أعبدك لذاتك فلا تصرف عنّي جمالك السرمدي".

مفهوم التوحيد عند الجنيد

لنص ظاهر تؤديه الدلالة اللغوية المباشرة، وباطن (حقيقته) لا يعرفه إلا الراسخون في العلم. مضمون الظاهر هو الشريعة، ومضمون الباطن هو الحقيقة.

الفناء عند البسطامي

حتى يتوهم أحدهم أن الأشياء قد فنيت، وأن نفسه قد فنيت، وأنه الله، وأن الوجود هو الله.

يفتّش أبو يزيد البسطامي (القرن التاسع) عن الله، حتى إذا بلغ العرش وجده خاليا، فيقول "وهكذا ألقيت بنفسي عليه وقلت: ربي أين أجدك؟ فارتفعت الحجب... فإذا هو أنا الذي كنت أنشد، وليس آخر سواي". تعني حالة الفناء الغالبة على البسطامي انجذاب العارف إلى الله انجذابا تاما، بحيث لا يعود يشهد غيره تعالى فلا ينطق العارف عن ذاته وإنما عما يشاهده، أي الله. فما يميز فناء البسطامي هو قوله بسقوط كل ما سوى الله شهودا، فلا يشاهد العارف سوى حقيقة واحدة التي هي الله، ولا يشاهد نفسه التي تتلاشى في مشهوده "الحق مرآة نفسي، لأنه هو الذي يتكلم بلساني، أما أنا فقد فنيت".

ولعله من الخطأ أن ننسب الى البسطامي قولا بوحدة الوجود، الذي لم يعرفه التصوف الإسلامي قبل ابن عربي، فهناك فرق بين القول: فني عن كل شيء فلم يعد يستشعر وجودا سوى وجود الله (البسطامي) وبين القول بحقيقة وجودية واحدة تسمى تارة الله وتارة أخرى تسمى العالم (ابن عربي). فسقف التصوف عند البسطامي هو وحدة الشهود، أي فناء العبد، وبقاؤه في الحق، وشهود كل شيء به، وهي تجربة وجدانية داخلية لا يمكن نقلها للغير، وهي لا تدوم (يطلب الحلاج من الناس أن يقتلوه لكي يضمن دواما لهذه التجربة: اقتلوني يا ثقاتي/ إن في قتلي حياتي).
رسم البسطامي بشطحاته الصوفية عوالم السماوات والأرض، ومنحها بعدا بشريا يروي تواصله مع الخالق، وتوجهه إليه محبة وعشقا، لا طمعا ولا رهبة، لكن أهميته لا تكمن في شطحاته، وإنما في كونه أوّل من استخدم كلمة الفناء بمعناها الصوفي الدقيق، الذي يعني محو النفس الإنسانية، وآثارها، وصفاتها.
جرأة البسطامي في القرن التاسع وشطحاته (نحو "سبحاني ما أعظم شاني" و"إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني") اضطرته إلى الدفاع عن نفسه بادعاء الجنون، ليفلت من العقاب، لكن ثبوت سلامة عقل الحجاج وثوريته أودتا بحياته.

الحلاج: عين الجمع
معنى الحلول (Pantheism) امتصاص المبدأ في تجلِّياته بحيث يصبح الخالق أسير مخلوقاته؛ فهي هو من كل وجه، وهو هي من كل وجه.
مبكرا توجس أستاذه الجنيد من تطرّفه، وغرابة أطواره، وسوء فهمه للسرّ الصوفي، وتقاعسه عن أداء الفرائض
شعور الاتحاد بالله الذي لا يستتبع فناء الذات الكلي، كما عند البسطامي، بل تسامٍ بهيج تتصل فيه الذات بالمحبوب الحقيقي. هذه الحالة من الترابط الشخصي بين الأنا والأنت يسمّيها الحلاج "عين الجمع"، حيث ينطق الله بلسان الصوفي، ويكتب بيده، فيقول الحلاج: أنا الحق والحق للحق حق/ لابس ذاته ما ثم فرق

مزجت روحك في روحي كما/ تمزج الخمرة بالماء الزلال
اتهامه بادعاء الألوهية، وبسقوط التكاليف الشرعية عن المؤمن الصوفي، والتحريض على العصيان، كانت كافية لإدانته، فجلد، وصلب، وجزّت رأسه، ومثّل به، ليحرق، ويذر رماده فوق نهر دجلة.
انتصر أبو الحسن الأشعري (874- 936م) لمذهب أهل السنة والجماعة الكلامي ضد غلو أصحاب الشطح، ليظهر تصوف "إصلاحي" قاده كل من القشيري، والهروي، وأبو حامد الغزالي، انطلاقا من القرن العاشر الميلادي. لكن غاية التصوف بردم الهوة بين الله والوجود تبلغ ذروتها مع وحدة الوجود عند ابن عربي.

الخروج من المأزق:
ابن عربي في وحدة الوجود
يريد العارفون أن يفصلوه تعالى بالكلِّية عن العالم من شدة التنزيه فلا يقدرون، ويريدون أن يجعلوه عين العالم من شدة القرب فلا يتحقق لهم؛ فهم على الدوام متحيِّرون: فتارة يقولون: هو، وتارة يقولون: ما هو، وتارة يقولون: هو ما هو".

للخروج من المأزق يذهب ابن عربي للقول بمفهومه الجديد للتوحيد المعروف بوحدة الوجود، فما دام لا يوجد طرفان، فلا يوجد اتصال ولا انفصال، لأنه ليس من وجود حقيقي سوى واحد هو الله، أراد الواحد أن يتجلى بوجود العالم عن طريق أسمائه وصفاته (لا عن طريق ذاته)، وكان الإنسان أول تجليات الله يرى فيها نفسه فيعرف نفسه بها، وبها يُعرف.
كانت الخليقة قائمة أصلا في الذهن الإلهي كنماذج أولية (أعيان ثابتة) لكن الله الذي كان مخفيا في الأصل أراد أن يعرف (يكشف عن ذاته) فأبدع الخليقة بأسرها. فالتعدد يدخل على الله من خلال صفاته أو تعيناته المتعددة، فالله في حد ذاته هو الحق، أما إذا نظرنا إليه، من خلال صفاته وتجلياتها في الذوات الممكنة، فهو الخلق.
هذا الوجود ابتداء من الإنسان ليس سوى شكل من أشكال وجود الله. وصلة الله بالعالم هي صلة أسمائه وصفاته بذاته، لأن الموجودات تعبّر عن الوجود الخارجي لأسمائه وصفاته.
إذًا، ليس ثمة وجودان: وجود الله والعالم، بل وجود واحد وحقيقة واحدة، وجود الله وحقيقته، وكل ما عدا ذلك تجلياتهما. لكن وجود العالم والإنسان هو غاية الله، بسبب افتقار أسمائه إليهما فوجودهما وجود ضروري، والذات البشرية أسمى تجليات الألوهية، ويدعوها الكلمة الآدمية أو الإنسان الكامل الذي هو علة وجود العالم وعلة بقائه أيضا.

الإنسان عند ابن عربي
وضع ابن عربي حلّا يقوم على الفصل بين ذات الله من جهة، وأسمائه وصفاته من جهة أخرى، لكن ذلك أبقى على تعالي الذات المطلق عن العالم، فتجليات الله في الوجود هي تجليات الأسماء والصفات لا تجليات ذاته. وهنا يُبقي ابن عربي على الفصل بين الله والعالم، التي سعت التجربة الصوفية أساسا إلى إثبات أن هذه العلاقة مع الله هي علاقة مباشرة. رغم هذه الاستحالة الجديدة عند ابن عربي (تصور وجود فاصل بين الذات وبين أسمائها وصفاتها حفاظا على التنزيه المطلق، مع التأكيد على خرقه) يصل التصوف مع ابن عربي إلى غايته القصوى.
عقدت الصوفية صلة معرفية مباشرة بين الله والإنسان، مخترقة بذلك فكرة التنزيه المطلق التي تمنع أي اتصال بين الله (مطلق) والإنسان (محدود)، ثم تجاوزت الصلة المعرفية إلى الصلة الوجودية، فقالت بلقاء الإنسان مع الله بالحضور المباشر، ورغم اشتراط تجرد الإنسان من العلائق المادية، فلم يغير هذا التجرد من كونه إنسانا يمشي على الأرض.
يمنح ابن عربي الإنسان وضعا جديدا، فيصبح أصل العالم، محققا الغاية النهائية من التصوف النظري عبر تاريخه الطويل الحافل بالمجاهدة القاسية، وهي الارتقاء بالإنسان عن الوجود المادي (بدون إنكار ماديته)، ليتصل بالله، ويصبح صورته، ووجهه، ونسخة عنه، ومرآة لوجوده في العالم.

***************************************
الحلاج

رأيتُ رَبّي بعينِ قلبي
فقُلتُ: مَنْ أنتَ ؟ قال: أنتَ


فليس للأينِ مِنْكَ أينٌ
وليسَ أينٌ بحيثُ أنتَ


وليسَ للوهمِ مِنْكَ وَهمٌ
... فيعلمُ الوَهمُ أينَ أنتَ


في محو إسمي وَرَسمِ جسمي
سألتُ عَنّي فقلتُ : أنتَ


أشار سرّي إليكَ حتَى
فَنيتُ عَنّي فقلتُ : أنتَ


أنت حياتي وسرُّ قلبي
فحيثما كنتُ كنتَ أنتَ


أحَطتُ علماً بكلِّ شيءٍ
فكلُّ شيءٍ أراهُ أنتَ


++++++++++++

الوجود ووحدة الوجود


وحدة الوجود مرادفات مثل التوحيد والفردانية والحقيقة وهناك فرق بسيط بين الحلول ووحدة الوجود , فالحلول يعني نزول الذات الإلهية في ذات بشرية محددة وقد يجتمع الأمران عند بعضهم كما نجد ذلك عند بعض المتصوفة المسلمين مثل الحلاج حينما قال :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا


 وحدة الشهود ويراد منه الحالة النفسية التي يمر بها الانسان حينما يُذهل تماما عن المخلوقات ويستغرق في حب الذات الإلهية .

 الديانة الهندوسية التي آمنت بأن الكون كله يمثل ظهورا للوجود الحقيقي فقد ذكروا أن آثارا لوحدة الوجود ماثلة في الهرمسية التي تنسب إلى هرمس أو أخنوخ في العبرانية أو ادريس عند العرب الذي ينسب له القول بوحدة الوجود .

وفي كتاب الفيدانتا نجد عقيدة وحدة الوجود واضحة تماما من خلال القول بالكارما والنيرفانا , فالكارما تؤمن بالتناسخ أما النيرفانا فتؤمن بالتحرر التام , كذلك نجد آثارا لوحدة الوجود في الديانة الطاوية الصينية التي آمنت هي الأخرى بالاتصال التام أو القانون الأعظم أو الوجود حتى يُفنى الفرد في الروح الكلية .

ويمكن القول بشيء من التجوز أننا نعثر على ملامح وحدة الوجود بارزة في الفلسفة اليونانية فطاليس أكد على أن الماء هو جوهر الوجود أما انكسيماندر فرأى أن الأبيرون هو جوهر الأشياء فيما اعتقد انكسيمانس أن الهواء هو الأصل فيما قال هيرقليطس إن النار هي المبدأ الأول وهؤلاء كلهم من آيونيا .

 افلاطون قولا قريبا من فكرة وحدة الوجود فقد آمن بأن الأشياء الحسية كلّها ضلال أو اشباح تحاكي عالما حقيقيا يتكون من المُثل وهذه المثل تتسلسل صعودا حتى تصل إلى المثال المطلق , أما أرسطو فقد قال بأن مبدأ الوجود يتكون من الهيولي والصورة بواسطة مجموع العلل الأربعة لكنه وصل إلى أن العلة الأولى لا يمكن لها أن تتحرك أو تتدخل فالوجود هو الذي يتعشقها ويسعى نحوها أما أبيقور فقد قال بأن جوهر الوجود هي ذرات لانهائية تحصل من تصادمها هذه الكثرة الوجودية .

الجنيد البغدادي وذي النون المصري وأبو يزيد البسطامي وأبو سعيد الخراز والحلاج وأبو العباس ابن عطاء والبلخي والشبلي والغزالي وابن الفارض وابن عربي وابن سبعين والجيلي والنابلسي كما فصله مؤلف كتاب عقيدة الصوفية , وحدة الوجود الخفية , د.احمد القصير في صفحة 27 من كتابه المذكور .
فقد ذهب ابن عربي إلى إنكاره لعالم الظاهر ولم يعترف إلا بالله ، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق وإلى مثل هذا القول ذهب ابن سبعين والتلمساني .

وحين الانتقال إلى عصر النهضة الأوربية يصادفنا الفيلسوف الإيطالي برونو الذي أحرقته الكنيسة عام 1611 م بتهمة الزندقة وقد كان برونو من أشد القائلين بوحدة الوجود .

وممن تأثر ببرونو الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا المتوفي عام 1677 م ويرى سبينوزا إن ليس هناك إلا وحدة وجهها الأول الله ووجهها الآخر الطبيعة .

*
Jul 20, 2019
روح اللّه ، دون حلول أو اتحاد ، وفي الوقت نفسه دون فصل أو وصل



سعيد المصري: تطبيق العلمانية يحسم مصير الأصولية في العالم العربي*******

May 11, 2020

المفكر سعيد المصري يرى أن مستقبل الجماعات الأصولية في العالم العربي مرهون بقدرة الدول على تطبيق العلمانية ليعود الدين إلى المجتمع ولا إلى أي شيء آخر.
الاثنين 2020/03/16

تحتاج الأصولية الدينية إلى دراسات اجتماعية ونفسية لفهم وتفكيك دواعيها ومنطلقاتها. ذلك أن الحرب على التطرف تقتضي الذهاب إلى مصادره الفكرية والنفسية والاجتماعية ومحاولة علاج التربة التي تنبت منها الأفكار المتطرفة. فالأصولية تدفع إلى الإيمان بقناعات محددة على نحو مطلق ولا تكتفي بالإيمان بالمعتقدات بل تسعى إلى فرضها على الآخرين، وهو ما جاء في فحوى لقاء أجرته “العرب” مع الباحث سعيد المصري الذي نبه إلى تغلغل الأصولية الدينية في المجتمع بشكل يتجاوز الحدّ.

طرح المفكر سعيد المصري، مدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، ومستشار وزير الثقافة في مصر، الذي أثار كتابه الأحدث “تراث الاستعلاء” ردود أفعال صاخبة في الوسط الفكري، مسألة الأصولية الدينية بعمق وتفصيل وكشف سيادة فكرة الاستعلاء الأصولي وهيمنتها على المجال الديني.

 جذور التعصب لدى الأصولية الدينية وكيفية تغلغلها في المجتمعات، والسبل المقترحة لمواجهتها، ليقرر الرجل بصراحة وجرأة أنه “لا سبيل من التعافي من التطرف والتعصب في عالمنا العربي، إلا بعد التحرر التام من فكرة اختزال كل آفاق المستقبل في أوهام استعادة الماضي، واختزال الدعوة الدينية في الغزوات والحروب ضد الكفار”.

لا يتوقع انحسار التطرف أو تراجع الأصولية الدينية في الكثير من البلدان العربية ما دامت الحكومات القائمة حريصة على الشأن الديني، وتعمل على استخدامه في ترسيخ شرعية وجودها من خلال الاحتفاء برجال الدين وإظهارهم في المناسبات السياسية وخلافها، ما يمنح تيارات الأصولية مساحة للمزايدة وتسييس الدين لصالحها.

المفكر سعيد المصري أستاذ متخصص في علم الاجتماع، حاصل على الدكتوراه في التراث الشعبي والبناء الطبقي، وحاصل على جائزة الأمم المتحدة للتميز في مجال التنمية البشرية عام 2010، وحاصل أيضا على جائزة الألكسو العربية للتراث عام 2014، وعمل أستاذا زائرا بجامعتي الإمارات والبحرين، وله العديد من المؤلفات والدراسات أبرزها “تجديد الفكر الديني”، “المجتمعات الهشة”، “ثقافة الاستهلاك في المجتمعات العربية”، “إعادة إنتاج التراث الشعبي”، “ملحمة المواطنة”، “احتواء البداوة”، “تطلعات المرأة بعد 25 يناير”، “أسلمة المجتمع البدوي في مصر”، و”الثقافة الشعبية وإعادة التشكل”، وغيرها من المؤلفات.

عودة الدين إلى المجتمع


يرى سعيد المصري أن مستقبل الجماعات الأصولية في العالم العربي مرهون بقدرة الدول على تطبيق العلمانية بشكل كامل وتام، بحيث يكون الشأن الديني خارج اهتمامات الحكومات المباشرة، بمعنى آخر يعود الدين إلى المجتمع ولا إلى أي شيء آخر.

في تصوره، فإن جميع حركات الإسلام السياسي نشأت وانتعشت وستظل قائمة ما دامت الدولة في العالم العربي تحتاج إلى الدين وتقوم باستخدامه في السياسة، فالمفترض أن ينحصر الدين في عبادات الناس ودعم الأخلاق، وتكون مهمة المؤسسة الدينية محددة في تعليم الناس الصلاة والحج والزكاة وباقي العبادات فقط دون أن تتدخل في الشأن السياسي أو الشؤون العامة.

يبدو القلق حاضرا في تعليقات الرجل على ما تصور البعض أنه خفوت للتيارات الدينية في العالم العربي ومنها مصر، مكررا أن ذلك غير صحيح، فما زالت التيارات الدينية قائمة ومهيمنة، ويعلق على هزيمة وتراجع تأثير الإخوان المسلمين في مصر بقوله “لا تتصوروا أنهم أزيحوا، لقد أزيحَ فصيل واحد من فصائل التيار الديني، وهو فصيل تربى في كنف الدولة، وهناك فصائل ما زالت قائمة، ومازلتُ قلقا بشأن المستقبل”.
يرى المصري، أن تغلغل الأصولية الدينية في المجتمع يتجاوز الحد، وأن هناك هيمنة على كافة القطاعات العلمية والمهنية، وطرح ملاحظة مهمة جديرة بالاهتمام مفادها أن تأمل الخلفية التعليمية لـ43 قيادة بارزة داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر يكشف أن 30 شخصا منهم حصلوا على شهادات جامعية في العلوم الطبيعية مثل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم، بنسبة تصل إلى 70 بالمئة، بل إن 21 من هؤلاء حاصلون على الماجستير والدكتوراه في تلك العلوم، ولا يوجد بطبيعة الحال أي شخص في الهرم القيادي للإخوان له خلفية تعليمية في مجال الفلسفة أو الأدب أو الفنون أو أي من العلوم الإنسانية.

ويفسر ذلك بأن العلوم الطبيعية أنسب لأنماط التفكير لدى الإخوان والقائمة على نتيجة واحدة وحل وحيد وخلاصات لا تقبل التعدد، بينما نجد أن العلوم الإنسانية تفتح الباب لفكرة التعدد، والآراء المتنوعة والنقد المتحرر، من هنا فإنهم حين يمارسون عملهم العلمي في الجامعات يبدو كل شيء في أدائهم منسجما مع مركزية العقيدة ومظهر السلوك العلمي.

 التيارات الدينية كرست على مدى أربعة عقود ماضية نوعا من الاستعلاء الديني في المجتمعات العربية، وهو أخطر أنواع الاستعلاء، إذ تعرفُ الكثير من المجتمعات الاستعلاء البدائي الذي قد يمارس من الرجل ضد المرأة أو من الكبير تجاه الصغير أو من الأبيض تجاه الأسود

وتعرف مجتمعات أخرى الاستعلاء الطبقي، حيث يتعالى فيه الأغنياء على الفقراء، لكن الاستعلاء الديني أعنف وأخطر على بنية المجتمعات، إذ يرى ممارسوه أن الدين فوق العلم، وفوق الكفاءة، وفوق الجنسية، وأصحابه ينظرون إلى أنفسهم كونهم الفئة الوحيدة المؤهلة للقيادة. وبذلك التصور توغلت تيارات الإسلام السياسي في كل شيء، في التعليم والثقافة وفي كافة مناحي الحياة، حتى أنهم صاروا يسيطرون على وجدان الناس ويحلّون محل مؤسسات التنمية الاجتماعية في بناء البشر.

 حركات الإسلام السياسي ليست تيارا واحدا وإنما هي تيارات واتجاهات متعددة، لكن تجمعها جميعا فكرة واحدة هي الاستعلاء بالدين على كل شيء، والذي يتحدد من خلال عدة محاور أولها أنهم على حق والباقون جميعا على باطل، وثانيها أنهم على هدى والآخرون في ضلال مطلق، وثالثها أنهم الأعلى في المنزلة وغيرهم الأدنى، مصداقا لقول منظرهم سيد قطب بأن “عصبة المؤمنين هم الأعلى في السند والإدراك وتصور الوجود والضمير والصفات المثلى، بل هم الأحق أن يفخروا بأنفسهم ويسخروا من الآخرين”.

يمايز المصري بين فكرة الاستعلاء لدى كل تيار من تيارات الإسلام السياسي، فالسلفيون مثلا يرون أنفسهم أهل العلم والفرقة الناجية ومرشدي الناس، بينما يرى الإخوان أنفسهم، حسب تعبير حسن البنا، العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل ودعاة الإسلام وحملة القرآن وصلة الأرض بالسماء وورثة محمد وصحابته، وخلفائه من بعده، ولديهم غايات سامية في وقت التبست فيه المسالك على الناس وضلوا السبيل، غير أن الاستعلاء لدى التيار الراديكالي الجهادي أبسط وأوضح إذ يرون أنفسهم من المؤمنين وسواهم من الكفار.


المشكلة في تصور الرجل أنه على الرغم من تلك الفروق في مفهوم فصائل الإسلام السياسي للاستعلاء إلا أنهم جميعا يتفقون في فكرة كون الدين منهج حياة شاملا لكل كبيرة وصغيرة، وهي عبارة خطيرة تدفع برجال الدين إلى التدخل في كل أمر، لذا فإنهم لا يستغربون مثلا أن يسألوا عن حكم الدين في كل شيء لدرجة أن يقولوا “ما حكم الدين في تشمير أكمام القمصان”.


 جميع التيارات الدينية، وحتى أولئك العاملين في المؤسسات الدينية الرسمية، تؤمنُ بفكرة المجتمع الإسلامي المتخيل، على غرار الجيل الأول في فترة حياة الرسول، ويحشدون الجهود للوصول إلى تحقيق هذا الهدف، وهم يرون أن النص ثابت لواقع متغير وحياتنا هي التي يجب أن تتشكل لتتوافق مع النص حسب فهمه لدى السلف، وكأن الزمن دائري وليس خطيا، فبدلا من أن ينتقل الزمن من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، فإن الزمن لديهم يعودُ إلى الماضي.

ولذا فإن كافة التيارات الدينية قد تختلف في طريقة العودة إلى عهد الجيل الأول، لكنها تتفق في وجوب تلك العودة، وترى أنه لا سبيل سوى ذلك.

ولفت إلى أن وضوح أو خفوت التباين بين التيارات الدينية يتوقف على مدى هشاشة البنية الاجتماعية أو قوتها، فعندما تكون هشة فإنهم يتجمعون معا ويتحدون، وعندما تقوى يتخذ كل منهم طريقا مستقلا.

 بتجربة الجماعات الإسلامية في مصر خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فحين فشلوا في السيطرة على بنى المجتمع، قرروا الخروج إلى المناطق النائية الأكثر هشاشة، مثل المناطق الحدودية والبدائية، حيث تقل سلطة ووجود الدولة، ورصد ذلك في دراسات مجتمعية أثبتت إمكانية إقامة بؤر إسلامية في مناطق حدودية.

 مقولة تجديد الخطاب الديني والمتكررة كثيرا على المستوى الإعلامي أشبه بحوار الطرشان، إذ لا يوجد تعريف حول معنى كلمة “تجديد”، ولا يوجد تحديد لمفهوم الخطاب الديني، فضلا عن أن المطالبين بالتجديد أنفسهم هم قيادات المؤسسة الدينية التقليدية التي تتصور أنها تحتكر وحدها الخطاب وتحدد ثوابته.

والمؤسف في الأمر، على حد قوله، أن تلك المؤسسة تعاني من التضخم والترهل البيروقراطي، فضلا عن ضعف الكوادر وفقدان المصداقية ما يجعلها غير قادرة على تطوير أو تجديد خطابها أو المشاركة في تحديثه.

فضلا عن ذلك فقد أظهرت الملاحقات الأمنية الجارية في مصر أن أغلب المؤسسات الدينية التقليدية مخترقة من جانب أشخاص محسوبين على تيارات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان.

لا سبيل للتعافي من التطرف في عالمنا العربي، إلا بعد التحرر من فكرة اختزال كل آفاق المستقبل في أوهام استعادة الماضي 

وأهم سمات الخطاب الديني الراهن تتلخص في أن النقل أهم من العقل، والموت أهم من الحياة، والمظهر أهم من الجوهر، وكل شيء مكتوب ومقدر جبرا والإنسان مجرد مفعول به لا اختيار له.

ويشدد على أن المصطلح الأفضل للاستخدام في هذا المنحى هو إعادة صياغة الفكر الديني، بمعنى أن أساسيات الفكر نفسها يجب إعادة تأسيسها، وتحتاج البنية العقلية التي تنتج الخطاب الديني إلى إعادة نظر، والعلاقة بين الدين والدولة تحتاج إلى إعادة نظر، ولا بد من إعلاء حرية التأويل بدلا من النقل الذي يجعل المجتمع أسيرا لصورة متخيلة.

وحدد أستاذ علم الاجتماع أربع قيم محورية يمكن من خلالها إعادة صياغة الفكر الديني وأولها قيمة الحرية والتعددية مقابل قيود الامتثال والتجانس، على اعتبار أن الحرية تعزز القدرة على التأويل بينما الامتثال يعزز من الجمود والتسلط الفكري.

كذلك قيمة التسامح مقابل التشدد والتعصب والتطرف، حيث يعزز التسامح من التفكير القائم على التوافق بينما يؤجج التشدد الصراعات ويجعل الحياة شاقة ومستحيلة.

إلى جانب قيمة السعادة وحب الحياة مقابل التفكير في البعث والإفراط في الخوف من الموت، حيث تعزز السعادة من البهجة والشعور بالأمل، بينما الخوف من الموت يجعل الحياة كئيبة ومصدر قلق دائم.

أما القيمة الرابعة فهي قيمة العدل مقابل التفاوت وعدم المساواة والظلم في الحياة الإنسانية حيث يساهم التفكير القائم على التحرر في تمكين البشر من الحياة الكريمة.



الخميس، 30 مارس 2023

تهمة التظاهر من دون ترخيص.. “سيف” تسلطه السلطة على معارضيها ****

Oct 3, 2020 Dec 10, 2021

 وبررت الحكومة منع المسيرة بكونها غير مرخص لها، ولا تعرف الجهة الداعية إلأيها، إلا أن هذا المبرر بدا غير مقنع، خصوصا أن الحكومة نفسها سمحت في مرات متعددة بتنظيم مسيرات ضخمة من دون ترخيص، وهو ما يطرح السؤال عن أسباب هذه الازدواجية في تعامل الحكومة مع المظاهرات، وكذا في تطبيق القانون.

*

التظاهر فعل وجودي في مصر


 حقّ مشروع، أقرّه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة (1948)، ورسّخته المواثيق الدولية والمنظمات الحقوقية والدساتير المدنية، وتلتزم باحترامه معظم الأنظمة السياسية في العالم
مصر خلاف ذلك، فالتظاهر، في ظلّ حكم شمولي، يبدو أقرب إلى المحال منه إلى الإمكان

أوّل رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، أقدم النظام العسكري على إدارة البلد بقبضةٍ أمنيةٍ حديدية، فتمّ غلق المجال العام، وجرت عسكرة ميادين الاحتجاج، ومدّ الجيش نفوذه على معظم المجالات الحيوية في البلاد، وانحسرت الحرّيات العامّة والخاصّة بشكلٍ غير مسبوق. وانتقل التظاهر من كونه فعلا حرّا بعد ثورة 25 يناير في العام 2011 إلى كونه فعلا محظورا وعملا مجرّما إثر استيلاء السيسي على السلطة.

 لماذا تخاف السلطات المصرية فعل التظاهر؟ ما هي ملامح الحراك الاحتجاجي الجديد في مصر؟ وما هي دلالات مغامرة الناس بالخروج على نظام سلطوي/ أحادي؟

صراع بين الطبقة الحاكمة والشعب المهمّش على امتلاك الشارع والفضاء العام 

إعلان تحدّ صريح لمن قال إن "ما حدث في ثورة يناير 2011 لن يتكرّر أبدا". وتداول شعارات من قبيل: "إحنا ما بنتهدّدوش"، "قول ما تخافشي، السيسي لازم يمشي"، دليل على أنّ الشعب المتتفض يعتبر نفسه مصدر السلطات، وأنّه هو من يقرّر مصير البلد، ولا يقرّره فرْد أو جهاز دعائي أو طبقة متنفّذة. يقول أحد المحتجّين: "نريد كسر غرور السلطة، وإزالة حاجز الخوف، ووضع حدّ للظّلم"، فالتظاهر عندهم فعل جمْعي، وجودي،
وإعلاء لصوت المستضعفين وهو صحوة المدنيين ضدّ هيمنة العسكريين.

يمارس حقّه في قول "لا"، ولسان حاله يقول: "أنا أتظاهر إذن أنا موجود". وهو إلى ذلك يبعث رسائل إلى الداخل والخارج، مفادها بأن روح الثورة ما زالت حيّة داخل الاجتماع المصري، وأنّ الناس سئموا الوجوه المكرورة، والسياسات القديمة، والحكم الأحادي، والوعود الزائفة، وهم توّاقون إلى التغيير، تحقيقا للحرّية والعدالة، والكرامة والرّفاه.

ختاما، كلّما عاد التظاهر واستمرّ القمع في مصر، دلّ ذلك على تآكل سطوة الزّمرة الحاكمة وتراجع شعبيتها، وفشل أجهزتها الإعلامية في التعتيم على الحقائق، وفي تزييف الوعي، واستبلاه الناس. وأحْرى بالمتنفّذين في هيئات الحكم الإنصات إلى مطالب الجموع المنتفضة، والمبادرة برفع اليد عن المجال العام، والإفراج عن سجناء الرأي، وتأمين حرّية التعبير والتفكير والتنظّم، والعمل على تحسين معاش النّاس. وإنْ لم يفعلوا، وآثروا التمادي في خطاب الكراهية والإقصاء والإنكار، فإنّ الأوضاع في مصر تتّجه إلى مزيدٍ من التعقيد، والاحتقان، والتأزيم، وسيؤدّي تراكم الكبت والقمع والغضب إلى انفجار ثوري جديد لا محالة.

*Nov 30, 2021

ثقافة التظاهر 

 التفرقة بين التظاهر والتمرد والاحتجاج والانقلاب.

 لا يوجد حق مطلق فى أى شريعة من الشرائع, بل كل حق مقيد بضوابط للمطالبة به أو بممارسته, حتى لا يكون تجاوزًا وانفلاتًا وفسادًا. ويجب أن يتوافر المقتضى الشرعى للتظاهر، وألا يترتب عليه تعطيل لمصالح الناس أو إهدار للمال العام. وألا يقترن به محظور شرعي, كتخويف الناس أو إرهابهم أو انتهاك حرماتهم. وفى مصر قانون للتظاهر (قانون رقم 107 لسنة 2013) ينظم الاجتماعات والتظاهرات السلمية، ويُلزم منظمى المظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من موعدها، ولوزير الداخلية أن يقرر منع المظاهرة إذا كانت تشكل «تهديدا للأمن».

*

التظاهر اقل من الانتفاضة ضد الحكومة 

الانتفاضة اقل من الثورة ضد العملة السياسية 

الثورة هي الاكبر ضد النظام السياسي بيضاء دون دم حمراء بدم




التسلط العائلي يدفع المراهقات للهروب من بيوتهن بحثا عن الدفء العاطفي والأمان ********

Aug 16, 2021 Feb 7, 2022 Mar 9, 2022

 

العنف الأسري يوقع الفتيات في دوامة الزواج العرفي

معضلة الكثير من الأسر العربية تكمن في أنها اعتادت على الاعتداء البدني واللفظي على الفتيات المراهقات، بدافع تقويم سلوكهن وإجبارهن على اتباع نمط حياة أكثر تقييدا لتحركاتهن وحرياتهن وملبسهن، فوجدت الكثيرات منهن صعوبة في تقبل العيش في الأطر التقليدية التي تضطهدهن وتحرمهن من أبسط حقوقهن، فخيرن الهرب بحثا عن بيئات أخرى تكون أكثر أمانا وتسامحا معهن.

 جددت تحقيقات الأمن المصري في اختفاء ثلاث فتيات والتخطيط للزواج العرفي دون علم الأسرة، الجدل حول ظاهرة هروب المراهقات من بيت العائلة، فلم تعد مثل هذه الوقائع فردية أو مقتصرة على مجتمع بعينه، بل صارت تحدث بشكل متكرر في دول عربية كثيرة، أخفقت في وقف العنف الأسري والترهيب النفسي.

وقالت الشرطة المصرية في تحقيقاتها، إن الفتيات الثلاث هربن من منازلهن بعد تكرار الاعتداء عليهن من آبائهن وأمهاتهن، وهي نفس المبررات التي تستند إليها مراهقات عربيات عندما يتركن أسرهن دون سابق إنذار، فتنتفض الأسرة وتدّعي اختطافهن، وتكون المفاجأة أنهن اخترن الزواج العرفي بمحظ إرادتهن بحثا عن أحضان دافئة وبيئات آمنة.

كانت بعض الفتيات تهربن من بيت الأسرة وتخترن الإقامة لدى أحد أقاربهن أو أصدقائهن كرسالة تحذير للأهل من خطورة الاستمرار في السلوك العدواني، لكن خطورة العنف الذي أصبح يستهدف المراهقات بذريعة تربيتهن وعقابهن على الأخطاء أصبح يلقي بهن في دوامة الزواج العرفي دون وعي.

وفي الجزائر، حذرت شبكة الدفاع عن حقوق الطفل من استفحال ظاهرة هروب القاصرات من بيوتهن، وشهدت فترة الحجر الصحي اختفاء 100 فتاة. وتحدثت منظمات نسائية في كل من السعودية والمغرب عن انتشار هذه الظاهرة بوضوح.

وتكمن معضلة الكثير من الآباء في أنهم اعتادوا على تقويم سلوك الأبناء، تحديدا الفتيات، بنفس الطريقة التي تربوا عليها في الصغر، من خلال الاعتداء البدني واللفظي والترهيب النفسي، دون مراعاة لتغير الظروف، وحاجة الأجيال الجديدة للاحتواء لا العقاب الذي يدفعهم للبحث عن بيئة آمنة غير الأسرة.

وإذا كانت أغلب العائلات في المجتمعات الشرقية تميّز الذكور عن الإناث في الكثير من الحقوق، فلا يتم التعامل مع الأنثى بشكل يحترم كينونتها ولا براءتها، بحيث تكون لها خصوصية في نمط التربية عندما ترتكب خطأ.

ومع كل واقعة هروب فتاة تكون ردود فعل أسرتها عنيفة، وتوصمها بتوصيفات بشعة، على غرار أنها منعدمة التربية وتستحق العقاب البدني، وهناك من يحرض بطريقة المثل الشعبي “اكسر ضلعا لابنتك لتتجنب جلب العار لأسرتك”.

ويمكن من خلال ردود الفعل من جانب الكثير من الأسر، اكتشاف حجم العنف الموجه ضد الفتيات، فمنها من يبيح ضرب المراهقات كطريقة وحيدة للتربية، ما يجعل معدلات الاعتداء البدني على الإناث يصل لمستويات قياسية، فيما تمنعهن التقاليد والأعراف الاجتماعية من الهروب خشية الوصمة المجتمعية.

كما أن بعض رجال الدين يصدرون بين الحين والآخر فتاوى تحث على ضرب الأنثى التي تحتاج لتقويم السلوك، بذريعة أن الشرع أباح ذلك، وهو ما أشار إليه الداعية الأزهري عبدالله رشدي مؤخرا بقوله “العنف ضد المرأة ليس مبررا لهجرة البيت والتمادي في تصرفات قليلة الأدب”.

 محمد هلال، استشاري الصحة النفسية في القاهرة، إن التماس الأعذار من جانب المجتمع للآباء على ضرب الفتيات يغذي العنف الأسري، والخطر أن يكون هناك صك ديني يبيح هذا التصرف المشين، لأن أغلب الناس في البلدان العربية متدينون بالفطرة، ويستخدمون الفتوى مبررا لأي فعل خاطئ، ولو كان يشوه صورة الدين.

الفتاة في مرحلة المراهقة تميل للاستقلال والبحث عن حضن دافئ وبيئة آمنة، ولو لم تجد هذه المزايا داخل أسرتها، سوف تضطر للبحث عنها خارج بيت العائلة، فقد تتزوج عرفيا من شاب يستغل ظروفها، لأنه في هذه الحالة تكون وصلت لمرحلة الاستسلام والتضحية بأي شيء للحصول على الأمان.

رغم وجود قوانين في أغلب البلدان العربية تعاقب الآباء على الاعتداء البدني بحق أبنائهم، لكنها غير مجدية

 تقديس أسلوب التربية الذي نشأت عليه، فمن كان يتعرض للاعتداء في الصغر من أبويه يرى أن هذا السلوك أفضل وسيلة للتقويم، مع أن شباب اليوم متمردون بالفطرة على كل ما يرتبط بالماضي، وإغفال الآباء لهذه النقطة يقود إلى كوارث أسرية.

ويدرك بعض الآباء أنه من حق الأبناء الإدلاء بآرائهم والدخول في نقاش معهم والدفاع عن حقهم في نمط الحياة الذي يناسبهم، فالجيل المعاصر يقدس حقه في الاعتراض، ما وسع الفجوة بين الطرفين، وصارت هناك أزمة في التفاهم، حتى الأم التي يفترض أنها صديقة لبنتها وتوفر لها الحنان شغلتها صعوبات الحياة عن القيام بدورها.

ويرى متخصصون في شؤون الأسرة، أن الفتاة المراهقة إذا شعرت أنها مجبرة على نمط حياة لا يناسبها، وتفرض عليها قوانين عائلية لا تتوافق مع طموحاتها، وتعيش غريبة ومنبوذة في بيتها، فإنها تميل تجاه الأصدقاء وإقامة علاقات غير مشروعة تعوضها عن سجن الأسرة المعنوي، حتى تسقط في براثن شاب يغريها بالعاطفة المفقودة، وبعدها يتم وصمها بأعنف التوصيفات.

وعندما تصل علاقة الفتاة بالبيت حد الكراهية، لن تحترم الأعراف أو التقاليد، لأنها ترى في التمرد على الأسرة التي تعيش فيها حلا وحيدا لتعيش حياة كريمة وآدمية، فتلجأ إلى كسر والديها بالهرب، وتضطر إلى أن تقدم نفسها على طبق من ذهب لمن يرغب في الزواج منها ولو عرفيا، فلم يعد لديها ما تخسره، المهم أن تنتقم من عائلتها.

ويزيح التدقيق في حوادث الاختفاء الأخيرة لفتيات من مجتمعات مختلفة، الستار عن أزمة أكبر، فلم تكن تجرؤ أي أنثى مراهقة تعيش في بيئة ريفية أو شعبية على الهروب من بيتها بعكس الحاصل في مناطق حضرية، لكن المعادلة تغيرت، ما يوحي بأن التقاليد الصارمة تحطمت أمام تمرد الفتيات على العنف والتمسك بإعلان العصيان.

أكدت أسماء عبدالعظيم، استشارية العلاقات الأسرية، أن تجاهل المجتمع توجيه اللوم إلى الأسرة التي تتخذ من العنف سبيلا مثاليا لتقويم سلوك المرأة، يشجع العائلات على ارتكاب المزيد، وحان وقت التعامل مع هروب الفتيات باعتباره أحد أهم الأسباب التي ضاعفت حالات الزواج العرفي بين المراهقات كمدخل لترهيب الأسر وإجبارها على تغيير سلوكياتها، لأن أغلب المعنفات لديهن شغف بخوض التجربة والميل للتقليد.

رغم وجود قوانين في أغلب البلدان العربية تعاقب الآباء على الاعتداء البدني بحق أبنائهم، لكنها غير مجدية، والمعضلة أن العنف صار يصدر عن فئات متعلمة، ما يعني أنه سلوك متوارث لا علاقة له بالجهل، بل غياب الوعي بالتربية الصحيحة الآدمية، ما يُشعر الكثير من المراهقات بأن الابتعاد عن منزل الأسرة سوف يوفر لهن حياة أفضل.

إذا كان أغلب أرباب الأسر لديهم مشكلة أزلية مع الأساليب التربوية الصحيحة في تقويم سلوك أبنائهم، فالأمل الوحيد في التركيز على الأجيال الصاعدة بتعريفهم كيف يربون أولادهم عندما يتقدمون في السن ويكونون مسؤولين عن عائلة، بحيث تكون هناك مناهج تعليمية متخصصة لذات الغرض، لأن التراخي في هذه الخطوة من شأنه أن يتوارث الأبناء طريقة الآباء في التربية، ويصبح العنف الأسري ثقافة مجتمعية تتناقلها الأجيال، وتستمر الفتيات في البحث عن الملاذ الآمن خارج إطار الأسرة.

أريد أن أكون سعيدة لكن ما بين خلل الهرمونات و البنى القمعيّة الأبويّة الرأسمالية لا سعادة و لا فرح، تعب، ارهاق، استنزاف، غضب و حزن، حزن و غضب... الاكتئاب قضيّة نسويّة

احذر أن تصدق الكلام الوردي اللي بيتقال عن الدنيا وأن الإنسان لأخيه الإنسان. كل دي شعارات كدابة وكلام بنتغنى بيه احنا عايشين في غابة يا عزيزي البريء.

Oct 15, 2020
*

هروب الفتاة من بيت أسرتها خطأ مشترك بين الفتاة والأسرة تتحمل فيه العائلة جانبا كبيرا من المسؤولية،

تعيش أسرة الفتاة حياة بائسة مليئة بالمنغصات، فالأب والأم يشعران بالعار والفضيحة والخوف، وباقي الفتيات يراودهن الإحساس بأن والدهن سيكون أشد قسوة عليهن حتى لا يسلكن نفس مسار الهرب مثلما فعلت الابنة الكبرى، في حين تسعى عائلة الأب للبحث عن الهاربة للانتقام منها.

العنف الأسري تجاه الفتيات أصبح محفزا على هروبهن بعيدا عن أحضان العائلة للارتماء بين أحضان غريبة، ربما تكون أقل رحمة ورأفة وعاطفة من الأب والأم في ظل اتساع الهوة الثقافية بين الآباء والأبناء حول نمط التربية المطلوب تطبيقه.

 التحاور والتفاهم والتصادق بين الطرفين هو المسار الأكثر قبولا للأجيال الصاعدة التي صارت تتشدق بالتمسك بالمعاملة الإنسانية المتحضرة من الأهل.

لا يتردد الكثير من الآباء في الاعتداء اللفظي والإهانة البدنية تجاه الفتيات إذا ارتكبن خطأ، أو تصرفن بطريقة تخالف العرف والتقليد المجتمعي، باعتبار أن الترهيب أقوى سلاح للردع وعدم تكرار نفس الخطأ من دون منح الفرصة للفتاة للدفاع عن نفسها وتبرير تصرفها أو الاعتراف بجهلها بأنه خطأ أو جريمة مجتمعية.

صارت تدخلات الأسرة في تقرير مصير الفتاة في كثير من المجتمعات العربية مبالغا فيها بشكل فج، مثل شكل الملابس وطبيعة التعليم وهوية الوظيفة وتحديد مواعيد للخروج والعودة، والتحكم في نوعية الأصدقاء، وتحريم الاختلاط بالشباب، أو التحدث معهم على الإنترنت، ووضع مساحيق التجميل والإجبار على الزواج من شخص بعينه.

هذه التصرفات تشعر الفتاة بأنها تعيش في سجن فتبدأ بالتفكير في التمرد على هذا الواقع أمام الضغوط النفسية التي لم تعد تتحملها، فتقرر الهرب لأيام وربما تختفي نهائيا، وهناك فتيات يخترن الاختفاء المؤقت لدق ناقوس الخطر ولفت انتباه الأبوين بأن طريقة التربية والتعامل خاطئة ويجب تغييرها.

لا تدرك أغلب الأسر أن الفتاة التي تفتقد الحنان داخل عائلتها قد تبحث عنه عند غرباء، فالأنثى التي لا تشعر بالأمان مع والديها لن تتردد في تسليم نفسها لشاب تعتقد أنه أكثر عطفا وأمانا، فتتزوجه عرفيا أو تهرب معه، لكنها غالبا ما تصطدم بأن هذا الشاب طالما وجدها صيدا سهلا لن تكون بالنسبة إليه سوى سلعة زهيدة.

 فهن يحتجن معاملة أثناء سن المراهقة تختلف جذريا عن المرحلة التالية، وإن لم تجد الدفء والأمان في منزلها، وتم التنكيل بها عاطفيا وجسديا وغاب الحوار معها فقد يكون خيار الهروب حتميا.

قد تكون الفتاة المراهقة بطبيعتها ذات نزعة استقلالية ورغبة في إثبات الذات والتمرد على القيود، وهذه مرحلة تحتاج إلى احتواء وليس عنفا، وباعتبار أن أغلب الهاربات مراهقات، فإنه صار على العائلة العربية أن تعيد حساباتها في شأن تربية الفتاة والاعتراف بخصوصية كيانها قبل أن تبحث عن أحضان غريبة مهما كانت العواقب.


الشمولية والسلطوية فى الذهنية المصرية . عمرو حمزاوي ***********

الوصاية الدينية للدولة السلطوية.. مصر نموذجا**********

Sep 2, 2019 Jan 18, 2022 Mar 22, 2022 May 3, 2022

 الشمولية هى الدولة التى تفرض سيطرتها على المجتمع ككل، بما فى ذلك جوانب الحياة العامة والشخصية للأفراد، بالإضافة للسيطرة على الاقتصاد والتعليم والفنون، بل تتدخل بشكل مباشر فى توجيه أخلاقيات المواطنين والتحكم فيها، بينما السلطوية تعنى أن تكون السلطة فى يد شخص أو مجموعة نخبوية تحتكر السلطة والنظام.

الشمولية والسلطوية لا تقترنان دائما بالنظم الاشتراكية فقط، وإنما بأى نظام يدعى امتلاك الحقيقة، واحتكار معرفة مصلحة المواطنين دون غيره، استنادا إلى شعارات جاذبة، وإعلاء لمخاطر محيقة بالوطن تلزم الجميع بالالتفاف حوله، دون التركيز على الكثير من الحقوق التى تهدر، والاستحقاقات التى تدفن، كما نعرف عن الدول الدينية، كما هو الحال فى إيران والمملكة العربية السعودية، أو الجماعات الدينية عند الوصول إلى الحكم كما شهدنا فى السنة التى حكمت فيها جماعة الإخوان المسلمين مصر، أو كما يحدث مع القاعدة فى أفغانستان.

ومن المؤكد أن العقلية الشمولية والسلطوية لا يستأثر بها الحكام فقط، ولكن المثير أنها تتمكن من المحكومين وأنساق التفكير وردود الفعل لديهم، وهى تتفق مع العقلية الدينية من حيث اليقين المؤكد، والإيمان الشديد بما يتبعون، مع النفور المبالغ فيه من أى تيار أو فكر لا يتوافق معهم، بغير سند إلا الشعارات والخطب الرنانة التى يتم إلقاؤها بمناسبة أو بدون، حتى إننا لنجد هذا المواطن يخاف من التغيير أكثر من خوفه من واقعه المر، تبعًا لاعتياده أن هناك من يتخذ له قراراته، ويتحمل أعباء معيشته ويخطط له حاضره ومستقبله.

وهنا تطل العلمانية برأسها فى محاولة لتصويب هذه الأنساق الفكرية الشمولية، سواء كانت على أسس سياسية أو أسس دينية، وقد يحدث الخلط هنا لدى الكثيرين المعتقدين أن العلمانية معناها فقط فصل الدين عن الدولة، وبذلك يمكن أن تتوافق مع بعض الأنظمة الشمولية السياسية، وفى ذلك خطأ كبير لأن العلمانية نسق تفكير يؤمن بالنسبية والتعددية والشك كمرجعيات أولية، مما يؤدى إلى مخرجات مثل تجنيب الدين من الدخول فى الصراع السياسى والاقتصادى، وبالتالى للتعددية السياسية وتداول السلطة ومن ثم الديمقراطية.

وواقع الأمر أننا عانينا فى مصر من النوعين على مر الزمان، سواء من الحكم الدينى وقت أن كان الحاكم ممثلا للخليفة، وبالتالى الوكالة عن الله فى كل عصور الحكم الإسلامى، وهو ما كان متوافقا مع طبيعة العصر والزمن، إلا أن الإخوان المسلمين حاولوا إعادة إنتاجه كحكام، كما يتبعون فى جماعتهم وهياكلهم التنظيمية، كما عانينا من شمولية يوليو السياسية، مما أدى إلى تراكم شمولى فى الذهنية العامة للمواطنين، من رفض الآخر، وتخوين المختلف، والإصرار على إنتاج نظام أبوى يلقون بكل أعبائهم عليه، لأن الاعتياد على عدم تحمل المسؤولية كان وما زال غالبًا كنتيجة حتمية لكل ما فات من ممارسات.

 الشمولية والسلطوية لا تقتصرعلى أنظمة الحكم الاشتراكية، وأوضحت أن ما حدث أثناء فترة حكم جمال عبدالناصر من سيطرة الدولة على مناحى الحياة المختلفة للمواطنين، بداية من السياسة إلى الاقتصاد مرورا بالتعليم والصحة والصناعة والفن، مرورا بالحريات العامة والخاصة، نهاية بالسيطرة على أخلاقيات المواطنين، هو نفسه ما حدث خلال فترة حكم أنور السادات، الذى ادعى ومازال يدعى مناصروه أنه عصر الانفتاح السياسى والاقتصادى، بينما كان كل ذلك فى إطار شمولى توجهه الدولة وتراقب تحركاته.

وقد كان لكل من ناصر والسادات آلياته الخاصة لتمرير خطابه وتوجهاته لمواطنيه، الذين لم يكن لهم فى غالب الأحوال القدرة على المقارنة أو الاستماع إلى غير هذه الأصوات، بحكم الزمن والقدرات التكنولوجية، ففى عهد عبدالناصر ساهمت الإذاعة الموجهة، بمساعدة آلة الصحافة الهائلة بقيادة محمد حسنين هيكل، بالإضافة إلى جوقة فنية تم صناعتها وصقلها بعناية، وضع على رأسها عبدالحليم حافظ لتحويل الأحلام إلى شعارات، والشعارات إلى أناشيد، وهو ما اتبعه السادات بنفس المنهج الشمولى بفريق آخر، لأهداف مختلفة وبشعارات بديلة، بداية من التعبئة للحرب، مرورا بتمرير اتفاقية السلام- وهما خطوتان فى منتهى الأهمية- ولكن الخط الأخطر الذى سخر له السادات آلته الإعلامية كان الدعوة إلى إدخال الدين فى المجال العام فى محاولته للقضاء على التيار الناصرى والاشتراكى، عن طريق إيهام المواطنين بأن النظام الذى سبق عليه كان نظاما لا دينيا، 

ثانيهما بمحاربة الناصريين واليساريين مباشرة بالجماعات الإسلامية مثل «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» و«جماعة الإخوان المسلمين»، بكوادر تنظيمية فى السلطة مثل «عثمان أحمد عثمان» و«محمد عثمان إسماعيل»، مستخدما آلة إعلامية مختلفة مثل «الشيخ الشعراوى» كداعية لعصر جديد و«الدكتور مصطفى محمود» الذى زاوج بين العلم والدين فى تركيبة مقحمة، حتى خرج السادات معلنًا دون تحفظ أنه الرئيس المؤمن لدولة مسلمة.

وقد بلغ هذا التوجه مداه بعد مظاهرات الخبز فى 18و19 يناير1977 وبدلا من أن يحاول السادات الإقناع بأهمية الإصلاح الاقتصادى، ترك الساحة عمدًا للإسلاميين ليقضوا على خصومه فعليا فى الجامعات، ولينشروا أفكارهم فى أذهان المواطنين، ثم حول نزوعه السياسى نحو التيارات السلفية والإخوانية إلى استحقاقات قانونية ودستورية، ليمرر تعديلا دستوريا يسمح له بالترشح أكثر من مدتين، وفى المقابل حول شيخ الأزهر من رتبة تابعة لوزير الأوقاف، إلى منصب يعادل رئيس الوزراء، ثم قام بالتعديل الدستورى الأخطر 1980 بتغيير المادة الثانية، بجعل «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» بعد أن كانت «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى من مصادر التشريع»، وهى مجمل التوجهات والقرارات التى لا تزال تعانى منها مصر حتى الآن.

وإلحاقًا لما ذكرته- فى المقال السابق- من انعكاس الشمولية والسلطوية على ذهنية المواطنين، فمن المهم أيضا ذكر تأثيرها على المشاركين فى صنع القرار، حيث تخلق السلطوية طبقة من السياسيين تنحصر قدراتها فى تنفيذ ما يوكل إليها من مهام، دون أن يكون لها أى توجه سياسى، أو وجهة نظر اقتصادية، ولا أى رؤية محددة، وهو ما تجلى فى استمرار تواجد نفس الوجوه فى الاتحاد الاشتراكى، ثم عصر السادات الانفتاحى، ثم خلال عهود مبارك اللااشتراكى واللاانفتاحى، والنقطة الأهم أن اهتمام هذه الطبقة هو إرضاء رؤسائهم دون وضع اعتبار للمواطنين، لأن المحاسبة تأتى دائما من أعلى فى النظم السلطوية ولا يكون هناك أى وزن لاختيارات الشعوب.

إنه وإن كانت نهايات الأنظمة الشمولية والسلطوية أغلبها كارثية، إلا أن نتائج حكم عبدالناصر يمكن علاجها بقرارات سياسية واقتصادية، بينما يتكفل الزمن بمداواة تأثيرها على ذهنية المواطنين، أما ما اقترفه نظام السادات الشمولى السلطوى بمغامراته الإسلاموية، فتجاوزه قد يعد شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلا!

*Dec 1, 2021
عمرو حمزاوي 
عن اللاءات السلطوية

توصف الحكومات بالسلطوية حين لا تقر للشعوب الحق في اختيارها بحرية وتغييرها بحرية من خلال انتخابات دورية ونزيهة، وحين تمنع التداول الحر للمعلومات وتمتنع هي عن التزام الشفافية في إدارتها للشأن العام، وحين تتنصل من احترام حقوق وحريات المواطن الشخصية والمدنية والسياسية مثل حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم وتساومه على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية وحقه في الأمن.

تتعامل الحكومات السلطوية مع القانون كأداة لفرض سيطرتها على المجتمع، وللإمساك بالمؤسسات العامة والهيمنة على المؤسسات الخاصة، ولإخضاع المواطن وحمله على الابتعاد عن المطالبة السلمية بحقوقه وحرياته، ولإنزال العقاب بمن يمتنعون عن تقديم فروض الولاء والطاعة.

لا للفضاء العام الحر، لا للإعلام الحر، لا للأحزاب السياسية التي تسعى للتداول الحر والسلمي للسلطة، لا للمجتمع المدني الذي يراقب ويسأل ويحاسب الحكام، لا للحريات الدينية والفكرية والثقافية والأكاديمية، لا للحرية الشخصية؛ تلك هي لاءات الحكومات السلطوية التي تتكرر عبر المكان والزمان لتضع في خانة واحدة إسبانيا بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن العشرين، والبرازيل في ستينياته وسبعينياته، وروسيا منذ تمكن فلاديمير بوتين من مؤسسات وأجهزة الدولة بها، والمجر التي تدفعها اليوم حكومة منتخبة ديمقراطيا بعيدا عن الديمقراطية والليبرالية، والمملكة العربية السعودية منذ نشأتها في الربع الأول من القرن العشرين، ومصر منذ إعلان الجمهورية في 1952.

تتشابه الحكومات السلطوية في إهدارها لقيمتي حكم القانون الأساسيتين. القيمة الأولى هي قيمة العدل المستندة إلى موضوعية القواعد القانونية وشفافية إجراءات التقاضي وضمانات حقوق الإنسان والحريات، والقيمة الثانية هي قيمة المساواة المستندة إلى الامتناع عن التمييز بين المواطنين والإقدام على محاسبة المؤسسات العامة والخاصة حين تتورط في ممارسات تمييزية. وعلى الرغم من القواسم المشتركة بينهم.

 السلطويين ليسوا دائما على حال واحد فيما يتعلق بتفاصيل وطرق تعاطيهم مع السلطات العامة من المؤسسات القضائية إلى توظيف أداة التشريع التي تقوم عليها البرلمانات (أي إصدار القوانين الجديدة وتمرير التعديلات على القوانين القائمة) لإدارة شئون الدولة والمجتمع والمواطن. السلطويون ليسوا أيضا على حال واحد فيما يخص حدود الالتزام بتنسيب قراراتهم وسياساتهم إلى «القوانين واللوائح المعمول بها» وحرصهم على اصطناع صورة الحكم المحترم لسيادة القانون.

 قليلا من الحكومات السلطوية المعاصرة لا ينكر عداءه الصريح لوجود مؤسسات قضائية مستقلة، ولا يتوقف عن التغول على المحاكم والتدخل في أعمالها بطرق شتى. قليل منها يضرب عرض الحائط بالقوانين واللوائح، 

 فالأغلبية تريد للمكون الأمني أن يدير شؤون الدول والمجتمعات من وراء ستار.
فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذي لا يخجل من أن يعلن على الناس أن الحكم هو حكم الفرد أو حكم الحزب الواحد وأن صناديق الاقتراع لا أهمية لها وأن دون ذلك ستسقط الدول وتدمر المجتمعات وينهار الأمن ويذهب إلى غير رجعة الاستقرار.

تصر أغلبية السلطويين المعاصرين على أن حكوماتهم تحترم سيادة القانون، وتعلن على رءوس الأشهاد امتناعها عن التدخل في أعمال المؤسسات القضائية والمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها وابتعادها عن السيطرة على المؤسسات التشريعية. تشدد أيضا على أن القضاء المستقل يمثل فرض ضرورة لتحقيق استقرار الدولة والمجتمع شأنه شأن البرلمان المستقل، ولا تمانع أن يتم النص دستوريا على استقلال المؤسسات القضائية وحياد القضاة واستقلالية البرلمانات وإرساء مبادئ الفصل والتوازن بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية. غير أن تواتر إعلانات النوايا الحكومية الحميدة وحضور الضمانات الدستورية القاطعة لا يحولان دون السعي المستمر للسلطويين المعاصرين إلى استتباع القضاء وإخضاعه إلى أهوائهم، تماما مثلما يضغطون على المؤسسات التشريعية لتقزيمها إلى برلمانات دورها الوحيد هو تمرير مشروعات القوانين التي تطرحها الحكومات والموافقة على قرارات وسياسات الحكام دون إعمال جاد ومستقل للأدوات الرقابية.

لا يريد العدد الأكبر من أولئك السلطويين في القرن الحادي والعشرين أن يبدو كمن ينتهك القوانين وهو يقمع ويتعقب ويضبط ويخضع أو أن يظهر العداء الصريح للمؤسسات القضائية المستقلة وهو يستتبع القضاء والقضاة أو أن يمتهن البرلمانات وهي تمرر القوانين المقيدة للحريات. باستثناءات قليلة، يهدر سلطويو القرن الحادي والعشرين القيم الأساسية لحكم القانون وهم يدعون أنهم يحترمون سيادته، ويقضون على معاني العدل والمساواة في إدارة شئون الدولة والمجتمع بإجبار البرلمانات على تمرير قوانين وتعديلات قانونية ظالمة وتمييزية.

يقمع الإعلام الحر في روسيا ويراقب المجتمع المدني أمنيا بالقوانين واللوائح. وفى المجر، تنزع شرعية الوجود عن منظمات حقوق الإنسان ويتعقب من يعمل بالقوانين واللوائح، وفي روسيا البيضاء، يعزل الرئيس لوكاشينكو أساتذة الجامعات وموظفي العموم وفقا للأهواء السياسية لأن القوانين واللوائح تمكنه من ذلك. وفي بلاد العرب، بحور متلاطمة من الأفعال السلطوية لحكام وحكومات لا يعنيهم غير إخضاع المواطن وضبط المجتمع والسيطرة على الفضاء العام.

*

مصر ما بعد الثورة

Dec 13, 2019

: قراءة ليبرالية من موقع «الخصومة»

يكتب عمرو حمزاوي، كما يقول، من موقع الخصومة مع الحكم الراهن في مصر. وهي خصومة، فرضها النظام عليه، برفضه التعبير الحرّ، وإغلاقه الفضاء العام، وتورّطه في انتهاكات حقوق الإنسان، وتعقبه للمجتمع المدني المستقل

 النظام غير الديموقراطي، الذي يمارس القمع وقصّ الحقوق، ويعمل لصياغة وعي عام بدرجات متفاوتة من الفاعلية والكفاءة. هذا النظام هو الأقرب إلى الحالة المصرية حسب حمزاوي، إذ تسيطر عليه نخب عسكرية لا تعدم الحلفاء المدنيين، أو نخب مدنية تعتمد على المؤسّسات الأمنية وأدوات أخرى كالمؤسسات الدينية والأحزاب السياسية والأجهزة الإعلامية لإخضاع المواطن وضبط المجتمع والهيمنة. وهذا تصوّر لا يخصّ أرندت، بقدر ما يلاقي نظرية غرامشي عن الهيمنة وأدواتها. لكن حمزاوي يسرف في العودة إلى المرجعيات الليبرالية دائماً. وهذا لا يلغي أن هذه العودة ممكنة أحياناً: «تصطنع السلطوية الحاكمة من خلال توظيف أداة تشويه الوعي الجمعي مواطناً تحرّكه نوازع الانتقام من معارضي الحاكم الفرد ونخبته،

اللافت أن حمزاوي يعرف جيداً قدرة السُلطة على استلاب أدوات خطابه نفسها، خاصة في تطويع الدستور والقانون. باستثناءات قليلة، يهدر سلطويو القرن الحادي والعشرين القيم الأساسية لحكم القانون، وهم يدعون أنّهم يحترمون سيادته، ويقضون على معاني العدل والمساواة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع بتمرير قوانين وتعديلات قانونية ظالمة وتمييزية.

نظام يعتمد على المؤسّسات الأمنية والدينية والإعلام لإخضاع المواطن

 المجال العام هو المكان الذي يمكنه استيعاب السجال والتفاهم في مسائل المصلحة العامة. وإن كان المجال العام واضحاً، فإنّ تحديد المصلحة العامة لا يتم وفق كليشيهات دائماً.
خلاصة عمل حمزاوي تتلخّص في تحديده للدولة القوية والعادلة: احتكار الاستخدام المشروع للقوة الجبرية لتمكين الناس من الحياة. لكن سرعان ما يطرح سيلاً من تعريفات لا تخلو من الرطانة: واجب الدولة تحفيز المجتمع المدني والقطاع الخاص على إنجازهما ودفع البلاد إلى الأمام. فإن كان التضييق على المجتمع المدني يتّخذ سمة الشمولية التي يجب نبذها، فإن دعم القطاع الخاص ليس منفصلاً أبداً عن مشاريع «السلطوية»، وعن أهدافها. وبعيداً عن الحالة المصرية، هناك نماذج أوضح بكثير، ربما، لتحديد أثر هيمنة القطاع الخاص، خاصةً عندما يكون «مطيّة» للاستبداد.

*Jul 8, 2022

في مخاطر الانتخابات الديمقراطية دون ديمقراطيين


غرب ديمقراطي تتعرض حكوماته لصدمات شعبوية متتالية وشرق تتجدد سلطويته وجنوب يراوح بين تحولات ديمقراطية ناجحة وأخرى فاشلة.

أنماط الحكم الديكتاتورية والسلطوية، وأنتجت ترتيبات جديدة لإدارة العلاقة بين الدولة والمواطنين اتسمت بالانفتاح السياسي والتنافسية.

 بداية التسعينيات بعد انهيار حكم الأحزاب الشيوعية في مجتمعات أوروبا الوسطى والشرقية وتبنيها ليافطات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق، واستحال من ثم إلى قناعة بالحتمية التاريخية لانتصار الديمقراطية الليبرالية عالميا.

 اختزال الاهتمام بدعم الديمقراطية في الخارج إلى مجموعة بسيطة من الأدوات والممارسات هدفت لحماية حقوق الإنسان والحريات المدنية وتفاوتت حظوظها من الفاعلية من إقليم إلى آخر ومن دولة إلى أخرى.

سيادة حكم القانون واستقرار مؤسسات الدولة الوطنية وحياديتها التي بدونها تتحول آليات وظواهر كالانتخابات الدورية وتداول السلطة والتعددية الحزبية وتنوع كيانات المجتمع المدني إلى واجهات خالية من المضامين والنتائج الديمقراطية.

في هذا السياق تستدعى حالات مجتمعات عربية كالعراق ولبنان والمغرب للتدليل على أن تنظيم الانتخابات التشريعية الدورية كآلية لإدارة التنافس السياسي في مجتمعات لم يستقر بها بعد حكم القانون وتعاني إما من غياب الحيادية والفاعلية عن مؤسسات الدولة أو من هيمنة التشكيلات الطائفية والعرقية ليس له إلا أن يؤدي إلى تعميق التوترات المجتمعية والسماح للصراعات بين النخب السياسية والاقتصادية بأن تغزو كامل الفضاء العام وتضعف إلى حد الإلغاء الدولة الوطنية.

 لا تداعيات إيجابية إذا لتنظيم الانتخابات في العراق ولبنان والمغرب طالما استمرت الظروف الراهنة، والأجدر بالنخب السياسية والاقتصادية في البلدان الثلاثة

بجانب حكم القانون واستقرار مؤسسات الدولة، ثمة عوامل قانونية وسياسية ومؤسسية أخرى يشار إليها أيضا كشروط مسبقة للتحول نحو الديمقراطية مثل
تنوع النخب السياسية والاقتصادية الممارسة للسلطة على المستويات الوطنية والمحلية على النحو الذي يضمن عدم تركز السلطة في قبضة القلة ويؤدي إلى شيء من الفصل والرقابة المتبادلة بين ممارسي السلطة ويخدم من ثم الصالح العام.

مجتمعات أوروبا الغربية واضحة الهوية غير العراق ولبنان والسودان واليمن

 تركز السلطة في بلدان كالجزائر ومصر والأردن ودول الخليج في يد القلة وتتعاقب على حكمها إما نخب تقليدية أو نخب عسكرية وأمنية، وما ينتجه تركز السلطة من طغيان للأجهزة التنفيذية وضعف بين في أدوار واختصاصات المؤسسات التشريعية وفي استقلالية المؤسسات القضائية، تقارن كافة هذه الأمور بتعددية شبكات النفوذ والسلطة السياسية والاقتصادية في مجتمعات أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية قبل انجاز التحول نحو الديمقراطية.

حتمية توفر درجة من النمو الاقتصادي ومن تماسك الطبقة الوسطى كأمر لا غنى عنه لانجاز التحول نحو الديمقراطية ولاستقرار الحكم الديمقراطي.

سنغافورة المدارة سلطويا والناجحة بامتياز على مختلف الأصعدة المعيشية وبين جنوب أفريقيا التي تحولت ديمقراطيا لتتعمق إخفاقاتها الاقتصادية والاجتماعية، وبين فنزويلا بديمقراطية حياتها السياسية منذ الخمسينيات وتوتراتها المجتمعية وانقلاباتها العسكرية التي لا تتوقف وشيلي التي مرت بفترة ديكتاتورية قاسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلا أنها تمتعت بمعدلات نمو اقتصادي عالية مكنتها من التحول لاحقا بنجاح نحو الديمقراطية.

مصر قبل 2011 وبعد 2013 على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية حيث تعثر التحول الديمقراطي بفعل مقاومة مؤسسات الدولة القوية وخطايا القوى السياسية وانهارت مرافق مجتمعية حيوية.

توظف الخبرات المعاصرة للتحذير من اختزال البناء الديمقراطي في تنظيم لانتخابات دورية وتداول للسلطة دون اعتبار لمجمل العوامل القانونية والسياسية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتعين حضورها كشروط مسبقة لضمان نجاح واستقرار التحول الديمقراطي.

يصمت المحذرون من اختزال البناء الديمقراطي في انتخابات دورية وتداول للسلطة، يصمتون عن حقيقة ضعف حكم القانون ومؤسسات الدولة الوطنية في الكثير من المجتمعات المستبدة والسلطوية. يصمتون أيضا عن انتفاء مصلحة نخب الحكم في دعم نشوء حكم قانون قوي ومؤسسات دولة فعالة ومحايدة خوفا من الانتقاص مستقبلا من امتيازات النخب وتداعيات ذلك الأمر بالغة السلبية لجهة شيوع الفساد وغياب عدالة الحد الأدنى الاجتماعية. يصمتون، أخيرا، عن كون ضعف حكم القانون وشيوع الفساد يقللان من فرص النمو الاقتصادي المتوازن ويهددان التوافق المجتمعي مما يلزم بتفضيل التحول التدريجي والمنظم نحو الديمقراطية على الرغم من عظم المخاطر.

*Apr 30, 2022

دور المواطن والمجتمع في تحقيق التنمية


ليست منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والإعلام الحر هي وحدها التي تفقد أسباب الوجود والدور والحيوية حين تلغى الحقوق المدنية والسياسية، بل أيضا القطاع الخاص ومعه مبادئ الملكية الخاصة والمبادرة الفردية والمنافسة كمبادئ رئيسية لتنظيم النشاط الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات البشرية. الملكية العامة، وسيطرة الدولة على موارد المجتمع ووسائل الإنتاج، والقطاع العام الذي لا تزاحمه كيانات خاصة تستهدف الربح صغرت أحجامها أو كبرت؛ تلك هي الممارسات التي تتماشى مع النظرة إلى الدولة كماكينة التنمية والتقدم التي لا تحتاج سوى لمواطن ومجتمع التأييد وتتماشى مع القناعة بأولوية وأسبقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على ما عداها.

بعيدا عن قناعتي الشخصية بالأفضلية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية لمبادئ الملكية الخاصة والمبادرة الفردية والمنافسة وللتنظيم الديمقراطي الذي يتأسس مستندا إليها، تظل المعضلة الواقعية الكبرى لنظرة الدولة كماكينة التنمية والتقدم الوحيدة هي قصورها المتكرر عن ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على مدار فترات زمنية مستقرة وعن تحقيق الإسعاد المادي للمواطن والتوازن للمجتمع بعد أن استبدلت التعبئة والحشد بالحرية والمنافسة. 

 مصيدة الاحتكار ومحدودية الابتكار وضعف الإنتاجية.

في بر مصر من يرد ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، لا يستطيع أن يعول على انفراد مؤسسات الدولة والسلطة التنفيذية بالمهمة. من يرد وجود قطاع خاص تنافسي ومبتكر ويوسع من الملكية الخاصة ويتخلص من تغول القطاع العام، لا يستطيع أن يلغي لا المبادرة الفردية ولا حق المواطن في ممارسة حرية الاختيار ولا حق المجتمع في التنوع والتعدد.

Jul 8, 2022