خلق صراعات وحروب مستمرة تتم تغذيتها بتعظيم الكره والشعارات الرنانة المتعلقة بمفاهيم الشرف والوطنية والقومية والإثنية.
أوقفوا الاستثمار في الصراعات والحروب
لا أؤمن بما يروجون له من مخاوف وتحذيرات بشأن “قلة الموارد”
ويتم بالتوازي إقناع العامة بمحدودية الفرص وعدم وجود عدالة في توزيع الموارد، فيصبح المشهد كالتالي: الإنسان يقاسي في محاولاته للصمود في الحياة ويتم إشغاله بالبحث عن منفذ لجمع قوت يومه، ويصبح الإنسان مستعدًا للتضحية بكل من حوله لنيل الفرصة. ويمنح كامل الولاء لمن يعطيه “الفتات” سواء كان حزبًا أو مسؤولًا أو إداريًا أو كاهنًا.
من ينشغل طوال الوقت في محاولة بناء حياته وجمع قوته لن يفكر بالحرية والديمقراطية والدولة والدساتير والقوانين والإنسانية. في ظل واقع محدود ومظلم وفوضوي، يتم الترويج طوال الوقت عبر الشاشات الكبيرة والصغيرة لوهم الخيارات، ووهم الرفاهية. تسير في شوارع المدن، تجدها أشبه بـ”مول” كبير، ملئ بالإعلانات، ودعايات الاستهلاك يتم بثها طوال الوقت بهدف ربط الناس بحبال غليظة لإثبات وجودهم وظهورهم وحاجتهم للعيش والاستمرارية. وتتضاعف معاناة الأشخاص العاجزين عن توفير الأساسيات لأنفسهم، بسبب حاجتهم للحاق بالمركب وامتلاك المزيد من وسائل “الرفاهية”، هي في حقيقة الأمر مجرد وهم رفاهية.
جل ما تفعله السلطة الرابعة هو خلق المزيد من النائمين والمشتتين، المعطلة بصيرتهم، المشوشة أفكارهم، المغلوطة رؤيتهم
يخلقون عالمًا مبنيًا على وهم الامتلاك، بينما أغلب ما يملكه الأفراد مرهون لدى البنوك، أموال لا يملكونها من الأساس. نظام اقتصادي يعمل بطريقة المقامرة، قادر على سرقة أموال الأفراد بين ليلة وضحاها دون تبرير ودون تعويض.
إريك هوفر: “الفكر الذي يأمر الناس بالصبر على الظلم دون رفضه، والقناعة بالفقر دون مكافحته، والرضا بالواقع دون محاولة تغييره، هو أفيون الشعوب”.
هنا يأتي دور رجال الدين، ودعاة الرعب، والمؤسسات الدينية التي طالما كانت جزءًا أساسيًا ومهمّا من النظام المشيّد، لبث خطابات قائمة على الاستكانة والقبول بواقع مظلم، وإيهام البشر بالجائزة الكبرى بسبب صبرهم على معاناتهم. والحقيقة أن الكون لا يكافئ أحدًا على معاناته، إن نتيجة المعاناة هي فقط معاناة. الإنسان عليه كسر الحلقات والظلمات وتغيير واقعه، لن تأتي كائنات فضائية أو وهمية لإنقاذ الإنسان من واقعه المشرذم، وخطابات قائمة على الكره والبغضاء وتعزيز الظلمات، وتغذية الصراعات والحروب، وتعزيز مجتمعات مُدمّرة، ودول أضحت ركاما منكوبا، ليتم أسر الأفراد في حلقات لعينة يبدو الهروب منها أشبه بمعجزة.
اقتصاديًا، يجب فرض الضرائب على “أصحاب الدخل العالي” و”أصحاب الثروات”، ورفع الضرائب عن الفئات متوسطة أو قليلة الدخل. دخل الأفراد من المفترض أن يتوازن ويتماشى مع تكلفة المعيشة. أما أساسيات العيش فيجب أن توفرها الحكومات للأفراد بشكل مجاني أو شبه مجاني. في دولة منطقية يجب أن تعمل الحكومات لخدمة الأفراد وليس لاستعبادهم واستنزافهم. أما من يتم وضعه في مناصب اتخاذ القرار ومناصب عليا في مفاصل الدول والشركات هم موظفون وفقط، يجب أن تكون هناك رقابة على عملهم ومحاسبة. إن المناصب مسؤولية وليست فرصة لجمع الغنائم. المسؤول يجب ألاّ تتعاظم ثروته خلال فترة عمله. بالمقابل الأفراد الذين يشغلون وظائف بسيطة يجب ألاّ يكون دخلهم “فتات الفتات”، ويجب ألاّ يتم استعبادهم ونسف حقوقهم تمامًا، وألاّ يتم التعامل معهم وكأنهم أدوات أو أشياء. من الضروري البدء بردم الفجوة التي أصبحت بحجم “ثقب فضائي أسود” بين الأقلية التي تملك والغالبية التي تحاول الصمود في الحياة.
فكريًا، فيجب البدء بإسكات أصوات دعاة الرعب والتجهيل. المؤسسات الدينية دورها تربوي فكري قيمي في المجتمعات، ويجب أن تحتفظ بدورها هذا بالحفاظ على الجانب الروحي للإنسان وتقويمه والمساعدة في برمجة عقول الأفراد في المجتمعات على الرحمة والتقبل والاستقبال والحب والود.
جلال الدين الرومي: “غاية التديّن؛ السيطرة على النفس لا على الآخرين”.