الأربعاء، 16 مايو 2018

رقمنة الإقتصاد العالمي*********

يتجه العالم اليوم نحو اقتصاد لا ملموس، إذ قد تختفي العملة النقدية من أيدي المستهلكين في المستقبل، لتحلَّ مكانها (بطاقة الصراف الآلي) الآخذة في الترسخ، والانتشار، أو العملة الرقمية مثل (بيتكوين، ليتكوين، بيتكاش).. وغيرها المئات من النقود الرقمية.
وفي ضوء ذلك، لم يعد المرء اليوم بحاجةٍ إلى مراجعة البنك، ولا الذهاب إلى شركة الكهرباء والمياه، بعد أن حلَّت الآلات والتطبيقات المتوافرة والمنتشرة مسألة التعاملات المالية، من سحب وإيداع، وما يصاحبُ ذلك من سداد فواتير، والتدقيق في معدل الاستهلاك، وما يترتب عليه من تكاليف.
أصبحت (الحلول الرقمية) تدفع الرأسمالية نحو الانعزال عن العنصر البشري شيئاً فشيئاً، والاستغناء عن خدمات الإنسان الوظيفية، لنكون أمام مصانعَ محوسبة، وآلات وأجهزة يمكن إدارتها من خلال عدد قليل من الموظفين.

 يحمل المستقبل الرقمي لفئات مجتمعية خطر تلاشي بعض الوظائف، إذ قد تنتهي مهنة (مدرب القيادة)، و(السائق)، و(ساعي البريد)، مع ظهور السيارات ذاتية القيادة، يُضاف إلى ذلك مهن أخرى عديدة مهددة.


لم تعد الصورة السابقة مجردَ فيلم سينمائي أنتجته (هوليوود) تتخيل فيه انقلاب (التكنولوجيا ضد الإنسان)؛ وإنما هي واقع لعالم يترسخ فيه دور الآلة، ليس في الاقتصاد وحسب، بل في مجالات مختلفة، بما في ذلك تقليص عدد الجنود، ضمن ما يعرف بـ(منظومات القتال المستقبلية).

ارتبط الاقتصاد منذ نشأته بحاجة الإنسان لسلعة معينة مقابل أن يعطي هو للآخر ما يحتاجه منه، فنشأ ما يعرف بنظام المقايضة، بدون التدخل في النشاطات الأخرى للإنسان. ومع التطور المدني، وظهور الدولة الحديثة نشأ النظام المالي، فصارت الأشياء تثمن بالنقود، بل صارت للنقود نفسها سوق موازية ومؤثرة لسوق السلع، فأصبحت هي في حد ذاتها سلعة، يمكن المتاجرة بها والمضاربة عليها.
وفي هذا الوقت المبكر لم يكن للاقتصاد -بهذا المعنى البسيط- تأثير كبير على مجريات السياسة، بل كانت السلطة أو القوة العسكرية هي المتحكمة في المشهد السياسي إلى حد بعيد. وتدلنا بعض روايات نجيب محفوظ على أن فتوات الحارة أو فتوات الحي (رمز القوة) هم المتحكمون والمسيطرون، وكان رجال الحكومات المتعاقبة يعتمدون عليهم كثيراً في التأثير على الجماهير.

وعندما بدأت فتنة المال تغزو الأسواق، وأصبح الاقتصاد عابراً للقارات وبدأت الشركات (المتعدية) الجنسية أو المتعددة الجنسية تظهر على الوجود، بدأنا نستشعر تأثير تلك الشركات على مسيرة السياسة العالمية. وأصبحت العملات الأجنبية الرئيسية (مثل الدولار واليورو والإسترليني) هي صاحبة التأثير الكبير وهي الغطاء الاقتصادي الحقيقي لمعظم الدول في العالم، بعد أن كان غطاء الذهب هو الغطاء الرئيسي. بل تغير مفهوم الاستعمار من استعمار الأرض، إلى استعمار الاقتصاد، فما يهمني من تلك الدولة التي أريد أن أستعمرها ليس أرضها، ولكن السيطرة على مواردها الاقتصادية، وبخاصة البترول الذي شعر العالم بقيمته الكبرى بعد أن قطعت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية البترول عن الغرب إبان حرب السادس من أكتوبر 1973.

هنا شعر الغرب كيف يمكن أن يتحكم الاقتصاد في حياة الشعوب، فبدأ الساسة يخططون للتحكم في الاقتصاد، ونجد أحد الساسة الكبار مثل هنرى كيسنجر يتحدث عن خطورة الاقتصاد، والبترول على وجه التحديد، في إدارة شؤون العالم.
++++++++++++++++
بعدها مباشرة بدأت التحولات الكبرى وبدأت المشروعات العملاقة تخرج إلى الوجود بالكيفية التي نراها الآن. وأتاح انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه الفرصة أمام الاقتصاد الغربي -الأمريكي تحديداً- أن ينمو ويتغلغل في كل دول العالم، ولم تقف الصين واليابان موقف المتفرج، فحاولتا المشاركة أيضاً، لخلق أسواق جديدة، ولكن نلاحظ أن موقف الصين واليابان لم يكن موقفاً استعمارياً، على عكس الموقف الأمريكي الذي يجنّد السياسة لخدمة الاقتصاد وخدمة حيتان العالم المتمثلة في الشركات المتعدية الجنسية.
وانتقلت لعبة الاقتصاد وتحكمه في الشأن السياسي إلى دول العالم الثالث، فرأينا رجال الأعمال أو رجال الاقتصاد يسيطرون ويتحكمون ويُنتخبون في مجالس النواب أو مجالس الأمة أو مجالس الشعب، وبعضهم وصل إلى منصب الوزير فصار يروج لشركاته ويتعامل معها، بل يجبر الآخرين على التعامل معها، من خلال منصبه السياسي كوزير لوزارة معينة. فاختلط الحابل بالنابل، وأصبح في بعض الأحيان أو في بعض الوقائع هذا الوزير خصماً وحكماً في الوقت نفسه، وهناك أمثلة كثيرة على هذا المشهد، ومن هنا كثر الفساد وانتشر في البر والبحر.
ولعلنا نرى أيضاً في الغرب كيف يتحكم المال في الوصول إلى رئاسة الدولة أو الولاية، بل إن المال والرشاوى المالية دخلت ميادين أخرى غير سياسية مثل الميادين الرياضية، فأصبح اللاعبون مجرد سلعة يتم تداولها بين الأندية بحجة الاحتراف الرياضي، وقد قرأنا عن فساد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وكيف يُحاكم رئيسه السابق بتهمة الرشوة والفساد، بل إننا أيضاً نجد أن المال يتحكم حتى في الاختيارات الفنية في المجال السينمائي والإعلامي، فهناك أعلاميون سريعو الاستجابة لإغراءات المال، وأصبحت إمبراطورية المال لها إمبراطورية إعلامية تساندها وتروج لها. حتى في مجال الفنون التشكيلية وجدنا أن هناك لوحات فنية تُباع في المزادات العالمية بملايين الدولارات، الأمر الذي دعا البعض إلى تشكيل عصابات لسرقة بعض اللوحات، كما حدث بشأن سرقة لوحة (زهرة الخشخاش) للفنان الهولندي فان جوخ، من متحف محمود خليل في مصر عام 2010، ولم نعرف حتى الآن كيف سُرقت اللوحة وبكم بيعت ولصالح من؟
الآن يتحول الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد رقمي، وقد منعت مصر مؤخراً التعامل بالشيكات الورقية، ما يدل على قوة الاقتصاد الرقمي، وهناك شركات كثيرة ووزارات ومصالح حكومية، لا تدفع مرتبات موظفيها والعاملين فيها نقداً ولكن بتحويلات على حساباتهم في البنوك، وهم يتعاملون من خلال البطاقات الذكية مثل (كي نت) مع المتاجر أو المولات أو حتى الجهات الحكومية الأخرى، وعلى سبيل المثال فقد قمت بتسديد غرامات مرورية على سيارتي عن طريق موقع وزارة الداخلية عندما كنت أعمل بالكويت وأنا جالس في منزلي أو في مكتبي. 
وقد انتشر في مصر الآن الدفع عن طريق نظام (فوري) لفواتير الكهرباء والغاز والمياه، بل التبرع لجهات معينة مثل المستشفيات أو المدارس وغيرها من أنشطة.
وليس هناك شك أننا قادمون بقوة إلى عصر الاقتصاد الرقمي، الذي ربما يقلل من نسبة الفساد والرشاوى بطريقة أو بأخرى، وإذا كان المثل السائر يقول (المال السايب يعلم السرقة) فإننا مع المال الرقمي ربما نستطيع استبدال هذا المثل بقولنا (المال الرقمي يعلم الحكمة)، لأنه من السهولة بمكان تتبع طريقة إنفاق المال بطرق إلكترونية معينة، ولن يصبح مع الفرد أموال سائلة في جيبه، وبالتالي سوف يتعلم حكمة إنفاق هذا المال في قنوات صحيحة، ولكن سوف تظهر بل ظهرت بالفعل جرائم مالية إلكترونية، مثل القرصنة المالية من خلال تزوير التوقيع وشفط المال من مكمنه البنكي، وغير ذلك من آثار سوف تحتاج إلى تشريعات جديدة وقوانين مواكبة للتقدم التقني، فالإنسان هو الإنسان بنفسه الأمارة بالسوء وشهوته إلى الثراء السريع عن طريق الكسب غير المشروع، سواء أكان يعيش في عصر مقايضة السلعة بالسلعة، أم في عصر الاقتصاد الرقمي.

**********************************
هل بوسع اقتصاد العرب الصمود أمام التحديات الرقمية 

تتطلب التحول نحو البنوك المحمولة
علـــــى غرار الهواتف الخلوية، لكن جهود مواكبة الرقمنة تصطدم بتحديات
اجتماعية أبرزها انتشـــــار الفقر والأمية في المنطقة وأيضا لصعوبة إقناع
الحرفاء بالتخلي عن مصارفهم التقليدية التي يرونها أكثر أمنا



حينهـــا ســـيكون عليـــه الامتثـــال
لقائمة طويلة من القواعـــد المالية والأطر
التنظيميـــة، والالتـــزام بعـــدد كبيـــر من
الشـــروط والأحكام التي يطبقها المصرف
الذي لديه حساب فيه، أو مكتب الحوالات
الماليـــة الـــذي يتعامـــل معه فـــي مدينته
بالإضافـــة إلى سلســـلة من التشـــريعات
والقواعـــد والقوانـــين الماليـــة المحليـــة
والدوليـــة التي تلتـــزم بها الدولـــة التي
يرســـل الأموال منها، وتلك التي ســـتحط
حوالته المالية فيها.
لكن مع اكتشـــاف الرقمنـــة وما تقدمه
مـــن خدمات ســـريعة حيث تتيـــح إنجاز
الأعمال المتعلقة بالحســـابات البنكية عن
طريـــق الاتصال بشـــبكة الإنترنت من أي
مكان تتواجد فيه وفي أي وقت، ســـينهار
بلا شك ولاء الشـــخص لمصرفه التقليدي
بسرعة



استخدام التطبيقات البنكية
صارت مهمة اليوم بالنسبة لـ 67بالمئة من
الحرفاء عند اختيـــار بنكهم. وكانت تبلغ
النســـبة قبل عام 57بالمئ
فيما تراجعت
عوامل أخرى من حيث الأهمية بالنســـبة
للحرفـــاء، مثل توفـــر الكثير مـــن الفروع
للبنك وســـرعة الوصول إليها ) 57بالمئة(،
أو أن يكون البنك علامة تجارية مشهورة
) 56بالمئة



الاعتماد علـــى الخدمات

الرقميـــة تتزايـــد حـــدة المنافســـة بـــين
الكثيـــر من المؤسســـات المالية في الغرب،
وبالنســـبة للمنطقة العربيـــة فإنه يفرض
تحديـــات جديدة على اقتصادها وتحديدا
قطـــاع البنـــوك المطالب بمواكبـــة الثورة
التكنولوجيـــة في عالم المـــال والاقتصاد
بجدية 


اندماج رقمي
يجمـــع خبـــراء المـــال والمصـــارف أن
الرقمنة أصبحت مسارا
إجباريـــا وليـــس
توجها اختياريا،
حيث من شـــأن هذا
التحـــول الرقمي
المســـاعدة فـــي
إحـــداث تغييرات
إيجابيـــة عميقـــة
في تنظيـــم وتشـــكيل الاقتصـــاد العربي
والإقليمي والعالمي وتحفيزه نحو التطور
والمســـاعدة على إنجاز المهـــام بأقل وقت
ومجهود ممكن



ومـــن الخدمات التـــي تقدمها البنوك
الرقمية الاشتراك في الخدمات المصرفية،
مثـــل خدمـــات الأهلـــي نت، وتســـمح
للمواطن بالقيام بجميع حركات السحب
والإيـــداع بـــين حســـاباته المصرفية من
خلال الكمبيوتر الشـــخصي في أي مكان
في العالم



وطرح البنك الأهلي وعدد من البنوك
المحليـــة خدمة فـــون كاشومن خلالها
يتمكـــن المواطن من دفـــع جميع الفواتير
والقيام بالتحويـــلات النقدية عبر جهاز
الهاتـــف الخلـــوي، دون الحاجـــة لحمل
الأموال النقدية



ويصل عدد ماكينـــات الصراف الآلي
لنحـــو 9000ماكينة، أمـــا عدد نقاط البيع
التي تستخدم البطاقات الإلكترونية فهو
64.3ألف نقطة بيع، ويبلغ حجم بطاقات
الائتمـــان نحـــو 3.8مليـــون بطاقة وعدد
بطاقات الخصم نحو 13.2مليون بطاقة



تراجع الثقافة المصرفية
وارتفـــاع معدلات الفقر والأمية، وبالتالي
فالبنوك الرقمية لا تخدم إلا الأغنياء فقط.
وتشـــير تقارير الجهاز المركـــزي للتعبئة
العامـــة والإحصـــاء )حكومـــي( إلـــى أن
معـــدلات الأمية فـــي مصر تصـــل لـ29.7
بالمئـــة، بما يعنـــي أن نحـــو 27.6مليون
مواطـــن لا يجيـــدون القـــراءة والكتابة،
الأمـــر الذي يحد توســـع منظومة البنوك
الرقميـــة، لأن انتشـــار الأميـــة وضعـــف
بنية الاتصـــالات تحديان أمـــام القاهرة
لدخـــول عصر الشـــمول المالـــي، وتقليل
التعامل بالســـيولة النقدية في الأسواق
ورفـــع كفاءة حركـــة الأمـــوال بالمنظومة
الاقتصادية بالبلاد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق