الأربعاء، 27 مارس 2019

الرحمة.. المفهوم الذى ضيّعه المفسرون والفقهاء

درَج مؤلّفو كتب الفِرَق والمِلَل والنِّحَل، على اختلاف معارفهم ومذاهبهم وأيديولوجياتهم، على استفتاح كتبهم بحديث غدَا مشهورًا حتى بين العوام، وهو ذلك الحديث الموسوم بحديث الفرقة الناجية

فهو ليس إلهًا لغيرها، ولا يمنح مَن سواهم حق النجاة مطلقًا،
لهٌ قومى، طائفى، مذهبى، وليس إلهًا للعالمين!

 عبد الجبار الرفاعى، فى كتابه المهم «الدين والاغتراب الميتافيزيقى»، يده على هذ الأمر، فيرصد فى الفصل الأول منه مفهوم الرحمة، ومدى انحساره وتهميشه على يد المفسرين 
والفقهاء والمتكلمين،

نبنىَ «علم كلام جديد»، يتيح للمسلم الاحتفاظَ بإيمانه من جهة، ويُمكّنه من العيش فى عالم يسوده التنوع والاختلاف من جهة أخرى، ولا سيما أن علم الكلام الإسلامى، منذ قرون، يرزح تحت نِير المنطق الأرسطى الصورى الذى لا يعترف بنسبية المعرفة، كما يقرّر أننا بجاجة ماسّة إلى منهج بديل وجديد لفهم القرآن، بحيث نحرّره من «أسوار الأفق التاريخى التكرارى المغلَق للمفسرين»، وهو ذلك الأفق الذى قضى تمامًا على إدراكنا لأى معانٍ جديدة للنص القرآنى، خصوصًا ما يتعلق بمعانى الرحمة والأخلاق، فالمسلم اليوم أسيرٌ لدى تراث السابقين، «ضائع فى كهوف التراث، التى لا تقوده إلا إلى مزيد من الضياع»، على حدّ تعبير الرفاعى.

افتتاحَ كلِّ سورة بالبسملة يعنى أن الرحمةَ الناطقةَ بها البسملةُ مهيمنةٌ على المدلول العام للسورة، وحاكيةٌ عن أغراضها، فإن كان مضمونُ السورة أخلاقيًّا فإنه يكون متقوّمًا بالرحمة، وهكذا لو كان المضمونُ عقائديًّا أو تشريعيًّا يكون متقوّمًا بالرحمة أيضًا، فتقديمُ نصّ كلِّ سورة بما تشتمل عليه البسملةُ من رحمةٍ يشى بأن المضامينَ المسوقةَ فى آياتِ القرآن كافةً تتحدّث لغةَ البسملة».

السائد حتى الآن أن آية «لا إكراه فى الدين»، وما يماثلها فى القرآن من آيات حرية الاعتقاد، منسوخة عند جمهرة المفسرين والفقهاء والمحدّثين، لا لشىء سوى لأنهم يتكئون على حديث الفرقة الناجية، كأنه قطعة من القرآن الكريم!

من المؤسف أن أدبياتِ الجماعات الدينية تتحدّث عن الديمقراطيةِ وحرياتِ الإنسان وحقوقِه بأسلوب تلفيقى ذرائعى، فهى من جهة تدعو لدولةٍ مدنية حديثة، وتصوّت على دستورٍ يكفل المساواةَ بين المواطنين، ويمنحهم حريةَ الاعتقادِ والتعبيرِ عن معتقداتهم، لكنها من جهة أخرى تتبنّى ما ورد فى المدونة الكلامية والفقهية، ومقولاتِها التى تشدّد على انحصارية عقائدية، من دون أن تتدبّر التناشزَ الصريحَ بين المبادئ الدستورية للدولة المدنية الحديثة وما تتشبّث به من مقولات صراطية تحصر المعتقدَ بلون واحد تفرضه على الكلّ، بل تتهم أيةَ محاولة لاستئناف النظر فى المدونة الموروثة بالعداء لتراثِ الأمة ودينِها وقيمِها».

 فالمتصوفة يؤمنون بتنوّع طرق الوصول إلى الله، الأمر الذى يؤسّس لحق الاختلاف فى المعتقَد، وهذا هو أساس التعددية الدينية والعيش المشترَك بين الناس على اختلافهم فى ما بينهم، ولا أدلّ على ذلك من أن علَمًا صوفيًّا كبيرًا مثل محيى الدين بن عربى كان يستهجن تكفير الناس بعضهم بعضًا، فهو يقول فى (الفتوحات المكية): إن التكفير «ردّ على كتاب الله، وتحجير على رحمة الله أن تنال بعض عباد الله».

***********************************
ادعاءات صريحة تؤكد امتلاك الحقيقة المطلقة على نحو احتكاري؛ يقضي ـ بالضرورة ـ على الآخرين بالزيغ والضلال؛ بل وبالهلاك في عالمي: الغيب والشهادة

ينص الحديث المنسوب للرسول الأعظم/ محمد ـ ص ـ على أن أمته/ المسلمين ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة،


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق