المعتزلة - مثلاً - في الفلسفة الإسلاميّة تفسير سبب خلق الله تعالى للحيوانات الضّارّة، وأقرّوا أنّ لكلّ ما خلقه الله حكمة وإن لم تنفذ إليها عقولنا البشريّة المحدودة. وتساءل نيتشه - حديثا - في كتابه: «ما وراء الخير والشّر»- عن مفهومي الخير والشّرّ وكيفيّة تشكّلهما في الوجود.
فكلّ ما هو إيجابيّ من منظور شخص مّا (أو جماعة مّا) هو بالضّرورة سلبيّ من منظور شخص آخر أو جماعة آخرين. وبعبارة أخرى، فإنّ الحكم بالخير والشّرّ على المواضيع جميعها نسبيّ يختلف وفق وجهة نظر الحاكم أو القائم بالحكم من حيث ما يحمله من انتماء ثقافيّ واجتماعيّ ودينيّ إلخ...
مسلما معتدلا يعتبر أنّ اغتصاب النّساء في الحروب شرّ وقد تجد «مسلما داعشيّا» يعتبر أنّ اغتصاب النّساء في الحروب هو السّبي الّذي تبيحه بعض آيات القرآن حتّى بالنّسبة إلى النّساء المتزوّجات وفق بعض المفسّرين القدامى، ومن ثمّ فإنّ هذا المسلم يعتبر أنّ ما يسمّيه البعض اغتصابا هو خير
كلّ الحروب والصّراعات في التّاريخ منطلقها هذا الحكم النّسبيّ على الخير والشّرّ.
والمحرقة اليهوديّة شرّ من منظور ضحاياها ولكنّها خير من منظور النّازيّين الّذين كانوا يمارسونها. وقتْل عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهما، هو خير من منظور القائمين بالقتل ولكنّه شرّ من منظور مساندي عثمان بن عفّان أو عليّ بن أبي طالب، وهو شرّ من منظور المؤمنين بأنّ من قتل نفسا فكأنّما قتل النّاس جميعا إلخ...
وإذا ما غضضنا الطّرف جدلا عن المعتقدات والثّقافات الجماعيّة، فإنّنا سنجد أنّ الحكم بالخير والشّرّ على ما هو كائن هو أيضا حكم نسبيٌّ أيضا وفق الأفراد في ذاتهم. بل لعلّنا نجرؤ على الإقرار بأنّه من هذا المنظور النّسبيّ فإنّ كلّ «خير» لشخص هو بشكل من الأشكال «شرّ» لآخر وأنّ كلّ «شرّ» لشخص هو «خير» لآخر.
نجاح الفرد الواحد هو شرّ بالنّسبة إلى الآخرين وهو خير بالنّسبة إليه. وضمن مجال آخر، فإنّ مرض بعض النّاس هو شرّ بالنّسبة إليهم لكنّه خير بالنّسبة إلى الأطبّاء الّذين لا يمكن أن يستقيم معاشهم إلاّ بمرض الآخرين.
فالفيروس الّذي ينشئ المرض خيره في بقائه في جسم المريض، وفي مقابل ذلك فإنّ في خير المريض بالشّفاء قضاء على الفيروس، ومن ثمّ شرّا لهذا الفيروس.
«مصائب قوم عند قوم فوائد ليس إلاّ تأكيدا لنسبيّة الخير والشّرّ إن من المنظور الجماعيّ أو من المنظور الفرديّ.
فلولا وجود اللّون الأسود لما تبيّنّا اللّون الأبيض، ولولا وجود المرض لما شعرنا بنعمة الصّحّة، ولولا وجود مفهوم الشّرّ لما أمكن الحديث عن مفهوم الخير.
كيف سيكون في مقدور الإنسان أن يتمتّع بالرّاحة وهو الّذي لا يعرف سواها؟ إنّ التّمتّع بالرّاحة وتذوّق حلاوتها مستحيلان إذا لم يكن الإنسان يعرف معنى العذاب.
ويمكن أن نضرب مثالا ثانيا: إذا افترضنا عالما هو ظاهريّا «خير مطلق» تتحقّق فيه كلّ رغبات الإنسان ما أن يفكّر فيها، فإنّ ذلك العالم نفسه سيقتل في المرء مفهوم الشّوق أو الرّغبة. وهذا ما توضّحه الحكاية التّالية الّتي تنقلها كتب الحكمة القديمة إذ يحكى أنّ رجلا توفّي فوجد نفسه في دار رائعة الجمال هندسة ومعمارا وأثاثا. وجاءه كائن قدّم له نفسه على أنّه ملاك وطلب منه أن يتمنّى ما يشاء. فطلب الرّجل زوجة حسناء خلقا وخُلقا، وكان له ما أراد. ثمّ طلب الرّجل طعاما شهيّا فجيء له بطعام يفوق ما صوّره له خياله لذّة. ثمّ طلب الرّجل جواهر نفيسة وألبسة فاخرة. فتحقّق طلبه في لحظة. وتواصلت رغباته يُستجاب لها ما أن يعبّر عنها بل قبل أن يعبّر عنها، وما أن تخطر بباله أحيانا. وبعد مدّة، شعر ذلك الرّجل بالسّأم والملل. فنادى الملاك الّذي يحقّق له رغباته، وقال له: لقد مللت. ما كنت أتصوّر أنّ الجنّة مملّة إلى هذا الحدّ. فنظر إليه الملاك نظرة عميقة وقال له: الجنّة؟ من قال لك إنّك في الجنّة. هذا هو الجحيم يا سيّدي، وأنت فيه.
إنّ الجحيم وفق هذه الحكاية هو أن لا يكون للشّيء نقيض ممكن، ومن هنا يفقد كلّ شيء قيمته ويغدو خلوا من أيّ دلالة إيجابيّة بسبب غياب الدّلالة السّلبيّة. وهذا يثبت أنّ المقولة الشّائعة: «بضدّها تتميّز الأشياء»، ليست مجرّد تراث فكريّ متناقل عن الأجداد، وإنّما هي تحمل حكمة عميقة لا ينفذ إليها المتسرّع والعَجِل. ذلك أنّ كلّ موضوع في الكون لا يمكن أن يوجد إلاّ بوجود ضدّه. وربّما يمكن أن نفهم في هذا المقام قول الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ» (يس 36) (2).
فكلّ شيء لا يمكن أن يثبت وجوده إلاّ بوجود ضدّه.
الخطأ طريق إلى الصّواب
المتأمّل في تاريخ العلوم يجد أنّ تطوّر العلم قائم على سلسلة من الأخطاء.
المتأمّل في تاريخ العلوم يجد أنّ تطوّر العلم قائم على سلسلة من الأخطاء.
يقوم البحث العلميّ في مراحله الكلاسيكيّة على الملاحظة فالافتراض فالتّجربة فالنّتيجة. والتّجربة قد تنفي الفرضيّة مرّات كثيرة، وكلّما نُفيت الفرضيّة بالتّجربة، كان ذلك إقرارا بخطإ، ولكنّه الخطأ الّذي يتقدّم بالتّجربة الموالية على أساس أنّ تضييق احتمال الفشل يرفع احتمال النّجاح.
تاريخ العلم لا يعدو أن يكون تاريخ الأخطاء. فالفيزياء الكوانطيّة مثلا تجاوز لفيزياء النّسبيّة وفيزياء النّسبيّة تجاوز للفيزياء النّيوتنيّة إلخ. وكم شخص عبر التّاريخ توفّي نتيجة الأوبئة والأمراض المستعصية حتّى تمكّن الأطبّاء من إيجاد أدوية وأمصال واقية ساهمت في وضع صحّي أفضل للبشر.
ومن هنا نتبيّن أنّ الخطأ الّذي يُصنّف مبدئيّا ضمن السّلبيّ (أو ضمن الشّرّ فلسفيّا) لازم لتقدّم العلم. ولذلك نجد غاستون باشلار يقول: «الحقيقة هي كذبة تمّ إصلاحها»، ونجد طاغور يقول: «الأخطاء في تاريخ العلوم هي الّتي بها يتقدّم العلم، ومع ذلك، فإنّه لا وجود لمن يرى أن هدف العلم هو نشر الأخطاء».
وما ينطبق على العلم فيزياء والطب وسواهما يمكن أن ينطبق أيضا على حياة الأفراد. فنحن نتعلّم الحياة من الصّغر انطلاقا من تتالي الأخطاء. ويمكن أن نعوّض عبارة «تتالي الأخطاء» بعبارة التّجارب
وأليست مختلف «السّلبيّات» الّتي تمرّ بنا في حياتنا هي الّتي تجعل اكتساب الحكمة متّصلا بالتّقدّم في السّنّ أي نظريّا على الأقلّ بعدد التّجارب الّتي مررنا بها في حياتنا. ولعلّ هذه القراءة نفسها قابلة لأن تشمل تجربة إبراهيم عليه السّلام في بحثه عن الله تعالى. فقد تصوّر بدءا أنّ الكوكب هو ربّه، ثمّ تصوّر أنّ القمر هو ربّه، ثمّ تصوّر أنّ الشّمس هي ربّه. وهذه التّجارب هي الّتي فتحت الباب لإبراهيم عليه السّلام حتّى يتبيّن أنّ الكوكب والشّمس والقمر كلّها آفلة، وحتّى يحوّل وجهه لعبادة من فطر السّماوات والأرض حنيفا (3).
الألم طريق إلى النّجاح
كثيرة هي الكتابات الّتي تعرض لدور الآلام والجراح في نجاح العظماء وفي بروز العباقرة. والميثولوجيا تعجّ بالصّعوبات الّتي مرّ بها أبطال الأساطير حتّى يبلغوا ما بلغوه من شأو ومكانة مرموقة
كثيرة هي الكتابات الّتي تعرض لدور الآلام والجراح في نجاح العظماء وفي بروز العباقرة. والميثولوجيا تعجّ بالصّعوبات الّتي مرّ بها أبطال الأساطير حتّى يبلغوا ما بلغوه من شأو ومكانة مرموقة
وليس الأنبياء بصفتهم المصطفون بمعزل عن الآلام والصّعوبات ممّا يمكن أن يُتصوّر للوهلة الأولى أنّه شرّ، ولكنّها في واقع الأمر آلام كانت طريقا إلى النّجاح. فيوسف عليه السّلام مثلا عانى ظلم إخوته وافتراء امرأة العزيز وتجربة السّجن. ولكن لولا تجربة السّجن تلك وما حفّ بها من تأويل للرّؤى لما تحقّقت رؤيا يوسف بفوزه بحكم مصر: «وإذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» (يوسف 12، 4) (4). ويمكن أن نذكر عذابات الرّسول محمّد عليه الصّلاة والسّلام في مكّة في أوّل الدّعوة، ولكن لولا هذه العذابات لما فكّر الرّسول في الهجرة إلى المدينة ولما عاد بعد ذلك ظافرا ليفتح مكّة ولينتشر الدّين الجديد في كلّ أصقاع العالم.
الأثر أو الدّور الزّمانيّ للشّرّ
الأثر أو الدّور الزّمانيّ للشّرّ
استمرار الحياة
إن وجود الشّر والخير معا هو سبيل استمرار الحياة. لو سلّمنا بما يقرّ به المخيال العامّ من أنّ الحياة خير والموت شرّ. ولو تصوّرنا عالما لا يموت فيه أحد، لا البشر ولا الحيوان ولا النّبات، فكيف سيكون شكل هذا العالم؟ ألن تغصّ الأرض، وربّما الكواكب الأخرى، بالكائنات؟ ألن يتهجّم النّاس بعضهم على بعض حتّى يجدوا إلى البقاء سبيلا؟ أليس الموت الّذي يعدّه البعض شرّا هو السّبيل الوحيد إلى استمرار الحياة؟
لقد حاول هذا المقال أن يفسّر أسباب وجود الشّرّ ممّا تساءل عنه كثيرون. وحاول أن يبيّن أنّ الشرّ والخير نسبيّان وأنّ وجودهما معا ضروريّ أنطولوجيّا ووظيفيّا. إنّ الخير والشّرّ هما أيضا من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة. وليس من الصّدفة أن يكون كلّ شيء في الكون منشطرا قائما على زوجيّة ممكنة (أبيض/ أسود، طويل/ قصير، ليل/ نهار، خير/ شرّ...)، ولا يخرج عن هذا الخضوع للزّوجيّ إلاّ الموضع الّذي منه تنبثق هذه الأزواج كلّها أي موضع الأصل الواحد. إنّ هذا الموضع هو الوحيد الّذي لا يمكن أن يكون زوجا لأنّه نبع الأزواج المتنوّعة المختلفة. وهذا الموضع هو ما نسمّيه الله الواحد الأحد.
سُنّة الله في خَلقِه
الخير والشّرّ هما أيضاً من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود، ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة.
إن وجود الشّر والخير معا هو سبيل استمرار الحياة. لو سلّمنا بما يقرّ به المخيال العامّ من أنّ الحياة خير والموت شرّ. ولو تصوّرنا عالما لا يموت فيه أحد، لا البشر ولا الحيوان ولا النّبات، فكيف سيكون شكل هذا العالم؟ ألن تغصّ الأرض، وربّما الكواكب الأخرى، بالكائنات؟ ألن يتهجّم النّاس بعضهم على بعض حتّى يجدوا إلى البقاء سبيلا؟ أليس الموت الّذي يعدّه البعض شرّا هو السّبيل الوحيد إلى استمرار الحياة؟
لقد حاول هذا المقال أن يفسّر أسباب وجود الشّرّ ممّا تساءل عنه كثيرون. وحاول أن يبيّن أنّ الشرّ والخير نسبيّان وأنّ وجودهما معا ضروريّ أنطولوجيّا ووظيفيّا. إنّ الخير والشّرّ هما أيضا من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة. وليس من الصّدفة أن يكون كلّ شيء في الكون منشطرا قائما على زوجيّة ممكنة (أبيض/ أسود، طويل/ قصير، ليل/ نهار، خير/ شرّ...)، ولا يخرج عن هذا الخضوع للزّوجيّ إلاّ الموضع الّذي منه تنبثق هذه الأزواج كلّها أي موضع الأصل الواحد. إنّ هذا الموضع هو الوحيد الّذي لا يمكن أن يكون زوجا لأنّه نبع الأزواج المتنوّعة المختلفة. وهذا الموضع هو ما نسمّيه الله الواحد الأحد.
سُنّة الله في خَلقِه
الخير والشّرّ هما أيضاً من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود، ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة.
+++++++++++++
فيلسوف يذهب في رحلة مجنونة لنيل مليون دولار «كرافت» رواية تعيد طرح سؤال: لماذا يوجد الشر في العالم؟
أثبتت عدة تجارب روائيـــــة على غرار ميـــــلان كونديرا قدرة هذا الجنس الأدبي على طرح أعمق وأصعب الأســـــئلة الفلسفي
لمحـــور الرواية الذي هو الذات الإلهية، والكـــون، والخيـــر والشـــر عن طريق الدراسة والبحث وليس عن طريق الاقتناع الفطري.
يحصل صاحـــب أفضل إجابة -فـــي هذه الحالة إجابة متفائلة- عن ســـؤال المسابقة على مبلغ مليون دولار. جاء ســـؤال المسابقة كالآتي ‘لماذا كل شيء على ما ُيرام، وعلى الرغم من هذا يمكـــن جعله أفضل؟‘. هذا الســـؤال في الأساس ليس سوى صياغة حديثة لسؤال ‘الثيوديسيا‘ القديم: لماذا يسمح الإله بوجود الشر في العالم، على الرغـــم من أن قدرته ورحمته وســـعتا كل شـــيء؟ هذا الســـؤال الديني الفلســـفي القـــديم كان ً دائمـــا يتعلـــق بالتفـــاؤل والتشاؤم. وقـــد قـــام الفيلســـوف الألمانـــي لايبنتس فـــي بداية القرن الثامن عشـــر بصياغـــة إجابته الشـــهيرة عن ســـؤال ‘الثيوديســـيا‘. جـــاءت إجابتـــه كالآتـــي ‘إن صفـــة الكمـــال لا يمكـــن أن تنطبـــق ســـوى على الإله وحـــده‘. وبالتالي فإن العالـــم الـــذي نعيـــش فيـــه هـــو أفضل العوالـــم الممكنـــة على الرغـــم من وجود الشر”.
‘فولتير’ روايـــة ‘كانديد’ التي جاءت في شـــكل نقد متشـــائم وســـاخر لتفـــاؤل ‘لايبنتس’. هذا الصراع نفســـه بـــين التفاؤل والتشـــاؤم يظهر من جديد في روايتي ‘كرافت'”. ولفـــت الكاتب إلـــى أن الرواية أيضا تصحـــب القـــارئ “في رحلة إلـــى ألمانيا التي قســـمها ‘ســـور برلين’ إلـــى دولتين في فترة الثمانينـــات. حيث نلتقي هناك بـ’كرافت’ في مرحلة الشباب. كان ‘كرافت’ يدرس آنذاك في برلـــين الغربية ِّ ويكرس اهتمامه للسياسة الاقتصادية الليبرالية للرئيس الأمريكي ‘رونالدريجان’ ورئيسة وزراء بريطانيـــا ‘مارجريـــت تاتشـــر’. راقـــب ‘كرافـــت’ بحمـــاس فكـــرة الدولة ذات المؤسســـات القويـــة التـــي ينبغـــي أن تضمـــن تحقيق العدالـــة الاجتماعية. وهي ُتستبدل بفكرة ترك تشكيل المجتمع لقوى الســـوق الحر والقطـــاع الخاص. هذا الصراع الأيديولوجي الذي يصطدم بـــه ً مجددا بعـــد ثلاثين ًعامـــا في ‘وادي السليكون’ “. وختم لوش “أصبح ‘كرافت’ ً شـــاهدا على سقوط ‘سور برلين’ عام 1989 وإعادة توحيد ألمانيا الشـــرقية وألمانيا الغربية وانهيار الاتحاد الســـوفيتي الشـــيوعي وإعـــلان الغـــرب الرأســـمالي انتصاره الســـاحق علـــى التاريخ. لكـــن كان على ‘كرافـــت’ أن يعـــرف أن الأمـــر ليس بهذه البساطة”.
فيلسوف يذهب في رحلة مجنونة لنيل مليون دولار «كرافت» رواية تعيد طرح سؤال: لماذا يوجد الشر في العالم؟
أثبتت عدة تجارب روائيـــــة على غرار ميـــــلان كونديرا قدرة هذا الجنس الأدبي على طرح أعمق وأصعب الأســـــئلة الفلسفي
لمحـــور الرواية الذي هو الذات الإلهية، والكـــون، والخيـــر والشـــر عن طريق الدراسة والبحث وليس عن طريق الاقتناع الفطري.
يحصل صاحـــب أفضل إجابة -فـــي هذه الحالة إجابة متفائلة- عن ســـؤال المسابقة على مبلغ مليون دولار. جاء ســـؤال المسابقة كالآتي ‘لماذا كل شيء على ما ُيرام، وعلى الرغم من هذا يمكـــن جعله أفضل؟‘. هذا الســـؤال في الأساس ليس سوى صياغة حديثة لسؤال ‘الثيوديسيا‘ القديم: لماذا يسمح الإله بوجود الشر في العالم، على الرغـــم من أن قدرته ورحمته وســـعتا كل شـــيء؟ هذا الســـؤال الديني الفلســـفي القـــديم كان ً دائمـــا يتعلـــق بالتفـــاؤل والتشاؤم. وقـــد قـــام الفيلســـوف الألمانـــي لايبنتس فـــي بداية القرن الثامن عشـــر بصياغـــة إجابته الشـــهيرة عن ســـؤال ‘الثيوديســـيا‘. جـــاءت إجابتـــه كالآتـــي ‘إن صفـــة الكمـــال لا يمكـــن أن تنطبـــق ســـوى على الإله وحـــده‘. وبالتالي فإن العالـــم الـــذي نعيـــش فيـــه هـــو أفضل العوالـــم الممكنـــة على الرغـــم من وجود الشر”.
‘فولتير’ روايـــة ‘كانديد’ التي جاءت في شـــكل نقد متشـــائم وســـاخر لتفـــاؤل ‘لايبنتس’. هذا الصراع نفســـه بـــين التفاؤل والتشـــاؤم يظهر من جديد في روايتي ‘كرافت'”. ولفـــت الكاتب إلـــى أن الرواية أيضا تصحـــب القـــارئ “في رحلة إلـــى ألمانيا التي قســـمها ‘ســـور برلين’ إلـــى دولتين في فترة الثمانينـــات. حيث نلتقي هناك بـ’كرافت’ في مرحلة الشباب. كان ‘كرافت’ يدرس آنذاك في برلـــين الغربية ِّ ويكرس اهتمامه للسياسة الاقتصادية الليبرالية للرئيس الأمريكي ‘رونالدريجان’ ورئيسة وزراء بريطانيـــا ‘مارجريـــت تاتشـــر’. راقـــب ‘كرافـــت’ بحمـــاس فكـــرة الدولة ذات المؤسســـات القويـــة التـــي ينبغـــي أن تضمـــن تحقيق العدالـــة الاجتماعية. وهي ُتستبدل بفكرة ترك تشكيل المجتمع لقوى الســـوق الحر والقطـــاع الخاص. هذا الصراع الأيديولوجي الذي يصطدم بـــه ً مجددا بعـــد ثلاثين ًعامـــا في ‘وادي السليكون’ “. وختم لوش “أصبح ‘كرافت’ ً شـــاهدا على سقوط ‘سور برلين’ عام 1989 وإعادة توحيد ألمانيا الشـــرقية وألمانيا الغربية وانهيار الاتحاد الســـوفيتي الشـــيوعي وإعـــلان الغـــرب الرأســـمالي انتصاره الســـاحق علـــى التاريخ. لكـــن كان على ‘كرافـــت’ أن يعـــرف أن الأمـــر ليس بهذه البساطة”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق