Mar 3, 2019 Oct 10, 2021 Feb 9, 2022
عندما نتوهم أن الحاضر هو واقع حقيقي مستمر و لا ندرك أنه يتحول إلى ماضي خلال
ثواني ويتجه نحو المستقبل باستمرار دون توقف ، ولا ندرك أن ذلك يحدث على الصعيد النفسي أو السيكولوجي والشعوري فهذا يؤشر إلى حالة من غياب الإدراك والفهم أو الوعي الصحيح
فلو دار المرء بسرعة حول نفسه وتوقف فجأة فسوف يشعر بدوخان ويتكون لديه انطباع أو شعور بأن العالم يدور من حوله ولكن ما تراه عينيه خاطيء فحركة العالم حول الجسم وهم بصري سببه دوران السائل في الأذن الداخلية ويمكن تطبيق ذلك على حالة إدراك التدفق الزمني.
فالذكريات الجديدة تضيف معلومة للمعلومة المخزونة عن طريق التراكم المعرفي والمعلوماتي ويزيد من مستوى الأنثروبي في الدماغ حينئذ نشعر بأننا ندرك هذا الاتجاه الأحادي كما لو إنه تدفق للزمن ومرور للوقت
الإلكترون الذي يصطدم بذرة يمكنه أن يقفز إلى أي موضع أوأي اتجاه، ومن المستحيل التنبوء بمكانه مسبقاً، و لا معرفة مآل هذا الحدث إلا من خلال الإحتمالية. فاللاحتمية الكمومية أو الكوانتية توحي بأنه في أية حالة كمومية أو كوانتية خاصة يوجد عدد لا محدود من الأزمنة المستقبلية البديلة أو عدة "واقعات " كامنة قد يصل عددها إلى اللانهاية. فالميكانيك الكمومي أو الكوانتي يزودنا بالاحتمالات المتعلقة بكل حل ممكن الحدوث وبكل مخرج قابل للمشاهدة والرصد لكنه لايشير على الإطلاق لأي مستقل ممكن سيصبح عليه الواقع . ولكن عندما يقوم مراقب بشري بعمل قياس وحساب فسوف يخرج بنتيجة واحدة فقط. فالإلكترون المعرض للقياس والحساب سوف يتجه باتجاه واحد معلوم بعد قفزته . ففعل القياس والمشاهدة أو الرصد سوف يفرز واقعاً واحداً من بين عدد لامتناهي من الواقعات الممكنة. فبالنسبة للمراقب ، يغدو الممكن واقعاً والمستقبل المفتوح يغدو ماضياً ثابتاً مما ينطبق تماماً على ما نعرفه على أنه مرور أو تدفق الزمن . بعض العلماء الكلاسيكيين يعترض على هذه الفرضية لكن البعض الآخر ، ممن يعتقدون بصحة نظرية العوالم والأكوان المتعددة، يتقبلون هذا التفسير. ففعل الرصد والمراقبة ووعي المراقب الذي يقوم بعملية الحساب والرصد يدفع الواقع إلى الانشطار ويدفع الطبيعة لكي تقرر. وقد أعرب بعض الباحثين مثل روجيه بينروز ، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، عن اعتقاده بأن الانطباع أو الشعور بمرور الزمن يمكن أن يكون مرتبطاً بالسيرورة الكمومية أو الكوانتية التي تحدث داخل الدماغ فهي مصدر مثل هذا الشعور.
لم يعثر العلماء لحد الآن على عضو عضوي داخل دماغ الإنسان يكون مختصاً بالزمن كما هو الحال مع القشرة البصرية في الدماغ المسؤولة عن الرؤية . ويمكن في المستقبل القريب أن يتوصل العلماء إلى حقيقة عمل ووظائف السيرورات الدماغية المسؤولة عن إدراكنا لمرور الوقت وجريان الزمن على المستوى الشعوري . حينئذ يمكن التفكير بصنع دواء لوقف هذا الإدراك . أما إذا تمكن العلم من إثبات عبثية مفهوم مرور و أو تدفق الزمن فلن يقلقنا بعد ذلك قلقنا وخشيتنا من المستقبل وألا ناسف على ما حصل لنا في الماضي و لا الخوف من الموت أو الولادة. و لا الانتظار أو الحنين حيث سيكونان من بين المفردات البشرية.
هناك أيضاً ما يدعى بحالة نفاذ الصبر ، فلم يعد المرء يحتمل الانتظار أمام شباك التذاكر أو المعاملات الإدارية و لا الوقت الذي يحتاجه الكومبيوتر للانطلاق والعمل أو تنفيذ أمر أو عندما يكون الباص أو الميترو أو القطار متأخراً ، حتى أن البعض تشكل لديه نفور مرضي من الدخول إلى الإدارات الحكومية لإنجاز معاملاته خاصة في بلدان العالم الثالث حيث طوابير الانتظار طويلة ولاتطاق ، وهذا يشير إلى تسارع إيقاع الحياة والعمل والتواصل الآني بين الناس عن طريق الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي لقد انتهى البريد العادي والرسائل التي كان ينتظرها العشاق بفارغ الصبر . من هنا يتساءل علماء الأعصاب عن تداعيات وانعكاسات مثل هذه التغييرات على نمط الحياة وعلى دماغ الإنسان. ومحاولة معرفة آليات العمليات العصبية والدماغية عندما نصل إلى مرحلة نفاذ الصبر وعدم تحمل الانتظار. ماهو الانتظار في الدماغ؟ إن مفهوم الاندفاع قد يساعدنا في فهم عدم تقبل وتحمل الانتظار فالاندفاع هو نزعة التنفيذ بسرعة وفوراً حتى بدون تفكير أو تأمل أو تروي وعدم مراعاة ما يمكن أن يترتب على هذا التسرع والاندفاع من نتائج وتبعات أو تداعيات على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، لأنه ترجمة نفسية لعدم تحمل مرور الزمن ببطء على الصعيد السيكولوجي المحض .
النسبية العامة لآينشتين. فهذه النظرية قالت بإمكانية السفر نحو المستقبل ولم تمنع إمكانية العودة إلى الماضي لكن ذلك يبدو مستحيلاً في الوقت الحاضر
رواية آلة الزمن
سنة 1905 نظريته في النسبية الخاصة التي زعزعت أركان مفهوم المكان والزمان الذي ورثناه من غاليله ونيوتن ، ومن فهمنا لهذه النظرية بدا ممكناً السفر عبر الزمن، وعلى وجه التحديد الذهاب نحو المستقبل... فالزمن هو نفسه بالنسبة للجميع حسب المفهوم الغاليلي في حين أنه، في نظرية آينشتين مرتبط بالمادة المقاسة أو المحسوبة من قبل مراقبين يكونان في حالة حركة ، وسرعة تلك الحركة، ما يعني أن الزمن ليس مطلقاً وثابتاً بل نسبي . ولقد اثبت العلماء لاحقاً صحة هذا المبدأ الآينشتيني :" تباطؤ الزمن مع السرعة" ،فكلما كان الجسم المتحرك سريعاً في حركته تباطأ الزمن بالنسبة له عما هو عليه في المكان الساكن ، وهو المبدأ الذي عرف فيما بعد بمفارقة التوأمين. ويمكن لمس الفارق الزمني وتأثيرات " الرحلة نحو المستقبل" فقط في حالة السرعة العالية جداً وقطع مسافات بعيدة جداً ، أي المسافات مابين المجرية وبسرعة تقرب من سرعة الضوء دون أن تبلغها بالطبع لأنه لايوجد شيء في الكون يمكنه أن يسري بسرعة أكبر من سرعة الضوء حسب آينشتين.
رائد الفضاء الأرضي سافر نحو مستقبل الأرض. والمسالة ليست سوى مسألة وقت وإمكانيات تكنولوجية كما يقول أستاذ الفيزياء في جامعة برينستون، ريشار غوت . أما السفر نحو ماضي الأرض فهذا مستحيل مهما كانت الإمكانيات ومهما بذلنا من جهد ووقت فبوسع الزمن أن يتقلص أو يتمدد ولكن لايمكن أن ينعكس أو يرتد كما تنص النسبية الخاصة الآينشتينية ، إلا أن النسبية العامة الآينشتينية قالت بإمكانية ذلك نظرياً بعدما أدخل عامل الثقالة أو الجاذبية الكونية وتأثيرها على نسيج الزمكان . فمعادلات النسبية العامة تسمح بعدة حلول تتوافق كل واحدة منها مع حالة مختلفة عن الأخرى لذلك يكون الجواب معقداً على سؤال كيف يمكن أن نسافر عبر الزمن إلى الماضي ، البعض من تلك الحلول تصف أكوان متعددة موازية يكون السفر فيها نحو الماضي ممكناً فيجب أولاً الخروج من كوننا المرئي والذهاب إلى كون آخر ، عبر ثقوب دودية ، ومن ثم العودة إلى كوننا المرئي( إن كان ذلك ممكناً وهو ما لم يثبت حتى نظرياً ) عندها يمكن أن تكون العودة نحو حقبة زمنية من ماضي الكون المرئي، والعلماء يجهلون كل شيء تقريباً عن هذه الفرضية العلمية والمسألة مفتوحة للدراسة والبحث فهناك طريقة ما للذهاب إلى الماضي من الناحية النظرية ولكن هناك استحالة من الناحية العملية إلا إذا تقبلنا فكرة تعدد الأكوان وتفاعلها فيما بينها فهناك مفارقة من يسبق من؟ فلو غادر أحدنا نحو ماضيه وقتل جده أو والده قبل ولادته فكيف يكون قد ولد وسافر ليقتل جده أو والده بنفسه؟ فالكون المرئي بقوانينه الجوهرية المعروفة يمنع حصول مثل هذا الخرق ، خاصة وإننا لانعرف شيئاً كثيراً حتى عن كوننا المرئي نفسه فمابالك عن الأكوان الأخرى الموازية وعن طبيعة وحقيقة وماهية كوننا وباقي الأكوان خارج نطاق نظامنا الشمسي ومجرتنا؟ درس آينشتين في نسبيته الخاصة ما ينطوي على مثل هذا التساؤل ،
مابين النجوم ــ الذي أخرجه كريستوفر نولان سنة 2014 حيث تم خلق مدخل ثلاثي الأبعاد داخل نفق رباعي الأبعاد في الزمكان ، كما هي حالة الترحال على مديات جميع المنحنيات والتحدبات الزمكانية المغلقة ، فإن المرور من خلال ثقب دودي من شأنه أن يتشابه مع كافة الدروب التي تتكون عبر الزمكان فمهما عمل المسافر عبر الثقب الدودي فإن زمنه يمر ويتدفق نحو الأمام ،
عندما نتحدث عن الكون هنا فنحن نقصد حصراً الكون المرئي أو المنظور والمرصود الذي نعيش فيه ونعرفه وليس الكون العظيم المطلق اللامتناهي الذي يضم عدد لامتناهي من الأكوان ، سواء المتوازية أو المتداخلة أو المتعايشة جنباً إلى جنب كالتوائم. ولكل كون منها زمنه الخاص ، وقوانينه الخاصة، وثوابته الخاصة، المختلفة كلياً عن بعضها أو المتشابهة في البعض الآخر منها. أما الزمن فهو بالتأكيد الزمن المندمج مع المكان في نسيج واحد هو الزمكان في كوننا المرئي على وجه التحديد، وهو ليس زمن واحد بل عدة أزمان وليس متجانس وثابت بل مضطرب ومتغير ومرتبط بالحركة والسرعة والاتجاه والهندسة المكانية. ولكن هل هناك حقاً " مرور للزمن؟" وهل هناك حقاً " إتجاه محدد للزمن؟ " لا يوجد في علم الفيزياء مفهوم إسمه مرور أو تدفق الزمن، فالعلماء يقولون إنه "على إفتراض وجود الزمن حقاً " فهو لن يمر أو لا يتدفق. فبعض الفلاسفة يعتقد أن مجرد التفكير بأمر يتعلق بمرور الزمن شيء عبثي ومبني على فكرة زائفة وخاطئة، فكيف أمكن لجانب أولي بسيط وبديهي لمفهومنا عن العالم الفيزيائي أن يكون خاطئاً على هذا النحو؟ هل للزمن خصائص مميزة له وميزة مفتاحية لم يشخصها العلم بعد؟
فكل لحظة من الحاضر تتحول إلى ماضي وكل لحظة من الحاضر تصبو لأن تغدو مستقبلاً حاضراً في الواقع. ، أي أن مفهوم " الآن " الذي نعيه، ينزلق باستمرار وعلى الدوام نحو المستقبل ويحول أحداث المستقبل غير المؤكدة إلى واقع حاضر ، ملموس لكنه عابر قبل أن ينزله أو ينقله إلى منزلة الماضي المحفور في صخرة الوجود.
إن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ما هو إلا مجرد وهم متشبث ودائم بعناد في التفكير البشري"" إن هذا الاستنتاج المدهش والغريب لآينشتين مستمد على نحو مباشر من نظريته النسبية التي تنكر أي معنى مطلق وشمولي أو كوني لفكرة اللحظة الحاضرة فهي تقول إن التزامن أمر نسبي . فحدثين يقعان في نفس اللحظة عندما تتم مشاهدتهما أو رصدهما في إطار مرجعية ما، يمكن، إذا ما نظر إليهما من إطار آخر، أن يقعا في وقتين مختلفين. فلو طرحنا سؤال عما يحدث الآن أو في الوقت الحاضر أو في هذه اللحظة، على سطح المريخ ، لن يكون له جواب قطعي. فهناك مسافة كبيرة تفصل بين الأرض والمريخ تصل إلى 20 دقيقة ضوئية ، أي ما يقارب 360 مليون كلم والحال أنه ليس بمستطاع المعلومة أن تنتقل بين الكوكبين بأسرع من هذه المدة الزمنية فلا شيء يمكنه أن ينتقل بأسرع من سرعة الضوء فالمراقب الموجود على سطح الأرض لا يمكنه أن يرصد الحدث على المريخ ويعرفه في نفس الوقت الذي يراه ويرصده مراقب موجود على سطح المريخ أو على القمر التابع لكوكب المريخ الذي هو أقرب بكثير من الأرض للكوكب الأحمر فالمراقب الأرضي يحتاج لعشرين دقيقة لكي يعرف ما يحدث "حالياً " على سطح المريخ بعد وقوع الحدث بعشرين دقيقة عندما يقطع الضوء المسافة بين الكوكبين ويحمل المعلومة للمراقب الأرضي. فالأحداث التي تقع تعتمد كذلك على سرعة المراقب وحركته واتجاهه
فمفهوم التدفق مرتبط بمفهوم الحركة، فهل الزمن يتحرك فيزيائياً؟ قطعاً كلا. فالحركة تخص الكينونة الفيزيائية مثل السهم الذي ينطلق من القوس ، فهل يمكن تشبيه سهم الزمن بسهم النشاب أو القوس ؟ فنحن نشاهد تغيرات موقعه عبر فترات وقتية زمنية. فبالنسبة إلى ماذا " يتحرك الزمن" لو اعتقدنا أنه ينتقل؟ فالحركات والتنقلات الأخرى مقترنة بسيرورة فيزيائية لجسم أو كينونة فيزيائية أخرى ، فما هي سرعة الزمن بالمقارنة بسرعة الضوء مثلاً، وهل لديه سرعة؟
فتعابير ماضي ومستقبل يمكن أن تطبق على إتجاهات أو إحداثيات زمانية على غرار فوق وتحت التي تطبق على إتجاهات مكانية، فتعابير أو مفاهيم فوق وتحت المجردة بذاتها لاتعني شيئاً إلا إذا قرنت بمكان محدد، كأن نقول فوق الطاولة أو تحت الطاولة مثلاً. هناك الزمن الأرضي الصالح للأرض فقط ويحدد بالثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين، وهو نفسي ، معنوي ، سيكولوجي ، وفزيولوجي،عصبي، وهناك زمن النظام الشمسي حيث تختلف الأيام والأسابيع والشهور والسنين بطولها ومدتها عما هي عليه على الأرض ، وهناك الزمن الكوني المحدد بكوننا المرئي وهو المتداخل والمندمج مع المكان – الفضاء في نسيج الزمكان الآينشتيني، وهناك الزمن المطلق الذي لا نعرف عنه شيئاً الذي يحكم منظومة الأكوان المتعددة اللامتنماهية العدد. وهكذا يبدو لنا نحن البشر أن الزمن مفهوم ذاتي وليس مفهوم موضوعي.
كانت المسألة الأساسية هي معرفة ما إذا كان الزمن هو خلفية مطلقة وثابتة للأحداث الكونية دون أن تؤثر الأحداث وتعاقبها على الزمن نفسه، باعتباره مستقلاً عنها وكأن له كينونة مستقلة. أو أن الزمن ليس سوى مفهوم ثانوي أو مجرد تعبير لغوي ناجم عن الوعي البشري
فالزمن في هذه الحالة مفهوم يتعالى على الواقع، ليس له بداية ولا نهاية قابلة للتصور. وهذا الطرح ينتمي للمفهوم الأفلاطوني عن الحقائق الأبدية
الفهم الجديد للزمكان الآينشتيني، الذي حل بديلاً عن المكان والزمن النيوتني ، قلب على عقب موقفنا من الشروط والظروف البدئية الأساسية الأولية للنشأة الكونية، وإمكانية وجود بداية للكون. وبفعل الجمع بين بنية الزمكان والمادة، فإن كل " فرادة" في المحتوى المادي للزمكان( على سبيل المثال، الكثافة اللانهائية للمادة التي تتجلى في المفهوم ألتقليدي للبغ بانغ الانفجار العظيم) تشير إلى أن هذا الزمكان بلغ أوجه. وبات علينا أن نتعاطى مع " فرادات" للزمن والمكان ، بدلاً من " فرادات" في الزمان والمكان . بمعنى أن " الزمكان" الذي اقترحه آينشتين يغطي الكون المرئي برمته، على عكس النظرية النيوتنية عن المكان والزمان المنفصلين والتي تصف وجود الأجسام والأشياء في مشهد ثابت لفضاء أو مكان خارجي . وتبعاً لذلك فإن " فرادات" النسبية العامة تمثل خواص أو خصائص الكون المرئي بمجمله، وليس فقط موقع معين منه ، وفي لحظة زمنية من تاريخه.
ثقل أو كتلة الكون المرئي المرصودة، مع توفر برهان ودليل نظري رياضياتي ورصدي بشأنها، لا تتجاوز الـخمسة بالمائة 5% من محتويات الكون المرئي الآتية من مكونات مادية موجودة في المادة العادية المرئية ـ بروتونات ونيوترونات وإلكترونات في حين ثبت أن 25% بالمائة من المادة هي مظلمة أو سوداْ أو معتمة وإن 70% بالمائة هي طاقة سوداء أو مظلمة أو معتمة ، إلا أن المعضلة تتمثل في غموض طبيعة وماهية هذين المكونين الطاغيين . فهل المادة السوداء أو المظلمة مكونة هي الأخرى من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات لكنها لم تنجح في تشكيل المجرات والنجوم والكواكب الباعثة أو العاكسة للضوء على غرار المادة العادية؟ الحسابات النظرية والرياضياتية تؤكد على أنها غير مكونة من نفس العناصر والمكونات المعروفة في المادة العادية ، أي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات وغيرها. ولقد رشح العلماء بعض العناصر كالآكسيونات والزينوات والنيوتريونات ولكن لم يعثر عليها لحد الآن في التجارب المختبرية ومصادمات الهدرونات الكبيرة . الأمر الأكيد هو أنه المادة والطاقة المعتمتين أو المظلمتين منتشرة في كافة أرجاء الكون المرئي
المادة السوداء أو المظلمة (Dark Matter):
وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
*****************
السفر عبر الزمن والذهاب للمستقبل
فهناك في النسبية الخاصة والعامة لآينشتين مبدأ يسمى تباطؤ الزمن مع السرعة، ما يعني أنه كلما تسارع الجسم في حركته واقترب من سرعة الضوء ، كلما تضائل الزمن بالنسبة له فيما يبقى الزمن يجري في إيقاعه العادي بالنسبة للآخرين غير المسافرين بسرعات كبيرة بل يتحركون بالسرعة العادية اليومية .
نظرتنا المألوفة للزمان والمكان خاطئة وعلينا تغييرها كلياً. فالمدة ليست قيمة مطلقة والزمن يمكن أن يتمدد ويتقلص حسب حالة المراقب ، إذا كان ساكناً أو متحركاً ، وبالطبع حسب قيمة سرعة تحركه ولقد سمى آينشتين هذه الحالة بمفارقة التوأم. ولقد أجريت تجارب عملية علمية بساعة ذرية أثبتت صحة هذا المبدأ ، أي تباطؤ الزمن مع السرعة. فلو أخذنا توأمين بنفس العمر ووضعنا أحدهما في مركبة فضائية وتركنا الآخر على الأرض يعيش كباقي الناس. ثم تمر أربعون عاماً على التوأم الباقي على كوكب الأرض، وكان عمره 20 عاماً عند مغادرة شقيقه في المركبة الفضائية فسيكون عمره 60 عاماً عند عودة أخيه في حين أن الشقيق المسافر بسرعة فائقة لا يشيخ أكثر من عام واحد أي سنة مقابل أربعين سن تمر على التوأمين بسبب سرعة السفر
هذا إذا كانت السرعة كبيرة لكنها بحدود المعقول وليست قريبة من سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الثانية. فلو تمكن شخص أن يعيش على متن سفينة فضائية لمدة ثمانين عاماً خارج كوكب الأرض في سفينة ترحل بسرعة قريبة من سرعة الضوء فإنه عند عودته إلى الأرض ــ إذا كانت ما تزال موجودة بالطبع ــ فسيجد أنه مر عليها 1036 سنة ، أي حوالي مائة مليون مليار المليار أكثر من عمر الكون الحالي وهو 13.85 مليار سنة أي إنه سوف يجد أن الأرض والشمس بل والمجموعة الشمسية برمتها قد انقرضت واختفت وابتلعتها مجرة أخرى هي أندرويدا أي المرأة المتسلسلة. لكننا في حياتنا البسيطة المتواضعة لا نشعر بمثل هذه التغيرات فحياتنا لاشيء مقارنة بأبعاد وقيم وحسابات وقوانين الكون المرئي الذي يحتوي على مائة مليار مجرة مثل مجرتنا درب التبانة وفي كل مجرة بين مائة إلى ثلاث مائة مليار نجم مثل نجمنا الشمس وحوله كواكب وأقمار تدور في نظام شمسي كنظامنا وإن اقرب نجم للأرض يبعد مسافة 4 سنوات ضوئية أي مايقطعه الضوء بسرعته الفائقة لمدة أربع سنوات أرضية . وخلاصة ذلك أننا لايمكن أن نفصل بين الزمان والمكان فهما وجهان لعملة واحدة ويمكن أن يتحول أحدهما للآخر في ظروف معينة فهما نسيج واحد يسميه آينشتين ــ الزمكان ــ فمراقب ما يرصد الزمن من زاوية معينة من الكون المرئي، يجده مراقب آخر من زاوية أخرى وبظروف أخرى على إنه مكان وليس زمان، ولو تمعنا ملياً بهذا المفهوم الجديد لاستوعبنا مدى عمق هذه الثورة العلمية التي بدأت في أوائل القرن العشرين وما زالت مستمرة وترفدنا بالعديد من المنجزات والتطورات والابتكارات العلمية والتكنولوجية التي نلمسها في حياتنا اليومية، كنظام الملاحة الفضائي الجي بي أس والأقمار الصناعية والذكاء الصناعي والهواتف الذكية والقنوات الفضائية الستلايت ، وكانت ترجمة هذا الحدث العلمي المهول قد تمت سينمائياً من خلال الفيلم الملحمي الرائع أنترستلر أي رحلة ما بين النجوم حيث يغادر شخص بحثاً عن أرض مناسبة لسكن البشرية المعرضة للفناء، لبضعة أشهر قليلة تاركاً ابنته المراهقة وعندما يعود يجدها طاعنة في السنة وجدة لعائلة
كبيرة من الأبناء والأحفاد بينما هو مايزال شاباً يافعاً وما علينا سوى أن نتأمل .
للزمن لايعدو كونه سهم أو اتجاه من الماضي نحو المستقبل مروراً بالحاضر، وبالتالي هو ليس سوى وهم ناجم عن التقلبات والتحولات والحركات التي تملأ العالم المادي، وهو صورة أخرى غير مألوفة للمكان، و لا وجود لما شاع بين الناس للزمن المطلق.
*
عدد النجوم
فالكون المرئي يعود بالزمن إلى الوراء بنحو 13.8 مليار سنة، وربما يمتد كوننا إلى أبعد من هذا الزمن ولكننا لا نستطيع رؤيته، فضلا عن أن بعض علماء الفلك يعتقدون أننا ربما نعيش في "كون متعدد" حيث سيكون هناك أكوان أخرى مثل كوننا محتواة في نوع من الكيان الأكبر.
إننا حتى لو حصرنا تعريف الكون في الكون "المرئي" الذي يمكننا رؤيته، فإن تقدير عدد النجوم بداخله يتطلب معرفة حجم الكون، والتعقيد الأول الذي يقابلنا هنا هو أن الكون نفسه يتمدد، والتعقيد الثاني هو أن "الزمكان" يمكن أن ينحني.
باستخدام درب التبانة نموذجا، يمكننا ضرب عدد النجوم في مجرة نموذجية (100 مليار) في عدد المجرات في الكون (2 تريليون)، ومن ثم سنجد أن الجواب على سؤال عدد النجوم في الكون هو رقم مذهل للغاية، إذ يوجد ما يقرب من 200 مليار تريليون نجم في الكون، أو بعبارة أخرى 200 سكستيليون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق