فالعالم، لم يصبح متصلا بعضه بالبعض الآخر بالصورة التي روجت لها أسطورة القرية الكونية. وأفضل الافتراضات تقول إن معرفتنا متفاوتة وليست متساوية. ولنرجع إلى الوراء شيئا ما، فمع ظهور التلفزيون تقلصت مساحة الاتصال الإنساني وانعزل المواطن داخل حدود الدولة التي يعيش فيها. ومع انتشار الفيديو تراجع الاتصال الإنساني أكثر لينحصر المواطن داخل بيته.
مع انتشار الكمبيوتر الشخصي وظهور شبكات الأنترنيت، أصبح الإنسان حبيس غرفته. نعم، إنه يتصل بأقرانه في فرنسا وأمريكا والدار البيضاء والرباط. لكنهم، كلهم، حبيسو الغرف أيضا، أو حبيسو القاعات المخصصة “للأنترنيت” بالأحياء. واليوم، تقتني الأسرة لطفلها وطفلتها لوحات إلكترونية بأثمان ترهق ميزانيتها.
أصبحت المجتمعات أقل ارتباطا وأكثر عزلة، بعد أن وفرت التكنولوجيا وسائل الاتصال عن بعد مع الأبناك والتسوق الإلكتروني. ووفرت للأطفال الألعاب المشحونة بثقافة العنف. واختفت جلسات الأصدقاء والعائلات. واختفى كل ما يشيع الدفء والتواصل داخل المجتمع.
خفيف و”مسل” أكثر مما هو ذو قيمة فعلية. ويؤدي الاستعمال المفرط لوسائل التكنولوجيا إلى العزوف عن القراءة والابتعاد عن كل ما يتطلب التركيز.
هذه القنوات التلفزيونية والعديد من الفضائيات وما يسمى بالشبكات الاجتماعية، تسهم بشكل كبير في نشر الثقافة الزائفة، ثقافة العنف والحقد والكراهية بين الأطفال والمراهقين، وحتى بين الأزواج، داخل الوطن الواحد.
اختصر إعلام صناع العولمة المسافات بين الشعوب. وساهم في الكشف عن خبايا السياسات الداخلية في العديد من دول الجنوب. ودفع بعض الحكومات والأنظمة الذكية إلى رفع سقف الحريات والتعبير والرأي.
لن يغفر لهؤلاء الصناع -مهندسو الليبرالية المتوحشة- استعمالهم لوسائل الإعلام والاتصال المختلفة كأبواق لتبرير الحروب المباشرة والحروب بالوكالة في بقاع متعددة من العالم، ولفبركة العديد من الصور لتزييف الحقائق والوقائع على الأرض. وما يقع في الشرق الأوسط، في أرض فلسطين المغتصبة خاصة، من تقتيل وتدمير للحضارة الفلسطينية وتاريخها وللإنسان الفلسطيني ولحرية الصحافة والصحفيين. وما يقع في العديد من الدول الإفريقية وباقي دول العالم، خير دليل على أن، قانون الغاب، كان وما زال هو أساس العلاقات الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق