السبت، 24 أغسطس 2019

ثقافة السؤال

هـــل يمكـــن نعـــت الثقافـــة العربيـــة
بأنهـــا ثقافـــة أجوبـــة ّ ومســـلمات، أي
ثقافـــة خضـــوع وخنوع واستســـلام، لا
ثقافة أســـئلة تطرح نفســـها على الفكر،
ويصوغهـــا العقـــل المنشـــغل بأحـــوال
المجتمع ومشـــكلات العصـــر على نحو
فاعل، ليجدد بطرحهـــا الفكر وينتج من
الســـؤال ً حوارا أكثر مما يبتغي أجوبة
نهائية، أو يقبل بها؟

هل تجوز المجازفة بمثل هذا الحكم،
وفي الإرث الثقافي الحديث، منذ نهايات
القرن التاسع عشر وحتى اليوم، عشرات
المفكرين والأدباء العرب الذين تصادموا
بأفكارهـــم الجديدة مع البنـــى الثقافية
الســـائدة، والأفـــكار القديمـــة الباليـــة،
وطرحوا علـــى مجتمعاتهم طائفة كبيرة
مـــن الأســـئلة المتعلقة بقضايـــا العصر
وظواهـــره، وبالمشـــكلات المجتمعيـــة
المعاصـــرة لهـــم، مـــن دون أن يكونـــوا
أصحاب أجوبـــة جازمة تجد مرجعيتها
في ّ المسلمات

كيف حدث أن استسلمت
ّ الجماعة الإنسانية برمتها
إلى يقين الصيغ السائدة
وأذعنت بصورة جماعية
للمراسيم والتعاليم والأوامر
المرسلة من قمة هرم
السلطة إلى الأسفل، حيث
لا إرادة فردية أو جماعية
يمكن لها أن تطرح السؤال
المتشكك في طبيعة ما
يرسل إليها، ولا خيار آخر
لها سوى الإذعان والقبول

غلبـــة الأيديولوجيـــا على
الفكـــر، وهيمنة السياســـي على الثقافي
والاجتماعـــي، وانســـحار المجتمعـــات
العربيـــة الناشـــئة بشـــخصيات وطنية
شـــعبوية، مـــالأت العواطـــف الجمعيـــة
الجياشـــة، ّ وغلبـــت اليقـــين على الشـــك
الغريزة على العقل. لكن ذلك لم يمنع ً أبدا
مـــن ظهور نخب في الهوامش المجتمعية
العربيـــة انشـــغلت بالأســـئلة أكثر مما
قطعـــت بالأجوبـــة، وحاولـــت أن ّ تفتـــت
صخرة السؤال بمطارق الفكر، وتنتج من
حطام ّ المسلمات أسئلة جديدة ظلت دائما
بلا أجوبة نهائية، لكونها صدرت أساسا
عن وعي يرى في الســـؤال بابا للكشف،
وفضاء لحرية الفكر


ولماذا ظلت الأسئلة ّ المتعلقة بالتطور
الاجتماعـــي محصورة بنخـــب قليلة من
أهل الفكـــر، بينما بقيت جموع المتعلمين
عبـــارة عـــن أميـــات مقنعـــة بالتحصيل
العملـــي، وغارقـــة ّ بالمســـلمات التـــي لا
تحركهـــا القضايا المنتجة للســـؤال، ولا
فكيف بها تنشغل بطرح الاسئلة؟
كيف حـــدث أن استســـلمت الجماعة
الإنســـانية ّ برمتهـــا إلـــى يقـــين الصيغ
الســـائدة وأذعنـــت بصـــورة جماعيـــة
للمراســـيم والتعاليم والأوامر المرســـلة
من قمة هرم الســـلطة إلى الأسفل، حيث
لا إرادة فرديـــة أو جماعيـــة يمكن لها أن
تطرح الســـؤال المتشـــكك فـــي طبيعة ما
يرســـل إليهـــا، ولا خيار آخر لها ســـوى
الإذعان والقبول. فلا ســـائل ولا ســـؤال،
ولا شبهة حتى في احتمال )لا(، فالـ)نعم(
الســـعيدة هي الجواب المطمئن للمرسل
والمستقبل. والغريب في الأمر أن لا تعاقد
بين الجهتين، ولكن هناك تواطؤ من قبل
المتلقي ّ يلبي اســـتمرار الصيغة السائدة
هل قدرنا، في هذه البرهة
من التاريخ، وقد بتنا في
فوات حضاري مريع، أن
نكون مستهلكين لأفكار
سبقت، وأفكار لحقت،
وليس في قدرنا أن ننتج
الأسئلة القادرة على
إبداع الأجوبة المفتوحة
بدورها على شتى الأسئلة
والتحديات المطروحة على
البشر في الحضارة الحديثة،
كيف لنا هذا، ما دمنا
وحضاريا
ًم

هـــل قدرنا ً حقـــا أن نبقى مســـتهلكين
بامتياز لـــكل منجزات العلـــم والعمل في
العالـــم، مـــن دون أن يترك لنا هـــذا القدر
التاريخي الأليم سوى كتابة المرثيات؟
أســـئلة، أســـئلة، في عهدة الصادقين
مع أنفســـهم والقادرين على طرح السؤال
والإنصـــات إلى حركة الأشـــياء في العالم
بعقـــل حالـــم، وموضوعيـــة تتفـــوق على
الهوى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق