الأحد، 1 أغسطس 2021

لماذا نرتاب فى التجار؟***

Sep 9, 2019

كان التاجر موضع شك فى العديد من المجتمعات القديمة، وبخاصة فى الحضارات الزراعية الكبرى. توليد الأموال من عمليات البيع والشراء كان فى نظر الكثير من القدماء نوعًا من الاحتيال. الزارع وصاحب الحرفة يُنتجان شيئًا ملموسًا. سلعة يمكن للمجتمع الاستفادة منها. أما التاجر فماذا يُقدم للناس؟ واقع الأمر أنه يستخرج أموالًا لنفسه من صفقات البيع والشراء لأشياء يُنتجها الآخرون. أرسطو، فيلسوف اليونان الأشهر فى القرن الرابع، كان يرى هذا الرأى. ذهب هذا المذهب الكثير من الفلاسفة والمعلمين الروحيين فى العصور القديمة. على سبيل المثال؛ فى التراتبية المعروفة فى الديانة الهندوسية لنظام الطبقات نجد أن التجار يحتلون مكانة دُنيا بالنسبة للكهنة والمحاربين.

لا يقف الأمر عند هذا الحد. كان التاجر موضع ارتياب وشك لأسباب أعمق. يتعامل التاجر مع مجتمعات أجنبية. يسافر هنا وهناك. يتعرف على عقائد مختلفة وطرق مُتباينة لتنظيم المجتمعات. تتكون عنده بالضرورة نظرة نسبية للأشياء، لأنه يرى ما لا يرى الآخرون. هذه النظرة النسبية تضعه على الفور موضع شك. إن كان التاجر يتعامل مع أناس يعبدون آلهة مختلفة، فلابد أنه شخصٌ لا يدين بدين محدد- هكذا كان يُفكر القدماء فى التاجر.

والحال أن التجارة كانت من دون شك أكثر العوامل التى تصيب المجتمعات القديمة بالاضطراب. التجارة تجلب معها أفكارًا جديدة. بضائع غير معتادة. ممارسات لم تكن مألوفة على المجتمع. هى أيضًا تُسهم فى زعزعة التراتبية الطبقية القائمة والمستقرة. بل هى، فى أحيان كثيرة، تُعيد تعريف القيم السائدة فى المجتمع. ليست مصادفة أن أول تفكير فلسفى نبت على شواطئ مدن تجارية فى آسيا الصغرى (إيونية وتقع فى تركيا الحالية). العصر الذهبى لأثينا فى القرن الخامس يرتبط بالتجارة كذلك، فلم تكن أثينا معروفة بخصوبة أراضيها على نحو خاص (باستثناء إنتاج الزيوت من الزيتون). أما الإسكندرية، فقد أسهمت فى خلق حالة بالغة الخصوصية فى مصر، إذ صارت أهم مرفأ تجارى على المتوسط منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وصارت - لهذا السبب - بوتقة صهر لأفكار ومعتقداتٍ، وأصبحت مكتبتها أهم مركز معرفى فى العالم القديم.
المدن التجارية إذًا هى قاطرةٌ للتقدم. إنه نمطٌ متكرر فى التاريخ يصعب ألا نلاحظه. من مكة إلى نيويورك.. ومن أمستردام إلى سمرقند، كانت المدن التجارية مصانع لتلاقح الأفكار وإنتاج الجديد منها. الشبكات التجارية فى البر والبحر هى التى صنعت العالم الحديث. اللحظة التى اتصلت فيها المناطق الجغرافية المختلفة للعالم فى شبكة واحدة متداخلة لتبادل السلع هى لحظة ميلاد عالمنا المعاصر، حيث صارت عملية «التعلم الجماعى» البشرى تتفاعل على نطاق كوكبى غير مسبوق فى 
اتساعه وتشابكه. كل هذا فعلته التجارة!.

ما سر التجارة؟ لماذا لعبت هذا الدور الحاسم فى مسيرة التقدم الإنسانى؟ ربما يكمن السبب فى ما يخلقه النشاط التجارى من ثقةٍ بين بشر لا يعرفون بعضهم البعض. الإنسان، بالطبيعة، يرى العالم من زاوية «نحن والآخرون». هناك دومًا قبلية ما يُعرِّف الفرد نفسه بالانتماء لها بتمييزها عن «القبائل الأخرى». يُمكن النظر إلى التاريخ كقصة ممتدة لحربٍ لا تنتهى بين قبائل. فى المقابل، ظلت التجارة النشاط الوحيد الذى يجمع الغرباء. المصلحةُ الشخصية ودافع الربح (وهو هدف التجارة فى كل زمان ومكان) تخلق رابطة أهم بين البشر: الثقة. يحتاج الأفراد لحدٍ أدنى من الثقة لإنجاز صفقة تجارية. بالتجربة، تعلّم البشر أن تحقيق المكسب ليس الهدف الوحيد للتجارة، وإنما صيانة الثقة بين المتعاملين. هذه الثقة هى الضمان الوحيد لاستمرار التعامل - وبالتالى المكسب - فى المستقبل. لهذا السبب بالتحديد شاع القول بأنه ليس لدى التاجر أهم من سمعته.

عبر الثقة التى يولدها التبادل التجارى تنمو روابط وعلاقات بين القبائل المختلفة، أو على الأقل بين بعض من أبنائها الذى ينخرطون فى هذا النشاط. ومن خلال تلك الروابط والعلاقات تنتقل الأفكار الجديدة التى تدفع المجتمعات إلى الأمام. الانتقال إلى الحداثة لم يكن يعنى تكثيف التجارة فحسب، وإنما أيضًا تغيير النظرة إلى التاجر بوصفه شخصًا يُمارس نشاطًا غير أخلاقى. لعب «آدم سميث» - وهو فى الأصل أستاذ لعلم الأخلاق! - دورًا مهمًا فى تغيير النظرة للمصلحة الشخصية بوصفها شيئًا خبيثًا بالضرورة، إذ اعتبر أن سعى كل شخص لمصلحته الخاصة هو «اليد الخفية» التى تحرك العجلة الاقتصادية برمتها، 
ومن ثمّ توليد الثروة وتحقيق مصلحة المجتمع.

مع كل هذه التطورات، لا يبدو أن حالة الشك والارتياب فى التجار قد اختفت تمامًا. التاجر المعاصر يستطيع تكوين ثروات هائلة بكبسة زر. بوسعه أن يدفع مئات الآلاف إلى البطالة. التاجر المعاصر - وبرغم كل ما قدمه النشاط التجارى للإنسانية - لا يزال يُعانى «وصمة» سلفه القديم. لا يزال عرضة لغضبة المجتمعات وكراهيتها. إنها معضلةٌ تدعو للتأمل والتفكير!.

Jun 14, 2021

 التجارة.. شطارة، إن الشطارة في اللغة تعني: حُسن التصرّف والمهارة في تدبُّر الأمور، والقدرة على التخلّص من المشكلات وحلها. هذا القول باقٍ للأسف الشديد حُرف عما وضع له، وذلك لتحقيق غايات، أو تبرير سلوك لعمل غير مناسب، فنجد أن البعض أخذ الشطارة ليصمها بالدهاء ثم يحولّها إلى الخُبث، حاملةً الغش والاحتكار والتدليس كأبرز علامات الشطارة.

 التجارة والأمانة، فقد سُئلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"، والبيع (المبرور) هو: البيع الذي ليس فيه خداع ولا غش، وقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه بقوله (من غشنا فليس منّا)، كذلك قصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف وقوله المأثور (دلوني على السوق)، حيث أغناه الله بسبب نزاهته في التجارة.

الجميع يعرف أن الإسلام انتشر في الهند، وإندونيسيا، وجزر البُهار، وقارة إفريقيا، حيث سيطر المسلمون -العرب تحديداً- على طرق العالم التجارية، مثل طريق التوابل والبخور، والشاي والخيول، والكهرمان، والملح، وغيرها، وهذا دليل على نباهتهم، ودرايتهم، والأهم من ذلك أمانتهم ونزاهتهم وحُسن تعاملهم قولاً وعملاً.

شريحة كبيرة من المشترين من الدول العربية لا يثقون بالتاجر العربي، وأن ثقتهم -للأسف- تكون أكثر في غيره،

*

التجار، الذين أصبح لهم لقب كأنهم فئة منبوذة من الشعب.

الحرامي هو اسم منسوب إلى فاعل الحرام، ويكثر إطلاقه على اللّص أو الشخص الذي يقوم بأخذ ما هو ليس له، أما التاجر فهو الشخص الذي يمارس الأعمال التّجاريّة بيعًا وشراءً على وجه الاحتراف لجني الأرباح، فهما ليستا مترادفتين لبعضهما ومعانيهما تختلف تماماً.

أصبحت كلمة «هذيلة حرامية» دارجة على لسان الكثيرين، تطلق على أي تاجر حقق أرباحاً في عمله، والكثير من العوائل التجارية المحترمة التي عملت لسنوات طويلة، كان لها دور فعّال في تطوير السوق والاقتصاد المحلي وتوصيل الكويت إلى العالمية على الصعيد التجاري.

لولا التجار لما كان هناك قطاع خاص يعمل فيه أكثر من 70 ألف مواطن، ولولا القطاع الخاص لما كانت هناك بنوك تنظم القطاع المصرفي، ولا شركات اتصالات توفر إنترنت ولا وكالات تبيع سيارات، ولا أغذية ولا أدوية وإلى آخره من السلع والخدمات التي أصبح المواطن والمقيم لا يستغني عنها في حياته اليومية. ولا ننسى أن معظم قضايا الفساد هي قضايا مال عام استولى عليها موظفو القطاع العام ويبقى السؤال الجوهري: من هم الحرامية؟.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق