الثلاثاء، 19 مايو 2020

انهيار القيم في مواجهة مصالح السوق

عندما ترتدي السوق ثوب القيم وعباءة الإصلاح

شحن رموز الاستهلاك بالمعاني
لا غنى للسُّوق عن علامات تجاريّة وهويّات بصريّة تتمايز بها السِّلَع والخدمات بعضها عن بعض، ويُشَبَّع كلّ منها بمفاهيم مخصوصة وقيَم معيّنة تُحبَك مُقدِّماتُها وتُنسَج أحابيلُها في أذهان المجتمعات ووجدانها؛ بما يتجاوز حدود المنفعة المُتوخّاة من السِّلْعة أو الخدمة على نحو مجرّد. ترغِّب السُّوق جمهورَها بعلاماتٍ تجاريّة تُضَخّم في الأذهان وتُشحَن بمفاهيم ومعانٍ وقيم، وقد تدفع مجاراةُ هذه العلامات إلى المبالغة في شراء منتجات محدّدة ولو كانت مزيّفة؛ طلباً لألقِها دون منفعتها.
تصير العلامةُ التجارية قيمةً بحيالها بعد أن تُسخّر لها ارتباطاتٌ شَرطيّة في الثّقافة الإعلانيّة والمسالك الترويجيّة، بما يفسِّر اقتناءَ بؤساءِ الأرض بعض السِّلَع الرّديئة لأجل علاماتٍ مزيّفة تحملها. فقيمة العلامة تتجاوز عند جمهورها جدوى الاستعمال أو الوظيفة المجرّدة. تمنح القيمةُ المعنويّةُ للعلامات التِّجاريّة فرصَ التّفاوتِ السِّعريِّ الجسيم بين مُنتجات أو خدمات مُتماثلة تقريياً؛ على أساس ما تكتنزه من رسائل وما تفيض به من إيحاءات، وهو ما يُتاحُ اختبارُه في قوارير المياه المُعبّأة مثلاً وإنْ تفاوتت في جوْدتها أو مكوِّناتها المعدنيّة نسبيّاً.
النساء في البؤرة مجددا
ظلّت السُّوق ضالعةً في استخدام المرأة وتسليعها، لكنّ ذلك جرى من قبل بصفة فجّة للغاية مع نزعة ذكوريّة طاغية أحياناً استعملت المرأة واسطةَ ترويجٍ مظهريّة لإطارات السيّارات وشفرات الحلاقة وربطات العُنُق، وهو ما طرأت عليه معالجات نسبيّة دون التخلِّي عنه بالكامل.
++++++++++++++++++

انهيار القيم في مواجهة مصالح السوق

ستبقى قيم السوق في صراع دائم ومستمر مع قيم الدِّين والمسجد، وهي الإشكالية الدائمة
تبرز في أكثر المجتمعات تحفّظاً وتديّناً، لأنّها تعكس طبيعة الصراع الدائم والمستمر الذي تعيشه النفس بين العقل والهوى

وهذه الهيمنة التي ستحظى بها السوق في إدارة وتوجيه حياة المجتمعات البشرية في عصرنا الراهن، ستعكس بطبيعة الحال هشاشة غير مسبوقة في قيم التسامح والمحبّة والإحساس بالحرمان الذي يعانيه ملايين البشر الآخرين. ومن هنا يستشرف (جاك أتالي) مستقبل السوق في القرن الحادي والعشرين بالقول: "سيشهد مطلع القرن المقبل انتصار هذا الإله الذي لا يخطئ، ثمّ سيزعم بعض اللأدريين بأنّه غير موجود، وأخيراً ستنشب حروب اقتصادية حين ترى النور أشكال جديدة من تنظيم المبادلات.

ستمتد سيطرة السوق، في البداية، على كلّ الكرة الأرضية، حيث ستقضي التخصصية على القطاعات العامّة، كما سيتيح السوق توزيع ندرة السلع المتنوعة من دون الوقوع تحت رحمة بيروقراطية فاسدة.
وسيصبح المواطن والمريض والأُم والأب مستهلكين، أي أنّهم لن يقبلوا بإخضاع رغباتهم الفردية – إذا كانوا يملكون إمكانيات مالية لإشباعها – لحكم أكثرية قد لا تشاركهم فيها".
وبعبارة مختصرة - يقول أتالي -: "سيكون السوق الحكم في كلّ شيء"، نعم إنّه الإله القديم الجديد الذي سيعود بكلّ عنف ليثبت هيمنته في مواجهة كلّ القيم الإنسانية، 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق