تبدو دعوى "تنقية التراث" من أغرب الدعاوى، وهي –فوق استحالتها– تشكّل عدوانًا على التّراث نفسه، إذا قصد بها أن تقوم المجامع المختصة بحذف ما لا يرضينا من التّراث، من فتاوى وأحاديث دخيلة على النبي الكريم؛ فعملية الحذف ذاتها غير علمية، ولم يتوقف المختصون يومًا عن تحيين هذه النصوص، ومراجعة سياقاتها، ودرجات صحتها، وهذا عمل يعرفه أهله جيدًا.
بالبحث عن تراث جاهز، يُلبي احتياجات الحاضر، ويقطع الطريق على جماعات التطرف، وهذه فكرة خاطئة تمامًا؛ فالتراث –بطبيعته- منجز تاريخيٌّ، ولا يكون معاصرًا بعمليات التنقية و"التقييف"، فهذه مجرد حركة في المحلّ، نخدع بها أنفسنا، وهي رغم ظاهرها البرّاق إلا أنها في جوهرها استدعاء للماضي أيضًا، استدعاء لما نراه الآن مناسبًا، وهذا يعني أن نسمح للأجيال اللاحقة أن تقتطع من التراث ما تراه مناسبًا لها كذلك... وهذا كله يعني أننا أمة يرتهن حاضرها بماضيها، وعقولها بعقول آبائها، ولا ينبغي للماضي -مهما كان رائعًا– أن يطغى على الحاضر مهما كان بائسًا، فلا مفرّ أمام الحاضر من العمل والتجاوز والفهم وإنتاج المعرفة المناسبة، ثم يغدو الحاضر نفسه -بعد زمان يطول أو يقصر- تراثًا، تعيد الأجيال اللاحقة تأويله وتملكه وتجاوزه والبناء فوقه، هكذا تفهم الأمم الحية تراثها، وهكذا تُسهم في التّقدم المعرفيّ المذهل الذي يعرفه العالم الآن دون أن تفقد هويتها الإنسانية والحضارية.
++++++++++
التبرير سمة من سمات العقل العربي المسلم، ومكون راسخ في ثراثنا الثقافي والديني. يوظف البعض من شيوخنا وعلماءنا سلاح التبرير في سبيل إثبات أو نفي صحة رأي، حكم في قضية محل جدل.
محمد شحرور في كتابه "تجفيف منابع الإرهاب" عن أزمة الانتقاءية في الثقافة الإسلامية، فيقول: إن مفهوم الوسطية كشعار إسلامي ما هو إلا تخريجة للخروج من مأزق 11سبتمبر وما تلاها شأنها شأن الكثير من التبريرات خلال تاريخنا الطويل. كتخريجات فقه الأقليات وفقه الأولويات كما اخترعوا الناسخ والمنسوخ لتبرير التضاد الظاهري في آيات "لا إكراه في الدين" ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فمن يريد القتال يورد آيات القتال ومن يريد السلم يورد آيات السلم. وكذلك استعمال مصطلح مقاصد الشريعة لتبرير بعض الفتاوى، وهكذا أصبحت الثقافة الإسلامية ثقافة انْتِقائيَّة. والمثير للانتباه أن تلك الانْتِقائيَّة التي تعامل بها البعض من تيارات إسلامية أو غير إسلامية مع تراث محمد شحرور نفسه، ووصفه مرة بأنه ضد ثوابت الدين، ومرة بالعلمانية المتطرفة، رغم أن الرجل نفسه لم يخرج عن إطار الاجتهاد وإعمال العقل في فهم النصوص الدينية.
خطورة lلانْتِقائيَّة في إنها تؤدي الى الجهل والتعصب وعدم قبول النقد، لأنها تجعل صاحبها إذا كان قليل العلم والخبرة، عرضة لأي استقطاب من التيارات الأصولية المتطرفة، التي تعمل على تبرير تصرفاتها الخارجة عن حكمة وسماحة وجوهر الأديان، بما يناسب توجهاتها وادلجة التراث الديني، بما يعني
تاويل النصوص حسب معتقدات وأفكار تلك الجماعة، لتحقيق مصالح غير
مشروعية.
تؤدي الانْتِقائيَّة إلى الانعزالية وعدم الاندماج في المجتمعات، وأحيانا يصل الأمر بتلك الجماعات وفق الانْتِقائيَّة إلى تأسيس مجتمعات جديدة على في الصحراء على النحو الذى كانت عليه الحياة الأولى في صدر الإسلام أو هكذا يتصورون. فكل شىء لديهم له مبرر وسند شرعي.
لاسبيل لتحرير فهم الدين من الروح lلانْتِقائيَّة سوى بإصلاح وتجديد الخطاب الديني.
التبرير سمة من سمات العقل العربي المسلم، ومكون راسخ في ثراثنا الثقافي والديني. يوظف البعض من شيوخنا وعلماءنا سلاح التبرير في سبيل إثبات أو نفي صحة رأي، حكم في قضية محل جدل.
محمد شحرور في كتابه "تجفيف منابع الإرهاب" عن أزمة الانتقاءية في الثقافة الإسلامية، فيقول: إن مفهوم الوسطية كشعار إسلامي ما هو إلا تخريجة للخروج من مأزق 11سبتمبر وما تلاها شأنها شأن الكثير من التبريرات خلال تاريخنا الطويل. كتخريجات فقه الأقليات وفقه الأولويات كما اخترعوا الناسخ والمنسوخ لتبرير التضاد الظاهري في آيات "لا إكراه في الدين" ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فمن يريد القتال يورد آيات القتال ومن يريد السلم يورد آيات السلم. وكذلك استعمال مصطلح مقاصد الشريعة لتبرير بعض الفتاوى، وهكذا أصبحت الثقافة الإسلامية ثقافة انْتِقائيَّة. والمثير للانتباه أن تلك الانْتِقائيَّة التي تعامل بها البعض من تيارات إسلامية أو غير إسلامية مع تراث محمد شحرور نفسه، ووصفه مرة بأنه ضد ثوابت الدين، ومرة بالعلمانية المتطرفة، رغم أن الرجل نفسه لم يخرج عن إطار الاجتهاد وإعمال العقل في فهم النصوص الدينية.
خطورة lلانْتِقائيَّة في إنها تؤدي الى الجهل والتعصب وعدم قبول النقد، لأنها تجعل صاحبها إذا كان قليل العلم والخبرة، عرضة لأي استقطاب من التيارات الأصولية المتطرفة، التي تعمل على تبرير تصرفاتها الخارجة عن حكمة وسماحة وجوهر الأديان، بما يناسب توجهاتها وادلجة التراث الديني، بما يعني
تاويل النصوص حسب معتقدات وأفكار تلك الجماعة، لتحقيق مصالح غير
مشروعية.
تؤدي الانْتِقائيَّة إلى الانعزالية وعدم الاندماج في المجتمعات، وأحيانا يصل الأمر بتلك الجماعات وفق الانْتِقائيَّة إلى تأسيس مجتمعات جديدة على في الصحراء على النحو الذى كانت عليه الحياة الأولى في صدر الإسلام أو هكذا يتصورون. فكل شىء لديهم له مبرر وسند شرعي.
لاسبيل لتحرير فهم الدين من الروح lلانْتِقائيَّة سوى بإصلاح وتجديد الخطاب الديني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق