Aug 16, 2021 Feb 7, 2022 Mar 9, 2022
العنف الأسري يوقع الفتيات في دوامة الزواج العرفي
معضلة الكثير من الأسر العربية تكمن في أنها اعتادت على الاعتداء البدني واللفظي على الفتيات المراهقات، بدافع تقويم سلوكهن وإجبارهن على اتباع نمط حياة أكثر تقييدا لتحركاتهن وحرياتهن وملبسهن، فوجدت الكثيرات منهن صعوبة في تقبل العيش في الأطر التقليدية التي تضطهدهن وتحرمهن من أبسط حقوقهن، فخيرن الهرب بحثا عن بيئات أخرى تكون أكثر أمانا وتسامحا معهن.
جددت تحقيقات الأمن المصري في اختفاء ثلاث فتيات والتخطيط للزواج العرفي دون علم الأسرة، الجدل حول ظاهرة هروب المراهقات من بيت العائلة، فلم تعد مثل هذه الوقائع فردية أو مقتصرة على مجتمع بعينه، بل صارت تحدث بشكل متكرر في دول عربية كثيرة، أخفقت في وقف العنف الأسري والترهيب النفسي.
وقالت الشرطة المصرية في تحقيقاتها، إن الفتيات الثلاث هربن من منازلهن بعد تكرار الاعتداء عليهن من آبائهن وأمهاتهن، وهي نفس المبررات التي تستند إليها مراهقات عربيات عندما يتركن أسرهن دون سابق إنذار، فتنتفض الأسرة وتدّعي اختطافهن، وتكون المفاجأة أنهن اخترن الزواج العرفي بمحظ إرادتهن بحثا عن أحضان دافئة وبيئات آمنة.
كانت بعض الفتيات تهربن من بيت الأسرة وتخترن الإقامة لدى أحد أقاربهن أو أصدقائهن كرسالة تحذير للأهل من خطورة الاستمرار في السلوك العدواني، لكن خطورة العنف الذي أصبح يستهدف المراهقات بذريعة تربيتهن وعقابهن على الأخطاء أصبح يلقي بهن في دوامة الزواج العرفي دون وعي.
وفي الجزائر، حذرت شبكة الدفاع عن حقوق الطفل من استفحال ظاهرة هروب القاصرات من بيوتهن، وشهدت فترة الحجر الصحي اختفاء 100 فتاة. وتحدثت منظمات نسائية في كل من السعودية والمغرب عن انتشار هذه الظاهرة بوضوح.
وتكمن معضلة الكثير من الآباء في أنهم اعتادوا على تقويم سلوك الأبناء، تحديدا الفتيات، بنفس الطريقة التي تربوا عليها في الصغر، من خلال الاعتداء البدني واللفظي والترهيب النفسي، دون مراعاة لتغير الظروف، وحاجة الأجيال الجديدة للاحتواء لا العقاب الذي يدفعهم للبحث عن بيئة آمنة غير الأسرة.
وإذا كانت أغلب العائلات في المجتمعات الشرقية تميّز الذكور عن الإناث في الكثير من الحقوق، فلا يتم التعامل مع الأنثى بشكل يحترم كينونتها ولا براءتها، بحيث تكون لها خصوصية في نمط التربية عندما ترتكب خطأ.
ومع كل واقعة هروب فتاة تكون ردود فعل أسرتها عنيفة، وتوصمها بتوصيفات بشعة، على غرار أنها منعدمة التربية وتستحق العقاب البدني، وهناك من يحرض بطريقة المثل الشعبي “اكسر ضلعا لابنتك لتتجنب جلب العار لأسرتك”.
ويمكن من خلال ردود الفعل من جانب الكثير من الأسر، اكتشاف حجم العنف الموجه ضد الفتيات، فمنها من يبيح ضرب المراهقات كطريقة وحيدة للتربية، ما يجعل معدلات الاعتداء البدني على الإناث يصل لمستويات قياسية، فيما تمنعهن التقاليد والأعراف الاجتماعية من الهروب خشية الوصمة المجتمعية.
كما أن بعض رجال الدين يصدرون بين الحين والآخر فتاوى تحث على ضرب الأنثى التي تحتاج لتقويم السلوك، بذريعة أن الشرع أباح ذلك، وهو ما أشار إليه الداعية الأزهري عبدالله رشدي مؤخرا بقوله “العنف ضد المرأة ليس مبررا لهجرة البيت والتمادي في تصرفات قليلة الأدب”.
محمد هلال، استشاري الصحة النفسية في القاهرة، إن التماس الأعذار من جانب المجتمع للآباء على ضرب الفتيات يغذي العنف الأسري، والخطر أن يكون هناك صك ديني يبيح هذا التصرف المشين، لأن أغلب الناس في البلدان العربية متدينون بالفطرة، ويستخدمون الفتوى مبررا لأي فعل خاطئ، ولو كان يشوه صورة الدين.
الفتاة في مرحلة المراهقة تميل للاستقلال والبحث عن حضن دافئ وبيئة آمنة، ولو لم تجد هذه المزايا داخل أسرتها، سوف تضطر للبحث عنها خارج بيت العائلة، فقد تتزوج عرفيا من شاب يستغل ظروفها، لأنه في هذه الحالة تكون وصلت لمرحلة الاستسلام والتضحية بأي شيء للحصول على الأمان.
رغم وجود قوانين في أغلب البلدان العربية تعاقب الآباء على الاعتداء البدني بحق أبنائهم، لكنها غير مجدية
تقديس أسلوب التربية الذي نشأت عليه، فمن كان يتعرض للاعتداء في الصغر من أبويه يرى أن هذا السلوك أفضل وسيلة للتقويم، مع أن شباب اليوم متمردون بالفطرة على كل ما يرتبط بالماضي، وإغفال الآباء لهذه النقطة يقود إلى كوارث أسرية.
ويدرك بعض الآباء أنه من حق الأبناء الإدلاء بآرائهم والدخول في نقاش معهم والدفاع عن حقهم في نمط الحياة الذي يناسبهم، فالجيل المعاصر يقدس حقه في الاعتراض، ما وسع الفجوة بين الطرفين، وصارت هناك أزمة في التفاهم، حتى الأم التي يفترض أنها صديقة لبنتها وتوفر لها الحنان شغلتها صعوبات الحياة عن القيام بدورها.
ويرى متخصصون في شؤون الأسرة، أن الفتاة المراهقة إذا شعرت أنها مجبرة على نمط حياة لا يناسبها، وتفرض عليها قوانين عائلية لا تتوافق مع طموحاتها، وتعيش غريبة ومنبوذة في بيتها، فإنها تميل تجاه الأصدقاء وإقامة علاقات غير مشروعة تعوضها عن سجن الأسرة المعنوي، حتى تسقط في براثن شاب يغريها بالعاطفة المفقودة، وبعدها يتم وصمها بأعنف التوصيفات.
وعندما تصل علاقة الفتاة بالبيت حد الكراهية، لن تحترم الأعراف أو التقاليد، لأنها ترى في التمرد على الأسرة التي تعيش فيها حلا وحيدا لتعيش حياة كريمة وآدمية، فتلجأ إلى كسر والديها بالهرب، وتضطر إلى أن تقدم نفسها على طبق من ذهب لمن يرغب في الزواج منها ولو عرفيا، فلم يعد لديها ما تخسره، المهم أن تنتقم من عائلتها.
ويزيح التدقيق في حوادث الاختفاء الأخيرة لفتيات من مجتمعات مختلفة، الستار عن أزمة أكبر، فلم تكن تجرؤ أي أنثى مراهقة تعيش في بيئة ريفية أو شعبية على الهروب من بيتها بعكس الحاصل في مناطق حضرية، لكن المعادلة تغيرت، ما يوحي بأن التقاليد الصارمة تحطمت أمام تمرد الفتيات على العنف والتمسك بإعلان العصيان.
أكدت أسماء عبدالعظيم، استشارية العلاقات الأسرية، أن تجاهل المجتمع توجيه اللوم إلى الأسرة التي تتخذ من العنف سبيلا مثاليا لتقويم سلوك المرأة، يشجع العائلات على ارتكاب المزيد، وحان وقت التعامل مع هروب الفتيات باعتباره أحد أهم الأسباب التي ضاعفت حالات الزواج العرفي بين المراهقات كمدخل لترهيب الأسر وإجبارها على تغيير سلوكياتها، لأن أغلب المعنفات لديهن شغف بخوض التجربة والميل للتقليد.
رغم وجود قوانين في أغلب البلدان العربية تعاقب الآباء على الاعتداء البدني بحق أبنائهم، لكنها غير مجدية، والمعضلة أن العنف صار يصدر عن فئات متعلمة، ما يعني أنه سلوك متوارث لا علاقة له بالجهل، بل غياب الوعي بالتربية الصحيحة الآدمية، ما يُشعر الكثير من المراهقات بأن الابتعاد عن منزل الأسرة سوف يوفر لهن حياة أفضل.
إذا كان أغلب أرباب الأسر لديهم مشكلة أزلية مع الأساليب التربوية الصحيحة في تقويم سلوك أبنائهم، فالأمل الوحيد في التركيز على الأجيال الصاعدة بتعريفهم كيف يربون أولادهم عندما يتقدمون في السن ويكونون مسؤولين عن عائلة، بحيث تكون هناك مناهج تعليمية متخصصة لذات الغرض، لأن التراخي في هذه الخطوة من شأنه أن يتوارث الأبناء طريقة الآباء في التربية، ويصبح العنف الأسري ثقافة مجتمعية تتناقلها الأجيال، وتستمر الفتيات في البحث عن الملاذ الآمن خارج إطار الأسرة.
أريد أن أكون سعيدة لكن ما بين خلل الهرمونات و البنى القمعيّة الأبويّة الرأسمالية لا سعادة و لا فرح، تعب، ارهاق، استنزاف، غضب و حزن، حزن و غضب...
الاكتئاب قضيّة نسويّة
احذر أن تصدق الكلام الوردي اللي بيتقال عن الدنيا وأن الإنسان لأخيه الإنسان. كل دي شعارات كدابة وكلام بنتغنى بيه احنا عايشين في غابة يا عزيزي البريء.
Oct 15, 2020
*
هروب الفتاة من بيت أسرتها خطأ مشترك بين الفتاة والأسرة تتحمل فيه العائلة جانبا كبيرا من المسؤولية،
تعيش أسرة الفتاة حياة بائسة مليئة بالمنغصات، فالأب والأم يشعران بالعار والفضيحة والخوف، وباقي الفتيات يراودهن الإحساس بأن والدهن سيكون أشد قسوة عليهن حتى لا يسلكن نفس مسار الهرب مثلما فعلت الابنة الكبرى، في حين تسعى عائلة الأب للبحث عن الهاربة للانتقام منها.
العنف الأسري تجاه الفتيات أصبح محفزا على هروبهن بعيدا عن أحضان العائلة للارتماء بين أحضان غريبة، ربما تكون أقل رحمة ورأفة وعاطفة من الأب والأم في ظل اتساع الهوة الثقافية بين الآباء والأبناء حول نمط التربية المطلوب تطبيقه.
التحاور والتفاهم والتصادق بين الطرفين هو المسار الأكثر قبولا للأجيال الصاعدة التي صارت تتشدق بالتمسك بالمعاملة الإنسانية المتحضرة من الأهل.
لا يتردد الكثير من الآباء في الاعتداء اللفظي والإهانة البدنية تجاه الفتيات إذا ارتكبن خطأ، أو تصرفن بطريقة تخالف العرف والتقليد المجتمعي، باعتبار أن الترهيب أقوى سلاح للردع وعدم تكرار نفس الخطأ من دون منح الفرصة للفتاة للدفاع عن نفسها وتبرير تصرفها أو الاعتراف بجهلها بأنه خطأ أو جريمة مجتمعية.
صارت تدخلات الأسرة في تقرير مصير الفتاة في كثير من المجتمعات العربية مبالغا فيها بشكل فج، مثل شكل الملابس وطبيعة التعليم وهوية الوظيفة وتحديد مواعيد للخروج والعودة، والتحكم في نوعية الأصدقاء، وتحريم الاختلاط بالشباب، أو التحدث معهم على الإنترنت، ووضع مساحيق التجميل والإجبار على الزواج من شخص بعينه.
هذه التصرفات تشعر الفتاة بأنها تعيش في سجن فتبدأ بالتفكير في التمرد على هذا الواقع أمام الضغوط النفسية التي لم تعد تتحملها، فتقرر الهرب لأيام وربما تختفي نهائيا، وهناك فتيات يخترن الاختفاء المؤقت لدق ناقوس الخطر ولفت انتباه الأبوين بأن طريقة التربية والتعامل خاطئة ويجب تغييرها.
لا تدرك أغلب الأسر أن الفتاة التي تفتقد الحنان داخل عائلتها قد تبحث عنه عند غرباء، فالأنثى التي لا تشعر بالأمان مع والديها لن تتردد في تسليم نفسها لشاب تعتقد أنه أكثر عطفا وأمانا، فتتزوجه عرفيا أو تهرب معه، لكنها غالبا ما تصطدم بأن هذا الشاب طالما وجدها صيدا سهلا لن تكون بالنسبة إليه سوى سلعة زهيدة.
فهن يحتجن معاملة أثناء سن المراهقة تختلف جذريا عن المرحلة التالية، وإن لم تجد الدفء والأمان في منزلها، وتم التنكيل بها عاطفيا وجسديا وغاب الحوار معها فقد يكون خيار الهروب حتميا.
قد تكون الفتاة المراهقة بطبيعتها ذات نزعة استقلالية ورغبة في إثبات الذات والتمرد على القيود، وهذه مرحلة تحتاج إلى احتواء وليس عنفا، وباعتبار أن أغلب الهاربات مراهقات، فإنه صار على العائلة العربية أن تعيد حساباتها في شأن تربية الفتاة والاعتراف بخصوصية كيانها قبل أن تبحث عن أحضان غريبة مهما كانت العواقب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق