الخميس، 7 يناير 2021

عادل نعمان **

عودوا إلى دياركم واتركوها للكافرين 

 والموسيقى والغناء والمعازف والرقص عندهم من أوامر ومكايد الشيطان وتزيينه، وكلها تضعف الإيمان وتصد المسلم عن الصلاة وقراءة القرآن.

وتبرج النساء وطيبهن واستعطارهن فى شوارعهم زنا بواح وتهييج لشهوة الرجال، وباب من أبواب الشياطين، وفاحشة مبينة وساءت مصيراً.

والعلمانية كفر وزندقة وشرك بالله وجاهلية وانحراف، والتنكر لدين الله والحكم بغير ما أنزل الله. والإقامة فى بلاد الكفر والإباحية لا تخلو من أضرار ومفاسد فى الدين والخلق.

*

الإسلام دين وليس دولة

 آيات الناسخ والمنسوخ، وكذلك أسباب النزول، يؤكدان على زمانية الأحكام، تبقى ببقاء العلة، تدوم معها إن وجدت، وتنعدم إذا انتفت، فإذا قامت الثورات الإنسانية وخلصت الناس من العبودية والاسترقاق والاستغلال والذل ووافق هذا قيم الناس ومثلهم وحكمتهم وأفكارهم، وارتاحت لها ضمائرهم وأخلاقهم، نسحب حكم الرق وملك اليمين فى ذكاء ووفاق، مباركا ما أقدمت عليه البشرية واختارته بإرادتها احتراما لرغبة ومشيئة الناس، ويقينى أنها تتفق مع مشيئة الله وإرادته فى زمانها ومكانها، وإلا ما خرج أمر من أمور العباد، وما زاد وما نقص وما نسخ حكم إلا إذا كان رهنًا لمشيئة الخالق، هكذا يجب أن نتعامل مع كل الأحكام كما تعامل معها التاريخ والقانون والحكام العدول.

يوحى إليه، ينسخ له من الأحكام ما فيه حاجة إلى النسخ،

ويتنزل عليه من الآيات فى كل مناسبة

انقطاع الوحى من السماء، فقد تعطل النسخ، وتوقفت الآيات عن النزول مددًا وإرشادًا وتوجيهًا، وتوقف الاتصال بين السماء والأرض، فأصبح الحكم بشريًّا، يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، لا عصمة فيه لحاكم أو خليفة مهما كان موقعه من النبى فى حياته أو بعد مماته.

 عن المطالبة بتطبيق «الشريعة» وهو لفظ حديث اصطلاحى وليس على ما جاءت به هذه الآية «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» أو «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ» فقد كانت فى التنزيل على معنى «المنهج والوسيلة» وليست على مقصود «الفقه» وهو اجتهاد بشرى مأخوذ عن مبدأ الاستنباط والاجتهاد من الكتاب والسنة، فأغلب الأحكام لا تحمل تفصيلًا أو شرحًا، وكانت محدودة حدود الزمان والمكان، فهذه الحدود الأربعة فقط وهى حد السرقة والزنا ورمى المحصنات والحرابة هى الحدود التى نزلت على الناس، وماذا عن غيرها من الجرائم الحديثة والقديمة ومستجداتها؟ وماذا عن القصاص وتفصيلاته وما طرأ عليه؟ وما جاءنا عن التجارة سوى «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» وفى المعاملات «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» وماذا عن التفاصيل الأخرى من البيع لأجل والاستيراد ومعاملات البنوك والقروض وغيرها؟ وعن الأحوال الشخصية والميراث، هناك تفاصيل كثيرة يجوز مراجعتها، وقد تم هذا فعلًا وأضيف إليها «الوصية الواجبة» ولو كان الأمر مقصودا ألا يتدخل فى هذه الأحكام بشر لتوسع الله فيها بما يضمن عدم الخوض فيها مستقبلا، أو الاختلاف عليها؟ وقد كان لله المساحة الواسعة فى قرآنه الكريم، ولا يدع للناس مجالًا للخلاف أو الحاجة، إلا أن رب العزة قصد أن الناس أعلم بشؤون دنياهم، وأن الدين يضع القواعد العامة دون تفاصيل.

لم تكن الخلافة الإسلامية، هذا الحلم الذى يراود الإسلامويين ويداعب خيالاتهم، نموذجًا مقدسًا فريدًا ناجحًا تصبو القلوب إليه، فإن أى دولة ديمقراطية مدنية الآن أظن أنها أكثر عدلًا ونزاهة ورحمة من كل الخلافات التى مرت فى تاريخنا، فقد عم الظلم فى الكثير منها، كما أسلفنا، وكانت أشد وأقسى على غيرهم ، والعدل لا يُقسَّم ولا يُجزَّأ، بل هو رقم صحيح لا يقبل القسمة على صاحب البلاد والأجنبى، أو الأخ فى الدين والآخر، أو القريب والغريب، بل كل منهما رقمًا صحيحًا لا يكسر ولا يختزل ولا يقبل الميل فى الميزان لصالح طرف على حساب الآخر، حتى لو كان هذا الطرف هو الأغلبية، هذا هو مفهوم العدل الإلهى والإنسانى الحديث.

كل القتلى فى تاريخنا كانوا وما زالوا تحت شعار الخلافة وباسم الله، من الفتنة الصغرى وما قبلها والكبرى وما بعدها حتى الدواعش، آلاف القتلى من موقعة الجمل وصفين والنهروان وكربلاء والحرة الشرقية والزاب ومذابح بنى العباس والقرامطة حتى مجازر آل عثمان. بين المبشرين بالجنة والصحابة والتابعين، وسرقة أموال بيت المسلمين من الأئمة والولاة ومنهم من رواة الحديث، وراجع ما تركه الكثير منهم من أطنان الذهب والضياع والقصور، ويكفيك مصادرة معاوية بن أبى سفيان أموال عمرو بن العاص بعد موته، وقال: «نحن نأخذها بما فيها من سحت وظلم»، وراجع الرسائل النارية بين على بن أبى طالب وبين عبد الله بن العباس بعد فراره فى خفارة أخواله من البصرة إلى مكة ومعه أموال بيت المال، وهذا الخليفة «على» يسأله أن يرد أموال المسلمين إلى بيت المال، وذاك الراعى «بن عباس» يرد عليه ويسأله أن يرد دماء المسلمين، أموال ونفوس ضاعت وذبحت كلها تحت شعار الخلافة.

الإسلام دين وليس دولة، والخليفة ليس خليفة للنبى بل هو منصب سياسى، ارتدى لباس الدين لصالحه، فلما يقول معاوية «الأرض لله، وإنا خليفة الله، فما أخذت فلى وما تركته للناس فالفضل منى» هو ترسيخ سياسى لفكرة «الحاكمية» وميراث لملك عضوض لأولاده، وسلطان وقيصر وإمبراطور لا يخلع منها حتى لو امتطى رقاب العباد وسلبهم أموالهم وديارهم، ولما يقول أبو جعفر المنصور سفاح بنى العباس مخاطبًا الرعية «نحكمكم بحق الله الذى أولانا، وسلطانه الذى أعطانا، وإنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله» تصبح الخلافة جندًا من جنود الله، ومشيئته لا راد لها حتى يرث الله الأرض وما عليها، أو يخرج من يذبح ويقتل ويفتش عنهم فى القبور لصلب جثثهم، حتى يتهموه بالكفر والزندقة. (الدولة المدنية هى الحل).

علي عبد الرازق الشيخ الأزهري الوقور، الذي قدم أهم ما تم إنتاجه في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، وهو كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذي يوضح فيه بشكل قطعي الفصل التام بين الدين والدولة، وأن الخلافة هي مفهوم سياسي. طبعاً كان هذا طرحاً ثورياً وصادماً جداً في وقتها، جعل الرجل يدفع ثمناً باهظاً جراء موقفه وفكره هذا الذي تسبب في فصله من الأزهر وأن يوضع على قائمة سوداء تحظر التعامل معه تماماً، وظل على هذا الوضع حتى توفاه الله عام 1966. ولو كان الأمر بيدي لجعلت كتابه المذكور مادة إلزامية في المدارس بشتى أنواعها لما فيه من إضاءات مهمة جداً تنافي السردية المعتمدة تاريخياً وباتت تردد دونما تفكير ولا تدبر ولا تمعن.

 سيول وشلالات النقد والتشكيك والتجريح الراحل الكبير الدكتور السوري محمد شحرور، الذي قدم مجموعة مؤلفات في غاية الأهمية تتركز على مشروعه الرئيسي والشامل؛ قراءة عصرية للقرآن الكريم، وهو المشروع الذي خاطب عقول الأجيال الشابة منذ الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، وبنى له قاعدة شعبية عريضة جداً لا يمكن إنكارها ولا إغفالها.
خلط المشروع السياسي بالمشروع الديني يقدم منتجاً «معطلاً» للعلم والفكر الحر، وهذا أحد أهم أسباب «مشكلات الفكر الديني» مع منظومة العلم ومتطلباتها. «للحقيقة أوجه مختلفة»، ولا أحد يملك الملكية الحصرية لها ليتحكم فيها. هذه قاعدة أساسية، متى تحققت تمكن الإنسان من تقديم السردية التاريخية كاملة بدون أن تكون حمالة أوجه أو لها مآرب أخرى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق