في 2008 كان العراق لا يزال يتعافى من تبعات حرب طائفية خلفت عشرات آلاف القتلى، أعقبت الغزو وانهيار مؤسسات الدولة عام ٢٠٠٣، وأدت لسيطرة القوى الشيعية على غالبية مفاصل الحكم في البلاد، وبالمقابل صعود التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة".
هدأت الأوضاع في العراق بعد هزيمة تنظيم "القاعدة"، بدعم كبير مما عرف بالصحوات السنية التي أُنشئت ودُربت من قبل القوات الأميركية، وفي لبنان استطاعت وساطة قطرية أن تعيد ترتيب البيت اللبناني، وتجاوز لحظة خطرة كادت ان تنزلق خلالها البلاد لاقتتال طائفي.
التسويات التي تم ترتيبها على عجل لم تكن أكثر من علاجات موضعية مؤقتة، وأن الصدع الذي بدأ بالتشكل سيزداد عمقاً ووعورة مع عقد الثورات العربية الذي أدى لتضعضع أنظمة الحكم القائمة في المنطقة، وسيطرة تنظيمات سنية متطرفة على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، قبل ان تُهزم هذه التنظيمات مع ظهور الفصائل الشيعية المدعومة إيرانياً.
الولي الفقيه
نجاح الثورة الإسلامية التي قادها آية الله خميني في إسقاط نظام الشاه عام ١٩٧٩، وإقامة نظام حكم إسلامي شيعي يتبع نظرية ولاية الفقيه التي أرساها خميني، والتي تمنحه صلاحيات مطلقة باعتباره نائب الإمام الغائب محمد المهدي بحسب الشيعة الاثني عشرية.
بعدها بعام، دخل العراق وإيران في حرب ضروس استمرت ثمانية أعوام. وبات العراق يوصف من قبل الدول العربية المناوئة لإيران بـ"حارس البوابة الشرقية" للعالم العربي أمام إيران "الصفوية" - وليس الشيعية - التي تطمع في استعادة السيطرة على مناطق نفوذها التاريخي في منطقة الخليج، بحسب ما درج الإعلام العربي المعادي لإيران على بثه.
إيران كانت قد بدأت بالفعل العمل على مد نفوذها معتمدة على الهوية الشيعية عبر "تصدير الثورة"، وشرعت في بناء أولى لبنات هذا النفوذ في منطقة البقاع اللبناني أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بتأسيس أولى مجموعات تنظيم شيعي جديد يؤمن بولاية الفقيه سيعرف باسم "حزب الله".
طائفية علمانية
اللافت بالعودة إلى تلك المرحلة أن دول المشرق العربي لم تكن قد شهدت أي أحداث عنف طائفي تذكر بين مكوناتها الشيعية والسنية منذ انتهاء عصر الانتداب الغربي وولادة الدول بشكلها الحالي، ربما باستثناء حالتين لاحقاً، شكلتا اختباراً هاماً للطريقة التي قد تلجأ أنظمة حكم قومية علمانية للتعامل من خلالها مع أي خطر قد يهدد بقاءها في سدة الحكم:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق