الخميس، 18 مايو 2023

المجتمعات المعاصرة تصارع لنيل الاعتراف . أكسل هونيث

May 17, 2022 " May 3, 2023

المجتمع الجيد هو المجتمع الذي يسمح لأفراده من خلال توفير الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بتحقيق ذواتهم واستقلاليتهم. كما أنه المجتمع الذي يسمح لأفراده بتحقيق أحلامهم دون المرور من تجربة الاحتقار أو الإقصاء. أو بعبارة أخرى جامعة، فالمجتمع الجيد هو الذي يضمن لأفراده شروط حياة جيدة" (أكسل هونيث*)

الحب والحق (القانون) والتضامن.

مفهوم الاعتراف (recognition) 

من المفاهيم المركزية في الدراسات الإنسانية

شارل تايلور  في كتابه سياسة الاعتراف، وبول ريكور في كتابه مسار الاعتراف. أما مع أكسل هونيث (1949- ) ممثل الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت فقد ظهر بعنوان “الصراع من أجل الاعتراف – القواعد الأخلاقية للصراع الاجتماعي” (The struggle for recognition -Ethical rules of social conflict)  عام 1992 (2).

 الفرد لا يمكنه أن يدرك ذاته دون أن يمر أولاً بـالغير، يمر بالآخر باعتباره فرداً له خصوصيته وتميزه. كما أنه يعني الموافقة والقبول بالشيء بوصفه حقيقياً، “حيث يضمن تكامل عملية بناء الأمة ضمن تعددية ثقافية في إطار الدولة الوطنية والمواطنية ” (3). وفي النهاية يعرف هونيث الاعتراف بأنه “الاحترام المتبادل للمكانة المتساوية والفريدة للآخرين” (4).

مقولة الصراع من أجل الاعتراف منزلة أساسية في الحراك الاجتماعي والسياسي، فمفهوم الاعتراف ليس مفهوماً نظرياً فحسب، بل مفهوماً عضوياً ** يتطلب سياسة عملية متعددة قائمة على تفعيل مفاهيم المواطنة والعدل والمساواة والديمقراطية، والتقدير، والاحترام، والهوية. كما أن تشكّل الهوية الذاتية يتعلق تعلقاً جوهرياً بهذا المفهوم، وكذلك النضال في وجه الهيمنة والقهر والفقر والاستبعاد والبطالة واحتقار المرأة وإذلالها (5).

تطوير النظرية النقدية المعاصرة لمدرسة فرانكفورت في جيلها الثالث من خلال تقديم براديغم الاعتراف بالآخر محاولاً تجاوز نظرية التواصل التي طورها هابرماس، رغم أن الأخير لم يسع بما فيه الكفاية إلى إبراز الطابع الصراعي لما هو اجتماعي، على اعتبار أن الواقعة الأساسية للمجتمع هي الصراع والمنافسة بين الذوات الاجتماعية، بذلك أكد هونيث على أن الصراع من أجل الاعتراف يعني بالدرجة الأولى إرادة الوجود التي تكشف وتشجب الأمراض الاجتماعية والمفارقات الناشئة في المجتمعات الرأسمالية الغربية 

 توسيع النموذج التواصلي ليشمل الاجتماعي بمضمونه النزاعي، فأطلق على نموذجه الجديد مصطلح “نموذج الاعتراف”.

 ابتعاده عن أسلافه، وبخاصة فيما كتبه أدورنو وهوركهايمر في كتابهما “جدل التنوير” ولم يكتفي هابرماس بالنقد فقط كما فعل أسلافه، وإنما قدم نظرية الفعل التواصلي التي تعتبر في نظر هونيث، بمثابة منعطف حاسم في تاريخ النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت

بقى متحفظاً على اختزال هابرماس للحياة الاجتماعية إلى البعد اللغوي والتمركز حول اللغة قد يحجب عنها حقيقة التفاعلات المجتمعية ويؤدي إلى عدم القدرة على إدراك التجارب الاجتماعية والأخلاقية المرتبطة بأشكال الظلم والاحتقار وعدم الاعتراف بالأفراد والجماعات.

سعى هونيث من خلال براديغم *** الاعتراف (الصراع من أجل الاعتراف) إلى تأسيس نظرية معيارية للمجتمع تسمح بإعادة بناء التجربة الاجتماعية انطلاقاً من أشكال الاعتراف التذاوتي التي يعتبرها هونيث مؤسسة للهوية حتى تحقق الذات وجودها داخل نسيج العلاقات الاجتماعية وهو بذلك يتفق فيما يخص ضرورة الانتقال من فكرة الذات في العلاقات الاجتماعية والمؤسسات إلى التذاوت الحديثة وبمختلف تمظهراتها كالعمل والتفاعل والتنشئة الاجتماعية،

الصراع من مفهومه البدائي من أجل الوجود إلى الصراع من أجل الاعتراف، ويعتقد أن المجتمعات المعاصرة تصارع من أجل نيل الاعتراف والاحترام والتقدير 

فتصبح العلاقات الاجتماعية بهذا المعنى علاقات بين ذوات تبحث عن الاعتراف المتبادل 

1- الحب: إن الحب هو الصورة الأولية للاعتراف، إذ إنه يربط الفرد بالجماعة محددة وخاصة الأسرة التي تمكنه من تحقيق مقصد أساسي يتمثل بالثقة في النفس.

2- الحق (القانون): أما الحق فهو ذو طابع قانوني وسياسي، بحيث يتم الاعتراف بالإنسان كذات حاملة لحقوق ما، ولهذا الاعتراف أهمية كبيرة لاكتساب ما يسمى احترام الذات.

3- التضامن: فهو يحيلنا إلى الصورة الأكثر اكتمالاً من العلاقة العملية بين الذوات وهذا لتحقيق مقصد أساسي يتمثل في إقامة علاقة دائمة بين أفراد المجتمع، بحيث يتمكن الفرد أن يتأكد أنه يتمتع بمجموعة من المؤهلات والقدرات التي تسمح له من الانسجام الإيجابي مع وضعه الاجتماعي، فيحقق ما يسمى بتقدير الذات.

ال الثلاثة للاعتراف أي الحب الذي يحقق الثقة بالنفس، والحق الذي يحقق احترام الذات، وأخيراً التضامن وهو أساس تقدير الذات. إن أشكال الاعتراف هذه تحدد من الناحية الأخلاقية التطلعات الأساسية المشروعة داخل النسيج العلاقات الاجتماعية، وتقاس أخلاقية المجتمع حسب هونيث بمدى إمكانية ضمان شروط الاعتراف المتبادل بين الأفراد

تحقيق هذا الاعتراف لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن النزاعات الاجتماعية ولهذا يلعب مفهوم النزاع أو الصراع دوراً أساسياً في حركة التطور الاجتماعي، لأن مسببات وعوامل النزاعات والصراعات الاجتماعية ما زالت قائمة ولم يتم تجاوزها، وهذا يظهر بجلاء من خلال شعور الأفراد والجماعات ووعيهم بالظلم أو بما يسمّى الاحتقار أو الازدراء الاجتماعي المسلط عليهم.

 هونيث أنه عندما يقرر الأفراد الانخراط في الصراعات الاجتماعية والسياسية لتغيير الأوضاع المعيشة القائمة التي تكرس تجارب الاحتقار الاجتماعي، وهي تقوم على ثلاثة أشكال: يتمثل الأول في الازدراء أو الاحتقار على المستوى الجسدي عبر التعذيب أو الاغتصاب مما يشعر الفرد الضحية بالذل والخضوع لإرادة الغير وتبعيته لهم، حيث تؤدي هذه التجربة إلى فقدان الثقة بالنفس وفي الآخرين. أما الثاني فإنه ينحصر عندما يحرم فرد مّا من حقوقه المشروعة لأن ذلك سيؤدي ضمنياً إلى أن المجتمع لا يعترف بنفس درجة المسؤولية التي يعترف بها لأعضاء المجتمع الآخرين. وينحصر الشكل الثالث والأخير على المستوى القيمي، حيث يرى هونيث أن الحكم على القيمة الاجتماعية لبعض الأفراد بصورة سلبية والتي لا تليق بمقامهم الاجتماعي والأخلاقي، فهذا الشكل من الازدراء يتم على المستوى التقييمي والمعياري وله علاقة مباشرة بكرامة الغير وتقديرهم الاجتماعي داخل الأفق الثقافي للمجتمع 

الصراع من أجل الاعتراف يشكل قوة أخلاقية تعزي وتنمي تطور وتقدم المجتمع. لماذا؟ لأن تجربة الإذلال تشكل منبعاً للوعي، ومصدراً لمختلف حركات المقاومة الاجتماعية والانتقاضات الجماعية لتحقيق العدل والمساواة والاعتراف بالآخر 

نظرية اجتماعية جديدة، بغرض تجديد النظرية النقدية حتى تتلاءم مع التطورات التاريخية الجديدة، وتستجيب للتطلعات الإنسانية الحالية.

 الفلسفة الاجتماعية،

 التشيؤ في المجتمعات المعاصرة، فيحاول في كتابه “التشيؤ” إعادة صياغة هذا المصطلح في ضوء نظرية الاعتراف، فيُرجِع كل أشكال التشيؤ إلى باثولوجيا الذاتية المشتركة وليس لخصائص بنيوية في الأنظمة الاجتماعية كما نظّر كارل ماركس أو جورج لوكاتش. والموضوع الأساسي لديه، كما لدى هابرماس، هو إعادة بناء الأخلاق في العلاقات بين البشر، فهو يسعى مثلاً، في كتابه “باثولوجيا العقل” إلى تحديث “النظرية النقدية” المجتمعية، التي وضعتها فيما مضى “مدرسة فرانكفورت” وتطويرها باتجاه أخلاقي الطابع. كما أنه ينادي في بحثه “الحق في الحرية” بـ “الأخلاق الديمقراطية”.

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق