الخميس، 27 أكتوبر 2022

تضحيات الرئيس تبدأ من المرحلة الإعدادية، بعد هزيمة 1967 **********

 المسلسلات المصرية مخطئة حين تنتقد الدولة، فتحوّلها إلى خصم، فيتظاهر الناس ضدّها، والآباء في البيوت مخطئون حين يربون أولادهم على أن العجز في الإنفاق مسؤولية الدولة، فيتظاهر الأبناء ضدها، وثوار يناير مخطئون لأنهم سمحوا للإسلام السياسي أن يصل إلى الحكم، والإسلام السياسي مخطئ، لأنه فشل ولم يعترف بفشله، والمثقفون مخطئون، والمفكّرون مخطئون، والبرلمانيون مخطئون، (إلا إذا تحولوا إلى وزراء مثل وزيرة التجارة والصناعة)، وأخيرا من يحملون راية الدين الذين تمنّى الرئيس أن يكونوا صادقين، (مثله)، ومخلصين، (مثله)، وأمناء، (مثله)، وشرفاء، (مثله).. "قسما بالله لم أتحدّث كذبا قط.. في أي حاجة"، هكذا يتحدّث الرئيس عن نفسه، هكذا يُقسم، وهكذا "يضرب" المثل والقدوة (وأي حاجة).

الرئيس دائما على صواب والآخرون دائما مخطئون

تصريحات الرئيس، ربما لأول مرة، عن طريقة معاملته رجاله ونظرته إليهم، فهم، أيضا، مخطئون، (لا أحد فوق الخطأ سوى الرئيس)، كما أنهم، رغم حبّهم بلدهم، لم يضحّوا مثل الرئيس، ولم يتحمّلوا مثل الرئيس، ولم يواجهوا مثل الرئيس، ولم يكونوا في شجاعة قرارات الرئيس، ولم يجمعوا بين شجاعة القرار وفضيلة القرار.

يطلب الرئيس من وزير الخارجية تخفيض المرتبات، فينزعج الوزير، ويسأل: فيه إيه يا فندم.. خير؟ يضحك الرئيس وهو يخبرنا بذلك، ويضيف أنه لم يكن هناك أزمة وقتها، لكنها الحوكمة (حوكمة الرئيس). يجتمع الرئيس برجاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ويطرح عليهم تعويم الجنيه وتغيير سعر الصرف، يرفض الجميع، هكذا يخبرنا الرئيس بنفسه، كلهم رفضوا: "كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة تقريبا.. كل اللي كانوا قاعدين .. كله .. يُعدد الرئيس: مدير المكتب.. الاقتصاد.. المالية.. الرقابة الإدارية.. الداخلية.. الدفاع"، (وأنا وأنت)، ومع ذلك نفذ الرئيس ما أراد، ولم يفته أن يخبرهم بأن الموضوع "مش عافية".

الرئيس هو من يقرّر كل شيء. ومع ذلك هو غير مسؤول عن أي شيء، إنما تقع المسؤولية على الجميع.. الشعب، الذي يشكل هاجسا لدى صناع القرار، مظاهرات 2011، مظاهرات 2013، مظاهرات حدثت في بلد آخر، لن يسمّيه الرئيس، لكنه انهار واختفت ودائعه الدولارية من البنوك بسبب المظاهرات وتصفيق المواطنين في الشوارع (وليس النهب والسرقة والفساد والطائفية).

استمرار الدولة المصرية نفسها ليس مسؤولية الرئيس، (منقذ الدولة المصرية)، إنما هو "قرار إلهي"، أما الرئيس فهو المسؤول عن الإنجازات.. ما بناه "لأن ربنا رزقه"، وما ســـيبنيه "لو ربنا ادّاله".

يمكن نجاح أي شيء يكون السيسي طرفا فيه، سيما إذا كان الطرف المهيمن والمسيطر وصاحب القرار "النافذ" و"الوحيد"، ولو عارضه "كل" رجاله، كما يقول بنفسه؟ هل يمكن الوثوق في وعود رئيس يَعِد، في 2014، بتحسين أحوال المواطن بعد سنتين، ويعد في 2016 بأنه لا يحتاج أكثر من ستة أشهر للوفاء بوعده، ويعد في 2017 بأنه يحتاج إلى عام واحد فقط، ويعد في 2018 بدولة أخرى في 2020  ثم يخبرنا في 2022 بأنه لم يعدنا بشيء؟

ليس لدى مصر أي شيء، ولذلك هي تحتاج إلى كل شيء، إلى الحوارات والمؤتمرات والمبادرات والتفكير خارج الصندوق وخارج السجن والإخفاءات القسرية وقوائم الإرهاب وترقّب الوصول وتشويه السمعة والاتهامات بالخيانة، تحتاج الحرية والعدل و"العقل" والإدارة الرشيدة، تحتاج إلى خبرات أبنائها، ونخبها، ومثقفيها، ومفكريها، وعلمائها، وسجنائها، ومطاريدها، فهل حكم السيسي سبيل ذلك كله أم عائقه، طريق إليه أم عبءٌ عليه، ضمانته أم خذلانه؟

 "أنا ظهري ربنا واللي يقدر على ربنا يتفضل".

هو إذ لأول مرة يعترف بوجود الأزمة فإنه ينكر إنكارا تاما مسؤوليته عنها، فهو تارة يعيد أسباب ذلك إلى أحداث في العام 2011، و2013، وتارة يحاول أن يسوّغ كل ما يفعل بالضغط على هذا الشعب من خلال استراتيجيته الخطيرة والحقيرة في الترويع والتفزيع، وفي الإفقار والتجويع، فيجعل من هذا وذاك أمرا طبيعيا يجب على الجميع أن يتحمله

متناقضا، والذي ينسخ بعضه بعضا، محاولا أن يعبر عن أنه أساء فهم الناس ولم يقدر أمرهم، فإذا به يعود سريعا في نهاية مؤتمره ليرمي الجميع بالقصور والتقصير، "الناس غير قادرة على تقديم التضحيات"، ويرى أنهم السبب في الفشل والانهيار الذي حدث، والسبب في توقف المساعدات، "حتى الأشقاء والأصدقاء أصبح لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكل ثقافة الاعتماد عليهم لحل الأزمات والمشكلات".

 يحاول المستبد باستخدام كل أدواته ليصور الوطن كضيعة أو بقرة يحلبها، ويحاول أن يجعل من الشعوب ضمن تشكيل عقلية القطيع، فيؤكد أنه لم يكذب عليهم أبدا، وهو الكذاب الأشر الذي وعد الناس بالوعود الزائفة ولكنه في النهاية ووجه بالفشل الذريع، وبالأزمة التي لا يمكن تجنبها، فبات يخرج من جراب خطابه كل أنواع الخطاب.

الخطاب المهترئ يؤكد أنه لا يعتبر نفسه رئيسا لمصر، بل يعتبر نفسه إنسان طُلب منه التدخل لحماية وطنه، وأن أدوات الرئيس حاجة، وأدوات البطل أشياء أخرى، "عندما كنت وزيرا كانوا يقولون أنت البطل والأيقونة".. هكذا عين نفسه البطل المنقذ الذي لا يحاسب كمسؤول ثم يقول كلاما أجوف لا تعرف له دلالة أو مدلول، "عايزين تعرفوا مصر عاملة ازاي روحوا حديقة الحيوان وشوفوا حجم السلبيات".

أدلى به المستبد لتبرير فشله، فيؤكد أن "خطاب السيسي في المؤتمر الاقتصادي فلسفي بالدرجة الأولى، وطالب الجهات المعنية بطباعته". تخيل أن ذلك هو وزير ثقافة أسبق لهذه المنظومة التي اختلت في خطابها وساد الاستبداد والطغيان في سياساتها! ومن هنا نردد مع نعوم تشومسكي: "حتى تتمكن من السيطرة على الشعب اجعله يعتقد بأنه هو سبب تخلفه".

 "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ"

*

 لا يصح أن أغفر للرئيس (أو أي مسؤول) أخطاءه على طريقة "حبيبك يبلع لك الزلط"، ولا يصح أن أهاجمه بدون رؤية وفهم على طريقة "عدوك يتمنى لك الغلط"، وبالتالي فإنني لا أحابي الرئيس (أو المسؤول) ولا أخاصمه..

الخلاف مع رئيس دولة أو قادة أي نظام سياسي في بلادنا، ليس "خلافا في الرأي"، لأن الرئيس ومنظومة الحكم لا تخبرنا برأيها ولا تناقشه علنا قبل أن تفاجئنا به، لكنها تصدر القرارات وتنفذها، ثم تدافع عنها في مواجهة من يقول رأيه "المتأخر فيها". وهذا يعني غياب الحوار في الرأي من الأساس

 الاختلاف في الرأي مهم، لكن الاختلاف في الفهم مشكلة، وحيث أن ما بيننا ليس خلافا في الرأي بل خلاف في الفهم

حتى في مؤسسات التشريع والتشاور والرقابة والمجالس المتخصصة (كلها تعمل كمؤسسات تنفيذية لاحقة لقرارات الرئاسة وليست سابقة عليها). فالبرلمان والمؤسسات الشعبية والرقابية الأخرى لا تناقش ولا تراقب ولا تحاسب، لكنها توافق وتواكب وتبارك وتدعم سلطة يجب محاسبتها على كل قرار وكل نتيجة، لأن عدم المحاسبة وعدم اتباع الصلاحيات في "عملية صناعة القرار" أمر يضر بدقة قرارات الرئاسة نفسها. فمن المتفق عليه أن نتيجة التفكير الجماعي أدق وأشمل من نتيجة التفكير الفردي، وهذا يذكرني بتعبير آخر في التصريحات قلت فيه: "أنا كنت رئيس الاستخبارات ومسؤولا عن الأمن وكنت أرى ما كان يحدث".

لأن الرأي جزئي والفهم شامل. وللتوضيح أقول إنني أتفق معك في كثير من التصريحات التي تحدثت فيها عن ضرورة تقليل فاتورة الاستيراد، وزيادة فاتورة التصدير، وضرورة الاهتمام بالصناعة وزيادة معدلات الإنتاج المحلي وطرح مبادرة "ابدأ" لتشجيع ذلك. 

 العاصمة الإدارية ورؤيتك للاستثمار الخارجي، حيث يبدو في هذه الحالة أن رؤيتك للاقتصاد رقمية تخضع لاعتبارات مصرفية وريع المشروعات الخدمية لمستثمرين لا يرتبطون بخطط الإنتاج التي تحتاجها مصر، لكن يتصرفون بمنطق تحصيل أكبر عائد من أي نوعية سلع تؤدي إلى أرباح وفيرة.

أنا كمواطن مهتم بتأمين حياة الناس وجودة الخدمات الضرورية التي تقدم لهم، بينما تهتم سيادتك بالإنجازات الإمبراطورية التي تحسب لمن يبقى اسمه على ألواح الرخام التأسيسية، وهي الآفة التي قصمت ظهر مصر الاقتصادي على مدار قرون من الأهرامات، إلى قصر أحمد بن طولون، إلى حمام خمارويه وشوار ابنته قطر الندى، إلى قاهرة الخديوي إسماعيل "الباريسية" التي يتم استنساخها بروح عصرية في العاصمة الإدارية..

 الفهم الخاطئ لأمجاد الحاكم لا يجب أن يرتبط بإنشاء مسجد أو قلعة أو حي سكني أو عاصمة.

 أعظم ما يقدمه هو الاهتمام بحياة الناس في بلاده من غير حساب التكلفة المالية للتعليم والعلاج والمعيشة. فالأموال في كل الأحوال يتم إنفاقها في بنود عتيقة يمكن التخفف منها إذا أصلحنا الفهم، خاصة وأن سيادتك في التصريحات ذكرت أن مصر خسرت 477 مليار دولار في اللا شيء. وهذا يضعنا أمام مفارقة تدعونا للتفكير في حتمية الإنفاق حسب أولويات الناس، لأن أخطاء الإدارة أو السلوك العام للشعب قد تؤدي إلى خسائر أكبر بكثير من حجم الإنفاق المطلوب للإصلاح البنيوي في كيان الدولة ومسؤوليتها عن حياة الناس؛ وليس عن تشييد عمائر الذكرى وإنجازات الأبهة.

 ننتظر الحاكم الإصلاحي الثوري الذي يستطيع أن يحرر مصر من ذلك الميراث الملعون لسلطة المماليك، ويضعها أمام مستقبل جديد يليق بالعصر وبالمستقبل المنظور

بدون استفزاز أو تأويل خاطئ يمكن إعادة التفكير في ميزانيات شراء السلاح، وميزانية البرلمان بغرفتيه، وميزانيات الجهاز البيروقراطي الذي يجب إعادة هيكلته كأساس لإصلاح بنية الدولة المصرية التي لم تتطور منذ العصور الوسطى. فـ"مركزية الحكم" هي هي، و"المشروعية لمن غلب" هي هي، و"هيمنة الدواوين" هي هي، وشكلية القوانين هي هي، والبرطلة (الرشوة) وشراء الوظائف والمحسوبية هي هي. وهذا الاستسلام لتقاليد الحكم منتهية الصلاحية ليس مسؤوليتك ولا مسؤولية حاكم واحد بعينه، لكننا ننتظر الحاكم الإصلاحي الثوري الذي يستطيع أن يحرر مصر من ذلك الميراث الملعون لسلطة المماليك، ويضعها أمام مستقبل جديد يليق بالعصر وبالمستقبل المنظور.

الحياة الكريمة في نظر القائمين على المبادرة ليست في حقيقتها إلا نوعا من "الإحسان"

وأتعجب أنك ذكرت رقم 700 مليار جنيه تم إنفاقها على هذا المشروع في إنشاءات وصرف صحي وخلافه، لكن الحياة الكريمة لا تقتصر على إنشاءات لشعب يعاني ويتذمر، صحيح أن أي ميزانية لن تكفي أبدا لتحقيق رضا الشعوب عن حكامها، لكن "فهم" مبادرة الحياة الكريمة بشكل صحيح يقتضي بناء الإنسان بمثل درجة الاهتمام بتكاليف محطات الصرف. لذلك تحتاج المبادرة إلى إجابات عن الأسئلة الغائبة المتعلقة بالأخلاق والأمل والنظافة، ومؤشر الرضا عند الناس والإحساس بالأمان والانتماء والنجاح، وهذه كلها أشياء مفقودة صنعت انحرافا في التفكير العام لدى الجموع.

حكم العصابات تستخدم الإرهاب والتخويف أكثر مما تستخدم الإقناع والقوانين.

فعندما أطالع الأداء الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، أشعر بأن الدولة المصرية فقدت سيطرتها في مجال قيادة الرأي العام وتنظيم الفكر الجمعي، صار لدينا نوع من التشوش والخلط يحفز الدولة أن تكون طرفا في الصراع، وليست قائدا له.

 لا أرغب في دولة ضعيفة، لكنني في الوقت نفسه لا أوافق أبدا على دولة تستخدم العصا الغليظة ضد شعبها، وتهمش القوانين في سعيها للسيطرة على مصائر البلاد.

وفي هذا الإطار أتذكر حديثك المتكرر عن عظمة الإنجازات التي قمت بها، ولا أخفي أنني في كثير من الأحيان ما أضبط نفسي متفقا معك في الرأي ومختلفا معك في الفهم. صحيح أنك تبذل مجهودا كبيرا في التشييد والإعمار، وتسهر الكثير وتنام القليل وتتابع بنفسك كل التفاصيل، وهذا إخلاص ودأب في العمل يثير الإعجاب، لكنه أيضا يثير الكثير من الأسئلة عن دور الرئيس وصلاحياته الدستورية والمطلوب منه. فالحديث عن العَرَق أمر غير مستحب عندما يرتبط بالرئيس، لذلك يجب أن ننحيه جانبا عندما نتحدث عن الفكر والقيادة والمسؤوليات العامة.

فالعَرق مُقَدَر وعظيم لكن مجاله ليس في الإدارة؛ الإدارة مسؤولة عن التنظيم وتخطيط الجهد والإشراف على المشاريع التي ينفذها "أصحاب العرق"، لذلك أحب أن أسمي العرق "عطر العمال". فالعامل ليس مسؤولا عن التخطيط والتفكير، لكن عن جهد التنفيذ الأمين لمستوى آخر مختص بالتخطيط والرؤية الشاملة.

فمن المعيب والمضحك والمدمر أن أدفع ملايين الدولارات لمدرب منتخب كرة القدم، فلا يقوم المدرب العجوز بالتدريب، بل ينزل إلى الملعب ليثبت كفاءته وينافس اللاعبين في دورهم. وهذه أكبر مشكلة في فهم المدير الذي يهتم بعمله فيقوم بأدوار من الواجب أن يقوم بها العمال أو المساعدون، لأن خبرة وساعة عمل المدير لا يجب إهدارها في عمل يقوم به مستوى آخر من الموظفين..

هل هذا مؤشر على عدم ثقة في أداء المعاونين؟ هل ترغب في الجمع بين منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لكن الصورة العامة للدولة في الخارج لا تسمح؟ هل تعليماتك لا تنفذ كما يجب على المستوى الوزاري فتضطر لتحمل أعباء الآخرين؟

رئيس لكل المصريين" ولست منحازا لفئة أو مؤسسة أو جماعة أو فكرة واحدة تهيمن على تفكيرك..

*

"اوعوا حد يزعل من اللي هقوله، كل المقترحات اللي اتقالت دي، أنا آسف، أي طالب في كلية السياسة والاقتصاد يتكلّم فيها"

لم يكن المؤتمر للاقتصاد، إذن، بل كان حفلًا كبيرًا لتعويم جنرالٍ يتعثّر في مساره، الذي أراد أن يورّط فيه أكبر عدد ممكن من الشخصيات والأحزاب السياسية، التي يُطلق عليها معارضة. 

تصديرها للعالم عن انفراجةٍ سياسيةٍ كاذبةٍ وسعة أفق مزعومة تستوعب مختلف ألوان الطيف السياسي، وهي الصورة/ الرسالة المطلوب توجيهها إلى العالم قبل انعقاد مؤتمر المناخ، وكذا يٌراد إرسالها إلى الداخل الذي يترقب دعوات إلى التظاهر في الحادي عشر من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني).

رئيس حزب الدستور، جميلة إسماعيل، بعد فترة طويلة من حظر الظهور، لتتحدّث في مداخلة طويلة بما لا يتفق شكلًا موضوعًا مع ما يقوله جنرال المسار، وتزداد الإثارة مع الإعلان بكثافةٍ عن حذف المداخلة من موقع القناة المصرية الأولى على"يوتيوب"، فتشتعل محرّكات البحث عن المداخلة المحظورة، ويصل خبرها إلى من لم ينتبهوا إلى حدوثها أصلًا.

خطاب المؤتمر الاقتصادي تعامل مع المواطنين كأنهم عبء.. ومكانش فيه كلام عن أي أفق للتغيير 

سمعنا أحاديثا عن التضحية والعطاء والبطولات.. ولم نسمع عن الناس العادية اللي بيدفعوا أثمان الأزمات ودائما يتلقون اللوم 

نتمنى توفير مساحة للأحزاب للتعبير عن أفكارها العمل في الشارع من جديد.. ويجب التخلص من أسر صندوق النقد بدلا من التعامل معه باعتباره أفق سياساتنا الاقتصادية 

نشر حزب الدستور نص المداخلة الهاتفية رئيسة الحزب جميلة إسماعيل، مع الاعلامي يوسف الحسيني، في برنامج التاسعة مساء على القناة الأولي المصرية بتاريخ الثلاثاء 25 أكتوبر، والتي انتقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مداخلة عبر البرنامج نفسه. 

 الاختلاف في الرأي ليس مشكلة، ولكن الاختلاف في الفهم هو المشكلة

جميلة: الأول تتوفر المساحة للأحزاب تشتغل وتدور فيها أفكارها، وتعمل وتتحرك في الشارع من جديد، وتقدر تقوم بدورها، وتنافس بشكل حقيقي على السلطة، وده دور أي حزب سياسي، وأن ده يحصل دون ملاحقة وحصار ومعاناة، زي اللي عشناها سنين طويلة في الحزب، بعدها نبقى نتكلم في فكرة إن كل مجموعة أحزاب تتكتل مع بعضها، لو كانت دي رغبة الأحزاب. لكن مش هينفع تفكر تقفز فوق كل ده ومن الأول تقول كده، زي ما تيجي تقول القناة الأولى والتانية والتالتة والرابعة والخامسة مع الفضائية المصرية، كلهم هنحطهم في قناة واحدة وحزمة واحدة، وكبسولة المواطن هياخدها، لازم نشتغل الاول على أفكار وتوجهات كل قناة الأول، وطاقمها، ونعرف جمهورها مين، وتشتغل وتاخد مساحتها، وبعدين تفكر إزاي تخرج ببث موحد لمجموعة من القنوات. 

سمعنا عن فكرة قتل المدرسة، والاعتراف بالسناتر بأريحية كبيرة، كأنك تقتل الغرض من التعليم، أو تحول التلميذ لصياد درجات وشهادات. 

هتكلم بلسان مجلس النواب مش بلسان المذيع، أمس أعلن المستشار حنفي الجبالي رئيس المجلس، ان كل ما قيل لم تتم الموافقة عليه، بل أحيل للجنة التعليم في المجلس وطالب باستدعاء كل خبراء التعليم حتى المستقلين لمناقشة ما جاء في بيان الوزير ولم نناد بالتفعيل. 

//////

عمار علي حسن حرية في الاقتصاد بلا حرية في السياسة لن تثمر شيئا ذا بال.

يمكن أن تحكم الناس بالقمع والخوف لكن الخائفين لا يمكن أن ينتصروا في حرب. {واحة الغروب} بهاء طاهر

تعطي المشروعات الإنتاجية لمن يحسن تشغيلها، وتدوير أرباحها داخل مصر، وتنهي حالة الاحتكار، ولو تدريجيا.

"انا التاريخ كله عندي يا يوسف جمال مبارك

كلما فكرت أن أعتزل السلطةإ ينهاني ضميري إ من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟ من سيشفي بعدي الأعرج إ والأبرص والأعمى ومن يحيي عظام الميتين؟ من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟ من ترى يرسل للناس المطر؟ من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟ من ترى يصلبهم فوق الشجر؟

من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر ؟ ويموتوا كالبقر ؟ كلما فكرت أن أتركهم فاضت دموعي كغمــــامة وتوكلت على الله وقررت أن أركب الشعب من الآن الى يوم القيامة نزار قباني

عزت القمحاوي التدافع على جمال مبارك سقف طموح محبط. بيفكرني بحدوتة كان مصطفى أمين بيكررها عن التعذيب على الخازوق أيام المماليك. واحد من المرفوعين ع الخازوق كل شوية يقول لجلاده انقلني ع الخازوق ده، ينقله، يرجع يقول له رجعني للتاني. سألوه هتستفيد إيه، قال برتاح في المسافة بين خازوق وخاروق.

*

رصيد شعبية السيسي

مطالبة الشعب بالتحمل في انتظار نقلِه الدولةَ إلى وضع أفضل، إلى مجرد الاعتزاز بفضيلة هذا الشعب في التحمل، إلى ما لا نهاية، فقط من أجل حماية الدولة من الضياع، كما حدث لدول حولها.

لم يعُد الرئيس يعِد بشيء، كجعل مصر "قد(ر) الدنيا" مثلًا، بل أصبح يُنكر حتى أنه قدّم وعودًا من قبل!

قاله ماتزعلش مني أنا جبت أربعة.. ومش قادر أصرف عليك؟ ولّا بيقول له: الدولة مش قادرة تأكّلك؟"، استمرارا لاستخدام شماعة الزيادة السكانية. 

حصار الرسول وأصحابه بشعاب مكة حتى اضطروا "لأكل أوراق الشجر" دون شكوى. بعد ذلك ازدادت فترة التحمل المطلوبة إلى 15 سنة مع مَثل تحمل الشعب المصري وتوقف الحياة والاقتصاد والمعاناة من حرب 1967 إلى استكمال استعادة سيناء 1982، وهو ما كرره الرئيس في خطابه في ذكرى حرب أكتوبر قبل أسبوعين.

يعترف الرئيس في خطابه أنه بدأ في استخدام "رصيده الشعبي" لدى المواطن منذ عام 2015 في اتخاذ قرارات اقتصادية

"أخطر شيء.. واسمعوها مني كده، هو قياس الرضا الشعبي بما يتحصل عليه المواطن مباشرة وحرص الحاكم على الحكاية ديت، إن هو يلبي مطالبه مباشرة، يعني يحط له في جيبه.. حتى لو كان ده على حساب مستقبل الوطن وحاضره".

رصيد "العشم"، أو ثقة الحارس القوي المدجج بالسلاح بحاجة المدني الأعزل الضعيف لحمايته من مخاطر الغابة المليئة بالذئاب والوحوش الضارية.

 الحديث الشعبي الهامس عن نفاد رصيد الرئيس، في غياب حرية الإعلام، ليس جديدًا. فقد أُثير ذلك مابين عامي 2016 و 2018 بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري وأزمة سيولة النقد الأجنبي والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وعدم جدوى الإنفاق على تفريعة القناة.

لكن شيئًا لم يحدث، بل بالعكس تم بعد إعادة انتخاب الرئيس لفترة ثانية تعديل الفقرة الدستورية "غير القابلة للتعديل بالزيادة"، بزيادة فترة الرئاسة وإضافة ثالثة "استثنائية"!

لا وجه للمقارنة بالطبع بين الوضع الاقتصادي في نهاية فترة السنوات الأربع الأولى للرئيس، وبين الأزمة الخانقة الحالية في مطلع سنته التاسعة. فالأهم هنا رصيده عربيًا وأمريكيًا.

الدعم العربي والغربي لحكم الرئيس السيسي بلغ ذروته متواكبًا مع تولي الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية عهد السعودية. ودخلت مصر في تحالف مع السعودية والإمارات ضد قطر وتركيا. كما أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لحلفائها العرب بالتعامل مع مواطنيهم كما يحلو لهم. حتى إن ترامب لم يكن معجبًا فقط بأصدقائه المستبدين بل أيضًا بأحذيتهم!

نفاد هذا الرصيد العربي "حتى الأشقاء والأصدقاء أصبحت لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى. وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكلت ثقافة الاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل (..) خلاص الناس ساعدت كتير قوي وبقى لها كتير بتساعد (..) وانت ما ساعدتش نفسك وعمرك ماوقفت وعودك يصلب".

في المحصلة، نفاد الرصيد العربي والخارجي هو التحدي الرئيسي الذي يواجه استمرار حكم الرئيس السيسي، ولو بشكله المعهود من قبل. أما رصيده الشعبي داخليًا فقد سبق وتعرض للعديد من الأزمات، ولا مجال لقياسه برضا الشعب، طالما يرفض الرئيس اعتبار تلبية احتياجات المواطن معيارًا مقبولًا!

قناعة الرئيس بأن رصيده لا زال يسمح ليست مفاجِئة، فهي تستند إلى نفس منطق المجلس العسكري السابق، الذي كان عضوًا فاعلًا فيه؛ منطق القوة المسلحة، إلى أن يتحداها أحد، ليس دائمًا عن جرأة، بل أحيانًا عن إحباط ويأس!

*

كان المقصود، إذن، أن يصبح هؤلاء الليبراليون والديمقراطيون واليساريون المصنّفون معارضة شركاء أمام الرأي العام في الداخل، وأمام العالم الخارجي أيضًا، شركاء في قرار كارثة العملة المحلية، بما أنهم شركاء في المسار الذي يقودُه الجنرال بطلب منهم وتحت إلحاحهم، أو كما قال له مذيع القناة الأولى المصرية مرتعشًا إنهم جميعًا ذهبوا إليه قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وتوسّلوا إليه أن يخلصهم من حكم الرئيس الذي انتخبته أغلبية الشعب المصري، وكان انتخابه الملمح الوحيد الباقي من ملامح ثورتهم في العام 2011.

المتصوّر الآن بعد الإعلان عن قرار الزعيم الذي لا يُسأل عمّ يفعل لأنه يحكم وفقًا لقاعدة "ففهمناها سليمان"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق