العلامة هي إذًا العلاقة بين الدال والمدلول، وهذه العلاقة لا تكون ثابتة بل عشوائية (أي أن الكلمة "شجرة" ليست بالضرورة مرتبطة بشكل معين من الأشجار، ولكنها ترتبط بالمفهوم في العقل).
اللغة ليست مجرد أداة ثابتة لنقل المعاني، بل هي نظام ديناميكي حيث أن الدال لا يشير ببساطة إلى المدلول بشكل مباشر.
العلامة تسعى لإنتاج المعنى عن طريق سلسلة من التبادلات المستمرة بين الدوال المختلفة، حيث لا يمكن ثبات المعنى في كل مرة. وبالتالي، لا يمكن اعتبار الدال محط "أفضلية" ثابتة تُنتج المعنى بشكل مباشر.
استبدال العلامة: لاكان يرى أن العلامة تعمل أكثر في سلسلة متصلة من الإشارات المتبدلة، حيث يُستبدل المعنى باستمرار ولا يثبت في لحظة معينة. لذلك، اللغة هي عملية مستمرة من البحث عن المعنى الذي يتشكل بمرور الوقت من خلال التحولات الرمزية بين الدوال المختلفة.
لا يمكن للعلامة أن تحصر المعنى في لحظة معينة، بل هي دائمًا في حالة تغيير وتطور. في هذا السياق، تصبح اللغة أداة ديناميكية تعمل على إنتاج المعاني بشكل دائم.
إسقاط لاكان لأفضلية العلامة يعني أن الدال لا يظل ثابتًا في تحديد المعنى بل يخضع لسلسلة من التبادلات الرمزية المتواصلة، مما يؤدي إلى استبدال المعاني بشكل مستمر.
كلمة "شجرة" مرتبطة بأشياء مثل الطبيعة، الأوراق، الخشب، وغير ذلك من المفاهيم أو الكلمات التي تضيف إلى فهمنا للكلمة. سلسلة دوال ديناميكية للفهم
*
اللغة بالنسبة للاكان ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة أساسية لتشكيل الذات. الذات تتكون، حسب لاكان، من خلال الانغماس في اللغة التي تكون مبنية على سلسلة من الدوال المتبادلة.
كيف تؤثر سلسلة الدوال في تكوين الذات؟
- الذات تنشأ في اللغة من خلال التفاعل مع الآخرين وبناء الهوية بناءً على ما يقوله الآخرون عنها.
- الآخر (مثل الأب أو الآخر الاجتماعي) هو الذي يقدم الدوال الأولى التي ستبدأ الذات في التموضع فيها. بمعنى آخر، تبدأ الذات في تعريف نفسها بناءً على الكلمات أو الدوال التي يستخدمها الآخرون للتعامل معها.
- إذا نشأ طفل في بيئة حيث يُشار إليه دومًا كـ "الطفل الصغير"، فإن هذه الكلمة تصبح جزءًا من سلسلة الدوال التي تساهم في تحديد هويته. ومع مرور الوقت، يصبح الطفل يعرف نفسه في سياق هذه الكلمات: "الصغير"، "الضعيف"، "الضعيف في التحدث"، إلخ.
- من خلال التفاعل مع الآخرين واستخدامهم للدوال، **يُبنى فهم الذات للآخرين والعالم حوله.
3. الانزياح الدائم للمعنى:
- الذات لا تكون ثابتة، بل تتكون باستمرار من خلال سلسلة من الدوال التي تتبدل عبر الزمن. الفرد يتطور بناءً على اللغة التي يستخدمها الآخرون معه، ويعكس كيف يرى نفسه في عالم دائم التغيير.
- لا يمكن للذات أن تكون مكتملة أو مستقرة، بل هي دائمًا في حالة تطور بناءً على اللغة.
- اللاشعور ليس مجرد مخزن للأفكار المكبوتة، بل هو جزء من تكوين الذات، حيث يتكون الذات من خلال سلسلة من الدوال في اللاوعي أيضًا.
*
الاخر الكبير الأنَا في هذا السياق، ليس "هو" أو "هي" كما في تصور فرويد، بل هو صورة متخيلة تُبنى من خلال العلاقة مع الآخر، وهذا يخلق نوعًا من الصراع الداخلي.
هذا التفاعل الرمزي يضع الأساس للانتقال إلى مرحلة الأوديبي، حيث يبدأ الطفل في إدراك وجود الأب كمنافس له للحصول على حب الأم واهتمامها، وبالتالي يبدأ الطفل في تشكل مفهوم القواعد والقيود الاجتماعية.
- هذه الصورة المثالية التي يراها الطفل في المرآة تصبح النموذج الذي يسعى الفرد إلى محاكاته طوال حياته. لكن الحقيقة هي أن هذا النموذج هو وهم متواصل: الطفل يطمح إلى أن يصبح الكائن المتكامل الذي يراه في المرآة، ولكنه في الواقع يشعر أن جسده "ممزق" أو غير مكتمل، لأن الصورة التي يسعى إليها غير حقيقية.
التماهي مع الآخر والتكوين الرمزي للـ "أنا":
- من الناحية النفسية، الخلط بين الذات والآخر يؤدي إلى البحث المستمر عن الهوية، حيث يسعى الفرد إلى التأكيد على ذاته من خلال الآخر، سواء كان ذلك في شكل العلاقات الاجتماعية أو في الصورة الرمزية التي يتبناها عن نفسه.
- لا يرى لاكان الخصاء كـ فقدان بيولوجي أو عقوبة، بل هو جزء من التركيب النفسي الذي يقود الإنسان نحو الوعي بالعجز و حدود الإنسان. الفهم لهذا العجز أو الخصاء هو الذي يسمح بتشكيل الهوية و المكان في المجتمع.
- فكرة الخصاء ترتبط بـ الهيمنة الرمزية في المجتمع، حيث يتم تحديد من يمكنه أن يكون مكتملًا ومن لا يمكنه ذلك، مما يخلق الأنماط الاجتماعية المرتبطة بالذكورة والأنوثة. الاختلافات بين الجنسين تُعتبر اختلافات رمزية أكثر من كونها اختلافات بيولوجية في نظرية لاكان.
الآخر كمرآة للذات:
- الآخر عند لاكان ليس مجرد شخص خارجي، بل هو مرآة تعكس الذات. بمعنى آخر، الآخر في الواقع يُشكل الصورة التي يرى الفرد نفسه من خلالها. هذا يعني أن الآخر ليس فقط الشخص الذي نكون في علاقات معه، بل أيضًا الوسيلة التي من خلالها نكوّن هويتنا.
- بناء على هذا، الآخر ليس فقط "كائنًا" خارجًا عن الذات، بل هو جزء أساسي من تطور الـ "أنا". في الواقع، الآخر يُحدد حدود ما يمكن أن نكون عليه، كما يُحدد أيضًا ما نرغب في أن نكونه. لذلك، الآخر و الـ "أنا" في العلاقة لا يتواجدان ككائنين منفصلين تمامًا؛ بل هما في ترابط متبادل.
هذا التوتر بين الذات المثالية في المرآة و الذات الحقيقية المجزأة يؤدي إلى العدوانية. العدوانية في نظرية لاكان هي رد فعل على هذا التمييز أو الفقدان بين الصورة الذاتية المثالية والواقع الفعلي. في بعض الأحيان، العدوانية تتوجه نحو الآخرين أو نحو الذات بسبب الوعي بهذا النقص أو الخلل بين الصورة والواقع.
- العدوانية (سواء كانت تجاه الذات أو الآخر) تنبع من الصراع النفسي بين الخيالي و الرمزي. الشخص يحاول تحديد مكانه داخل الرمزية الاجتماعية (التي يعكسها الآخر)، لكنه يظل يواجه النقص الداخلي الذي يعبر عنه في الخيالي.
- في بعض الأحيان، يستخدم الفرد آليات دفاعية مثل الإنكار أو التعويض لمواجهة هذا التوتر. قد يحاول الشخص تجنب هذا الشعور بالنقص عن طريق إسقاط الغضب أو العدوانية على الآخر بدلاً من مواجهة نقصه الداخلي. في حالات أخرى، قد يركز العدوان على الذات كرد فعل على العجز الذي يشعر به.
- الآخر قد يكون مصدرًا للتهديد لأنه يحقق الصورة المثالية التي يسعى إليها الفرد، مما يخلق شعورًا بالغيرة أو الكراهية. في الوقت نفسه، الذات تتعرض لعدوانية داخلية بسبب عدم القدرة على التحقق من هذه الصورة المثالية في الواقع.
التماثل مع الآخر في نظرية لاكان يمكن أن يحدث عندما يتخلى الفرد عن موقف الغيرة و التهديد ويسعى إلى الاندماج مع الآخر. هذا الاندماج قد يكون في شكل التماهي حيث يتحول الفرد إلى الآخر، أي أنه يرتبط به أو يُعجب به بشكل لا واعٍ، لكي يستطيع أن يحقق جزءًا من تلك الصورة المثالية.
هذا التماهي قد يكون آلية دفاعية لتجنب مشاعر التهديد والغيرة، لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك. التماهي مع الآخر يمكن أن يكون استراتيجية للتغلب على النقص الداخلي، حيث يحاول الفرد أن يشعر بأن الآخر يمثل جزءًا من ذاته أو أنه يمكنه مشاركة نفس الصورة المثالية.
مع ذلك، التماهي مع الآخر لا يعني بالضرورة التخلص من مشاعر الغيرة أو التهديد بشكل كامل، بل قد يؤدي إلى نوع من الاستسلام أو الفقدان للهوية. الشخص الذي يتماها مع الآخر قد يشعر بفراغ داخلي لأنه قد يفقد ذاته في عملية التماهي هذه، مما يعزز الصراع النفسي بين الذات و الآخر.
التماثل مع الآخر كمصدر للمزيد من الغيرة
- إذا نجح الشخص في التماهي مع الآخر بطريقة صحية و ناضجة، يمكن أن يحدث نوع من التحرر من القلق النفسي المرتبط بـ العدوانية أو الغيرة. في هذه الحالة، التماهي لا يُستخدم كآلية دفاعية أو للهروب من التوتر، بل يصبح وسيلة لتحقيق التوازن الداخلي، حيث ينجح الشخص في دمج صورته المثالية مع حقيقة ذاته.
- مثال على ذلك هو أن الإنسان قد يسعى إلى محبة أو قبول الآخر، ولكنه لا يستطيع الحصول عليها بالكامل. كلما اقترب من الإشباع، يكتشف أن الرغبة تتغير أو تختفي لتظهر رغبة جديدة، وهو ما يعزز فكرة الرغبة المستحيلة.
العلاقات الثنائية النرجسية
كل ما نختبره في العالم (مثل الأفكار والمشاعر) يتم تنظيمه من خلال الدوال. أي، نحن نتحدث عن شيء باستخدام كلمات أو رموز (دوال) لتوصيل المعنى (المدلول)، لكننا لا نختبر العالم مباشرة؛ بل نختبره عبر الدوال.
على سبيل المثال، في علاقتنا مع الآخرين، لا نختبرهم مباشرة بل نتفاعل معهم من خلال الدوال (الكلمات والإشارات والسلوكيات) التي تشير إلى شيء أعمق من المعنى المباشر، مثل هويتهم أو مشاعرهم.
مركب الخصاء: بعد مرور الطفل بعقدة أوديب، يدرك أن هناك حدودًا في الحياة، مثل أنه لا يمكن أن يكون هو الأب أو لا يمكن أن يظل في حالة التمركز حول الأم. هذا الوعي هو الذي يشكل وعيه بالهوية الاجتماعية والجنسية، ويعني أنه قد لا يحصل على كل شيء يريد، بل عليه التكيف مع القوانين والقيود التي يفرضها المجتمع.
السينتوم عند لاكان: لا يتعامل مع الأعراض على أنها مجرد تعبير عن صراع مكبوت، بل باعتبارها "حلًا" رمزيًا جديدًا أو اختراعًا للشخصية للتعامل مع التمزق الداخلي الذي لا يمكن إدراكه أو التعبير عنه بشكل مباشر. السينتوم بالنسبة إلى لاكان لا يُعتبر مجرد علامة مرضية بل هو جزء من البنية الرمزية التي تُحكم العلاقة مع الآخر والواقع الاجتماعي.
- السينتوم عند لاكان هو مفهوم يعكس كيف يبني الفرد حلًا رمزيًا للصراع الداخلي من خلال الأعراض أو السلوكيات التي قد تبدو غريبة، ولكنها جزء من التنظيم النفسي للإنسان في علاقته مع الرمزية و الواقع و الخيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق