ألفة يوسف
موضوعات إشكالية حول الحجاب والميراث والزواج والطلاق والمثلية الجنسية، وقد درست الآيات القرآنية دراسة مغايرة، إيماناً منها بأن “القرآن وإن يكن كلاماً إلهياً فإنه قول لغوي وهو شأن أيّ قول لغوي قابل لتفاسير شتى”.
تدرك أستاذة اللغة واللسانيات أن معركة تأويل النصوص الدينية في الإسلام، لا سيما ما يتعلق منها بالنساء، تواجه عقبات كثيرة ليس بسبب “استعصاء القراءة” والفهم، وإنما لأن الثقافة السائدة و”الجهل الديني” عميق الجذور عندنا، يحولان دون الانتشار الواسع للقراءات الحديثة، التي تبقى أسيرة الإنتلجنسيا العربية، فلا تتمكن من تغيير ذهنية الجمهور، مما يفسر -إلى حد ما- ردة الفعل العامة على الكتب التي تطرح المسائل الإشكالية في الدين والاجتماع والسياسة.
عملت يوسف على إخراج المرأة من “لعنة النقص” التي صنعها بعض “الإسلام الفقهي” مقابل “الذكورة” الكاملة والفاعلة، وتمكنت عبر كتبها بدءاً من “ناقصات عقل ودين: فصول في حديث الرسول” مروراً بـــ”حيرة مسلمة” وصولاً إلى “وليس الذكر كالأنثى في الهوية الجنسية” من مقارعة اليقينات الإطلاقية بهدف الخروج بتفاسير حداثية قادرة على تخطي صلابة الموروث الديني.
ظهرت خلاصات جريئة تطالب أحياناً بتجاوز أو تعطيل الآيات القرآنية إذا وقفت حائلاً دون المساواة بين الجنسين، وهذا ما دعت إليه آمنة ودود المنضوية في تيار النسوية الإسلامية. ما رأيك بمفهوم تجاوز الآيات القرآنية لإحقاق المساواة؟ وهل الإشكالية المعرفية -في رأيك- تكمن في النص القرآني أم الفقه؟
لا تكمن الإشكالية المعرفية في النص القرآني أو الفقه وإنما في تعامل المسلمين مع الدين. حتى القرن الثامن للهجرة كان التعاطي يتم عبر ربط القراءة الدينية بالاجتهاد ووضع الآيات في سياقها التاريخي، وكان هناك نقاشات طويلة بين الفقهاء وعلماء الدين دون أي إشكال. في أوائل القرن الثامن أُغلق باب الاجتهاد وأصبحنا نكتفي بما قاله القدماء، ونعبد الفقهاء، ونعبد المترجمين، ولا نتعاطى مباشرة مع النص القرآني الذي يحمل في جوهره المساواة بين الرجل والمرأة.
إن الإسلام وأي دين من الأديان الهدف منه ليس تأويل نص أو قراءة نص أو تطبيق النص فحسب، وإنما الوصول إلى خلق قيم أخلاقية عامة تضبط حركة البشر للتعايش معاً في جماعة، وقد جاء في كلام الرسول (عليه السلام) “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. النص القرآني نص مرن والفقه يرتبط بحركية الواقع وشروطه. فقهياً، إذا كانت امرأة ثرية ومتزوجة من شخص ليس له مال أو له مال قليل من حقها أن تطلقه شرعاً، وهذا ما يدعو إليه الشرع، فالمطلوب أن يتحمل الزوجان أعباء الحياة وهذا هو جوهر الأخلاق التي ابتعدنا عنها وأصبحنا نتعامل شكلياً مع الدين. هذه هي الإشكالية الأساسية، وهي لا ترتبط بالنص القرآني ولا بالفقه.
من يعُد إلى تاريخ الإسلام يجد أن ثمة حراكاً نسائياً على مستوى المعرفة الدينية، فهناك الفقيهات والمحدثاث والمتصوفات، لكن هذا الحراك ظل مهمشاً في الوعي الجمعي وحتى في وعي النخبة
رابعة العدوية التي تركت بصمة مؤثرة في تاريخ التصوف.
لماذا سكت القرآن عن السحاق؟
كتاب “حيرة مسلمة”، أن القرآن سكت عن المثلية الجنسية، وتحدث عن اللواط ليس كمثلية جنسية، وليس بالمعنى الذي نعرفه اليوم من علاقة اختيارية طوعية بين رجل ورجل، وإنما اللواط كاغتصاب، وقد أوضحتها بناء على ما تقدمت به النصوص القديمة. القرآن لم يشر إلى السحاق. لماذا؟ لأنه يدخل في إطار الحرية الفردية وليس مسألة خارقة للعادة جاءت اليوم، فهو موجود منذ أول التاريخ. والمجتمعات عندنا تتعامل مع المثليين بسلبية كبيرة برفضهم وإقصائهم، وهذا لن يؤدي إلا لأمر واحد هو بقاء المثلية الجنسية، ومع ذلك حتى إذا قُتلوا -وهذا معمول به في بعض البلدان- فستبقى المثلية. لنتحدث –مثلاً- عن المتصوفة الذين قتلوا عبر التاريخ الإسلامي، وهذا أيضاً من أسباب تخلفنا الفكري والثقافي. يقول التصوف: إن كل ما يوجد في الكون هو من إرادة الله تعالى،
والمثليون أيضاً هم من إرادة الله تعالى، وليس في تعاملهم الخاص والحميمي أي إلحاق للأذى بالآخر، كما أن التاريخ العربي يزخر بالأدبيات التي تتحدث عن العلاقات المثلية دون أي حرج ودون أي إشكال. لم يعرف القرآن هذه المسألة أصلاً، نحن من أسقطنا قراءات تأتي من اليهودية والمسيحية ومن تراثات شتى على الإسلام، وتالياً فإن عدم قبول المثليين لن يؤدي إلا للعنف؛ وليس هناك حل ثانٍ بحيث لا يمكن تحويل المثلي، مثلما لا يمكن تحويل غيره إلى مثلي.
كيف تفسرين انتشار الحجاب في المجتمعات العربية بدءاً من ستينيات القرن المنصرم؟ وإلى أي حد بإمكاننا الحديث عن ترابط سببي بين التدهور والتأخر وانتشار الحجاب؟
مسألة الحجاب تبقى مسألة فردية. لقد اشتغلت التيارات السياسية على الخوف وحاولت إخافة النساء عبر القول: “إن من لا ترتدي الحجاب تخرج على الدين”. هذه التيارات نجحت في مرحلة معينة ولكنها لم تؤثر في بنية المجتمع بشكل إيجابي
يبدو أنك قد ابتعدت عن الهم المعرفي الذي اشتغلت عليه في قضايا المرأة واتجهت إلى العالم الداخلي للإنسان. لماذا؟
في الحقيقة المجتمعات العربية هي مجتمعات مريضة، وأريد في الكتاب القادم أن أبيِّن خطر لا جدوى الحروب الفقهية حول المعنى، حيث إننا نبقى في نهاية الأمر نتخاصم ونبتعد عن الجوهر الأساسي الذي أصبحت أشتغل عليه، وهو ما يجمعنا نحن -رجالاً ونساء- من أجل مجتمع يستند إلى القيم، ليس بالمعنى الأخلاقي فقط، بل القيم التي نجد لها أثراً كبيراً في المجالين الصوفي والروحاني، وهذا ما يمكن أن يكون جامعاً بيننا، علنا نتجاوز هذه الصراعات الممتدة منذ (14) قرناً.
++++++++++++++++
في الحقيقة المجتمعات العربية هي مجتمعات مريضة، وأريد في الكتاب القادم أن أبيِّن خطر لا جدوى الحروب الفقهية حول المعنى، حيث إننا نبقى في نهاية الأمر نتخاصم ونبتعد عن الجوهر الأساسي الذي أصبحت أشتغل عليه، وهو ما يجمعنا نحن -رجالاً ونساء- من أجل مجتمع يستند إلى القيم، ليس بالمعنى الأخلاقي فقط، بل القيم التي نجد لها أثراً كبيراً في المجالين الصوفي والروحاني، وهذا ما يمكن أن يكون جامعاً بيننا، علنا نتجاوز هذه الصراعات الممتدة منذ (14) قرناً.
++++++++++++++++
عالم الكتب: "وجه الله" ومساحة الاجتهاد في الخطاب الديني
مسلسلات تركية وافلام هندية واغاني كورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق