Dec 28, 2020
بل قل العالم الغربي الذي تنتمي إليه فرنسا.
ماكرون وعالمه الغربي الرأسمالي
المسلمين شعوبا وأفرادا، والعرب منهم خاصة
أسواط الوصاية، فيحنون رقابهم ويكشفون ظهورهم لجلاديهم.
المبهورون بالغرب وحداثته التنويرية
مهزوم يأبى أن يعترف بهزيمته، فإنني أقر وأعلم أن ما حققه الغرب لشعوبه من تقدم مادي ونفع اقتصادي تنقصه عدالة التوزيع، وقدْر من العدل الاجتماعي تنقصه الأخلاق، وديمقراطية تبادل السلطة في ظل النظام الرأسمالي تنقصها الرحمة تجاه الآخر الخارجي، لا يستطيع أحد أن ينكره أو ينفيه جملة.
العقلاء والمنصفون في فرنسا والغرب يدركون أن بلدانهم وثقافتهم، هي التي تدب فيها أزمات
من المأزوم الإسلام أم الغرب وثقافته الرأسمالية المتوحشة، ودولة ما يسمى بعصر التنوير الحديث، التي أخذت بالعلم والتكنولوجيا لتزدهر، ولو كان ذلك الازدهار على حساب من استعمرتهم، ونهبت خيراتهم في بقاع الأرض.
ثقافة "دَعْهُ يمر دعه يعمل" سوى أن أطلقت العنان لجشع المال وأصحابه، وأزاحت كل وازع أخلاقي يحد من الجشع، فتكدست الثروات في أيدي فئة من الناس لا يزيد تعدادها عما نسبته 2 إلى 5% من السكان على أعلى تقدير، أزمة غياب التوزيع العادل للثروات.
دمل خبيث سيسمم الجسم إن لم يفقأه المرهم المناسب، أو تستأصله شوكة نطاسي بارع قبل فوات الأوان. واقرأ إن شئت ما كتبه البروفيسور الأميركي "جوزيف ستغليتس" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في كتبه، وخاصة كتاباه "ثمن عدم المساواة" (The Price of Inequality) و"الانقسام الكبير" (The Great Divide)
هذا التوزيع الظالم للثروة لا تعاني منه الولايات المتحدة فحسب؛ بل هو واضح كذلك في أوروبا وكثير من دول العالم الأخرى، التي تنجرف وراء النموذج الغربي بدون حساب للعواقب. إنها أزمة مشتركة وإن كانت بدرجات متفاوتة
لقد استعبدت الرأسمالية المنفلتة الدولة والمجتمع والأفراد، إن جاز لنا هذا التقسيم. الدولة بساستها وسياساتها وتشريعاتها، تأتمر بما يريده دهاقنة المال من شركات عابرة للحدود والقوميات، وبنوك وصناديق تحوط.
والمجتمع تتلاشى فيه تدريجيا، مع تزايد تكدس الثروة في حسابات القلة القليلة، تلك الطبقة المتوسطة التي ترعرعت من عرق أبنائها الثقافات والعلوم والحضارة، حتى يجد المجتمع نفسه، ذات يوم ليس ببعيد، منقسما إلى فُسْطاطَيْن واحد لأرستقراطيي الغنى المفرط، وواحد للعَالةِ من فقراء اليوم بيومه.
والأفراد أصبحوا، والحال هذه، عبيدا أو بيادق في أيدي من يوظفونهم، سواء في جهاز الدولة المتماهية مع رأس المال، أو في القطاع الخاص. يكدح الواحد منهم فتأخذ الضريبة آخر الشهر جزءا كبيرا؛ مما وصل إلى حسابه في البنك، ليمتص البنك عبر بطاقة الائتمان ما تبقى لديه من ثُمَالَة تسد الرمق.
وهكذا فمعشر الموظفين جميعا يُنتجون ويستهلكون كي تمتلئ صناديق الدولة، وتفيض خزائن الشركات والبنوك، وحين يحين وقت التقاعد لا يجد أحدهم إلا ما يسد الرمق أو أكثر قليلا. إنها دوامة تدور فيها عقول وعضلات هؤلاء المنتجين والمستهلكين، ولا ينبغي لها أن تتوقف فيخسر صاحب رأس المال شيئا من ثروته.
وإن أخطأت الشركات والبنوك يوما في حساب المخاطر وانهار السقف على الرؤوس، كما حدث عام 2008، أو كما يحدث الآن تحت وطأة جائحة كورونا، يجد ذلك المنتج المستهلك نفسه في خيمة في حديقة عامة، أو على قارعة الطريق يطلب إحسانا، بعد أن فقد وظيفته واستولى البنك على بيته المرتهن. نعم لدى الغرب ديمقراطية إثنية؛ لكن هل تكفي الديمقراطية وحدها ليكون العدل الاجتماعي كما ينبغي له أن يكون؟.
تكدسات الثروة ورأس المال تنتقل من الغرب إلى الشرق وإلى آسيا خاصة. ويجب أن تعلم، يا سيادة الرئيس، ما يعنيه انتقال تكدس الثروة من جهة إلى أخرى، وما ينجم عنه من انتقال للنمو والإنتاج والريادة العلمية.
الغرب يدرك ذلك يقينا، ويحاول بكل الطرق أن يكبح تقدم منافسيه شرقا ليظل القرن الـ21 قرنا أميركيا غربيا، كما كان القرنان 19 و20؛ بل إن إعلامه وصحفه يتحدثان عن احتمالات اللجوء للحرب، لمنع أي سيرورة للتاريخ تخالف هواه وتشبثاته. أزمة تهدد العالم بأسره، والخوف هو أن ينزلق الغرب والعالم معه من حافة الهاوية إلى قعرها.
ثمة أزمة أخرى يا سيادة رئيس فرنسا. أنتم في الغرب، إذ جعلتم المنفعة المادية والاقتصادية المتوحشة الهدف الأول، نزعتم الأخلاق من تشريعاتكم ومناهج تعليمكم وعِلْمِكم؛ بل عن الأساس الذي تقوم عليه دولة عصر التنوير، وانظر ما الذي حدث.
ما حال مجتمعات تتوسع فيها ظاهرة الوالد الواحد، وتكثر فيها بيوت إيواء العجزة، وتتفكك الأسرة، ويحجم الناس عن الإنجاب كي لا يتعب ويجد الوالدان في التربية؟ أليست هذه أيضا، يا سيادة رئيس فرنسا، أزمة أخرى؟ ولكنها ليست أزمة مشتركة كسابقتها.
إنها أزمة أخلاق، لو لم تكن مستفحلة في مجتمعاتكم لربما قبلتم أن تعتذروا عن الماضي الاستعماري، وما جره من ويلات على الشعوب ونهب لثرواتها، وفرنسا صاحبة سبق في هذا، ولا حاجة لأن أسوق الأمثلة؛ بل حسبك أيها الرئيس أن تراجع في لحظة صفاء، إن أتاحت لك تلك اللحظة كوابيس الخوف من الخروج من قصر الإليزيه، أن تراجع صفحات ماضي بلادك في الجزائر ودول أفريقيا والهند الصينية والأميركيتين.
إنها أزمة أخلاق أيها الرئيس، لو لم تكن مستفحلة ما كان الغرب بآلاته الإنتاجية الجبارة ليجلب على البيئة المشتركة بين كل المخلوقات على هذا الكوكب، الدمار والفناء بدون رادع أو وازع.
إنها أزمة أخلاق لولاها ما كنت تضع على صدر دكتاتور وساما رفيعا، وتتحالف معه على الإسلام وكلاكما واهم ومأزوم.
فأين الإسلام العقيدة والشريعة من كل تلك الأزمات؟، رغم أن أنظمة نصبها الاستعمار وتزعم الانتماء إليه، تنصلت من كل قيم الإسلام وأخلاقه، ونكصت على أعقابها، فانبرى المأزومون من أمثالك للتطاول.
****
علمانيين جدد
مشروع قانون الانعزالية الذي، بضغط من التظاهرات التي عمّت الدول الإسلامية، مطالِبة بمقاطعة البضائع الفرنسية، غُيِّر اسمه إلى مشروع تعزيز احترام مبادئ الجمهورية.
أغلقت وزارة الداخلية مساجد كثيرة وجمعيات خيرية تقدّم العون الاستشاري والقانوني لمن يتعرّض للإسلاموفوبيا في فرنسا، وأغلقت المدارس الخاصة التي ليس لها عقد للتدريس مع وزارة التربية بشكل قانوني، ومنع تدريس الأطفال في البيوت، وقرارات أخرى مجحفة لا علاقة لها بالعلمانية،
74% منهم يقول إن قانون الله فوق القانون المدني
الطبيعي جداً أن يعتبر المؤمنون في بعض الديانات أن قانون الله فوق قانون البشر. ولكن حتى هذه الحجة يكفلها قانون الفصل بين الدين والدولة وإعلان حقوق الإنسان. في الوقت نفسه،
خطاب العلمانيين الجدد ليس علمانياً كما يحبون أن يظهروا أمام الرأي العام الفرنسي، بل خطاب ديني متعصّب، جذوره من التوراتية والصهيونية، وفي مفهوم "الإرهاب الإسلامي" المصنوع في معاهد التفكير بعد أحداث "11 سبتمبر" في الولايات المتحدة عام 2001، لنظرائهم المحافظين الجدد، مهندسي غزو العراق وتدميره، يتردّد صداه في الإعلام وتبادل المعلومات، منها نشر الكاريكاتير المسيء للرسول في فرنسا بعد الدنمارك، إلى التدخل "في شؤون إدارة ضواحي باريس وشبابها" المناهضة للاحتلال في فلسطين والعراق بعد عام 2003، وصولاً إلى التحريض والدعوة اليومية العلنية إلى الحثّ على كراهية المسلمين في فرنسا، على الرغم من وجود العقاب القانوني لمثل هذه الدعوات
*
ديمقراطية فرنسا
"الحرية، المساواة، الإخاء"، هذه هي المبادئ الثلاثة الأساسية التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية
ذبح مُعلِّم المدرسة الإعدادية "صامويل باتي" في 16 أكتوبر/تشرين الأول، على يد شاب غاضب
فرنسا لن تتوانى عن الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.
الصهيونية والهلكوست اصبح اكثر قداسة من الاديان ماكرون وقوانينه الجمهورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق