Mar 9, 2021
مؤلفه الرائع (فن الحياة) يتطرق إلى فلسفة عدم التعلق بالأشياء، كطريقة لنيل حياة مثالية وسعيدة
يهمنا أن يكون لكل منا بيت نملكه، وأن نأكل كل يوم عند شعورنا بالجوع. أما في ما يختص بالأمور الأخرى، فإن السعادة والشقاء يتوقفان أساساً على عوامل أخرى هي: الحب، الحرية، الصحة، ضبط الذات.
الفلسفة البوذية التي تعتبر كل شيء خاضعاً للتحول والتغير والحركة الدائمة هي عين الصواب . إنها تؤسس لفلسفة “عدم التعلق“: علينا ألا نتعلق بما هو غير ثابت.
إذ بإمكاننا أن نتمتع يوماً بصحة جيدة، وفي اليوم التالي بصحة سيئة، أن نكون أغنياء يوماً، وفقراء في الغد، ولا أحد يسعه أن يضمن ثبات مراتب الشرف والثروة. ثم إن فلسفة عدم التعلق البوذية
الأبيقوريين والرواقيين، ونجدها كذلك في تعاليم جميع الأديان الكبرى التي لا تشجب المادة أو الملذات الحسية، بل تشجب التعلق بالماديات والمال.
فلسفة لا تحض على التقشف ولا تستوجب ازدراء الماديات، بل تكتفي ببساطة برفض التعلق بها.
فمن الطبيعي أن يشعر المرء بالمتعة إن توافرت له حياة مادية رخية، وكان له بيت، وكمبيوتر وسيارة يعملان على أفضل وجه، وإن أتيح له السفر في أوقات لفراغ. المهم هو البقاء في حال من اليقظة وعدم الاستسلام لمغريات التعلق بكل هذه الأمور التي تحت تصرفنا، والتي ينبغي، إذا ما خسرناها، ألا توقعنا في الحزن والأسى، ولا تهز نفوسنا. فنحن لسنا عبيداً لها .. لكننا ملزمون مع ذلك باحترامها، إذ ليس من العدل في شيء، أن نترك منازلنا تتداعى، ونملك بستاناً ولا نعنى باستصلاح أرضه. فاحتقار الماديات، وهو عمل يرثى له، مرتبط في الغالب باحتقار الجسد. هذا ولا يعني عدم التعلق بالأمور الفانية كراهية الجسد أو ازدراءه وازدراء ما يمت بصله إلى المادة، كما هي الحال أحياناً في بعض التيارات الدينية التقشفية. وحب المرء لجسده، على ما قلت آنفاً، والعناية به بشكل صحيح يعتبر من صميم الحياة الروحية ويسهم في ازدهارها. كذلك حب البيئة التي نعيش فيها وتخصيص قليل من الوقت بغية تحسينها وتجميلها يشكل إجراء مماثلاً، لذلك، أكرر، أن نحافظ على المسافة الضرورية كي لا نصبح عبيد أجسادنا وأهوائنا ومساكننا.
فـ(بوذا) يوصي في الواقع بعدم التعلق بالنسبة إلى جميع الكائنات الحية، بمن فيهم الذين هم أقرب إلينا؛ كوالدينا، وزوجاتنا وأبنائنا. هؤلاء أيضاً، يقول (بوذا)، خاضعون، على غرار الكون بأكمله، لقانون عدم الثبات: إنهم سيرحلون ذات يوم، وسينفصلون عنا، ونحن سنتألم من جراء ذاك.
(بوذا) على حق تماماً؛ إذا شئنا تجنب كل أنواع الألم يجدر بنا ألا نتعلق أبداً بأي إنسان كان. ولكن ماذا يحل آنذاك بتجربة الحب، والصداقة اللذين يعتبران شرطاً لاكتمالنا؟ إن انعدام الحب، عطاًء ونيلاً، يجفف النفس. والحال أني لا أعتقد بأن في إمكاننا أن نحب من دون تعلق. ليتنا نستطيع أن نحب ونظل لا مبالين إذا مات الشخص الذي نحب.
بينما تحاول الفلسفة البوذية عدم التعلق بالأشخاص تجنباً لألم فقدانهم يرى الكاتب أن الألم جز طبيعي من الحياة:
فالحياة تقتضي وجع فقدان أشخاص محبوبين. وينبغي قبول ذلك. إن التمزق الناجم عن القطيعة أو الحداد هو الثمن الواجب دفعه للحب. إنه ثمن باهظ، ولكن يبدو لي من الضروري قبوله بوعي تام لنعيش الحياة بصورة كاملة.
*
التعلق المرضي أو إدمان الحب
يشعر الطرف المتعلق بالرغبة القهرية في السعي وراء الحب بسبب المشاعر القوية التي تبدأ بالحاجة للشعور بالانتماء التي تتعمق وتكرر نفسها عندما يشعر هذا الطرف بأنه مهجور أو مرفوض.
يفتقدون الحب والانتماء والقبول واحترام الذات، ليبحثوا عن هذه المشاعر عند الآخرين بدلا من أن تكون نابعة من داخلهم.
الإساءات الجسدية أو الهجر المتكرر أيضا سببا في حدوث التعلق المرضي، حيث يفقد هؤلاء الأشخاص تقدير الذات ولا يستطيعون تمييز الحدود الصحية للعلاقات.
يميل الشخص الذي يشعر بالتعلق المرضي إلى فرض مطالب مفرطة على الآخرين، وقد يشعر باستمرار بحاجة غير محققة إلى التبادل العاطفي والمشاعر الحميمية بغض النظر عن مشاعر الطرف الآخر أو رغباته.
شديدي القلق بشأن الانفصال، حيث يثير الشك شعورهم بأن الطرف الآخر قد يتخلى عنهم في أي وقت، ما يدفعهم إلى ما يشبه علاقة أحادية الجانب، يضعون فيها كل مشاعرهم ويريدون في المقابل من الطرف الآخر العناية والتدليل المستمر والمبالغ فيه.
العلاقات بالنسبة لهم ليست سوى طريقة لتلبية احتياجاتهم غير الملباة
إدمان الحب هذه المشاعر إلى أبعد ما يمكن، حيث يجعل الشخص يركز على أحبائه كما لو كانوا شيئا يمتلكه، فلا يسمح لهم بالتعامل مع أشخاص آخرين أو الذهاب إلى مكان دون صحبتهم أو حتى التفكير في غيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق